الآباء والكتاب الكبادوك
كبادوكيا هي إقليم في آسيا الصغرى يقع غربي أرمينية، وكان محمية رومانية في القرن الأول قبل الميلاد، ثم ولاية رومانية في القرن الثاني الميلادي، وصار فيما بعد مركز إشعاع مسيحاً له أثره البعيد في انتشار المسيحية، قسمها فالنس الإمبراطور الآريوسي في ۳۷۱م إلى كبادوكيا برايما (كبادوكيا الأولى) وعاصمتها قيصرية، وكبادوكيا سيكوندا (كبادوكيا الثانية) وعاصمتها تيانا Tyana. (وقد قاوم القديس باسيليوس ذلك التقسيم ولكن دون جدوى).
و لمع في القرن الرابع ثلاثة أسماء في كنيسة كبادوكيا. هؤلاء الآباء الكبادوك العظام كونوا مدرسة محلية للفكر اللاهوتي وهم: القديس باسيليوس أسقف قيصرية الكبادوك، وأخوه القديس غريغوريوس أسقف نيصص وصديقه القديس غريغوريوس النزيانزي، “اللاهوتي” أسقف القسطنطينية.
هذا الثلاثي الرائع ثبت و أكد عقيدة القديس أثناسيوس، وقد وجدت أعمال القديس أثناسيوس تألقاً فيهم، بل وبلغت بواسطتهم أوج عظمتها.
انتعشت الآريوسية في كبادوكيا، وظهر من هذه المنطقة بعض الأسماء التي عُرفت كقيادات للهرطقة الآريوسية منهم: أستيريوس السوفسطائي، غريغوريوس الكبادوكي، جرجس الكبادوكي، فيلاجريوس والي الإسكندرية، وأخطرهم إفنوميوس Eunomius of Cyzicus والذي كان بينه وبين القديس باسيليوس جدالاً كبيرا، أكمله غريغوريوس النيصي بعد انتقال باسيليوس أخيه. وسنعرض هنا لسيرة حياتهم وأعمالهم، ربما يعطينا هذا فكرة عن الدور الذي قام به هؤلاء الآباء الكبادوك وضراوة الصراع الذي خاضوه في القضاء على الآريوسية.
و ساهم الآباء الكبادوك الثلاثة في التقدم اللاهوتي وفي حل مشكلة “الهيلينية والمسيحية”، فقد استعملوا أساليب أدبية جعلت إيمان القديس أثناسيوس مفهوماً وواضحاً للفكر المعاصر في أيامهم. فكانت مهمتهم شرح اللاهوت القديم بمصطلحات تروق لعقل وطريقة فهم اليونانيين. لذلك فهم قد فسروا اللاهوت القديم ولكنهم لم يستحدثوا لاهوتاً جديداً. وكان لهم دور أيضا في انتشار الرهبنة، ولمجهوداتهم ومساهمتهم تأثير على الكنيسة الجامعة كلها.
و عندما حان انتقالهم من هذا العالم، كانت قد تحققت هزيمة الآريوسية وسقوطها، ونال إيمان نيقية نصراً ساحقاً.
على الرغم من اتفاقهم في كثير من الأمور الفكرية والروحية، وأيضا ارتباطهم بروابط صداقة حميمة استمرت طيلة حياتهم، لكن كان لكل منهم نمطه الخاص من حيث شخصيته.