1كو 15:4 لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالانجيل
لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَكُمْ رَبَوَاتٌ مِنَ الْمُرْشِدِينَ فِي الْمَسِيحِ، لكِنْ لَيْسَ آبَاءٌ كَثِيرُونَ. لأَنِّي أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ بِالإِنْجِيلِ. (1كو 15:4)
+++
تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم
“لأنه وإن كان لكم ربوات من المرشدين في المسيح لكن ليس آباء كثيرون لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل” (ع15).
لم يقل بولس الرسول لكن ليس لكم أباء كثيرون ، بل قال « ليس آباء كثيرون » ولم يقل أنا أخبرتكم بالقول ، بل قال أنا ولدتكم ، مستعملاً أسماء الطبيعة ، لأنه اجتهد أن يوضح المحبة التي كان يحبهم بها.
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“لأنه وإن كان لكم ربوات من المرشدين في المسيح لكن ليس آباء كثيرون،
لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل” [15].
كأبٍ يكتب إليهم لا لتوبيخهم أو إبراز أخطائهم كأعداءٍ له، بلا خلال أحشائه الأبوية يطلب بنيانهم. يشتهي إصلاحهم وتقديسهم لا دينونتهم والحكم عليهم.
إذ ينذرهم يميز بينهم وبين خطاياهم، يحبهم كأولاد له، ولا يطيق خطاياهم إذ يطلب تقديسهم في الرب.
يميز الرسول بين المعلمين والأب، فهم محتاجون إلي معلمين يرشدوهم ويدربوهم علي الحق، لكنهم لم يبلغوا أحشاء الأب الذي ولدهم في الإنجيل فحملهم إلى البنوة للَّه. هو وضع الأساس إذ أنشأ الكنيسة هناك وآخرون أقاموا البناء عليه.
كأنه يصرخ إليهم أن يدخلوا إلي أحشائه ليجدوا فيها دفء الحب الفائق في المسيح يسوع. يحمل أبوة روحية لهم إذ قبلوا الإيمان بالمسيح علي يديه خلال كرازته. لقد وضع الأساس الإنجيلي ويأتي من بعده من يكمل البناء فيكون هو كمن ولدهم والآخرون يرشدونهم.
كلمة “المرشدون” هنا تشير إلى المدربين الذين يقودون الأطفال إلى المدرسة ويراعون سلوكهم أثناء المدرسة حتى يهذبون حياتهم. كما تحمل معنى المعلمين بصفة عامة الذين يقدمون تعاليم للتلاميذ من أي نوع.
وما هي المدرسة؟ “في المسيح“، فهم مرشدون روحيون يدخلون بهم إلى المعلم الحقيقي والمهذب الإلهي القادر وحده بروحه القدوس أن يجدد أعماقهم.
بقوله: “ربوات من المرشدين” واضح كثرة عدد الخدام والمعلمين في كورنثوس.
يكشف لنا القديس يوحنا الذهبي الفم عن مفهوم الأبوة الروحية للخادم في صورة رائعة، سبق أن اقتبست منها بعض عبارات تعبر عن خبرته الحية العجيبة.
v ليس أحب إليّ أكثر منكم،
لا، ولا حتى النور! إني أود أن أقدم بكل سرور عيني ربوات المرات وأكثر، إن أمكن، من أجل رجوع نفوسكم!
عزيز عليّ جدًا خلاصكم، أكثر من النور نفسه…
لأنه ماذا تفيدني أشعة الشمس إن أظلم الحزن عينيّ بسببكم؟…
أي رجاء يكون لي إن كنتم لا تتقدمون؟
وعلى العكس أي يأس يقدر أن يحل بي مادمتم نامين؟ فإنني إذ أسمع عنكم أخبارًا مفرحة أبدو كمن صار له أجنحة… تمموا فرحي…
إني أحبكم، حتى أذوب فيكم، وتكونون ليّ كل شيء، أبي وأمي واخوتي وأولادي.
ويحدثنا القديس يوحنا الذهبي الفم عن أبوة الرسول بولس العملية لكل البشرية فيقول في عظاته في مدح الرسول:
[لقد رأيتم إنسانًا جاب الأرض كلها، لأن طموحه وهدفه هما أن يقود كل إنسانٍ إلى اللَّه. وقد حقق بكل ما ادخره من قوة هذا الطموح، وكأن العالم كله قد صاروا أبناءه، لهذا كان على عجلة من أمره.
كان دائم التجوال، كان دائم الحماس لدعوة كل البشرية لملكوت السموات، مقدمًا الرعاية والنصح والوعود والصلاة والمعونة وانتهار الشياطين، طاردًا الأرواح المصرة على التحطيم.
استخدم إمكانيته الشخصية ومظهره والرسائل والوعظ والأعمال والتلاميذ وإقامة الساقطين بجهده الشخصي. فكان يسند المجاهدين ليثبتوا في جهادهم، ويقيم كل من طُرح ساقطًا على الأرض. كان يرشد التائبين ويعزي المتألمين ويحذر المعتدين، ويراقب بشدة المقاومين والمعارضين. شارك القائد والطبيب الشافي في الصراع، فمدّ يد المعونة ليهاجم أو يدافع أو يرشد حسب الحاجة في ساحة العمل، فكان كل شيءٍ للمنشغلين بالصراع.]
v الأب هو ذاك الذي غرس بذرة الإنجيل في نفوسهم. المرشدون هم الذين أخذوا الطفل بعد ولادته وأعانوه لكي ينمو.
v يخبر بولس الكورنثوسيين بأنه ليس أحد غيره سيحبهم مثله.
أمبروسياستر
v إذ لا يطلب ما لنفسه، بل مما ليسوع المسيح، وهو يحث الذين ولدوا بالإنجيل أن يتمثلوا به ومع هذا فإنه يوبخ بعنف الذين يسببون انشقاقات تحت أسماء الرسل، ويوبخ الذين يقولون: “أنا لبولس، هل صُلب بولس لأجلكم؟ أو هل اعتمدتم باسم بولس؟” (12:1، 13).
تتحقق بنوتنا للَّه خلال عمل الثالوث القدوس، فالروح القدس يهبنا البنوة إذ يربطنا بالابن الوحيد الجنس ويُقيم منا أعضاء جسده. والكلمة نزل إلينا ليسكن فينا ونحن فيه فنتمتع بالبنوة خلاله، أما الآب فمسرته أن يحقق الخلاص بابنه الوحيد الجنس لنتأهل للبنوة له.
v الآن قد تسلمنا في الإنجيل الثلاثة أقانيم والثلاثة أسماء خلالهم يتحقق الميلاد الجديد أو تجديد المؤمنين. من يولد من هذا الثالوث يولد من الآب والابن والروح القدس. فيتحدث الإنجيل عن الروح أن “المولود من الروح روح هو“، ويلد بولس “في المسيح“، والآب هو “أب الجميع“.
v يعلن في أقوال اللَّه في أية مناسبة يكون الحبل والميلاد أمرًا صالحًا، وأي أنواع من الولادات الكثيرة يشتهيها قديسو اللَّه. فإن كلا من إشعياء النبي والرسول الإلهي أوضحا ذلك وأكّداه. صرخ أحدهما: “بخوفك يا رب أنا حبلت“. والآخر يفتخر أنه صار والدًا لأضخم أسرة، إذ أنجب مدنًا بأسرها وأممًا، ليس فقط الكورنثوسيين الذين شكّلهم للرب بالآلام، بل الكل في دائرة أورشليم حتى إلليريكيون (رو 15: 19)، فقد ملأ أبناؤه العالم، مولودين بواسطته في المسيح خلال الإنجيل.
يذكر آدم كلارك أنه جاء عن الحاخام شيموث أن فتاة فقدت والديها فقام الوصي بتربيتها وكان رجلاً أمينًا ومخلصًا. وإذ بلغت الفتاة سن الزواج أراد أن يُظهر حبه لها فتقدم لزواجها. إذ بدأ الكاتب يسجل عقد الزواج سأل الفتاة عن اسمها فأجابته. عاد يسألها عن اسم والدها فصمتت طويلاً حتى دُهش الكل. تطلع إليها الوصي وقال لها: “لماذا تصمتين؟” أجابت الفتاة: “لأني لا أعرف لي أبًا سواك، لأن من يهذب طفلاً في حياة صالحة هو أفضل من الأب الذي ولده“. ربما كانت هذه هي مشاعر الرسول بولس الذي اهتم بتربية مخدوميه في المسيح بعد أن قدم لهم الإنجيل ونالوا الولادة الجديدة في المعمودية.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
آية 15 : – لأنه وان كان لكم ربوات من المرشدين في المسيح لكن ليس اباء كثيرون لاني انا ولدتكم في المسيح يسوع بالانجيل.
ربوات = إشارة للكثرة (الربوة = 10.000). المرشدين = في اليونانية المرشد هو الذي يوكل له بالطفل فيصحبه للمدرسة و يدربه علي الأخلاق الحميدة. أباء = الأب له ميزة علي المرشد قطعا. وبولس ولدهم إذ آمنوا علي يديه فعليهم أن يطيعوه واثقين في أنه يحبهم كأب، فهو الذي بذر بذرة الإيمان، ومن أتي بعده كان يهتم بالتوجيه والتعليم (غل 4 : 19). ونري هنا بولس يقول أنه أب لهم إذ ولدهم في المسيح. وهذا رد علي من يفهمون قول السيد المسيح ” لا تدعوا لكم أبا علي الأرض ” (مت 23 : 9) بطريقة خاطئة، ويرفضون الأبوة في الكهنوت. فحين قال السيد المسيح هذا، كان يقصد اليهود الذين يظنون أنهم يفتخرون بالألقاب ويسمون أنفسهم هكذا، وأن هذا لفضل فيهم ولعلمهم. ولكن المسيحية تفهم الأبوة الروحية والبنوة الروحية كما قال بولس الرسول هنا تماما أنها في المسيح أي أن الكاهن في المسيح والمولود منه في المعمودية وفي الإيمان هو أيضا في المسيح. كلاهما في المسيح، فلا أبوة خارج عن المسيح، والكاهن يثبت أولاده في المسيح.