تفسير سفر الرؤيا أصحاح 17 للقس مكسيموس صموئيل
[6] سقوط بابل
بابل والوحش ص 17
سقوط بابل ص18
نصرة السماء ص19
مقدمة
إذ كان هذا السفر سفرًا مفرحًا ومبهجا، لهذا أعقب الحديث عن الجامات السبعة بدمار بابل مركز تدابير الوحش، معلنا نصرة الرب عليه وتهليل السمائيين لذلك. أما عن “بابل” فلها قصة خاصة بها في الكتاب المقدس تتلخص فيما يلي:
أولاً: قصة بابل التاريخية:
جاء في (تك 10: 9) أن نمرود هو منشئ مدينة بابل، وهو رجل جبار عاصي، قاد كثيرين إلى عصيان الله. تشتهر هذه المدينة بعبادة الأصنام، خاصة إلهها الأعظم مرودخ. ويظهر عنادها مع الله منذ نشأتها إذ دعيت بابل: “لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض” (تك 11: 9) حينما أرادوا أن يقيموا لأنفسهم برجا يحتمون فيه من الله متى أراد الانتقام منهم.
وقد كانت بابل بالنسبة لكنيسة العهد القديم موضوع رعب. وكان الرب يستخدمها لتأديب اليهود فسبتهم وأذلتهم في مراحل كثيرة. من هنا صارت كلمة “بابل” تشير إلى معاندة الله ومحبة العالم والقسوة على البشر.
ثانيًا: سر بابل
ظهرت “بابل” في سفر الرؤيا كامرأة زانية وكمدينة عظيمة. والمرأة في الكتاب المقدس تشير إلى نظام معين أو جماعة معينة. فالمسيح له المجد له عروس حقيقية هي الكنيسة (أف 5: 23-32). إنها امرأة مقدسة بلا دنس ولا غضن. وضد المسيح أيضا له عروس هي “بابل”، هي جماعته التي تعمل ضد الإيمان وتعاند الله وتحث على النجاسات.
والمدينة تشير إلى السكنى، فأورشليم المقدسة تشير إلى سكنى الله بين البشر لذلك دعيت مقدسة. ويمكن أن نقول أن كل نفس أيضا هي أورشليم المقدسة، لأن الله يسكن في داخلها. وبابل العظيمة تشير إلى سكنى “ضد المسيح” بين البشر، لذلك دعيت “عظيمة” إذ هو عنيف. ويمكن أن يسمح لهذا الضد أن يستخدم أية مدينة سواء أكانت هذه بابل فعلاً أو غيرها، فلا يهمنا التفصيل، ولكن يمكننا أن نقول أيضا إن كل نفس معاندة للرب هي بابل لأنها مسكن إبليس.
إذن من هي بابل؟
1. يجيب القديس أغسطينوس وطيخون الإفريقي أنها تشير إلى جماعة الأشرار، أي ترمز إلى محبي العالم ومجده وغناه ولذاته المتعلقين به.
2. ويرى أغلب الآباء الأولين أنها تشير إلى مملكة ضد المسيح وعمله الشيطاني، إذ يُعاد بناء بابل وتكون مركزا إداريا للتخطيط الشيطاني المعاند. غير أنه ليس من الضروري أن تكون بابل في نفس الموقع القديم ولا حاجة لأن تدعى “بابل” حرفيًا . وإن كان البعض يرى أنها تدعى حرفيا، وتقوم في نفس مكان بابل القديمة.
3. يرى البعض أن بابل هذه صورة استعارية للشكل الذي يقوم عليه نظام ضد المسيح الديني والسياسي بما يحمله من كل آلات للشر يمكن أن يستخدمها إبليس : في مقاومة الرب.
فهي مجرد تعبير للكشف عن حالة العداوة القائمة ضد الله بصورة أو بأخرى، دون أن نبحث في التفاصيل والكيفيات، حتى لا نشوه السفر، ونفقد مفاهيمه وغاياته التي يريد أن يقدمها لنا لأجل خلاصنا لنعيش بها وليس لكي نهتم بمعرفة دقائق الحوادث المقبلة، كمن يريدون أن يقيموا أنفسهم أنبياء الأمور ليس لنا أن نبحث عنها.
الأصحاح السابع عشر
بابل والوحش
يتحدث هذا الأصحاح عن بابل الزانية وعلاقتها بالوحش
1. سماتها
2 سر المرأة والوحش
1. سماتها 1-6
“ثم جاء واحد من السبعة الملائكة الذين معهم السبعة جامات، وتكلم معي قائلاً: هلم فأريك دينونة الزانية العظيمة الجالسة على المياه الكثيرة”.
انتقل الرب بيوحنا إلى رؤية جديدة، إذ جاء واحد من السبعة الملائكة الذين معه السبعة جامات. ومجيء هذا الملاك بالذات ليريه هذه المرأة الزانية، إنما ليكشف لنا مدى قسوة قلب الإنسان الشرير، خاصة ضد المسيح نفسه وأتباعه ويليق أن يقوم بهذا الدور أحد الملائكة الذين يسكبون الجامات السبعة حتى لا نتهمهم بالعنف أو القسوة عن غيرهم.
أما سمات بابل فهى
1. “الزانية العظيمة الجالسة على المياه الكثيرة”. إذ يقدم الله نفسه عريسًا للنفس البشرية، لهذا يطلب القلب كله. وكل انحراف للقلب خارج الرب يحسب خيانة زوجية وبالتالي يدعى “زنا روحي”. لهذا يسمى الكتاب المقدس عبادة الأصنام ومحبة المال زنا.
أما جلوسها على مياه كثيرة فكما نعلم أن المياه تشير إلى الشعوب، أي يسيطر روح العداوة روح ضد المسيح، على شعوب كثيرة. هذا الوصف سبق أن اتسمت به بابل القديمة التي خربت، إذ نقرأ عنها “أيتها الساكنة على مياه كثيرة” (إر 51: 13).
2. ” التي زنى معها ملوك الأرض، وسكر سكان الأرض من خمر زناها. أي تشترك بلاد وممالك أخرى معها في شرها وتجديفها، ويكون ذلك خلال انحراف ملوكها. وبسقوط الملوك تستهوي أفكارهم شعوبهم، فينجذبون معهم في تجديفهم بلا تعقل ولا تفكير كالسكرى.
3. جلوسها على وحش قرمزى: “فمضى” بي بالروح إلى برية، فرأيت امرأة جالسة على وحش قرمزي، مملوء أسماء تجديف، له سبعة رؤوس وعشرة قرون. نقله الروح إلى موضعها “إلى برية” فهي تعيش في قحل روحي وجفاف، فالعالم الذي يحتضنها مهما بدا بخيراته ولذاته هو برية قاحلة لا يشبع النفس ولا يرويها.
هذه المرأة تخفي تحتها وحشا، هو الشيطان العامل فيها، الذي تتربع عليه كل معاداة الله، كعرش يحتضن الإثم وفاعلي الإثم. يرى ابن العسال أن هذا الوحش هو جيش ضد المسيح الذي يستند عليه في مقاومة الكنيسة، والذي يعمل بروح الشيطان. أما لونه القرمزي فيشير إلى سفك الدماء. وامتلاؤه بأسماء تجديف يشير إلى ما يفكر فيه وهو أنواع (أسماء) من التجديف والرؤوس السبع والقرون العشرة سبق الحديث عنهما، وسيأتي الحديث عنهما في نفس الإصحاح.
4. تزينها وتجملها: “والمرأة كانت متسربلة بأرجوان وقرمز، ومتحلية بذهب وحجارة كريمة ولؤلؤ، ومعها كأس من ذهب في يدها، مملوءة رجاسات ونجاسات زناها”. إنها عروس الوحش، كيف لا تتزين حتى تخدع الناس وتجذبهم إلى سمومها ؟! إنها “متحلية بذهب”، أي أن جمالها ليس طبيعيًا بل صناعي مخادع ما أبعد هذه العروس عن عروس المسيح الكنيسة المتزينة (رؤ 12)
هذه تتزين بالزمنيات للخداع، وتلك تزينها السماء، فتتسربل بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها إكليل من إثنى عشر كوكبًا. هذه تمسك في يدها كأسًا مملوء رجاسات ونجاسات زناها، وتلك حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة. إنها تسير في طريق الصليب. هذه تقدم كل لذات العالم لأبنائها، وتلك لا تجد لها موضعًا، فيعد الله لها موضعا لكي يعولها (12: 6). هذه تتربع على عرش إبليس، وتلك يقف منها التنين موقف الحاسد الذي يريد افتراسها.
5 وقاحتها: “وعلى جبهتها اسم مكتوب سر بابل العظيمة أم الزواني ورجاسات الأرض”. يقول العلامة ترتليان إن الزانيات في القديم كن يكتبن أسماء هن على أبوابهن حتى يأتي إليهن من يهواهن. وعلى هذا فإن هذه المرأة بلغت بها وقاحتها لا أن تكتب اسمها على بابها بل على جبهتها افتخارا بالشر وتجاسرًا وتشبثا بأعمالها. أما كلمة “سر” فلم تأت مضافًا و”بابل” مضافًا إليه، بل هي كلمة اعتراضية تعني أن لها معنى رمزيا، هذا هى مر. بين في سعد الله به سوى الأشرار المقاومين الله.