رو1: 3 عن ابنه الذي صار من نسل داود من جهة الجسد

عَنِ ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ،“(رو1: 3)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

” عن ابنه الذي صار من نسل داود من جهة الجسد ” (3:1).

ماذا تفعل يا بولس؟ لقد ارتفعت بنفوسنا إلى أعلى وجعلتنا نتطلع لأمور عظيمة فائقة، وتحدثت ليس فقط عن الإنجيل، بل إنجيل الله، وقدمت لنا أعمال الأنبياء، وكيف أن جميعهم كرزوا منذ سنوات بعيدة بهذا الذي سوف يحدث في أجيال لاحقة، إلا أنك تهبط بنا مرة أخرى إلى داود . أخبرني عن أي إنسان أنت تتحدث وكيف تتساوى هذه الأمور في القيمة مع كل ما قيل؟ نعم تتساوى وبشكل كامل، لأنه يقول إن الكلمة المتجسد ليس هو إنسان عادي ولهذا فقد أضاف “من جهة الجسد”، مشيرا إلى أن هناك ميلاد أزلى له. لكن لأي سبب بدأ بعبارة “من جهة الجسد” وليس من الميلاد الروحي؟ ولماذا لم يبدأ من أعلى وبدأ من أسفل؟ لأن متى ومرقس ولوقا أيضا بدأوا من ميلاده الجسدي، حيث أن هذا الميلاد الجسدي هو الذي يقود إلى السماء، فقد كان هناك احتياج وضرورة أن يقود الجميع من أسفل إلى أعلى. فالبشر رأوا المسيح في البداية كإنسان على الأرض، لكنهم عرفوه كإله. كما أعلن هو عن ذاته. هكذا أيضا فإن التلميذ (بولس) قد تبع نفس الطريق الذي يقود إلى أعلى. لذلك فهو يتحدث عن الميلاد الجسدي، لا لأنه كان أولاً، بل لأن الميلاد الجسدي لكلمة الله يقودنا لمعرفة ميلاده (الأزلى).

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

لما كانت الرسالة في مجملها هي إعلان عن “إنجيل الله”، لذلك عرّفه هنا في المقدمة بقوله: “عن ابنه، الذي صار من نسل داود من جهة الجسد، وتعيّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات، يسوع المسيح ربنا”. إنجيلنا إذن هو قبول “ربنا يسوع المسيح، الذي يكرر الرسول مؤكدًا أنه “ابن الله”، إذ خلاله ننال البنوة لله. هو الابن الذي باتحادنا فيه ننتقل من مركز العبيد إلى “الأبناء” بالمعمودية، لنُحسب موضع رضا الآب وسروره، وهذا هو مركز الرسالة كلها.

هذا أكد نسب المسيح لداود من جهة الجسد، أولاً لكي يشجع اليهود على متابعة حديثه، إذ لا يتجاهل أن مخلص العالم كله جاء متجسدًا منهم، ومن جهة أخرى ليؤكد أن فيه تحققت النبوات خاصة بكونه ابن داود الملك ليجلس على كرسي أبيه خلال ملكوت روحي سماوي (مت 21: 9؛ يو 12: 13؛ لو 1: 32؛ 2 تى 2: 8). وكما يقول القديس كيرلس الأورشليمي: [تقبل إذن المولود من ذرية داود وأطع النبوة القائلة: ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب، إيّاه تطلب الأمم (إش 11: 10) .]

هذا هو نسل داود الذي قيل عنه: أُقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك وأُثبّت مملكته، هو يبني بيتًا لاسمي وأنا أُثبِّت كرسي مملكته إلى الأبد (2 صم 8: 12-13). وكما يقول القديس أغسطينوس: [إن نسل داود الذي بنى البيت الإلهي ليس سليمان بل السيد المسيح، إذ أقام هيكل الله غير المصنوع من خشب وحجارة، بل من البشر، أي من المؤمنين الذين قال عنهم الرسول: أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله ساكن فيكم؟ (1 كو 3: 16)، لأن السيد المسيح لا سليمان هو الذي تثبت مملكته إلى الأبد حسب هذا الوعد الإلهي (2 صم 8: 13) .]

تفسير القمص متى المسكين

1: 3 «عن ابنه، الذي صار من نسل داود ( من جهة) حسب الجسد » .

« عن ابنه » :

شبه جملة تحمل في طياتها كل الإنجيل وتعبر عنه !! ق. بولس هنا يضع التقليد الكنسي أمامنا، مرة واحدة، كحقيقة لا تحتاج إلى توضيح ، فهذا هو الابن الذي تحققت فيه كل مواعيد الله : : «لأن مهما كانت مواعيد الله فهو فيه النعم وفيه الآمين لمجد الله بواسطتنا » ( 2کو1: 20)، لكن الترجمة العربية هنا سقيمة، وصحتها كالآتي: «لأن كل مواعيد الله تجد فيه تحقيقها بالنعم ، وفيه أيضاً نقول آمين».

وقول ق. بولس هذا القول المختصر «عن ابنه » يبدو لكثير من الشراح أن ق. بولس قصد هكذا أن يضع هذا التعريف أمامنا بدون شرح . ولكن الحقيقة أن شرح «عن ابنه » يأتي مباشرة فيما يتبع من الكلام ، سواء ما يخص ناسوته أو لاهوته في وضعهما الاستعلاني كمسيا ملك إسرائيل وكالابن الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب .

 ولـكـن في قول ق. بولس «عن ابنه » أي ابن الله ، إشارة صريحة عن سبق وجود المسيح في علاقته الأزلية بالآب بحسب لاهوت ق. بولس الذي أوضحه في مواضع أخرى : « فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية …» (رو 8: 3)
+ « الذي لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين، كيف لا يهبنا أيضاً معه كل شيء. » (رو 8: 32)
+ « لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس.» (غل 4: 4)

وفي كل هذا لا ينبغي أن يغيب عن بالنا أن ق. بولس وهو في افتتاح رسالته إنما يضع الخطوط الأساسية لبشارته بإنجيل الله فيما يخص المسيح أنه «الابن»، الذي وإن كان قد تجسد فهو الباقي كما هو ابنا الله كما هو منذ الأزل. لذلك يتحتم أن نفهم كل ما يقال عن الابن على أساس أنه ابن الله. فقول ق. بولس: «ابن الله الذي صار» ، فكلمة «صار» هنا يتحتم أن تفهم على أساس أنه ابن الله، وأنه بقي ابنا الله بعد أن صار من نسل داود حسب الجسد. ومن الوجه الآخر حينما يؤكد ق. بولس أن إنجيل الله الذي ينادي به هو بآن واحد إنجيل ابن الله الأزلي ، فهو يعطي اعـتـبــاراً لماذا هو قد أفـرز مـن الـبـطن وأرسل بدعوة سمائية للقيام بهذه المهمة العظمى . فالقديس بولس دائماً أبدأ يربط علو شأن رسالته بعلو شأن الذي أرسل من أجله.

« الذي صار من نسل داود حسب الجسد» :

«صار»: γενομένου

وضعها ق. بولس لتأتي في المقابل مع «تعين» ὁρισθέντος، فهو وإن كان قد صار من نسل داود، فهو هو الذي تعين أنه هو ابن الله، وهذا ما سيجيء في الآية القادمة. فهنا «صار» تفيد أنه انتقل من حالة إلى حالة أخرى. ( والأفضل أن يقال أنه أخذ حالة جديدة على حالته دون أن تـزيـد عـلـيـه شيئا أو تنقص شيئاً شأن المطلق الأزلي . فالمطلق لا ينقص ولا يزيد فهو الكل، والكل في الكل، وملء الكل. والكل لا يزيد ولا ينقص لأنه كل الكمال)، دون أن يفقد ما له أو يـتـغيـر عـمـا هـو عليه، على أساس أنه ابن الله وكان ابنا الله و بقي ابنا الله بكل ما له من لاهوت شخصي وعلاقة إلهية بالله . فكلمة «صار» هنا تفيد أنه انتقل من حالة ابن الله غير المنظور إلى حالة ابن الله المنظور في الجسد كابن داود، حيث بنوته الله اختفت في بنوته لداود كمسيا أو ابن الإنسان، فلما مات اختفت بنوته الله إلى حين عن الأنظار العقلية : «ر أنا « رفضوني الحبيب مثل ميت» ، وامتنع على العقل حتى تصورها . ولكن لما قام من بين الأموات استعلنت بنوته الله ورئيت وتحددت.

فكلمة «صار» هي في مقابل «تعيّن ». نجد الأولى تختص باختفاء اللاهوت وظهور الناسوت في ذات شخص ابن الله ، أما الثانية «تعين» فتفيد ظهور الذي كان مختفياً واستعلان الذي كان غير معلن، حيث تحدد أن الذي تجسد وظهر كابن الإنسان هو هو بعينه ابن الله الذي كان قبل أن يتجسد. فبالقيامة من الأموات استعلن كل ما للمسيح على ضوء لاهوته أنه هو ابن الله، الذي أخلى ذاته وأخـذ شـكـل العبد وأطاع ومات ليقوم ، ليعلن أنه تجسد ليموت ، ومات ليقوم ، لكي بتجسّده يأخذ ما لنا و بقيامته يعطينا ما له .

«حسب الجسد»:

هذا الاصطلاح بحد ذاته يكشف مباشرة أن المسيح هو أعظم من بشر بالرغم أنه صار بشراً. لأنه إن كان قد صار إنساناً حسب الجسد، فهو أصلاً أعظم من إنسان، ولما صار إنساناً ظل أعظم من إنسان، لذلك جاء التكميل حتمياً : أما حسب الروح فتعين ابن الله !! أي إلها بلا نزاع . والمعنى يكون ( الذي هو ابن الله صار إنساناً بجسد منظور، فلما مات وقام من الأموات بقوة حياة جديدة تحدد أنه هو هو ابن الله الذي كان قد صار جسداً ) !

ق. بولس يتكلم هنا من التقليد الشفاهي الكنسي الذي لقنه الرسل للكنيسة. ولكن كون ق . بولس يردده كأمر صائر من واقع المسيح وشخصه ، فهذا ينبىء ء أن ق. بولس استلهم من المسيح ما يصادق على هذا الحق التقليدي الموروث .

نحن نعلم تمام العلم أن المسيح وافق الأعمى ابن تيماوس في صراخه للمسيح منادياً : « يا يسوع ابن داود ارحمني» (مر 10: 47). أما المسيح فيرتفع بهذا المفهوم إلى أن ابن داود هو رب داود بآن واحد، وذلك في الحوار البديع الذي دار بين المسيح وتلاميذه بخصوص ما جاء في مزمور داود 1:110 (أنـظـر مر 12: 35-37). ولـكـن على كل حال فهنا الإشارة واضحة أنها تخص ملوكيته المسيانية وليس تصويراً لحالة اتضاع .

أما بخصوص النبوات التي تحققت في المسيح بهذا الشأن، فهما اثنتان واحدة لناثان النبي مع داود والأخرى لإشعياء :

+ «كان كلام الرب إلى ناثان ( النبي) قائلاً: اذهب وقل لعبدي داود … متى كملت أيامك واضطجعت مع آبائك، أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك وأثبت مملكته، هو يبني بيتاً لاسمي (في ثلاثة أيام أقيمه) وأنا أثبت كرسي مملكته ( مملكتي ليست من هذا العالم) إلى الأبد. أنا أكون له أبا وهو يكون لي ابناً . » (2صم 7: 4 و5 و 12-14)
+ « ويخرج قضيب من جذع يسى ـ ( أبي داود) ـ و ينبت غصن من أصوله ويحل عليه روح الرب …» (إش 11: 21)

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (3): “عن إبنه الذي صار من نسل داود من جهة الجسد.”

عن إبنه= عن راجعة للآية السابقة، فوعود الأنبياء كانت عن المسيح ابنه. الذي صار من نسل داودوقارن مع (رو3:8) لنرى سبق وجود الإبن قبل التجسدويلاحظ في كلمة إبنه انها في أصلها اليوناني مسبوقة بأداة تعريف، إشارة إلي بنوة المسيح الوحيدة الفريدة، التي بالطبيعة وليست بالتبني مثلناوهذا الإبن الأزلي الذي هو إبن الله صار إبناً للإنسان = من جهة الجسدفالمسيح له بنوتان، بنوة لله وبنوة للإنسان هو إبن الله وإبن الإنسان. من نسل داودفالعذراء مريم من نسل داودوقيل عن المسيح أنه من ذرية داود (رؤ16:22).

صار= أخذ حالة جديدة علي حالته، إتحد لاهوته بناسوته كإتحاد الحديد بالنار، ولكن لاهوته لم يتأثر ولم يتحول إلي ناسوت، وناسوته كان ناسوتاً كاملاً، شابهنا في كل شئ ماعدا الخطية وحدهالقد إنتقل من حالة إبن الله غير المنظور (بلاهوتهإلي حالة إبن الله المنظور في الجسدولم يظهر للناس سوي أنه إنسان عاديحينما أخذ جسداً أخفي لاهوته، ولكن لاهوته ظل كاملاً دون أن يزيد أو ينقص، فهو كامل مطلق لأنه الكلولكن بقيامته ظهر أنه إبن الله.

تفسير د/ موريس تاوضروس

وقد كان من الطبيعي بعد ذلك أن يتحدث الرسـول عـن المسيح الذي هـو مـحـور الكرازة وجوهر البشارة المفرحة فقال عنه : ( عن ابنه الذي صار من نسل داود من جهة الجسدا . كان لابد للرسـول أن يشير إلي صلة المسيح بداود من جهة الجسد، فقد كان اليهود ينتظرون المسيح وابن داود. ومن الملاحظ أن كلمة « ابنه ، تذكر في النص اليوناني مسبوقة بأداة التعريف «ال اشارة الي بنوة المسيح الوحيدة الأصيلة أو هي البنوة بالطبيعة وليس بالتبني، وكلمة «الجسد، كما في (رو3: 20) تشير إلي الطبيعة الإنسانية كلها، وعبارة من جهة الجسدة توضح أن المسيح الذي هو ابن الله بالطبيعة، قد أصبح ابن الإنسان من جهة الجسد، أي أن للمسيح بنوتين : بنوة لله وبنوة للإنسان، فهو ابن الله وابن الإنسان أيضاً…

تفسير كنيسة مارمرقس مصر الجديدة

ع2-3: السيد المسيح هو محور الكرازة، وهو الوعد الذي اشتاقت البشرية إليه كثيرًا، فكم تحدث الأنبياء عنه كإنسان (ابن داود) مشابهًا لنا، مشاركًا إيَّانا في طبيعتنا المتألمة.

رو1: 2 رسالة رومية رو1: 4
رسالة رومية – أصحاح 1
تفسير رومية 1 تفاسير رسالة رومية

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى