رو1: 8 أولا أشكر إلهي بيسوع المسيح من جهة جميعكم..

أَوَّلاً، أَشْكُرُ إِلهِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، أَنَّ إِيمَانَكُمْ يُنَادَى بِهِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ.“(رو1: 8)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

” أولا أشكر إلهي بيسوع المسيح من جهة جميعكم أن إيمانكم ينادى به في كل العالم ” (8:1).

1. يبدأ الرسول حديثه بشكر لله قبل أي حديث آخر، وهذه البداية تليق بتلك النفس الطوباوية التي للرسول بولس، وهو قادر أن يعلم الجميع أن يقدموا أعمالهم الصالحة، وأقوالهم وباكوراتهم لله، وأن لا يفرحوا فقط لأجل ما حققوه لأنفسهم، بل أيضا لأجل الغرباء، لأن هذا الأمر ينقي النفس من الفساد والكلام البذيء، ويجلب عطف الله على أولئك الذين يشكرونه. ولهذا فإنه يقول في موضع آخر ” مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية”^. والشكر لله ليس واجب على الأغنياء فقط، الفقراء أيضا، وليس على الأصحاء فقط، بل المرضى أيضا، وليس فقط المتيسرين، بل المعوزين أيضا. فالأمر ليس بمستغرب عندما يشكر المرء وهو في حالة متيسرة، بل الشكر واجب أيضا حين تواجه القارب أمواج عاتية ويكون معرض للغرق، وقتها يظهر البرهان الكبير على الصبر والامتنان. ولهذا فإن أيوب بسبب هذا الصبر ثوج إذ سد فم الشيطان، وبرهن بكل وضوح على أنه لم يشكر الله عندما كان غنيا وذا أموال كثيرة، بل كان يشكره دوما بسبب محبته الكبيرة لله.

لاحظ ما هي الأسباب التي لأجلها يشكر الرسول بولس، الأمور الأرضية الفانية، ولا لأجل السلطة والملك والمجد. لأن لا شيء من كل هذا يستحق الإهتمام . لاحظ أيضا كيف يشكر. لأنه لم يقل “أشكر الله” لكن “أشكر إلهي” وهو أمر قد فعله الأنبياء، جعلوا الله خاصتهم أو لاحظ ما الله؟ لا لأجل إلههم. وهل يعد أمرا غريبا لو فعل الأنبياء هذا، لأن الله ذاته كان يدعو نفسه إله إبراهيم واسحق ويعقوب؟ “

إن إيمانكم ينادى به في كل العالم” ماذا إذا؟ هل كل العالم كان قد سمع بإيمان أهل رومية؟ نعم لقد سمع الجميع عن إيمان أهل رومية من الرسول بولس، وهذا يعد أمرا منطقيا. لأن مدينة روما كانت مشهورة ومعروفة جدا، ومكانتها كانت تبدو من جميع الجوانب كما لو كانت فوق قمة عالية. وأرجو أن تُلاحظ قوة الكرازة وقوة الكلمة، وكيف أنه في مدة زمنية بسيطة ساد العشارون والصيادون على هذه المدينة التي هي قمة المدن، وكيف صار رجال سوريون معلمين ومرشدين لأهل رومية”.. إذا فقد حقق أهل رومية إنجازين:
1ـ أنهم آمنوا.

٢. وأن إيمانهم قد أستعلن مجاهرة وبلا خوف، حتى أن شهرتهم امتدت إلى كل الأرض لأنه يقول: ” لأن إيمانكم ينادي به في كل العالم“.

إن الإيمان هو الذي ينادي به، وليست المعارك الكلامية، ولا المناقشات ، ولا الأفكار. لقد ساد الإيمان على الرغم من أن معوقات الكرازة كانت كثيرة، لأن أهل رومية كانوا قد سادوا المسكونة قبل ذلك بقليل، أي قبل إيمانهم، مفتخرين، عائشين في الغنى والمتع . ثم قام صيادون يهود من أمة منبوذة، بتبشيرهم بالمسيح، ودعوهم أن يسجدوا للمصلوب الذي عاش في اليهودية، ومن خلال الإيمان بدأ المعلمون يعظون الناس ويحثونهم على حياة الزهد، وهم الذين تعودوا أن يعيشوا في رفاهية، ويشتهون الخيرات الأرضية بشكل كبير، مع أن هؤلاء الذين بشروا أهل رومية، كانوا أناسا فقراء وبسطاء ومجهولين، ومن آباء مجهولين، لكن لا شيء من كل هذا أعاق طريق الكرازة . بل إن قوة المصلوب كانت عظيمة جدا، حتى أنها نقلت البشارة إلى كل مكان، ثم قال إن إيمانهم “ينادي به في كل الأمم” ولم يقل إنه “ظهر”، لكن “ينادي” كما لو كان إيمانهم على كل الألسنة. هذا ما أكده أيضا لأهل تسالونيكي عندما كتب يقول: ” لأن من قبلكم قد أذيعت كلمة الرب ليس في مكدونية وأخائية فقط بل في كل مكان أيضا قد ذاع إيمانكم بالله حتى ليست لنا حاجة أن نتكلم شيئا “[1تس1: 8] لأن التلاميذ أخذوا مكانة المعلمين، معلمين الجميع بكل مجاهرة، وجاذبين الكل إليهم، لأن البشارة لم تتوقف في مكان ما، لقد كانت أقوى من النار، ووصلت إلى كل المسكونة. وحسنا قال عن الإيمان إنه “ينادي به” فظهر أنه لا يجب أن يضيف أو ينزع شيئا مما أعلنته الكرازة. لأن عمل المبشر هو نقل الرسالة فقط، ولهذا فإن الراعي يسمى مبشرا، لأنه لا يعلن عن نفسه أو تعاليمه هو، ولكنه يعلن عن من يرسله. 

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

تكشف افتتاحية هذه الرسالة كما في باقي الرسائل عن جانب هام من منهج الرسول بولس في خدمته ومعاملاته، فإنه بروح الحكمة يشجع ويسند، حتى إن أراد أن يحاور أو يوبخ، فإن كان يكتب في جوهر الرسالة عن مشكلة حركة التهوّد التي سببت متاعب كثيرة للكنيسة، لكن بروح الحب يكسب من يوجه إليهم رسالته، إذ يعلن في الافتتاحية الآتي:

أولاً: تزكيته لإيمانهم: “أولاً أشكر إلهي بيسوع المسيح من جهة جميعكم، أن إيمانكم ينادى به في كل العالم [8]. يبدأ بالجانب الإيجابي لا السلبي، فلا يتحدث مثلاً عن خطورة حركة التهوّد ولا عن ضعفات هذا الشعب، إنما يعلن تزكيته لإيمانهم الذي صار علة كرازة في كل العالم، مقدمًا الشكر لله بابنه يسوع المسيح. هذا المنهج أساسي في اللاهوت الرعوي. أن نشجع أولاً ونسند، مبرزين الجوانب الحيّة والناجحة في حياة المخدومين قبل الجوانب السلبية والخاطئة.

يقدم الشكر للآب إلهه كعبادة حيّة، يقدمه في يسوع المسيح، لكي يكون مقبولاً. إذ لا نقدر أن نلتقي مع الآب، ولا أن نقدم له ذبيحة حب وشكر، إلا خلال رأسنا يسوع المسيح موضع سروره.

وقد استلفت نظر القديس يوحنا الذهبي الفم في تسبحة الشكر هذه أمران: 

أ. أن الرسول بولس يقدم باكورة أعماله وكلماته تسبحة شكر لله، فيبدأ رسائله بالشكر، والعجيب أنه لا يشكر الله على عطاياه له فحسب، وإنما على عطاياه للآخرين، حاسبًا ما يتمتع به الآخرون يتمتع هو به. لذا يشكر الله هنا من أجل إيمانهم وكأنه مكسب له. يقول ابن كاتب قيصر في تفسيره للرسالة إلى أهل رومية: [هذا هو أول الرسالة. كان الشكر لمقدم النعم واجبًا، وكان هو أكثر منهم معرفة بقدر هذه النعمة التي وُهبت لهم، خاصة أنه يجد في إيمانهم نجاحًا لسعيه، إذ لم يسعَ إلا ليؤمنوا، لذلك قدم الشكر عنهم بسبب إيمانهم، ليعلمنا أن نفتتح أقوالنا وأفعالنا بالشكر.]

ب. ينسب الله إلى نفسه، إذ يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [بأية مشاعر يقدم الشكر، إذ لا يقول: “الله” بل “إلهي“، الأمر الذي يفعله الأنبياء أيضًا، حاسبين ما هو عام للكل كأنه خاص بهم. وأي عجب إن فعل الأنبياء هكذا؟ فإن الله نفسه يفعل هذا دائمًا وبوضوح، فينسب نفسه لعبيده، قائلاً أنه إله إبراهيم واسحق ويعقوب، كما لو كان خاصًا بهم.]

تفسير القمص متى المسكين

8:1 «أولاً أشكر إلهي (الله الذي لي) بيسوع المسيح من جهة جميعكم أن إيمانكم ينادى به في كل العالم».

أولا وقبل كل شيء، يبرىء ق. بولس ذمة رسالته من نية تعليمهم الإيمان، فإيمانهم معترف به ومشهود له في كل العالم . إذاً، ومن البداية، يوجه ق. بولس سهمه الروحي الحاذق إلى تنقية الإيمان، وليس تلقين الإيمان. فإن كان لهم إيمان بالمسيح قبل هذا ، فلله الشكر والحمد، إذ قد أصبح توجيه إيمانهم إلى النعمة الخالصة بعيداً عن الناموس والوصايا الجسدية أسهل، والطريق إلـيـه مـفتوح . هذا من جهة اليهود المتنصرين أهل الختان الذين أخذوا المسيح على أساس الناموس الذي عتق وشاخ وهو على ميعاد مع الزوال !

أما من جهة الوثنيين الذين اقتبلوا المسيح على أيدي متنصري اليهود، فقد أتاهم الفرج ليعتقوا نهائياً من أية محاولة للتهويد .

هذا القصد الدفين من وراء الآية كشفناه أمام القارىء ليدخل إلى مضمون الرسالة كلها على نور مع ق. بولس .

أما من جهة تركيب الكلام واللغة فلا يمكن أن يفوتنا تعبير ق . بولس عن علاقته بالله حينما يقول :

«الهي»: τῷ θεῷ μου

هنا التركيب ليس في صيغة مضاف ومضاف إليه بل : سيد مالك ، وعبد مملوك ، فهو إلهه لأن الله قد ملكه، وملكه بثمن غالي جداً وهو دم ابنه الوحيد !! اسمعه وهو يحكي ويتباهى بعلاقته هذه بالله والمسيح هكذا : «لأنه وقف بي هذه الليلة ملاك الإله الذي أنا له، والذي أعبده قائلاً : لا تخف يا بولس ينبغي لك أن تقف أمام قيصر …» (أع٢٧ : ٢٣ و٢٤). فالقديس بولس باع نفسه لله الذي اشتراه .

على أن ق. بولس الـذي يـدعـو نـفسه «عبد ليسوع المسيح » ، يرى الله الذي هو أبو ربنا يسوع المسيح أنه أبونا أيضاً : « الذي بذل نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم الحاضر الشرير حسب إرادة الله وأبينا τοῦ θεοῦ καὶ πατρὸς ἡμῶν .» (غل 1: 4)

فالقديس بولس يعبد الله والمسيح عبادة حب ومسرة، ليس عن قهر أو فرض أو إجبار. فالله بعد أن أظهر غنى حبه لنا في شخص ابنه وورثنا ميراث البنين، صار لنا إلهاً وأباً معاً؛ إلها نعيده وأبا نتفانى في حبه.

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (8): “أولاً أشكر الهي بيسوع المسيح من جهة جميعكم أن إيمانكم ينادى به في كل العالم.”

الرسول يبدأ بالجانب الإيجابي ليشجعهم، فهو هنا يمدح إيمانهم قبل أن يبدأ الهجوموبولس لم يراهم، ولكنه فرح بنمو الكنيسة في كل مكان، لذلك علينا ان نصلي لنمو الكنيسة وإنتشار الإنجيلولنتعلم من بولس أن نبدأ دائما بالشكر علي ما يعطيه لنا الله، وما يعطيه من خير للآخرين كأنه أعطاه لنا. إلهيجميل جداً أن يقول إلهيهذه مثل “أنا لحبيبي وحبيبي لي” هو يشعر بالعلاقة الخاصة التي تربطه بالله، هو إلهي وقد إمتلكني، وأنا عبده الذي يشعر بمحبته فأسلم نفسي له كعبد لثقتي في محبتهوالله يرد في المقابل ويقول أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب.

بيسوع المسيح= فنحن غير مقبولين أمام الآب إلا بالمسيح موضع سروره. إيمانكم= هم لهم إيمان ولكننا سنري أن بولس يريد أن يصحح مفاهيمهم ويخلصهم من تعاليم الناموسولكن واضح أن إيمانهم ذاع وانتشر في كل العالم.

تفسير د/ موريس تاوضروس

أولاً أشكر الهي بيسوع المسيح من جهة جميعكم أن إيمانكم ينادي به في كل العالم (رو1: 8).

بعد افتتاحية الرسالة التي استغرقت الأعداد السبعة الأولى، يشير الرسول الي إيمان أهل رومية، وقد انتشر وذاع وأصـبح حديث العالم كله في ذلك الوقت. يقول الرسول «أولا اشكر الهي بيسوع المسيح من جهة جميعكم أن إيمانكم ينادي به في كل العالم» . ومن الملاحظ أن الرسول يبدأ حديثه بالشكر الذي يقدم لله، ذلك أن الفضل الأول في إيمان أهل رومية وفي ازدهار هذا الإيمان ونموه ونيوعـه يرجع إلي الله ويرد الـيـه. اللـه هـو علـة كل خـيـر وهـو عـلـة امـتـداد الإيمان واتسـاع رقعته. في كل شيء يجب أن نتقدم بالشكر لله، ويجب علينا كخدام في كرم الرب أن نحس بعمل الله وفضله علينا في الخدمة. فلنحذر لئلا ننسب فـضـل الـخـدمـة الينا وإلي جهودنا وأنا غرست رابلوس سقي لكن الله كان ينمي. اذن ليس الغارس شيئا، ولا الساقي بل الله الذي ينمي .. فإننا نحن عاملان مع الله وأنتم فلاحة الله، بناء الله (۱ کو ٣ : 6 – ٩) هنا لايقدم الرسـول الشكر لله من أجل أمر يخصه هو بل من أجل الآخرين. إلي هذا الحد تبلغ المشاركة الوجدانية بين الرسول بولس وأهل الإيمان ، فـهـو يحس بـخـيـرهـم كـانه خـيره الخاص، ومـوضـوع الشكر هو «إيمان، أهل رومية، لقد أمنوا بالمسيح إيمانا قويا فائقا حتي أن هذا الإيمان أصبح موضوع حديث الجميع في كل مكان. هذه صورة مجيدة لكنيسة رومية في القرن الأول الميلادي، وكم نتمني ان تكون صورة لكنيستنا في الوقت الحاضر، وعبارة «بيسوع المسيح، تشير إلى أن جميع العطايا التي نأخذها من الله، توهب لنا بواسطة المسيح، وبدون المسيح لا يمكن أن نحصل علي شيء من هبات الله .

تفسير كنيسة مارمرقس مصر الجديدة

ع8: عجيب في هذه الآية أن بولس الرسول يفرح بإيمان مسيحي رومية، ويشكر الله عليه على الرغم مما يفتقده هذا الإيمان من دقة وعمق كما سنرى فيما بعد. ولكن يعلمنا بولس الرسول أن نبحث عن فضائل الآخرين، ونشكر الله ونمدحهم عليها.

رو1: 7 رسالة رومية رو1: 9
رسالة رومية – أصحاح 1
تفسير رومية 1 تفاسير رسالة رومية

 

زر الذهاب إلى الأعلى