تي 6:1-9 لأنه يجب أن يكون الأسقف بلا لوم كوكيل الله غير معجب بنفسه

 

6إِنْ كَانَ أَحَدٌ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، لَهُ أَوْلاَدٌ مُؤْمِنُونَ، لَيْسُوا فِي شِكَايَةِ الْخَلاَعَةِ وَلاَ مُتَمَرِّدِينَ. 7لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ كَوَكِيلِ اللهِ، غَيْرَ مُعْجِبٍ بِنَفْسِهِ، وَلاَ غَضُوبٍ، وَلاَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ، وَلاَ ضَرَّابٍ، وَلاَ طَامِعٍ فِي الرِّبْحِ الْقَبِيحِ، 8بَلْ مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ، مُحِبًّا لِلْخَيْرِ، مُتَعَقِّلاً، بَارًّا، وَرِعًا، ضَابِطًا لِنَفْسِهِ، 9مُلاَزِمًا لِلْكَلِمَةِ الصَّادِقَةِ الَّتِي بِحَسَبِ التَّعْلِيمِ، لِكَيْ يَكُونَ قَادِرًا أَنْ يَعِظَ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ وَيُوَبِّخَ الْمُنَاقِضِينَ.

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

إن كان العمل الرعوي الأول في حياة رئيس الأساقفة هو اختيار خدام للكلمة والكرازة، وتوجيه كل طاقات الكنيسة للجمع والشهادة، فإنه كان يليق بالرسول أن يسجل لنا السمات الخاصة بالمرشحين للأسقفية والقسيسية حتى لا يُقام أحد غير لائق للخدمة. هذه السمات ضرورية في حياة الأسقف، إذ هو الملح الذي يملح شعبه وكل من يلتقي منه، فإن فسد من يصلحه؟

وإن كان الذي يشفع من أجل توبة الخطاة منحلاً، فمن يصلي عنه! وإن كان القائد أعمى فمن يقوده! من أجل هذا كرز الرسول على كل جانب من جوانب حياة المرشح للخدمة حتى لا تتبدد الرعية بسببه.

هذا هو عمل الكنيسة أن تطلب رعاه يفصلون كلمة الحق باستقامة حتى لا نسمع ما يوبخ به القديس ايرونيموس قائلاً: ]في هذه الأيام، كثيرون يبنون كنائس، حوائطها وأعمدتها من رخام غال، سقفها متألق بالذهب، مذابحها محلاه بالجواهر، أما بالنسبة لاختيار خدام المسيح فلا يعطون اهتماما![

سمات الأسقف

أولاً: أن يكون بلا لوم”

الكارز الحقيقي هو الذي يسند كلماته بحياته السماوية التقية القوية. وكما يقول: القديس هيلاري أسقف بواتييه: 

]لا يكون الشخص كاهنًا صالحًا ونافعًا، لا بحياته التقية وحدها، ولا بمعرفته للكرازة وحدها، لأن الخادم الطاهر يفيد نفسه وحدها متى كان متعلمًا (دون أن يكون قادرًا على التعليم)… ويعجز عن أن يعلم إن لم يكن طاهرًا.

لذلك يتطلب الرسول في قائد الكنيسة أن يتكامل خلال ممارسته أعظم الفضائل، فتتزين حياته بتعليمه ويتحلى تعليمه بحياته. [

ويقول: القديس إيرونيموس: ]لا تجعل أعمالك تكذب أقوالك، لئلا عندما تتكلم في الكنيسة يجيبك إنسان بتعقل قائلاً: “ولماذا لا تطبق ما تصرح به؟ إنني أرى شخصًا يتلو عظة عن الصوم وهو محب للشهوات… ومعدته ممتلئة!” حقًا يليق بالكاهن أن يكون فمه وذهنه ويده واحدًا (أي ما ينطق به يفكر فيه ويعمل به! [

غير أنه يجدر بنا ألا نغالي في تفسيرنا لاتسام الأسقف بأن يكون بلا لوم، فنظن فيه أن يكون متألهًا بلا خطأ. إذ كما يقول القديس أغسطينوس: ]أن الرسول لم يطلب في الأسقف أن يكون بلا خطية وإلا استحال وجود من يستحق الأسقفية، إنما طلب أن يكون “بلا لوم”، أي سالك في طريق الحرية. قد تحرر من محبة الخطية وانفك من رباطاتها بقوة دم المسيح، والتصق بالله متمتعًا بحرية مجد أولاد الله، سالكًا فيها دون أن يبلغ إلى نهايتها. لأنه لا يبلغ الإنسان نهاية الحرية وكمالها مادام يحمل هذا الجسد الفاني، أي في حالة حرب دائمة بين الروح والجسد… وإن كان يليق به أن يتذوق قوة النصرة في هذا العالم[.

ويؤكد القديس ايرونيموس أنه ليس لنا أن نبحث عن ماضي الأسقف قبل عماده أو توبته.

ثانيًا: “بعل امرأة واحدة”: 

الزواج مقدس، والشريعة لا تمنع الزواج الثاني أو الثالث… لمن ماتت زوجته، لكنه لا يليق بالكاهن أن يكون قد تزوج بثانية وذلك لأسباب التالية:

1. يرى القديس ذهبي الفم أن هذا يجعله ملومًا وموضع انقاد.

2. يرى القديس ايرونيموس أن العلاقة بين الزوجين مقدسة وطاهرة، لكن الارتباط الزيجي له مشاغله التي تحرم الإنسان من بعض الوقت أن يكون مكرسًا للصلاة. لهذا يكفي الكاهن أن يتزوج الزوجة الأولى بحكم الطبيعة، أما إن ماتت فزواجه الثاني يعلن أنه غير ضابط لنفسه.

3. حرمت قوانين الرسل على الأسقف أو الكاهن أو الشماس أن يتزوج بعد سيامته. ولعل السبب في ذلك هو إزالة كل فرصة تشوب دخول الراعي أو الخادم بيوت شعبه. هذا والأسقف أو القس يعتبر أبًا، فكيف يتزوج بعد نواله الأبوة الروحية من ابنة له!

ثالثًا: له أولاد مؤمنون، ليسوا في شكاية الخلاعة، ولا متمردين” [6]:

من لا يعرف أن يدبر بيته حسنًا بل ينشغل بالاهتمامات المادية الزمنية عن خلاص أولاده فلا يغدق عليهم بالحب الحقيقي، كيف يؤتمن على تدبير كنيسة الله؟

أو كما يقول القديس ذهبي الفم: ]من لم يستطيع أن يرشد أولاده كيف يكون معلمًا للآخرين؟ إن كان لا يستطيع أن يحسن قيادة من هم منذ الابتداء، الذين رباهم، وله سلطان عليهم حسب الطبيعة وحكم القانون، فكيف يصد من هم ليسوا كذلك؟[

رابعًا: “غير معجب بنفسه”:

 لأنه يجب أن يكون الأسقف بلا لوم كوكيل الله غير معجب بنفسه “.

إنه كوكيل الله يكون بلا لوم غير معجب بنفسه، إذ يليق بالوكيل أن يمثل موكله “الله”. هذا الموكل غير مستبدٍ بشعبه وغنم رعيته، مع أنه صاحب السلطان الحقيقي، وله مطلق الحرية أن يفعل بنا ما يشاء. لكنه لا يتحكم فينا إلا بالعدل، وبعدما يطلب حكمنا نحن.

فلم يستبد بآدم الساقط، بل ذهب إليه بنفسه، وكان يدفعه للتوبة والاعتذار لكنه لم يشاء، وهكذا مع قايين (تك 4: 9)، ومع الشعب أيام نوح طلب عمل فلك لعلهم يرتدعون (تك 6)، ولم يحرق سدوم وعمورة قبل أن يعلن ذلك لإبراهيم (تك18: 17). إنه غير مستبد، بل يصرخ دائمًا “هلم نتحاجج” (أش1: 18). هذا ما يصنعه الله، فكم يليق بوكيله المشترك مع الشعب في الضعف، ألا يليق أن يترفق بالعبيد رفقائه دون أن يستبد برأيه؟

لهذا يقول: ذهبي الفم: ](الرئيس الروحي) الذي يحكم بالشريعة والسلطان دون أن يستشير شعبه لمعرفة رغباتهم يكون متصرفًا في كل شيء حسب هواه، فإذ لا يشرك أحدًا في المشورة يحسب حكمه مستبدًا وليس حكمًا شعبيًا[.

خامسًا: “ولا غضوب”:

يقول رئيس الأساقفة القديس ذهبي الفم: ]كيف يرشد الآخرين ويعلمهم كبح الانفعالات وضبط الغضب من لم يعلم نفسه ذلك؟ حقًا إن السلطان (عمل الأسقفية) يقود إلى تجارب عديدة تثير للغضب حتى وإن كان وديعًا… على هذا إن لم يتدرب على هذه الفضيلة يسيء إلى من هم تحت سلطانه ويهلكهم كثيرًا. [

سادسًا: “ولا مدمن الخمر ولا ضرّاب”:

لم يقل “ولا يشرب خمر“، لا ليبح للكاهن أن يشربه، إنما لكي لا تكون وصية فيلتزم بعدم استخدام الخمر في حالة المرض.

هذا ولا يليق به أن تمتد يده للضرب، إذ يقول القديس ذهبي الفم: ]إن الطبيب لا يضرب بل يشفي ويصلح المضروب. [

سابعًا: “ولا طامع في الربح القبيح. بل مضيفًا للغرباء محبًا للخير” [7-8]:

اشتهر الكريتيون بمحبة الغنى، لهذا خشي أن يتسلل أحد الطامعين لاغتصاب درجة كهنوتية بقصد الربح القبيح.

ويعرف القديس ايرونيموس الربح القبيح بالتفكير في أكثر من الحاضر، إذ يليق بالخادم أن يتشبه بالرسول مكتفيًا بالقوت والقسوة.

ولا يقف الخادم عند حدود السلبية بل يليق به أيضًا أن يكون محبًا للخير فاتحًا قلبه للناس وبيته لإضافة الغرباء، حيث كانت الفنادق مرتفعة التكاليف ووسطها مملوء بالخلاعة والفساد. 

ثامنًا: “متعقلاً بارًا ورعًا ضابطًا لنفسه” [8]:

سبق أن تحدثنا عن التعقل كسمة من سمات الراعي، إذ يلزمه أن يكون غير متسرع في كلماته وتصرفاته، وقورًا، رزينًا في إرشاداته، متعقل في كل تصرف. ويليق به أن يكون بارًا، له برّ المسيح الذي يهبه للمثابرين، ورعًا، ضابطًا لنفسه في كل شيء.

يقول القديس ايرونيموس: ]إن ضبط النفس بالنسبة للكاهن لا يقف عند حدود ضبط الشهوات والفواحش، بل يشمل حركات النفس فلا يضطرب في موقف يثير الغضب، ولا تصغر نفسه بسبب الغم أو الحزن، ولا يرفع مما يحدث من حوادث هائلة، ولا يهزه الفرح[.

تاسعًا: “ملازمًا للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم”:

إن عمل الخادم الكرازة بكلمة الحق، الكلمة الصادقة بحسب الإيمان غير المحتاجة إلى تعليل كقول ذهبي الفم.

يقول القديس جيروم: 

]في الحقيقة إن العجز في القدرة على التعليم في رجل الكهنوت يمنعه من تقديم خير لأي إنسان، فبقدر ما يبني كنيسة المسيح بفضيلة حياته يؤذيها بعجزه عن مقاومة الراغبين في طرحها.

يقول: حجي النبي، بل بالأحرى يقول الرب على لسان حجي: أسأل الكهنة عن الشريعة ” (2: 11)، فإن جانبًا عظيمًا من عمل الكهنوت يتركز في الإجابة على السائلين من جهة الشريعة.

ونقرأ في سفر التثنية: “اسأل أباك فيخبرك وشيوخك فيقولون لك” (تث 32: 7) . ومن بين المميزات التي يسردها داود في صفة الإنسان البار الذي يشبه شجرة الحياة في الفردوس أنه “في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلاً “. (مز 1: 2) وفي نطاق رؤية دانيال السامية يعلن: “والفاهمون يضيؤن كضياء الجلد والذين ردوا كثيرين إلى البرّ، كالكواكب إلى أبد الدهور“. (دا 12: 3)

ها أنت ترى الفارق بين جهل البار (أي الفاهم دون أن يعرف كيف يعلم) وبين تعليم البار.]

إذن يليق بالأسقف أن يعلم وذلك، “لكي يكون قادرًا أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوبخ المناقضين ” [9].

وكما يقول القديس ذهبي الفم: ]لكي يحتفظ بشعبه ويوبخ المناقضين، كاسبًا كل فكر إلى طاعة المسيح حتى لا يضيعهم. فمن لا يعرف أن يتغلب على كل بدعة مناقضة للعقيدة السليمة هو بعيد عن كرسي المعلم!]

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آيات 6 – 9 :- إن كان أحد بلا لوم بعل إمراة واحدة له أولاد مؤمنون ليسوا في شكاية الخلاعة و لا متمردينلأنه يجب ان يكون الاسقف بلا لوم كوكيل الله غير معجب بنفسه و لا غضوب و لا مدمن الخمر و لا ضراب و لا طامع في الربح القبيحبل مضيفا للغرباء محبا للخير متعقلا بارا ورعا ضابطا لنفسهملازما للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم لكي يكون قادرا ان يعظ بالتعليم الصحيح و يوبخ المناقضين.

 بلا لوم = بحياته السماوية التقوية، فمن أشتهر عنه الخطية سيعجز عن أن يعلم. ولا حظ أن الرسول لم يقل ” بلا خطية ” وإلا استحال وجود من يستحق الأسقفية، لكن المطلوب أن لا تكون هناك تهمة موجهة له أو مشهور عنه إنحراف ما. كوكيل لله = الله وكّله علي رعاية نفوس أولاده. وعلي الوكيل أن يمثل موكله (الله). غير معجب بنفسه = غير مستبد، يسمع الرأي الآخر وينفذ الأحسن.

ولا مدمن الخمر = لاحظ أنه لم يقل ولا شراب خمر حتي لا تصير وصية. وهو سمح لتيموثاوس أن يشرب خمراً قليلاً في أسقامه أي للضرورة 

ولا طامع في الربح القبيح = إشتهر الكريتيون بمحبة الغني فخشي بولس أن يتسلل أحد هؤلاء لكرسي الأسقفية بقصد الربح القبيح 

متعقلاً = غير متسرع في كلماته وتصرفاته، وقوراً، رزيناً في إرشاداته لا يضطرب حتي في المواقف التي تثير الغضب، ولا تصغر نفسه في المواقف التي تثير الحزن = ضابطاً لنفسه = ولا يرتع مما يحدث من حوادث هائلة ولا يهزه الفرح. ملازما للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم = أي بحسب ما تلقنه من تعليم وعقائد من الرسول بولس. ويوبخ المناقضين = من لا يعرف أن يعلم ويرد على الهراطقة لا يصلح للمنصب، والسبب موجود في آية 10 أن هناك متمردين كثيرين يقاومون الإيمان.

 

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى