العلامة أوريجانوس

عبقري المسيحية الأولى

 

هذا العملاق السكندري الذي أرهق التاريخ بسيرته، وبلبل أفكارنا بمعتقداته.

والذي يُعد بحق أمير مُفسري الكتاب المقدس وفليسوف وعبقري المسيحية الأولى. 
 مُعلم بارع في الأمور اللاهوتية، يخوض ويجول في كُبرى المسائل دون أي تردد، ولسعة معارفه غاص في أعمق الموضوعات حتى طرق منها الخاص بالسر الإلهي، وتقصّى عن فهم التدبير الثالوثي في الكون. برع في مقالاته لعمق ما أتى فيها من مسائل إيمانية شائكة، بجرأة وثقة، وغامر في طروحه مُبسطاً فيها حصيلة فكره المُبدع، سبقت مأثره عصره، بل أمتد أثره حتى ما بعد المجامع المسكونية الأولى. جمع كل هذا مع التواضع والبساطة، التي أعترف بها كل كاتب عن سيرته. فنَّد كعالم كل ما عرفه من أضاليل معاصريه، عارضاً ما أدعوا به ومقاوماً الحجة بالحجة، داعماً دائما أقواله بآيات من الكتاب المقدس. لمع نجمه في الأوساط الكنسية باكراً، ودوّى رعيد تعليمه في أرجاء الامبراطورية كلها.
كان ومازال لغز التاريخ الكنسي، فما من رجل أختلف التاريخ حوله، وظل مدى قرون هدفاً لاعنف المجادلات والمشاحنات مثله. 
 
فاصل

نشأته:

ولد بمدينة الإسكندرية سنة 185م من والدين مسيحيين تقيين، وكان أبوه يُدعى ليونيدس وله سبعة أولاد أكبرهم أوريجانوس والذي يعني اسمه “الذي ولد في الجبل”. ويقال ان والده كان من معلمي البلاغة فرباه بأعظم أهتمام. وإذا تأملنا حياة أوريجانوس وجدنا أنه كان عظيماً منذ طفولته كما شهد له بذلك أعدى أعدائه(1)، ووجدنا أنه ضمن الرجال الذين هيأتهم العناية الإلهية للقيام برسالة سماوية ، فهو من بين الآباء الأولين الذي شاء الله أن يولد من أبوين مسيحيين كما شاء أن يمنحه نعمة البنوة لأب شهيد. وهكذا رضع المبادئ المسيحية مع اللبن مما اعانه على إدراك أسرارها الصميمة. فكان وهو بعد طفل تسيطر على ذهنه رغبة في المعرفة جامحة تدفعه إلى البحث والسؤال. فكان يلازم أباه ويستفسر منه عن الله وعن الوجود وعن الكائنات. وقد علمه والده العلوم والقوى العقلية والرياضية وأيضاً الكتب المقدسة، وكان يأمره بأن يحفظ كل يوم بعض آيات من الكتاب المقدس حتى حفظ أغلب نصوص الكتاب المقدس غيباً. كان أبوه يتسلل إلى غرفة نومه ليلاً ويُقبل صدره في خشوع أعتقاداً منه انه مسكن ممتاز للروح القدس . وقد أيدت الأيام اعتقاده هذا(2).
فاصل
 

في مدرسة الإسكندرية اللاهوتية:

لما استكمل قواه وضعه والده في المدرسة اللاهوتية فتتلمذ للعلامة اكلمندس . وكان أوريجانوس يلتهم العلوم التهاماً، فلم يلتحق بالمدرسة الأسكندرية فحسب ولكنه تتلمذ لأمونيوس السقاس أيضا في المدرسة الفلسفية الوثنية التي كان قد أسسها ذلك الفليسوف الوثني سنة ۱۹۳م في الاسكندرية.
فاصل

إستشهاد والده:

عندما اندلعت ألسنة الإضطهاد الذي اثاره سبتيموس ساويرس  سنة 194م. كان أبوه ليونيداس من الذين قبض عليهم والى الاسكندرية وزج بهم في السجن وقد تمني أوريجانوس أن يلحق بأبيه ، غير ان أمه حالت دون تحقيق هذه الأمنية (أخذت ثيابه وخبائتها فلم يتمكن من الخروج) ، فظل طيلة حياته يشتهي ان ينال نعمة الإستشهاد ، إلا ان العناية الإلهية قد حفظته لأعمال جليلة وجهود جبارة ثم جادت عليه في أواخر اياميه بتجرع كأس الالام والعذاب. اما في هذه الفترة – فترة صباه – فقد أرسل إلى أبيه خطاباً في السجن وختمه بعبارة مؤثرة عجيبة لصدورها من فتى مراهق وهي : “احذر يا أبي العزيز ان تجحد المخلص الحبيب رأفة بنا وعطفاً علينا”[3].
ومع كل هذه الأحداث لم ينال الخوف من أوريجانوس، ولم يرهبه بطش الوالي بابيه. بل اندفع بحماسة الشباب المتقد لزيارة المسجونين المحكوم عليهم الذين رفضوا إنكار المخلص، فكان يعزي قلوبهم ويشدد عزائمهم ، وكان كثيرا مايقف على قارعة الطريق الذي سيسير عليه الشهداء في طريقهم إلى الموت ليقبلهم القبلة الرسولية ويملأ بابتسامته الوادعة قلوبهم نشوة وسلاماً [4].
أما ليونيدس والد أوريجانوس فقُطعت رأسه سنة 203م، وتبعاً لقوانين الإضطهاد حينئذ ضمت املاك والده إلى الحكومة، فأذاق الأسرة بذلك مرارة الفقر والبؤس ولكن أسرة الشهيد قبلت كارثة الفقر والبؤس مفضلة إياها على انكار المخلص الحبيب ، ولقد شاء الآب السماوي في شامل رحمته أن يُهئ لهذه الأسرة الكريمة الأبية سيدة غنية من شريفات الاسكندرية عنيت بامرها فعاونت اوريجانوس علي اتمام دراساته جميعاً[5]. فإزداد هذا الشاب انكباباً على الدرس ، وبدت مقدرته الفائقة في هذه السن المبكرة بصورة عجيبة : فكان يكتفي بالقليل من الطعام ويمشي حافي القدمين وينام على الأرض ، وكاد ان يقصر مطالبه على شراء الزيت لإيقاد القنديل الذي يضئ له دُجي الليل فيمكنه من مواصلة درسه و كتابته بينما الناس نيام.
وظل طيلة حياته يحس بان اباه الشهيد واقف إلى جانبه يؤازره[6].
فاصل
 

أوريجانوس مديراُ للمدرسة اللاهوتية

عندما بلغ أوريجانوس الثامنة عشرة من عمره. كان عقله قد استوفي النضوج وفاض قلبه بالشفقة والحنان. كما يوصفه يوسابيوس في تاريخه الكنسي” شاب في مُقتبل العمر، مِلءُ حياته الغيرة على قضية السيد، لا فاتن يُبهر عينيه، وجلّ غايته الإتقان في كل ما يعمل ويقول. أقبل على التقشف اقتناعاً به، وما مال  به ميل عن الجد. لزم جانب الطهارة وكان به حريصاً حتى الغاية…..“.
قرر أوريجانوس الخروج والظهور أمام العالم بمظهر الجندي الباسل ليدافع عن بيضة المسيحية، وكان يزاول مهنة التعليم ليقوم بنفقة نفسه وفي أثناء ذلك كان يذهب يفتقد من كان باقياً من المسيحيين في السجون.
ورغم حداثة سنه لم يتردد البابا ديمتريوس الإسكندري في ان يعينه مديراً للمدرسة اللاهوتية ، فلم يلبث أن حولها إلى مدرسة شهداء. فما أكثر تلاميذه الذين دفعوا دمائهم ثمناً لإيمانهم ، وكان يستصحبهم إلى المحكمة ويشدد عزائمهم ثم يلازمهم حتى موقع العذاب وهنالك – وأمام جلاديهم – كان يقبلهم قبلة السلام قبل أن يفوزوا باكليل الشهادة[7]، فبهرت هذه الشجاعة جمهرة الوثنيين إلى حد أنهم لم يجروا على أن يمدوا إليه يد الاعتداء . ولكن حدث ذات يوم ان تجاسر احدهم فألقى القبض عليه وساقه إلى السيرابيوم ( معبد الإله سيرابيس ) حيث حلقوا رأسه على طريقة كهنتهم ، وقدموا إليه سعف النخيل ليوزعه على عبدة الأوثان الذين كانوا يسخرون منه ويهزان به ، فقبض على السعف وصرخ في وسطهم بصوت كالرعد القاصف قائلاً :” هلموا إلى لأقدم لكم هذه الأغصان – لا كاغصان هيكل وثني بل باسم الرب يسوع مخلص العالم كله”. ولقد نجا من ايدي هؤلاء الطغاة باعجوبة(8).
وبعد أن هدأت ثورة الإضطهاد أخذ في تنظيم مدرسة الاسكندرية المسئول عن ادارتها ، فكان يدرس فيها علوم النحو والمنطق والبلاغة والحساب والهندسة والفلك والموسيقى . بالإضافة إلى الفلسفة. وطالب تلاميذه بدراسة مختلف العلوم الفلسفية لأنه كان يدين بمبدأ بولس الرسول القائل : “افحصوا كل الأشياء وتمسكوا بأحسن ما فيها”(9)، وكانت كل هذه الدراسات مقدمة للدراسة المُثلى وهي دراسة الأسفار الإلهية ، لأن هذه الدراسات جميعاً كانت في نظره تهدف إلى معاونة الباحث على فهم هذه العلوم المقدسة(10).
ولم يكتف أوريجانوس بتدريس شتى العلوم والمعارف بل كان فاتحاً ابواب مدرسته لجميع قاصديها إذ كان يعد العلم حقا لكل طالبيه: رجالاً ونساء ، شيوخاً وشباب ، رؤساء ومرؤوسين.
ومما يثير الدهش أن هذا العلامة الفذ مع كل ما أوتي من حكمة وعلم قد اخذ بحرفية الأية الانجيلية عمن خصوا انفسهم فطبقها على نفسه فعلاً ، وقد دفع ثمن هذا الخطا غالياً بعد ذلك بسنين(11).
 وكان العالم الوثنى – رغم ما بذله القديس اكليمنضس الاسكندري من جهود – لايزال يعد المسيحية دين الجهال والعوام ولكن هذا العالم الوثني لم يلبث أن تنبه من غفلته وفتح عينيه في ذهول امام المفاجئة الخاطفة وهي ان تلك المدرسة الأسكندرية الفتية قد غدت محراب العلوم الدينية والمدنية. فلم يسعه إلا أن يعبر عن اعجابه بهذه المدرسة وتقديره لمديرها الشاب الذي كان لكلامه في النفوس فتنة السحر ، وبلغت فصاحته ارقى العقول كما اجتذب حنانه اغلظ القلوب ، وكان هذا الفيلسوف الشاب يختلف من غيره من الفلاسفة ، فقد كان في وسعهم أن يتفوهوا بعبارات عذبة عن مبادئ مُثلي ولكنهم لم يتخطوا هذا الحد. اما  وريجانوس فلم يقتصر على التحدث عن العدالة والمصالحة والمحبة ، ولكنه كان يعمل بها فكانت حياته خير مثل لعظاته وهذا ما مكنه من السيطرة على النفوس(12).
وقد امتاز اوريجانوس بأنه اول مسيحي أمعن في التفكير حتى بلغ فيه أبعد الحدود فتمكن بذلك من اكتساب المفكرين والفلاسفة الوثنيين، ومن اجتذاب الطبقة الأرستقراطية إلى الديانة المسيحية لانه كان اشبه بالدينامو الذي تتولد عنه قوة من الحرارة النارية الفائرة ، فما من شخص صارع هذا الصراع الفكري في سبيل الوصول إلى ادراك الحقائق الخفية للمسيحية بمثل هذا العنف وهذا التصميم إذ قد تسلطت عليه شهوة جامحة لسبر غور الحقيقة، وقد جعلت منه هذه الرغبة الملحة المؤسس الفذ لدراسة الأسفار الإلهية دراسة علمية والباحث الأول الذي جعل من العقل خادماً للمسيح. وقد ثابر على هذا الصراع الفكري بصبر عجيب لأنه كان يقول : ( يجب أن نذكر دوماً اننا أولاد الله الصبور واخوة المسيح الصبور)(13).
 
فاصل
 
رحلاته:
وسرعان ما عبرت شهرة أوريجانوس حدود الأقطار المصرية. فانتظم أعلم الأساقفة بين تلاميذه أمثال الكسندروس أسقف أورشليم وتينوستيت أسقف قيسارية فلسطين ، كما أن فرميليانوس أسقف قيسارية الكبادوك كان يتباهي بتتلمذه هو وشعبه على أوريجانوس مدى الحياة ، وكانت مجامع اخائية وبلاد العرب تتخذه المرجع لها إذ كانت تعده المدافع الأول عن الإيمان الأرثوذكسي . وبين الأساقفة الذين اجتذبهم أوريجانوس إلى الأرثوذكسية بيريل أسقف بسطرة ( في مابين النهرين ) فظل حياته يعترف بجميل معلمه ويخاطبه بعبارات الأعظام والتبجيل على أن الأساقفة لم يكونوا وحدهم الذين عرفوا قدر أوريجانوس ، بل أن أمراء هذا العالم تباروا في تقديره .
– في عام 213م زار أوريجين مدينة روما وذلك في عهد البابا زفيرينوس وبعدها عاد أدراجه إلى موطنه حيث دفء المبيت يغلو في عروق الإنسان.
– وبعدها زار بلاد العرب بناء على دعوة من حاكمها.
– وفي العام 215 م قصد أرض فلسطين حيث ألتقى تيئوستيت اسقف قيسارية فلسطين، والإسكندر بطريرك أورشليم، الذي ستربطه بهما صداقة متينة فيقفوا في جانبه وقت الشدة. وإذ لمس هذان الرجلان عظمة أوريجانوس، وأعجبا بعلمه وسعة مداركه ، دعياه للوعظ على منبر الكنيسة، والذي كان حكراً على رجال الكهنوت فقط، فحبس على سامعيه أنفاسهم، وولج بعطر الكلام نفوسهم، فسأل البعض عن السبب من بقاء مثل هذا المرء دون نعمة الكهنوت.  ومن فلسطين ذهب إلى بلاد العرب نزولاً على إرادة الأنبا ديمتريوس لينقض بدعة تفشت في ربوعها مؤداها أن النفس تموت بموت الجسد. وما أن انتهى من القيام بالمهمة التي انتدب لأجلها حتى استدعاه الأنبا ديمتريوس إلى الاسكندرية لاستئناف اعماله التعليمية بها.
– ونحو العام 218 م بعثت إليه الامبراطورة ماميا والدة الامبراطور اسكندر ساويرس تدعوه لزيارتها في انطاكية . فلبى الدعوة ، وقد قوبل منها ومن رجال دولتها بكل تعظيم واكبار ، وكان الامبراطور فيلبس العربي وزوجته سيفيرا يعدان مكاتبة أوريجانوس لهما شرفاً عظيماً (14)
 
 ولقد شاعت مؤلفات أوريجانوس لأن العناية الإلهية التي كانت قد هيات له سيدة غنية تعنى بامره وأمر اخوته الستة عند استشهاد ابيهم فتربيهم أحسن تربية تجلت مرة اخرى في صورة عجيبة إذ قد هيات لأوريجانوس في هذه الفترة صديقا غنيا وقف جزءاً كبيراً من ماله على نشر مؤلفات أوريجانوس، فقد رأى هذا الصديق – واسمه  امبروسيوس ان يصرف من جيبه الخاص مرتبات لسبعة ممن يجيدون الاختزل ليكتبوا ما يمليه عليهم أوريجانوس ، كماكان يصرف مرتباتِ لسبعة من الشابات اللواتى يجدن الخط ليكتبن ما املاه اوريجانوس على المختـزلين او قد يمليه عليهن من موضوعات جديدة ٠ وهكذا انتـشرت مؤلفات هذا العالم السكندرى الكبير وعمت جميع المكتبات.

 وقد اتبع اوريجانوس فى تفسيره الكتاب المقدس طريق المجاز الذى اتبعه اكليمنضس من قبل لانه كان يؤمن بأن من تبحر فى العلوم الدينية يجب عليه ان يشق صدف الكلام ويخرج منها اللآلى الكثيرة الثمن ٠ وهكذا كان أوريجانوس مقاوماً لليهود وللغنوسطيين الذين فسروا الكتاب المقدس حرفياً لا مجازیاً وقد دعاهم إلى العدول عن هذا التفسير الحرفی والاعتصام بالتفـسير الروحی طالـباً إليهم ان يتـجـاوزوا عن المرئيات إلی ما وراءها وان يتركوا الشريعة الموسوية- شريعة النقص – ليتصلوا بحق الانجيل- شريعة الكمال. وقـد سلك اوريجـانوس فى تعليــمه مـسلك معلمی الاسكندرية وأبائهـا: فقــابل الغنوسطيـة الابتـداعـــية بالغنوسطية الارثوذكسية.

فاصل

الحكم بحرمه وأسبابه:

 وبعد جهاد دام ثماني وعشرين سنة كاملة كان أوريجانوس عائدا من أخائية فمر في طريقه بفلسطين حيث رسمه الكسندروس أسقف اورشليم وتيئوستيت اسقف قيسارية فلسطين كاهناً إذ كانا يريان أن معلم الأساقفة لا يصح أن يكون مجرد علماني، ولكن هذه الرسامة اغضبت ديمتريوس البابا الإسكندرى إذ أعتبره تعدي على سلطته فجمع مجمعه ووقع الحرم على اوريجانوس . ولا يعرف أحد للآن الباعث الأساسي لتصرف البابا ديمتريوس على هذا النحو : فهو الذي ائتمنه على إدارة المدرسة ولم يتجاوز الثامنة عشرة ، وهو الذي وثق به إلى حد أنه كان ينتدبه لنقض البدع التي كانت تتفشي في مختلف البلاد. فما الذي اثاره فجعله يوقع الحرم على المعلم الأول للكنيسة و ان الجواب الوحيد للان ان الأنبا ديمتريوس استند في حكمه هذا إلى ما أقدم عليه أوريجانوس من خصيه نفسه ..
 جرى كل هذا وأوريجانوس في طريق العودة إلى بلاده . فلما وصلها وعلم بهذا الحكم الصارم عاد أدراجه واستوطن قيسارية فلسطين حيث قضى بقية حياته وهنا تجلت العناية الإلهية مرة أخرى إذ انشا هناك مدرسة لاهوتية ضخمة علم فيها عدداً وفيراً من فحول أباء الكنيسة المسيحية من بينهم الأسقفان غريغوريوس التوماتورغي ( صانع العجائب ) وأثينادوراس اخوه(15).
ومع أن اوريجانوس قد جال يصنع خيراً، إلا أنه لم يتردد في نقد الأنبا ديمتريوس نقدا حال دون عطفه عليه . ولكن ضمير اوريجانوس لم يكن مرتاحاً كما يتضح ذلك من الحادثة التاريخية الآتية :
وقف أوريجانوس ليعظ ذات يوم في اورشليم واختار لموضوعه آية من المزمور هي : “وللشرير قال الله مالك تحدث بفرائضي وتحمل عهدي في فمك وانت قد أبغضت التأديب والقيت كلامي وراء ظهرك(16) وما ان قرأ هذه الآية حتى أحس بان سامعية قد استنتجوا من اختياره لها التعريض بالأنبا ديمتريوس . وعندها انهمرت الدموع من عينيه وأجهش بالبكاء والنحيب وبكى الشعب معه غير أن صيحة الضمير قد جاءت بعد فوات الفرصة لأن البابا ديمتريوس لم يلبث أن انتقل إلى مساكن النور قبل ان يدري بما حدث فلم يصدر عفوه عن اوريجانوس(17).
وان اختلاف الأنبا ديمتريوس مع أوريجانوس لأشبه بالاختلاف الذي وقع بين بولس وبرنابا بشأن مرقس – لأن اختلاف الرسولين أدى إلى مجي مرقس الرسول إلى مصر ، واختلاف البابا الإسكندرى مع أوريجانوس ادى إلى انشاء مدرسة لاهوتية ضخمة في قيسارية فلسطين كانت الباب الذي دخل منه العدد العديد إلى معرفة حق الانجيل . إلا أن الله تعالى أمد في حياة بولس فراي ثمرة جهاد مرقس ولكنه لم يمهل البابا الإسكندري ليرى ثمرة جهاد أوريجانوس.
 
فاصل

مصالحة خليفتي البابا ديمتريوس لأوريجانوس:

غير ان خليفتي الأنبا ديمتريوس وهما البابا ياروكلاس والبابا ديونيسيوس اللذان كانا قد تتلمذا لأوريجانوس قد قاما بهذه الصالحة وأبديا له تقديرهما بان رفعا عنه الحرم ، كما بعثا إليه برسالتين يلحان عليه فيها بالعودة إلى وطنه لاستئناف عمله الجليل في مدرسة الأسكندرية ولكنه أثر البقاء في قيسارية فلسطين ليتم ما بداه فيها من تعليم وتبشير . لأن الرسالة الانجيلية كانت شغله الشاغل فقضى فيها الثلاث والعشرين سنة التي عاشها بعيداً عن وطنه . وقد جاب في غضونها مدن فلسطين وفينيقية والأقطار اليونانية والعربية ، مثبتاً المسيحيين في الإيمان الأرثوذكس ومجتذباً إلى المسيحية من كانوا لا يزالون بعيدين عنها (18).
 
فاصل

إضطهاد دقيوس ووفاته:

 في ذلك الوقت قام أوريجانوس بوضع مؤلف ضخم ( الرد على كلسس) فند فيه كتاباً كان قد نشره كلسوس الفيلسوف الوثني ضد المسيحية . وقد اعلن اوريجانوس في رده هذا – بشئ من الزهو – ان اثر الانجيل في النفوس واحد : فهو يقوم الشخصية ، ويسمو بالأخلاق ، ومنه تنبع قوة داخل القلب تمكنه من مواجهة الإضطهادات مهما قست بثقة وهدوء ، ومثل هذه القوى تفوق المقدرة البشرية فمرجعها من غير شك إلى جاذبية الفادي الحبيب الذي استخرج أسمي ما في النفس الإنسانية بمحبته الإلهية . ولقد اثبتت الإضطهادات العنيفة صحة ما زها به اوريجانوس إذ قابل الشهداء كل ما اصابهم برضى وثبات ، ولقد كان رده فصل الخطاب لانه كان قد نجح في استيعاب العقيدة المسيحية حتى اصبحت القوة الدافعة لكل اعماله وتصرفاته ، وان حياته لأكبر شاهد على ذلك : فقد اشتهي الاستشهاد وهو بعد فتي يافع ، وفي منتصف حياته كتب رسالة عن الاستشهاد تفيض غيرة وحماسة ، ثم قدم في اخر حياته أروع الأمثلة للأحتمال إذ قابل العذاب والأهوال بعزم لا يلين ، وهذه الحياة التي عاشها أوريجانوس كانت أقوى من أي دليل ساقه في كتاباته مع ما اتصفت به هذه الكتابات من منطق سليم(19).
 
ولم يكد اوريجانوس ينتهي من هذا المؤلف العظيم الذى فند به تعاليم كلسوس حتى كان الامبراطور فيلبس العربي قد انتقل إلى عالم الأرواح فخلفه دقيوس الذي ما ان اعتلى عرش المملكة حتى اثار على المسيحيين اضطهاداً يختلف عما سبقه من اضطهادات في انه كان يهدف إلى التعذيب والتنكيل فقط لا إلى القتل ، لذلك كان يأمر جنوده باستعمال اقسى ألات التعذيب حتى إذا ما قارب المسيحيون الموت كف المعذبون عن عملهم الجهنمي والقوا بفريستهم إلى السجن ثم عاودوا وحشيتهم بعد يوم او اكثر حين تكون حدة الألم قد خفت قليلاً . وكان الغرض الذي يستهدفه هذا العاتي دفيوس من وراء هذا التعذيب المتكرر هو أن يضعف الروح المعنوي في المسيحيين فينكرون إيمانهم فراراً من الآلام التي كان لا يفتا يصبها عليهم ، ولقد تمادى في تعذيب المسيحيين فقبض على زعمائهم وزج بهم في السجن حيث ذاقوا من العذاب ألواناً ، وهو يرجو من وراء ذلك أن يستدرج الجماهير إلى الجحود إن هي رأت الضعف في رؤسائها ، وتنفيذاً لهذه الخطة الجهنمية لم يتورع عن القبض على أوريجانوس رغم بلوغه الخامسة والستين من العمر، وطرحه في السجن حيث طوقواعنقه بقضيب من حديد وغلاوا يديه ورجليه بالسلاسل ، وساموه العذاب وهم يأملون من وراء ذلك أن يدفعوه إلى إنكار إيمانه فيسقط الكثيرون من المسيحيين بسقوطه ولكن ذلك الشيخ الذي تجلت بطولته في صباه أيام استشهاد أبيه لم يكن بالرجل الذي ينكر إيماناً ضحي في سبيل خدمته ما يزيد على أربعين سنة . ولقد كان أوريجانوس مدى حياته يتوق إلى الفوز باكليل الشهادة ، ولكن العناية الإلهية حفظته لهذه المحنة الخطيرة لتبين للعالم فضيلة الثبات التي امتاز به . وهذه المحنة التي توجت حياة تلك العلامة قد زادت اسمه بهاء إذ ختمته بخاتم مثلث : خاتم العبقرية وخاتم القداسة وخاتم الشهادة بغير سفك دم.
وفي هذه السنة العصيبة شعر البابا ديونيسيوس بان الواجب يحتم عليه ان يقوم نحو أوريجانوس ابيه الروحي بما قام به أوريجانوس نحو ليونيداس ابيه الجسدي ، فبعث إليه برسالة في الاستشهاد. وما زاد في هذه الرسالة معنى وسموا أن البابا الإسكندري كان منفيّا وقتذاك من أجل الإيمان وبعث برسالة إلى أوريجانوس من المنفي(20).
ولقد دام إضطهاد المسيحيين طيلة حكم داقيوس . ولم يفرج عن اوريجانوس إلا بعد موت هذا الطاغية فعاود جهاده العظيم بذات القوة التي بداه بها. غير أن ما عاناه من مرير العذاب ، وما كابده من مضنى الأتعاب وطويل السهر ، استنفدت قواه واثرت في صحته تأثيراً قضي عليه فانتقل من دار الشقاء إلى دار النعيم . وكانت مدينة صور خاتمة مطافه ومقره الأخير في هذا العالم ، وقد وري جثمانه الطاهر في الكنيسة المعروفة باسم : القبر المقدس ، وحينما بلغ الأنبا ديونيسيوس هذا النبا المفجع – نبا موت اوريجانوس – كتب مرثية تجيش بالود والتقدير نحو معلمه الذي احبه حبا جماً.
وقد روى غليوم اسقف صور بأن قبر اوريجانوس المقام بازاء المذبح في تلك الكنيسة العظيمة – كان حتى القرن الثالث عشر – مزاراً يحج إليه المسيحيون من مختلف البلاد (21).
 
فاصل

أوريجين وبدع معاصريه

تعتبر بدع فالنتينُس، ومرقيون، وسابيليوس، من أكبر البدع التي ظهرت في عصر أوريجانس. فهؤلاء الثلاثة متفقون على تناقض العهدين القديم والجديد فيما بينهما، وكذلك اختلاف إله العهد القديم عن إله العهد الجديد.
فأولهم فالنتينُس كان يُقسم البشر إلى ثلاث مراتب لحميين وحيوانيين و روحيين، ويتمسك بتحديد مصائرها تحديداً سابقاً. فأجاب أوريجانس عن دعواه هذه بإثباته حريّة الكائنات في أمر اختيارها، وبإصراره على تساوي النفوس منذ البدء كذلك، يصوّر فالنتينُس ولادة الابن من الأب على نفس طريقة بني آدم ومثل ولادة الأحياء أي بانقسام جوهرهم، إذ يبزغ الابن من الآب كامتداد له. إلا أن أوريجانوس لا يرضى عن هذا التصور: فالولادة ولادة روحيّة، إذ يمكث الابن في حضن الأب، مع كونه متميّزاً عنه بأقنومه، وحاضراً بروحه الإنسانية على الأرض.
ولدي مرقيون اعتقاد آخر بالله : إنه إله عادل وفق كتب العهد القديم، وليس هو باله صالح، بل إنه إله قاس وشرّير بشكل فاعل. فيرد أوريجانوس على ذلك، من خلال تورياته المعهودة، مفسرا مشاهد القسوة التي ترد في أسفار العهد القديم، وصائناً صلاح الخالق عبر فرضته الشهيرة، الداعية بوجود سابق للأنفس.

كذلك قاوم أوريجانس دعاة تماثل الأقانيم الثالوثية، إذ علّم سابيليوس أن الله أقنوم واحد أعطى الناموس لبني إسرائيل بصفته الآب، وصار إنساناً في العهد الجديد بصفته الابن، وحلّ على الرسل في علّية صهيون بصفته الروح القدس.  ففند أوريجانوس مزاعم مونتانيس وسابيليوس، وحرص على إبراز هوية كل أقنوم والتشديد على فرادته إزاء الآخر، ضمن وحدة الجوهر الذي يوحد الذات الإلهية، ونفي قبوله برأي انبثاق الابن من الآب وكأنه امتداد، أو انسلاخ.
 كما تصدى أوريجانوس لبعض المسيحيين الذين كانوا يعبدون الله ويصوره بشكل إنسان له رأس ويد و…… وقد انتفض أوريجانس على المتشيعين لهذا المذهب، وأوضح ببيان العبارة خلو الله من الجسم خلواً تاماً.
ثم مجموعة أخرى منهم تعتقد اعتقادا راسخا ، بناء على ما جاء ذكره في رو (۱:۲۰ -۱۰)، أن المسيح وأعوانه يملكون ألف سنة في أورشليم الأرضيّة، ثم تحل القيامة الأخيرة. وقد شجب اوريجانس هذا التعليم أيضاً شجباً قاطعاً.
 
فاصل

الجدل حول تعاليم أوريجانس

تمتاز النقاشات التي دارت بين عظماء الكنيسة في موضوع تعاليم أوريجانوس بطابع فريد جداً، ومعقد للغاية. فقد اندلعت بدون سابق إنذاروبقوة، وانطفأت نارها فجأة. وزادها تعقيداً الخصومات الشخصية العديدة ، والمسائل المتنوعة التي اعترضت سبيلها، دون أن تمت بصلة إلى موضوعها الرئيسي، الذي أثار الجدل اللاهوتي. لذلك، يبدو على عرض موجز وخاطف يتناول المواجهات الكلامية أنه صعب، بل مستحيل، على الراغب به. لقد  حتى إنه لا مناص من أن يخلص المرء إلى استنتاج : لم يكن الجدل إلا سطحياً، وإيمان أوريجانس القويم إلا نقطة عابرة في موضوع الخصومات.

الأزمة الأولى

إندلعت نيران الأزمة في صحراء مصر، وامتدت إلى بلاد فلسطين ،وخمدت نارها  في مدينة القسطنطينية بإدانة الذهبي الفم.

خلال النصف الثاني من القرن الرابع ، تشیع رهبان النطرون في صحراء مصر لتعاليم أوريجانوس، بحماسة منقطعة النظير. وكان إلى جانبهم، في صحراء إسكوت، رهبان آخرون يعيشون. فلما وجدوا أنه هناك مجازفة في الانجراف المفرط وراء تعاليم أوريجانس، خوفاً من أسلوب التورية الذي يعمد إليه. فمالوا عن ميلهم؛ وإذ غالوا في ردة فعلهم وقعوا في فخ النقيض، متشيعين لرؤية التصوير الإنساني(أن الله له جسم أنساني، رأس ويد ورجل و……)، ورافضين التورية. ولكن هذه الجدالات المذهبية انتقلت إلى الأديرة في فلسطين شيئا فشيئا، وكانت رعايتها مسندة إلى القديس إبيفانوس، أسقف سلامينا. وكان هذا على عداء مستحكم للآراء التي دعا أوريجانوس إليها في تعليمه ،  فحارب تعاليمه في كتاباته، وعقد العزم على منع انتشارها ، والقضاء عليها .

وعند زيارته أورشليم، في العام 394م، ألقى عظات مليئة هجوماً ضد أضاليل أوريجانوس، على حد زعمه. وخطب مرات في حضور يوحنا أسقف المدينة ، دون أن يخفف من نبرة حملته ؛ وكان يوحنا من الموالين لأوريجانوس وأفكاره. فانبری بدوره يخطب في رعيته رداً على ما يروجه إبيفانوس من تحذلق، ومنتقد مذهب التصوير الإنساني الذي يسانده هذا الأخير. فما كان من إبيفانس إلا إبراز صموده.

فبادر إلى رسامة بولينياس، أخي القديس إيرونيمس، وأقامه کاهناً على مكان يخضع لكرسي أورشليم. وعندها ملأت المرارة قلب يوحنا لأجل اغتصاب حقوقه ، وفتح باب الصراع على مصراعيه.

وأزداد الوضع صعوبة، إذ دخل المشكلة شخصان أخران وكان أحدهما، وهو القديس إيرونيمس، قد سكن بيت لحم منذ مدة، قاصداً المكان لأجل الوحدة. والآخر، روفيس، أقام على جبل الزيتون، للغاية عنها. وكان هذان الرجلان قد وفدا من رومة للتنسك على أرض السلام، فربطت صداقة متينة بينهما. وفي العام ۳۹۲، جاء شخص يُدعى أتربيوس، وهو أحد رهبان صحراء إسكوت، أورشليم واتهم كليهما بالتشيع الأفكار أوريجانوس، والدعوة بتعاليمه. فأصاب الاتهام من قلب إيرونيمس وتراً، لشدة حرص هذا على الإيمان القويم. وما كادت سنتان تنصرمان على اتهام أتربيوس حتى انتحى إيرونيمس جانب إبيفانوس في الولاء، وسنده في قضيته، بل ذهب به تشیعه مذهب، فبادر إلى نقل جواب إبيفانس عن شكوى يوحنا، أسقف أورشليم ، إلى اللاتينية.

وعلم روفينوس بأمر النقل هذا، فلم يُسره الأمر. ولما كان إيرونيموس قد حرص حرصه على إبقاء عمله طي الكتمان، ساءه معرفة روفينوس بمحاولته، فاشتبه بمواقفه المترصدة له، وادعى عليه أنه حصل على الترجمة احتيالاً ولم تفلح تجربة الصلح بين الرجلين، فاشتد عداء الواحد للآخر، وتصلبا في مواقفهما. حينذاك، أقدم روفيس على نقل مؤلف أوريجانوس في المبادئ إلى اللاتينية، عام ۳۹۷، وكان يومئذ في روما. واحتذى في نقله مثل إيرونيموس، مذكراً بإطرائه الذي أطرى به على معلم الاسكندرية، في مقدمة الترجمة، افتضاحاً لأمره. فشق السعي الذي سعى روفینوس به على القديس إيرونيمس، وآلمه صنيعه جدا. فكتب رسائل إلى أصدقائه الأوفياء لكي يدحضوا ما تجاسر روفینوس به عليه. وافتضح مغالط اوريجانوس أمام البابا أناستاسيوس؛ وحاول أن يكسب بطريرك الإسكندرية إلى قضية المناوئين لتعاليم أوريجانوس. بعد ذلك، شرع بإطلاق العنان لجدل قاس مع روفينوس، تميز بمرارته لدى كل من الرجلين. أما بطريرك الإسكندرية ثيؤفيلوس فكان موالياً لأفكار أوريجانس، منتصراً لها حتى العام 400. وكان كاتم أسراره إيزيدورس ، أحد رهبان وادي النطرون السابقين، وأصدقاؤه الإخوة الطوال القامة»، أعمدة الفريق المتحزب لأفكار أوريجانوس، الثقات. وكان البطريرك قد أيد يوحنا، أسقف أورشليم، في أثناء نزاعه مع القديس إبيفانوس، وافتضح أمر تصويره الإنساني أمام البابا سیریکیوس. ولكنه انقلب فجأة، وبدل آراءه فاستعاض عنها بأراء مناوئيه. أما سبب هذا التغيير المفاجئ فمجهول. ويروى أن رهبان صحراء إسكوت قد استاءوا من رسالة الفصح التي كان البطريرك قد أعدها سنة ۳۹۹، فاقتحموا عنوة داره الأسقفية وتهددوه بالقتل إن لم يتنكر لما يتشيع له من تعاليم أوريجانس. إلا أن الأمر الثابت حقا أن البطريرك شاجر أمين أسراره ، إيزيدورس، بشأن مال، وخاصم الإخوة الطوال القامة» كذلك، الذين عابوه على بخله ومسلكه الدنيوي. وإذ انكفأ إيزيدورس إلى القسطنطينية، ومعه «الإخوة الطوال القامة»، حيث أضافهم الذهبي

الفم وتشفع بهم، دون أن يقبلهم في الشركة مع ذلك إلى أن ترفع الحظر عنهم، اقر بطريرك الإسكندرية رأيه على نهج. فعزم على الإجهاز على تعاليم أوريجانس حيثما تفشت، ونال بحجته تلك من الذهبي الفم، وكان يكن له الكره والحسد. فعمل دون هوادة ولا شفقة مدة أربع من السنين على عزمه هذا، وفاز بتحريم كتب أوريجانوس في مجمع عقده بالإسكندرية، عام 400. ثم طرد الرهبان وشردهم بعيدا عن أديرة النطرون. وكتب إلى أساقفة قبرس وفلسطين يسألهم أن ينضموا إليه في حملته على مذهب أوريجانس. وقد كانت الغلبة تفوق ما تطلع البطريرك إليه، إذ وافقه أساقفة قبرس الرأي والدعوة. أما أساقفة فلسطين فتلاقوا في أورشليم، وأدانوا الأضاليل التي أوعز بها إليهم ؛ ولكنهم أضافوا إلى قراراتهم أنه لم يعلم بها أحد في وسطهم. كذلك، أدان البابا أناستاسيوس الطروحات التي اقتطفت من كتب أوريجانس، معلنا في الوقت نفسه أن هذا الرجل غير معروف لديه حق المعرفة .وعمد إيرونيمس إلى نقل أقاويل البطريرك المختلفة إلى اللاتينية، بما فيها هجاؤه اللاذع للذهبي الفم. ونعت القديس إبيفانوس هذا الأخير بمجازف، بل بشبه منشق، إذ إنه سبق ثيؤفيلوس إلى القسطنطينية. وما إن سطع فجر الحقيقة بإطلالته البهية حتى استنار بيفانوس بسنيه ، وإذ لمس من أمره خيبة موقفه غادر القسطنطينية على حين غرة، وقفل راجعاً إلى دياره. ولكن المنون استوفته قبل أن يبلغ سلامينا.

وغني عن البيان دهاء ثيوفيلس البطريرك : فإذ استدعاه الإمبراطور إلى حضرته لكي يسمع منه شرحا عن موقفه من کاتم سره إيزودورس، ومن «الإخوة الطوال القامة»، برع في قلب الأدوار، وبدل أن يكون المتهم في قضية ، أمسى المشتكي. فنجح في حمل الذهبي الفم على المثول أمام مجمع أطلق عليه اسم «مجمع السنديانة»، وفيه أدان الملتئمون الذهبي الفم. وما إن بلغ البطريرك مأربه من الإدانة حتى هدأت الأزمة ، فما عاد يسمع أحد عن الأوريجانية نبرة شفة. بل الغرابة ، كل الغرابة ، في الأمر أن البطريرك عاد يقرأ كتب أوريجانس. ثم عقد صلحا مع «الإخوة الطوال القامة»، المتشيعين الأشداء لتعاليمه، ولم يفرض عليهم أن يتنكروا لها. وما كادت النزاعات الشخصية تهدأ حتى تلاشی شبح الأزمة.

۰ الأزمة الثانية

بعد أكثرمن قرن من الزمان على انقضاء البلبلة الأولى، اندلعت  فتنة ثانية حوالي العام 514. كان ذلك في وسط رهباني أيضاً، وإنما في أورشليم وجوارها حيث كان يعيش راهب يدعی إستفانوس بن سُديلي. وهو من الرها، موطنه الأصلي،عُرف عنه تشیعه لطريقة أوريجانوس، اضطر إلى أن يهجر دیره. فتوجه إلى أورشليم ، وأقام هناك في أحد الأديرة. ولكن سبب بعده عن موطنه اتضح فيما بعد، حينما استقر به المقام في جوار أورشليم. فقد كان له أفكاراً لاهوتية خارجة على الإيمان القويم؛ وله سعايات وطرق غير مستقيمة. بدأت الاضطرابات والفتنة تشتعل ووقودها أفكار إستفانوس هذا، الآخذ بتعاليم أوريجانوس دون أن يعمل بها، المتسلح بأفكاره عن مواربة. وتأرجحت بين الأزمة والتهدئة حينا بعد حين، على طول ثلاثة عقود من السنين، كان رهبان هذا الفريق، التابعين لأفكار إستفانوس، يطردون من أديرتهم ثم يعودون إليها.

في أثناء الاضطرابات هذه، ارتقى راهبان السدة الأسقفية : أحدهما، المدعو ثيوذورس أسكیداس ، على كرسي أنقيرة في بلاد غلاطية ، والآخر، دوميتيانوس، على كرسي قيصرية الكبادوك. وإذ كانا مقربين من الإمبراطور حظيا بوده ، وأقاما كلاهما في قصره، وكانا يطلعانه على ما يجول في تخوم أورشليم والنواحي القريبة منها.

على أثر ذلك، بادر الإمبراطور إلى وضع کتاب ضد أوريجانوس، أدرج فيه الاسباب الداعية إلى الحكم عليه ، وضمنه أربعة وعشرين نصاً يشتبه في صوابها، اقتبسها من كتاب المبادئ، وأضاف إليها عشرة طروحات لكي ينزل الحرم بها. ثم أهاب يوستينيانوس الإمبراطور بالبطريرك مناس لكي يجمع إليه أساقفة القسطنطينية ، ويحملهم على أن يوقعوا على هذه الحرمات. وكان ذلك في مجمع محلي عام 543 ( مجمع للكنيسة الخلقدونية، غير مُعترف به من الكنائس اللالخلقدونية).وأرسلت صورة من المرسوم الإمبراطورية إلى سائر البطاركة، بمن فيهم البابا فيجيليوس، فوافقوا على ما جاء فيه.

يغلب الاعتقاد أن دوميتيانوس وثيوذورس أسكیداس، الأسقفين اللذين رأسا فريق الرهبان المتشيعين لأفكار أوريجانوس في أورشليم، قد عقدوا النية أولاً بأن يمتنعا عن الحكم على هذا الأخير عندما يدعوهم البطريرك مناس لأجل ذلك. إلا أنهما خشيا أن يفقدا حظوتهما لدى الإمبراطور، ولم يتوانيا عن التوقيع ، فأصبحوا أكثر قوة مما كانا عليه من ذي قبل. ولكن أسكیداس انتقم لأجباره على التوقيع على الحرم، فنجح في إقناع الإمبراطور بأن يحكم على ثيوذورس، أسقف مصيصة؛ وكان هذا الأخير عدو لدودة لأوريجانوس. فعقد الإمبراطور المجمع المسكوني الخامس، وحكم على ثيوذورس واثنين آخرين، في العام 553.

تلك كانت الظروف التي اكتنفت نشوء خلافات حملت اسم أوريجانوس، وهو براء منها. عاثت المصالح فيها فراقاً شديداً . فحمل أوريجانوس تبعة ذلك كله، وهو الذي لم يرم إلى شيء منه قيد انملة ! 

 
فاصل

أوريجانوس بعيون محبيه وخصومه

 ولان أوريجانوس كان شخصية عجيبة فقد كان موضع نقاش في حياته وبعد مماته . إلا أن أصدقاءه وخصومه قد اعترفوا جميعاً بما كان له من اثر بعيد المدى لا في إثناء حياته فحسب بل وبعد مماته ايضا، وكان القرنان الثالث والرابع يفيضان بتلاميذه ، ومن ابرزهم:
  • اوسابيوس القيساري ابو التاريخ الكنسي 
  • وديديموس الضرير العلامة البصير الذي حمل رسالة أوريجانوس الفكرية الروحية وضمنها مؤلفاته ليتناقلها الخلف عن السلف.
  • القديس أثناسيوس الرسولي مدح أوريجانوس في الرسائل عن الروح القدس الي الاسقف سرابيون إذ يقول” لقد قرأت ما كتبه القدماء وخاصة العلامة مُحب التعب أوريجينوس ……. هذا ما ذكره هذان الكاتبان المجاهدان”[22]
  • بمفيليوس احد قساوسة قيسارية فلسطين الذي دفعه ولعه بالكتب المقدسة إلى أن ينسخها بيده – فنسخ معظم كتب اوريجانوس وكان يعدها أعظم من كنوز الملك قارون حتى أنه كان يقول : إذا كان الحصول على خطاب من احد الشهداء متعة روحية عظمى فكم تكون عظمة المتعة الروحية التي تروي ظما النفس المتعطشة لله متى حصلت على الاف السطور التي يكتبها أوريجانوس بقلمه فحسب وإنما كتبها من عصارة فكره وقلبه ايضا، (23).
  • غريغوريوس صانع العجائب الذي لم يكتف بحمل التراث الأوريجانى الفكرى لنفسه بل اوصله إلى الكبادوكيين.
  • باسيليوس الكبير كاتب القداس واخوه الروحي غريغوريوس النزينزي اللذان بعد أن تعمقا في دراسة مؤلفات اوريجانوس اقتبسا منها الشي الكثير وضعاه في كتاب لتعليم النشء اسماه فيلوكاليا.
  • غريغوريوس اسقف نيصص ( أخو باسيليوس الكبير بالجسد) الذي استوعب تعاليمه الروحية التصوفية وأعلنها للملا.
  • ايفاجريوس البنطى أحد المتاملين في الإلهيات الذي اعلم كاسيانوس بتعاليم أوريجانوس فنشرها هذا بدوره بين الآباء الغربيين – وبين هؤلاء الغربيين
  • روفينوس الأكويلي الذي أخذ على عاتقه نشر تعاليم اوريجانوس بين قومه .
  • اما ايرونيموس فقد قال في ترجمته اللاتينية لكتاب : الروح القدس ، الذي وضعه ديديموس الضرير مدير المدرسة الاسكندرية : أن فلسفة امبروسيوس أسقف ميلان واغسطينوس ( كبير معلمي الكنيسة اللاتينية ) لم تكن إلا مقتبسة من التعاليم المجيدة التي نادي بها أوريجانوس الفيلسوف الاسكندري الكبير.
 ومن ابدع ما كتبه انسان عن آخر تلك الكلمات التي قالها غريغوريوس صانع العجائب يصف ما أحس به حين وقعت عيناه على اوريجانوس لأول مرة وهي : “لقد خيل لي ان جمرة نار قد وقعت على نفسي فأشعلتها والهبتها بالمحبة الجياشة للكتب المقدسة ولهذا الرجل المفسر لها . ولقد اتقدت هذه الجمرة إلى شعلة في داخلي حتى لقد أنستني كل ما كان يهمني في ما مضى فلم أعد أعيا بدراساتي السابقة ولا بالقانون الذي كنت شغوفاً به ، بل لقد نسيت بلادي واقاربي والسبب الذي لاجله جئت إلى قيسارية والغرض من اسفاري، (24).
يضاف إلى هؤلاء الفحول الالاف من الناس الذين تتلمذوا لمؤلفات اوريجانوس على مر العصور ، ومازال له في هذا العصر انصار ومريدون.
على أنه ليس بين الكتاب المصريين من استطاع أن يحلل تلك الشخصية العجيبة لان كلا منهم استهدف تحديد مجهوداته رغم سعتها، فهو معلم ومفسر للتعاليم الإلهية ، ومجاهد مسيحي ، وفيلسوق ممتاز، وروحاني عظيم – وصفوة القول انه عبقري فريد له في نواحي الفكر النصيب الأوفي إذ أنه أول من وضع الأسس التي قام عليها تفسير الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ، وأول من عني بكشف غوامض الأسرار المسيحية ، وأول من مهد الطريق أمام كل من يريد أن يسمو إلي ادراك العزة الإلهية(25).
 
خصومه:
و إن شخصية بلغت هذا التفوق لابد ان تستثير المحبة والكراهية معاً – فليس بغريب أن تثار حولها المناقشات العنيفة . ولقد تألب الحسد والسياسة والسذاجة جميعاً على أوريجانوس وتأمروا على مناوأته. لهذا نجد بين الاف المعجبين به من شذ على هذا الاعجاب فيحاول الحط من مكانته بتشويه مؤلفاته.
  • واول من كتب ضد أوريجانوس ميتوديوس أسقف أولمبيا. غير أن سقراط المؤرخ الكنسي أثبت في تاريخه أن ميتوديوس – في اخر ايامه – ادرك خطاه في اضمار العداوة لاوريجانوس لوضع كتابا ذكر فيه اسم خصمه بكل وقار واعجاب(26).
  • اما الخصم الثاني لأوريجانوس فهو ابيفانيوس أسقف سلامين بقبرص وليس من شك في ارثوذكسية هذا الأسقف وفي غيرته ، إلا أنه رغم هاتين الصفتين كان ساذجاً إلى حد بعيد فردد كل الانتقادات التي سمعها عن الفيلسوف  الاسكندري من غير تمحيص(27).
  • والخصم الثالث هو الأنبا ثيئوفيلس البابا الإسكندرى الثالث والعشرون – كان في بادئ الأمر من اشد انصار اوريجانوس ومن اكبر المعجبين به .وكان مشاركة الأخوة الطوال في مخاصمة أبيفانيوس لاعتباره أوريجانوس مبتدعاً في الدين . غير أن ثيئوفيلس – لما وقع الخلاف بينه وبين هؤلاء الأخوة. غير معتقده في أوريجانوس فحرمه وحرمهم، ولقد توجه الاخوة الطوال بعد ذلك إلى القسطنطينية حيث رفعوا أمرهم إلى اسقفها يوحنا ذهبي الفم الذي بعد أن فحص دعواهم وثبتت له صحة عقيدتهم قبلهم في شركته . ونظراً لما كان بين ذهبي الفم وبين ثيئوفيلس من العداوة القديمة انتهز هذا الأخير تلك الفرصة فعقد مجمعاً في البلوطة سنة 403م حرمه فيه بعد أن اتهمه بالأوريجانية. والأوريجانية التي حرم بسببها ذهبي الفم ابتداع وهمي يتذرع به ذوو الأغراض لتنفيذ أغراضهم ، بدليل انه لما نفى ذهبي الفم عاد ثيئوفيلس فتمسك بالاراء التي كان قد وصفها بالاوريجانية ، فصالح اوسابيوس وأنثيموس ( وهما من الاخوة الطوال ) وسعي في تحسين سمعة الأخوين الأخرين ديسقورس و امونيوس اللدين كانا قد توفيا قبل ذلك بزمن يسير. ولما ابدى بعض أصدقاء البابا ثيئوفيلس دهشتهم من تصرفه هذا أجاب أنه يعرف كيف يقطف الورد من بين الأشواك(28).
  • اما الخصم الرابع فهو ايرونيموس (جيروم) – وهو ايضا كان من المعجبين باوريجانوس ولكنه تحول عن هذا الاعجاب بسبب منازعاته مع روفينوس الأكويلي ، ويكفي هنا ذكر كلماته عن صاحب الترجمة قبل أن يحمل عليه حقداً حيث قال ” لم يكن أوريجانوس مجرد كاتب عذب المشرب ، أو مجرد مؤلف تفوق على اقرانه ، بل كان – بلا جدال – المعلم الأول لجميع الكنائس بعد الرسل . ولا ريب في ان أراءه إنما تعبر عن الأرثوذكسية التي لم يشبها ضلال أما الذين الهب الحسد قلوبهم فاتهموه بالابتداع فإن هم إلا كلاب كلبة.
  • وقد أضاف انتيباتير أسقف مسطرة إلى عداد خصوم اوريجانوس، القديس بطرس بابا الإسكندرية ال۱۷ وخاتمة الشهداء ، غير ان ذلك القول هو محض كذب على التاريخ وافتراء صرف على القديس الشهيد الذي لقب بيروس ( مدير المدرسة اللاهوتة في عهد البابوين – الاسكندريين ديونيسيوس ومكسيموس) « بأوريجانوس الجديد»” إحياء لذكرى «اوريجانوس العظيم». 

وإننا لو وازنا بين خصوم اوريجانوس واصدقائه لخرجنا بنتيجة هي ان جميع اصدقائه كانوا من فطاحل أباء الكنيسة الذين رفعوا لواء الأرثوذكسية عالياً. وكفي دليلاً على ذلك أن يكون بينهم اثناسيوس ( البابا الإسكندري الـ۲۰) الذي أطلقت عليه الكنيسة لقب رسولى ، نظراً لجهاده الذي شابه جهاد الرسل . فلم يكتف هذا البابا الإسكندرى الجليل بالمصادقة على كل ما كتبه أوريجانوس، ولكنه استعان بمؤلفاته في مجمع نيقية لتدعيم دستور الإيمان الذي وضعه ذلك المجمع المسكوني المقدس(29) فهو قد ساق إلى أباء هذا المجمع المسكوني امثلة عديدة من اقوال اوريجانوس هذه احداها : لما كان الله تعالى غير مرئي كانت صورته غير مرئية أيضاً ، ولان الله لم يره احد قط فإن الإبن الذي هو في حضن ابيه هو خبره (30) لأنه حين شاء جل اسمه أن يعلن ذاته للناس رأى أن يقدم لهم هذا الاستعلان في شكل مرئي لكي يدركوه ، وهكذا تجسد الإبن الكلمة فتقدم إلى الناس في صورة مرئية لله غير المرئي ، واني لأجرؤ على القول بانه مادام الإبن صورة للأب فلم يمر عليه حين من الدهر لم يكن فيه إذ هو ازلى كالأب تماماً. لأنه متى كان الله (الذي يدعوه يوحنا بالنور) من غير بهاء مجده حتى يتجاسر إنسان أن يقول آن للإبن بداية كانه قد مر عليه حين من الدهر لم يكن فيه ؟ ثم متى كان هذا الحين الذي لم توجد فيه صورة الأب غير المدرك غير الموصوف غير المستحيل ؟ وكيف يمكن أن لا تكون الصورة وهي الختم والكلمة الذي هو وحده يعرف الأب؟ فليعلم كل من يجسر على القول : لقد مر حين من الدهر لم يكن فيه الإبن أنه بقوله هذا إنما يقول : مرّ حين لم تكن فيه الحكمة ولم يكن فيه الكلمة ولم تكن فيه الحياة” (31).
وينضم إلى البابا الإسكندرى الجليل البطريرك القسطنطيني القديس يوحنا الذي أطلقت عليه الكنيسة لقب ، كريزوستوموس ، ( الذهبي الفم) والذي تتلمذ لمؤلفات أوريجانوس العظيم .
وليس ذلك فحسب بل أن الكنيسة حتى الآن تعمل بارشاداته فيما يتعلق بالصلاة فهو الذي قال بان الناس يجب أن يصلوا وهم وقوف رافعين اعينهم وأياديهم إلى العلا ومتجهين نحو الشرق حيث بزغت شمس البر . لأن الإنسان حين يصلي يتجه بروحه نحو السماء – أي نحو العلا – كذلك أمن اوريجانوس بأن الكلمات الصادرة عن القديسين في صلواتهم مشحونة قوة عظيمة خصوصاً وأنهم يصلون بالروح وبالفهم. وهذه القوة شبيهة بالنور المنبعث من داخلهم، وحين تظفر من شفاههم هذه الصلوات تدعمها نعمة الله على الفور فتفيض عليها قوة تمكنها من سحق الأفكار الشريرة. لهذا وجب على أبناء الله أن يطلبوا في صلواتهم الحكمة والجمال الروحي.
ونصيحته هي :  حينما ترى النفس البشرية – حتى وهي بعد مسجونة في الجسد – جموع الملائكة ورؤساء الملائكة والكراسي والربوبيات والسلاطين ، وتدرك خلال هذه الرؤيا ان في إمكانها أن تنال كرامة من الله مماثلة لكرامة هذه القوات السمائية ، حينذاك ستحتقر كل الأمجاد العالمية التي يسعى نحوها الحمقى . لذلك يجب أن نطلب الأمجاد الحقيقية التي هي أمجاد السماء …..
أما الاستشهاد فكان أوريجانوس يعده اقدس واجب موضوع على المسيحي … فالشهداء هم الصفوة المختارة وهم الذين سيجلسون إلى جانب الله تعالى حول عرشه ، ولا شي من الدينونة عليهم إذ قد دفعوا دماءهم ثمنا للعفو الذي نالوه والذي في امكانهم ان يمنحوه لغيرهم … فمن المستحسن أن يذكر كل منا كم من المرات حفظنا الله من الموت، فتساءل أنفسنا . الا يكون الله قد حفظنا لنؤدي خدمة اعظم ؟ (32).
 وان من يمعن التأمل في حياة أوريجانوس يجد أنها تتلخص في أنه رأى نور المسيح مواجهة فعكس هذا النور البهي الخاطف على أخوته في البشرية واندفع ببريق هذا النور نحو بلوغ الكمال المسيحي.
 
فاصل

أوريجانوس والأوريجانية

قبل أن نتكلم في تعاليم أوريجانوس يجب أن نوضح عدة نقاط مهمة:

    • على كل كاتب أو باحث في أمور اللاهوت أن يُقبل على تعاليم أوريجين من الباب الذي ولج منه، حتى لا يجور عليه بأحكام غير مناسبة، وأوريجين علّم ركائز الإيمان على أساس مبادئ ثابتة، جعلها صريحة، ففي مقدمة كتاب المبادئ يقول” يجدر المحافظة على البشارة الكنسية كما نُقلت منذ الرسل بالخلافة، وأودعت في الكنائس حتى الآن،والحقيقة التي ليست على تناقض والتقليد الكنسي والرسولي توجب وحدها الإيمان بها”
    • كان هدف أوريجانوس من كتاباته الوقوف في وجه المضللين وتعاليمهم، وإرساء قواعد الإيمان السليم. وقد حملته غيرته على دحض بدع كبيرة في شخص الاقانيم الثلاثة. بالإضافة إلى أن التعبير عن عقائد الإيمان لم يكن قد وجد سبيلاً إلى الوجود، والمصطلحات اللاهوتية لم تكن قد وجُدت بعد، ولا السلطة الحاكمة تُعطي للكنيسة حق التحديد والتحريم في العقائد، ولا مجامع مسكونية تحكم في المسائل المتنازع عليها، ولا لغة سوئ لغة الفلسفة وسيلة تعبير عن المفاهيم. وسط كل هذا وضع معلم الإسكندرية كتاباته وصاغ تعاليمه. وإن بدت منحرفة في بعض النقاط ، غير مستوية في بعض تحديدات، هجينة في بعض النواحي، فلا عيب في شرودها ما دامت تلتمس في عتمة فكر نور سر كوني. 
    • كتب أوريجين في بداية القرن الثالث عندما كانت الفلسفة هي اللغة السائدة في النقاش والجدال، فكانت كتابته تحمل الطابع الفلسفي وهو ما تبدل في القرون اللاحقة عندما فقدت الفلسفة أهميتها. مثال على ذلك : في اللغة الأفلاطونية الحقيقة نقيضاً لما يشاهد، أي الصورة، لا لما يُصدق، أي الكذب. فحينما تكلم أوريجانوس على المسيح قائلاً فية إنه صورة الله، رمى إلى هذا المعنى الإفلاطوني الذي يشدد على الفرق بين ما لا تشاهده العين، أي الحقيقة، وما تشاهده أي الصورة. لكن ايرونيموس (جيروم) لا يبدو عليه أنه أدرك فكر أوريجانوس بلغته الأفلاطونية هذه، إذ يقول إنه تحدث عن حقيقة وهمية في شخص المسيح. كذلك لا يجب أن نسقط التطور اللاهوتي من أمام العقل، فلم يكن يوستينيانس لاهوتياً، وما عُرف عنه يوماً إنه علّم أصول الديانة المسيحية، ولكنه تجرّأ على أوريجين وأتهمه بالنسطورية، وذلك عقب فترة النزاعات الثالوثية المريرة والجدل حول شخص المسيح، على طول القرنين الرابع والخامس. فليس للفظ الشخص عند أوريجانوس المعنى ذاته عند كتّاب القرنين الرابع والخامس
    • كذلك أختلفت البدع من أيام أوريجين إلى القرون اللاحقة، أوريجين علم وكتب يحارب البدع المتفشية في عصره، وكذلك الكتّاب المسيحيين في القرون اللاحقة، ولكن البدع والهرطقات أصبحت مختلفة، فهؤلاء يقرأون كتابات أوريجانوس على ضوء بدع وهرطقات عصرهم، لا على خلفية الإنشقاقات التي تهدد العالم المسيحي في أيام أوريجانوس. وسوف يعيبون عليه عدم بصيرته، إذ عجز عن استباق التمزقات والإنشقاقات التي راجت شيئاً فشيئاً واستفحلت. كما سيأخذون عليه استعماله بعض العبارات التي تنطوي، في رأيهم على معاني مارقة. 

 

نقاط الجدل حول أوريجانوس

1- التفسير الرمزي:

يُعد أوريجانوس من ألمع المفسرين الذين درسوا الكتاب المقدس، وتميز عن غيره بسعة المعارف، ونباهة الفكر، وشمول النظرة. فهو واثق من حجته التي يدعمها بالايات الكتابية. وقد شهد الجميع له بذلك.

الكتاب المقدس عند أوريجانوس هو مشيئة الله التي يُظهرها للبشر، والكتاب كله موحى به من الله، لكن الوحي لا يلغي شخصية الكاتب. فعظمة الوحي عند أوريجانوس، أن الله ينفذ إلى أقصى الإنسان بحقيقته السماوية، من خلاله وعبر مشاركته. لذلك لا يستحوذ الروح على الإنسان لكي يشلّ مداركه ويحوله إلى أداه جامدة، بل يستمر الإنسان في حيازة ما هو له ويسخره في خدمة الكتابة.

وقد فسر أوريجانوس الكتاب المقدس على أساس المعنى الروحي والمعنى النفسي وبينهما المعني النفسي في المنتصف وقد أرسى قاعدة عمله على مبدأين:

  1. حري بالكتاب كله أن يلقى شرحاً لائقاً بالله، مؤلفه.
  2. لا يجوز أن يُعتمد على المعنى الجسدي لمقطع يحتوي على ما هو غير خليق بالله.

وعليه فلا تفصيل أورده الكتاب يمكن للقارئ أن يهمله، أو يعده بالياً، أو أن يتجرأ على حذفه. ذلك أن الكتاب كله قد أوحي به.

2- تبعية الأقانيم الإلهية:

سبق عدد من الكتاب الكنسيين أوريجين إلى الكلام على العلاقة بين الأقانيم الثلاثة. وقد أولجوا خطابهم في سكة الفلسفة، حيثما الواقع اللاهوتي في غير بيئته، فيما لم يكن الخطاب اللاهوتي قد شق طريقه إلى العقول، وفق مفاهيم عقائدية. هكذا نهج سابيليوس، وكيرتش من قبله، ومرقيون وغيرهم. فقد تكلم هؤلاء على الأرواح من حيث إنها كائنات مخلوقة، وجعلوا لها كساء أثيريّاً ترتديه حتى يمكن الفعل والحركة الديها. وحددوا علاقة كل من الأقانيم الثلاثة التي نادت الديانة المسيحية بها على أساس المفهوم الفلسفي، فميّزوا بينهم جميعاً على قدر انعتاقهم من هذا الكساء. لكن التعليم الذي نادي أوريجانوس به لم يحتذ حذو أولئك المؤلفين عندما تناول الثالوث الإلهي، مع كونه قد أخذ بنظرتهم في الكلام على الأرواح المخلوقة. وما أشيع عن نظرة معلّم الإسكندريّة من تبعيّة الأقانيم الإلهيّة ناجم عن إساءة فهم، من جهة، كما يُثبت أثناسيوس ذلك ، وعن غياب صيغ مضروبة في العقيدة الثالوثيّة، من جهة ثانية. والحق يقال في هذا، جعل أوريجانوس الأقانيم الإلهيّة الثلاثة تتميّز عن سائر الخلائق بنواحي ثلاث : في انعدام الجسم، أو الكساء المادي، بنحو منقطع النظير، وفي معرفة شاملة تامّة لا غضن فيها ، ولا شائبة؛ وفي قداسة الجوهر، أو الطبيعة.
وطد أوريجانوس أركان تعليمه الثالوثي على هذه الصفات ، فنادى بها كلها للأقانيم الثلاثة، موضحاً مرات عديدة أنهم لم ينتهوا إلى تلك الحال في وقت من الأوقات. بل، بالعكس من ذلك، كانت هذه الصفات ملازمة دائماً لكل أقنوم من الأقانيم، حتى إن سائر المخلوقات وجدت بفضل هذه الصفات الأزلية. كما يُظهر أوريجانس وحدة الطبيعة لدى الأقانيم الثلاثة، محدّداً إيّاها بالألوهية. إن هذه الطبيعة الإلهية حال الأقانيم الثلاثة معاً. بيد أن كلام المعلم الكبير على تفرد كل أقنوم تجاه الآخر امتثل للبعض وكأنه يحدّ من تماثله مع الآخر، فيجعل منه تابعاً له. فقوله، مثلاً، إن الفداء من شأن الابن وحده، دون الآب والروح، والولادة خاصة به كابن كما الأبوة بالآب، بدا عليه إثبات لتبعية الابن تجاه الآب، في أعين البعض. كما اشتمّ العديدون أيضاً من كلامه على مرتبة الآب الأسمى حذاء الابن والروح تبعيّة هذين له. فإن أوريجانس يردد مرات تقدم الآب تجاه الابن والروح، عندما يناديه مبدأ المبروءات، جاعلاً منه المصدر الوحيد الذي يولد الابن منه وينبثق الروح. ويؤكد أيضاً منزلته المنيفة كلّما ذكر اسم الأقانيم الثلاثة.
دحض القديس باسيليوس، ومثله غريغوريوس النزينزي، مزاعم العديدين من الهراطقة الذين لاذوا بكنف أوريجانس، فينا لهم إساءتهم فهم أوريجانوس واستقامة تعليمه الثالوثي. فكما الألوهة امتياز ينعم الأقانيم الثلاثة به دون سائر المخلوقات ، كذلك هم أصل القداسة، بالنسبة إليه. فالخطيئة تُغفر لمن يرتكبها عبر صفح من الآب والابن والروح معاً، الذين يحلّون القداسة محلّها. والدخول إلى شركة حياة، بالمعمودية ، مع الثالوث الالهي قائم لدى المؤمن بعمل مؤازرة يقوم به كل أقنوم، في شركة واحدة.
وكذلك النفس، التي يقيم الروح فيها بعد ذلك، فهي تحوز على الآب والابن أيضاً معاً. ومن الممكن القول إن ما يظهر من تبعيّة في عبارات أوريجانس يُرَةً إلى سكب الفلسفة الأفلاطونيّة. لا إلى انحراف في العقيدة الإيمانية.

واليك بعض أقوال العلامة للرد على البدع التي ظهرت قبله وفي زمانه وبعده:-

  • ” وهذه الولادة الأزلية والأبدية إن هي شبيهة إلا بالإشعاع الذي يلده النور. وفي الواقع، لا يغدو الأبن ابناً من الخارج، عبر تبني الروح، بل هو أبن في الطبيعة”[33]ضد بدعة اريوس
  •  “فالذي يعزو إلى كلمة الله وحكمة الله بداءة ألا يهزأ هزءاً على نحو كافر بالآب غير المولود، إذ ينكر عليه أن يكون دوماً أباً، وأن يكون قد ولد كلمة وأصاب حكمة في كل الأزمنة والقرون السالفة، كيفما أتفق لها أن تسمى؟” [34]ضد بدعة اريوس
  • “كيف يمكن التفكير والاعتقاد بأن الله الآب كان أبداً، حتى سانحة وقت، بدون ولادة هذه الحكمة (أقنوم الأبن)”[35]ضد بدعة اريوس
  •   “نعلم أن الله هو أبداً أب لأبنه الوحيد، المولود منه، والآخذ منه ما هو عليه، دونما أي بدء، زمنياً أو تعليلياً (يُميز أوريجانوس بين ابتداء وجود يحدث في الزمن، وابتداء موقعه في العلة. وهو ينفي الاثنين عن الأبن)”[36] – ضد بدعة اريوس
  • ” لا يجوز اعتبار الجملة التالية اعتبار تجديف: ما من صالح إلا واحد، هو الله الآب ، وكأن يُشتم منها نفي لجودة المسيح، أو الروح القدس. بل يجب وضع الجودة في الآب مبدئها، كما قلنا أعلاه. فالأبن المولود منه، أو الروح القدس الذي منه ينبثق، يستنسخان في ذاتهما بلا أدنى ريب طبيعة هذه الجودة المكنونة في المصدر، الذي منه يولد الأبن وينبثق الروح القدس[37] ضد بدعة اريوس ومقدونيوس
  • ” لا يخطر ببال أحد أننا نعلي الروح القدس تجاه الآب والابن، ونعزو إليه مرتبة أسمى بقولنا إن الروح القدس لا يتزود به غير القديسين، فيما تبلغ إحسانات الآب و الابن وفعلهما إلى الصالحين والأشرار، والصديقين والخطفة. إن هذا ليخلوا خلواً من أي صواب….. وفي سائر الأحوال، ما من أكثر أو أقل في الثالوث، ما دام مصدر ألوهية وحيد يسوس الكون بكلمته وعقله، ويقدس بروح فيه كل خليق بالتقديس” [38] ضد بدعة اريوس ومقدونيوس
  • “فالرب في الواقع قد نزل ليس فقط ليعتني بالذي لنا ولكن كي يحمله أيضاً، لأنه أخذ حالة عبد ، وبالرغم من أنه ذو طبيعة غير مرئية من قبل مساواته للآب، فقد لبس مع ذلك شكلاً مرئياً وعُرف كإنسان من خلال كل ما بدا منه” [39]ضد بدعة اريوس“أما ما يتعلق بنفس المسيح فتذهب طبيعة التجسد، متى نظرنا إليها، بكل معضلة. لأنه كما حاز جسماً بالحقيقة، فإنه قد حاز نفساً بالحقيقة” [40]ضد بدعة ابوليناريوس 


3- الخلائق: أصلها ومصيرها وطبيعتها

تظهر عثرات التعليم اللاهوتي عند أوريجانوس، عند تطرّقه إلى مسألة الخلائق العاقلة، أصلها ومصيرها وطبيعتها. وسبب هذه السقطة هو اللجوء إلى علم الكلام فى المسائل اللاهوتيّة. فقد كان هدف أوريجانس مقاومة الفلاسفة الوثنيين وتفنيد دعواهم بعدم خلق المادّة، وخاصة أن عملهم الفكري إلى جواره في الإسكندرية كان يعرقل تقدّم عمله بين تلامذته . فرأى من نفسه الواجب بالخوض في هذه المسائل الشائكة، التي يبلبل هؤلاء بها عقول البسطاء. وعقد العزم على ارتياد المبادئ بفكره، مبادئ المواضيع التي يجادل المتحذلقون بشأنها، مما يعلمه في موضوع الإيمان المسيحي.
فأعطى كتاباته تلك عنوانها في المبادئ.

تنبه أوريجانس نفسه إلى مخاطر الكلام في المسائل المطروحة عليه. لذاكثراً ما كان يمهد، في رأس الأبواب لوعورة المناقشة. وكثراً ما يرتد عن ضرورات العقل نحو ثوابت الأسفار المقدسة، لصعوبة التسليم بقوى التحليل الفكري وحدها. بل يقر غالباً بجهله إزاء نتائج يبلغ إليها عن طريق الفلسفة. ولكنه لا يأبي، مع ذلك كله، عن الجسارة على التكلم في كل مسألة طرقها خصومه. لذلك، أثبت أموراً أنكرها هؤلاء، بلغ إليها سالكاً معارج المنطق والتحليل. أمّا النقاط التي زاغت نظرته فيها عن نهج الفكر اللاهوتي القويم، فتتمثل في أمور ثلاثة :
 

أ- أزلية الخليقة

بحسب أوريجانوس أن كل شكل كيان، روحاً كان أم جماداً ، أم إنسان أم عالماً أم غيرها، من أشكال الكون الأخرى، خليقة. ذلك أن الله وحده هو خالق الجميع، دون أن يسبقه شيء إلى الكيان، مبدأ الوجود. ويعتقد أوريجانوس اعتقاد راسخاً بأن الله بادر دائماً إلى عمل الخلق، منذ الأزل، إذ “لا يُعقل”، على حد زعمه، تصور الله دون عمل، أو صلاحه بلا أثر فاعل. فالخليقة أزلية في فكر الخالق، لكن لها بداية مادية في الزمن.
ويستخرج أوريجانوس من ذلك عالمين آخرين، يسبق بعضهم عالمنا الذي نعيش فيه، فيما يتلو بعضه الآخر هذا الأخير.

ومن أقواله في ذلك:-

  • “والفلسفة المسماه أخلاقية وطبيعية تعتقد في مجملها تقريباً فيما نعتقده نحن، إلا أنها تختلف معنا حين تقول إن المادة شريكة مع الله في الأزلية”[41]
 

 ب- تساوي الأرواح المخلوقة منذ البدء:

بحسب أوريجانوس،إنه عند بداية الخليقة، كانت جميع الأرواح متساوية. وأخذت حرية الارادة من الله، فبعضها تقاعس عن أداء عمله فهبطت إلى الأرض.


 ج-  شمولية الخلاص والبعث الأخير

الخلاص عند أوريجانوس هو عودة إلى حالة النقاء الأولى ، إنه أشبه بجريان في دائرة ينتهي عند نقطة البداءة. لذا، يتكلم أوريجانس على فكرة البعث الأخير وفكرة الانطلاقة الأولى ماثلة أمام ناظريه. ويبدو من أقوال المعلم الكبير أنه بلغ إلى تعليمه هذا بناء على ما قرأه في أفلاطون، وفي بولس. فقد جاء في 1 كو 15: 28 : «ومتي أخضع له كل شيء، فحينئدٍ يخضع الابن نفسه للذي أخضع له كل شيء، ليكون الله كلاً في الكل». ويفهم أوريجانوس هذا التأكيد بشكل دائري، أي أن إخضاع الابن كل شيء لله، وإقامة الله بكليته في كل شيء، لا يدلان إلا على حالة واحدة. فالكمال المرمي إليه كمال واحد، فقدت صورته بالخطيئة ليس إلأ، فأعادها المسيح إلى سابق عهدها. وهو يقول في هذا: “نحسب أن جودة الله سوف تأتي بالخلائق كافة، بواسطة المسيح، إلى نهاية واحدة.” ولا يستثني أوريجانس من الخلائق أدناها كياناً، بل يعتبر كل أمر يكون الكلام فيه كائناً، الشيطان كان، أم الموت، أم الخطيئة، بحيث إن هذه كلها سوف تُخضع لله، بواسطة عمل المسيح.

وقد كان إمكانية خلاص الجميع بما فيهم الشيطان مجرد فكرة أو فرضية عند أوريجانوس في بداية حياته، ولكنه تراجع عنها في تعاليمه لاحقاً.

 

4- خلق نفس المسيح قبل تجسده.

يظهر بطلانها مما أورده اوريجانوس في «المبادئ» وفي مؤلفه ضد كلسوس وتفسيره انجيل يوحنا والمزامير حيث ورد : «ان الكلمة أخذ جسداً بنفس ناطقة وذلك عند التجسد لا قبله ولا بعده»(42). وجاء في الكتاب الثاني من المبادئ (4: 3) : « آن نفس المسيح منذ خلقها وجدت متحدة بالكلمة اتحاداً لا انفصال بعده ولا افتراق ».
 

5- عدم قيامة الاجساد نفسها.

وقد اعترف اوريجانوس بما يناقضها اذ قال بقيامة عين تلك الأجساد الي توسدت الأرض وتحللت إلى تراب ، معلناً أن بولس يلبس جسد بولس وبطرس يلبس جسد بطرس وكل انسان يلبس جسده الخاص به ، لانه لا يصح أن تخطى النفس في جسد و تعاقب في جسد آخر، ولا ريب في ان الله العادل يتوج الأجساد نفسها التي سفكت دماء  أصحابها في سبيل المسيح(43).
إدعى ايرونيموس في كتابه ضد يوحنا اسقف اورشليم رقم ۲۹، ۔
أن اوريجانوس اعتقد بتغيير شكل الاجساد بعد قيامتها ، وبأنها تأخذ أشكالاً كروية كالشمس والنجوم وسائر الكواكب: غير أن هذه الدعوى لا أثر لها إلا في مخيلة مدعيها ، لأن أوريجانوس لم يشبه الأجساد البشرية بالكواكب إلا في البهاء(44) معتمداً في ذلك على قول بولس الرسول : « ومن الأجسام ما هو سماوي ومنها ما هو أرضي ولكن مجد السماويات نوع ومجد الأرضيات نوع آخر . فبهاء الشمس نوع وبهاء القمر نوع آخر وبهاء النجوم نوع آخر . ولبعض الكواكب فضل في البهاء على بعض » ( 1كو40:15 و41)
وفوق ذلك فان أوريجانوس قال بصريح العبارة ان بولس الرسول شبه . أجساد الأشرار بعد القيامة بالبهائم وأجساد الابرار بالكواكب (1 كو15: 39,40)، إلا أنه يجب ألا نقول بأن الاشرار في آخر الأيام يلبسون أجساد البهائم أو إن الأبرار في يوم البعث يتحولون إلى كواكب (45)
 

6- تقمص الأرواح .

 
وقد ذاعت في حياة اوريجانوس و بلغت مسامعه، فقال في ميمره السادس عشر على أرميا النبي ( 16: 1) وفي رسالته التي بعث بها إلى تلاميذه الاسكندريين: ان هذا الرأي لا يمكن أن يخطر المجنون في منامه » . هذا فضلاً عن أن أوريجانوس قد فند القول بتقمص الأرواح في مؤلفه ضد كلسوس (ك1 ف 13 وك 4 ف 56 و61).
وفي تفسيره لإنجيل القديس متى يقول : [إنه يوحنا وليس هو إيليّا في نفس الوقت، ليس شخصه، إذ لا يعرف عن نفسه أنه مارس حياة شخصيّة سابقة. بهذا يؤكّد القدّيس يوحنا المعمدان رفضه لفكره تناسخ الأرواح، بمعنى إعادة تجسّدها، لكنّه جاء يحمل ذات الفكر والاتّجاه لإيليّا النبي.]
 
 

7- الأبن لا يستطيع أن يرى الآب

 
يقول أوريجانوس في كتاب المبادئ ” وإن سألتني رأيي بخصوص الابن الوحيد، ومُنيتك أن تعرف هل الطبيعة الإلهية غير مرئية له أيضا، هي التي لا ترى طبيعياً، فلا يبدو الأمر كذلك كفراً وهراء لأول وهلة، ها نحن نعلل ذلك على الفور. الرؤية شيء والمعرفة شيء آخر. فأن ترى وأن تُري خاصّتان من خصائص الجسم، بينما أن تَعرف وأن تُعرف خاصتان من خصائص الطبيعة العقلية. وكل ما هو خاصة الأجسام لا يمكن إلصاقه بالآب ولا بالابن، فيما الذي يتصل بالطبيعة الإلهية مشترك بين الأب والابن. ولهذا، لم يقل هذا الأخير في إنجيله : لا أحد يرى الآب إلا الأبن، ولا الابن إلا الآب، بل قال : لا أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا الآب إلا الابن (مت 11: 37) . من الجلي الواضح هنا أن ما يناسب عبارتي «يری» و «يُری» فيما بين الطبائع الجسمية هو، فيما له شأن بالآب والابن، عبارتي «عَرف وعُرف»، وهو أمر يحصل بقوة المعرفة ، لا بوهن المشاهدة. فإذ لا يمكن إلصاق عبارتي «يَری» و «يُری» بالطبيعة اللاجسمية وغير المرئية حصراً، لا يقول الإنجيل إن الآب يراه الابن، وإن الابن يراه الآب، وإنما قال إن الواحد يعرف الآخر.”

وقد أضاف إيرونيمس(جيروم) في ترجمته لكتاب المبادئ عليه جملة تتعلق بالروح القدس، وتسلبه قدرته على مشاهدة الابن، بقدر ما يعجز الابن عن مشاهدة الآب السماوي، حسب أوريجانس. ولكن روفینس أبدى استياءه بشأن هذه الجملة، وأبی أن تكون في نص أوريجانس، مصراً على إقحامها اغتياب على المعلم الكبير. من ناحية ثانية، لم يذكر إيرونيمس في الرسالة إلى أفيتس، المعروفة بدقة إيرونيمس فيها في إيراد ما يتعلق ببحث أوريجانوس، سوى علاقة الابن مع الآب، أما ما له شأن بالروح القدس فلا يظهر في تلك الرسالة.  وبالرجوع إلى كلام أوريجانوس نفهم إنه يتطلع إلى إثبات تنزه الآب عن المكوث في جسم. ولكن المشاهدة إذ إنها عمل حسي ينفي أوريجانوس عن الابن إمكان مشاهدته الآب، ويؤكد بالمقابل معرفته له. فالمعرفة عمل ليس فيه للحس شأن، وهو مجرد عن المادة، فيطابق الألوهة. 
 
فاصل

مؤلفاته:

لم يكتب أحد في تاريخ الكتاب اللامعين مقدار أوريجانوس الإسكندري. فقد طرق كل باب لم يسبقه كاتب إليه، وغاص في كل موضوع خشي رجل فيه على نفسه من التيه. ويخبرنا القدّيس إبيفانوس عن نتاج أوريجانس، يقول: إن هذا الرجل قد ترك أعداداً عديدة من المقالات، والكتب، والتفاسير، والعظات، حتى ليربو تعدادها على الثلاثة آلافاً. ولا شك أن إبيفانس يذكر هذا العدد من باب الإكبار والفخر بهذا الرجل الفذ. ولكنه لم يذكر قائمة بعناوين هذه المؤلفات، بل ما أمكنه قط أن يطلع عليها كلها، ولكنه إذا لهج بما أثبت إنما يرجع صدى عصره في شأن أوريجانس، الذي اكتسى اسمه بغار العظماء من الكتاب. والقديس إبيفانس لم يبالغ جدّا في ما يدّعيه. فإن إيرونيمس الذي تبرّم في موقفه من كتابات أوريجانوس، ولم يكن ليرضى عمّا جاء في مقولاته، يؤكد أن إبيفانس قد أضاف في تعداده كتابات أوريجانس مقولة على مقولة ، بشكل منفصل، حيث المقولات وحدة متكاملة، بشكل متصل، بين دفتي كتاب. وهو يؤكد، مع هذا كله، أن أوريجانس وضع ما يزيد على الألفين من المؤلفات الفاخرة، مستنداً في ذلك إلى قائمة اطلع عليها في كتاب القدّيس بامفيلس، الذي كان قد أنشأ ردّاً ضدّ روفينس ؛ وروفينس هذا هو المتشيع المندفع للمعلم أوريجانس ضد إيرونيمس

مهما يكن من أمر عدد المؤلفات التي وضعها أوريجانس فهي تشمل:
  • التفاسير: يكاد لا يخلو باب طرقه أوريجانس في معالجته مواضيعه من تفسير؛ إنه ومعاني الأسفار المقدسة على لحمة وثيقة ، لا استشهاد بالآيات وحسب، بل استخراجاً للمعاني أيضا، ما غمض منها أو رهف، وقد سلك سبلا شتى في وضعه التفاسير الكتابية ، على حسب الرؤية التي تلف أوان الكتابة. فجعل بعضاً منها شروحاً علّق بها على آيات الكتاب البينات، آية آية، في تفصيل دقيق وإسهاب شيق. بل ذهب علمه به إلى حد بعيد في شروحه هذه، إذ خاض في مسائل لاهوتية سحيقة الرؤية، وعرض ادعاءات زائفة روج لها أصحابها من بني زمانه، وقبله، فأقبل عليها تفنيداً وتهذيباً. وحسبنا دلالة على سعة علمه الكتاب الذي وضعه في شرح مقدمة الإنجيلي الرابع ، عندما تناول في الكلام العبارة التالية: في البدء كان الكلمة. فالمادة التي بحث بها امتدت حتى ملات صفحات درج بكامله، تتالى الحجج فيها والعرض في أسلوب علمي ومدرسي معاً. لقد حفظ الآباء ثمانية كتب من شروحه لإنجيل متى، وهي باقية حتى اليوم بلغة تأليفها، اليونانية، إلى جانب تسعة كتب من شروحه لإنجيل يوحنا. أمّا سائر ما دونته يد هذا العلامة الباهر فقد ضاع، للأسف، ولم يبق منه سوى نزر يسير في اللغة اللاتينيّة. فأنت تجد شرحاً باللاتينية لإنجيل متى، تطالعه ابتداء من الفصل 16 من الإنجيل. كما تجد ثلاثة كتب ونيفاً من شرح سفر الأناشيد، أمكن روفينس أن ينقلها عن الأصل منقذاً إياها من عبث الدهر. كذلك، نقل هذا الأخير وهو صديق متشيّع لأوريجانس – شرحاً وضعه العلامة في الرسالة إلى الرومانيّين. لكنّه لم يعمد في نقله هذا إلى الترجمة ،بل استعاض عن ذلك بخلاصة أوجز فيها بأسلوبه ما ضمّنه المعلم الكبير شرحه وثمّة عظات أيضاً بين الكتب التفسيريّة. تعدّ لائحة هذه العظات أسهب مما يُظن عند وأضعيها، ولا غرو فإنّ أوريجانس اعتاد أن يعظ في كل يوم رعيته، سواء في حشد غفير أم في مناسبة عابرة. بل يُعد أبا الوعاظ إذ أخذ عنه من اشتهر بالوعظ فيما بين الآباء. وقيل أنه أول من أدخل هذا النوع في الأدب المسيحي، محاكياً طريقة الربانيين التي عمدوا إليها في الترجوم. و تُعَدّ العظات مصدراً هاماً لدى الباحثين في جذور المسيحيّة الأولى، لأنها تختزن معرفة ذات قيمة عن الحياة الليترجيّة في القرون الأولى، وحياة الأسرار في الوسط الإسكندري، والعقائد السائدة. وقد بقي إحدى وعشرون عظة منها، حتى الآن، محفوظة في اليونانية، وضع معظمها على أثر قراءات في سفر إشعيا. ما عدا ذلك، مئة وثماني عشرة وعظة باللاتينية. يضاف إلى ذلك عدد لا يستهان به يُنسب إلى المعلم أوريجانس، دون أن تكون الثقة كاملة بهذا النسب. ومما يجدر ذكره، في هذا الخصوص، أن العظات المشار إليها نصوص كتبت بعد إلقاء العظات ؛ وهي تحمل في أغلب الأحيان بصمات الأشخاص الذين دونوها. لذلك، يحسن عند الناقد ألا يبني أحكاماً مبرمة على ما يقرأ فيها من دقائق العبارات والمفردات، مستنتجاً خلاصات أكثر مما ينبغي..
    ونجد أبحاثاً ، كذلك، في عداد التفاسير. وهي كناية عن ملاحظات فقهية أبداها أوريجانس في موضوع النصوص الكتابيّة، أو في بعض آيات ومقاطع. يميزها طابعها العلمي، الذي يستند إلى إشارات نحويّة تتعلق بالألفاظ، أو إلى استخراج في المعاني.
    وقد حاكي أوريجانوس بعلمه هذا كبار النقاد من اليونانيين، الذين كانوا يذيلون مؤلفات مشاهيرهم من الأدباء والرواة القصصيين بقواعد لأجل فهم أوفى. وقد ضاع معظم هذه الأبحاث، فلم يبق لنا منها سوى شذرات
  • سبق الكلام في مقدرة أوريجانس العلمية، فهو لم يدع سانحة تمر دون أن يتناولها بإنشاء يناسبها. وما يمكننا، اليوم، أن نحصيه غير التفاسير مؤلفات خلف لنا التاريخ نزراً يسيراً منها. إننا نجد رسائل بين المآثر الأدبية التي خطتها يد هذا العلامة، وضعها في أزمان متفاوتة لأجل إيضاح، أو لأجل نداء حمله إليه من يخاطبه في رسالته. وقد اغلب السعي إلى تذليل صعوبات أنتصبت في وجه المراسل على فحوى الكتاب. لذلك، يمزج أوريجانس خطابه العلمي بنفحة مودّة تحفظ للكتاب وجهه الخاص. ومما حفظه لنا التاريخ رسالة بعث بها أوريجانس إلى تلميذه غريغوريوس الصانع العجائب، يرسم له خير استعداد يتحلى به قارئ الكتاب المقدس، وأخرى إلى يوليوس الأفريقي، يعالج المعلم الكبير فيها الإضافات التي زيدت باليونانية على سفر دانيال النبي. ومن المؤلفات التي نجت من الضياع كتيبان لم تبلغ يد إلى مضمونهما. عنوان الأول منهما في الصلاة، وعنوان الثاني تحريض على الشهادة. هذا الكتيب الثاني قد بعث أوريجانس به إلى أمبروسيوس صديقه، فيما كان الأخير محبوساً لأجل الإيمان. وتفوح رائحة ذكية من المؤلفين كليهما، تنبع من روح مشبعة بالزهد والعشق الإلهي، وتدل على صدق نفس الرجل. كذلك، نجد عند أوريجانس، المؤلف اللامع والكاتب الماهر، مجلّدين لهما شأن عظيم في ميدان المواضيع اللاهوتيّة: ضدّ سلسيوس، والمبادئ. في الكتاب الأول، ينخرط أوريجانس بفصاحة كلامه في تفنيد منتظم لمقولات سلسيوس اللاهوتيّة، مبيّناً بلادة فكره وتخبطه العشوائي في عالم الألوهة. ولا يزال على كذا وكذا من المقارعة والإثبات بالبرهان حتى يجرّد سلسيوس في عيني من يقرأ مزاعمه من كل حجة. وفي الثاني ، ينبري أوريجانوس المسائل غاية في التعقيد والدقة، فيخوض فيها بجدارة علميّة، ويُطيل في عرضه و تحليله وبراهينه على امتداد أربعة كتب، لكل كتاب باب. ففي الباب الأول، يتناول أوريجانس موضوع الله . والثالوث في كلامه. وفي الباب الثاني، يعالج العالم المبروء في علاقته مع الله. وفي الثالث، يتصدّي لمسألة الإرادة الحرّة عند الإنسان. فيما يصب ما تبقى له من اهتمام على الكتاب المقدس و مسألتي الوحي والتفسير، في كتابه الرابع. إن كتاب المبادئ أشدّ مؤلفات أوريجانوس . جسارة، أبدى فيه مؤلفه رهافة فكره الفلسفي الذي تجرّاً به على اللاهوت. لذلك، يُعتبر هذا المجلد بحق مصدر البدعة التي تحمل اسم أوريجانس وهناك، بلا شك، مؤلفات أخرى فقدت بأمّها وأبيها، نعلم عن وجودها من خلال ذكر عناوينها عند كتاب آخرين. هذا هو حال المقالة في القيامة، مثلاً، التي نعتقد أنها لا تقل شأناً . عن كتاب المبادئ، والمقالة في الاختيار الحر التي يرجع ثالث أبواب كتاب المبادئ صداها. كذلك، ثمّة ذكر عشرة من الكتب المتنوعة الموضوعات التي لم يبق العناوينها من أثر في كتابات الأقدمين، ولا يليق بنا تجاوز المؤثرة العظيمة التي أخرجها هذا الرجل العظيم، مأثرة التراجم الست التي وجدت قبله لنصوص العهد القديم، وفيها جاور في عواميد مرصوفة نصوصاً يونانية والنص العبراني مع ملاحظات تعتبر بداية في تاريخ النقد النصوصي. فهذا العمل قد فقد أيضاً، ولا نعرف عنه سوى اسمه. – لكن بعضاً ادّعى العثور على جزء منه يتعلق بسفر المزامير
     
 
 
 
للمقال بقية…..


 
+++
  1. ايرونيموس : أدبامكبوم رسالة 84 -88
  2. أوسابيوس ك 6 ف1
  3. أوسابيوس ك 6 ف2
  4. “النار المقدسة” بالانجليزية لروبرت باين ص 44
  5. أوريجانوس عبقري المسيحية بالفرنسية لجان دانييلو ص23
  6. “النار المقدسة” بالانجليزية لروبرت باين ص 45
  7. أوسابيوس ك6 ف3، 4، 5
  8. ابيفانوس : هرطقات 64 ف1
  9. 1 تسالونيكي 5: 21
  10. أوريجانوس عبقري المسيحية بالفرنسية لجان دانييلو ص30- 31
  11. متى 19: 12 ، أوسابيوس ك6 ف8
  12. رسالتا القديس غريغوريوس العجائبي 9، 11 – أوسابيوس ك6 ف3
  13. “النار المقدسة” بالانجليزية لروبرت باين ص 43، 65
  14. أوسابيوس ك6 ف3، 21، 23 ، 27، 30 ، 32 ، 33 – أيرونيموس: عظماء الرجال فصل 6
  15. أوسابيوس ك6 ف 23، 26، 27، 30  – أيرونيموس: عظماء الرجال فصل 54، 65
  16. مزمور 50: 16
  17. تاريخ الكنيسة القبطية للقس منسى يوحنا ص 41
  18. تصويب الافتنان العلمي لأوريجانوس للمنسنيور كيرلس مقار جـ 1 ص 16
  19. خلاصة لفكر أوريجانوس (بالفرنسية) لأوجين دي فاي ص 154- 157
  20. أوريجانوس “بالفرنسية” لفريبيل جـ 2 ص 414، 415 
  21. تصويب الافتنان العلمي لأوريجانوس للمنسنيور كيرلس مقار جـ 1 ص 13، 14 – “فينتشتزي ( بالايطالية ) جـ 4 ص421 – 422
  22. الرسائل عن الروح القدس الي الاسقف سرابيون ص 126
  23. تاريخ الكنيسة (بالفرنسية) للأرشيمندريت جيتي جـ 2 ص 226-227 
  24. مرثية غريغوريوس/ 6
  25. أوريجانوس عبقري المسيحية بالفرنسية لجان دانييلو ص7-8
  26. سقراط ك 4 ف 13
  27. أخبار القديسين لمكسيموس مظلوم جـ 3 ص 65
  28. تصويب الافتنان العلمي لأوريجانوس للمنسنيور كيرلس مقار جـ 1 ص 23-25
  29. تصويب الافتنان العلمي لأوريجانوس للمنسنيور كيرلس مقار جـ 1 ص 46
  30. يو 1: 18
  31. منتخبات من مقالات القديس اثناسيوس في مجادلته الأريوسيين ترجمه إلى الانجليزية عن الأصول اليونانية كاردينال نيومان جـ 1 ص 48
  32. النار المقدسة” بالانجليزية لروبرت باين ص 61-65
  33. راجع المبادئ ك 1 ف 2: 4
  34. راجع المبادئ ك 1 ف 2: 3
  35. راجع المبادئ ك 1 ف 2: 2
  36. راجع المبادئ ك 1 ف 2: 2
  37. راجع المبادئ ك 1 ف 2: 13
  38. راجع المبادئ ك 1 ف 3: 7
  39. عظات على سفر التكوين ص 102
  40.  In Genesis, homily 4: 5.
  41. راجع المبادئ ك 2 ف 8: 1
  42. عظات على سفر التكوين – ظهور الله لإسحق –  ص 232
  43. راجع المبادئ ك 2 ف8: 1 وتفسير سفر التكوين ك1 ف11, 12 والرد على كلسس ك4 ف55 وك 6 ف 23
  44. راجع ميمره على إرميا النبي (1: 10)
  45. راجع المبادئ ك 4 ف 31 وتفسير إنجيل يوحنا م1 ف30 والرد على كلسس ك3 ف41
  46. المبادئ ك 1 ف6: 2, 3 والرد على كلسس ك5 ف30-33
  47. راجع المبادئ ك 2 ف 2:2   والرد على كلسس ك5 ف23
  48. راجع المبادئ ك 2 ف10: 2 وك 3 ف6: 4
  49. راجع كتابه الثاني على القيامة . وهذا التصريح مذكور أيضاً في مؤلف بمفيليوس على أوريجانوس
  50. المبادئ ك2 ف 3: 6 و ك 3 ف 5 :3
  51. المبادئ ك3 ف 5: 3

فاصل

المراجع المستخدمة في البحث

  1. قصة الكنيسة القبطية ج1 ،إيريس حبيب المصري
  2. كتاب في المبادئ للعلامة أوريجانوس، عرّبه وقدم له وعلق عليه ونقحه الأب جورج خوّام البُولسي
  3. تاريخ الكنيسة القبطية للقس منسى يوحنا

كما يمكنك أن تقرأ أيضاً

فاصل

العلامة اكلمنضس الاسكندري

القرن الثاني العصر الذهبي

بوتامينا العفيفة وباسيليدس الجندي

مشاهير وقديسين الكنيسة
تاريخ الكنيسة القبطية

 

 
 

زر الذهاب إلى الأعلى