مت5: 17 لا تظنّوا إني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل

 

“«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. (مت5: 17)

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 

إن كان المسيّا الملك يطالبنا أن نعلن النور الإلهي الساكن فينا خلال حياتنا العمليّة، فتصبح حياتنا كسراجٍ على منارة يضيء لكل من في البيت، ويتمجّد أبونا السماوي أمام الجميع، فما هي الوصايا المسيحانيّة التي نلتزم بها في حياتنا؟ هل هي وصايا غير الشريعة الموسويّة؟ وهل تتعارض معها؟

يجيب السيّد مؤكدًا: “لا تظنّوا إني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل” [17].

لقد ظنّ اليهود خاصة قادتهم أنهم حفظة الناموس[208] والحارسون له، مع أنهم كانوا ينقضونه بأعمالهم المخالفة له، وكما يقولالقديس يوحنا الذهبي الفم[مع أنهم لم يكمِّلوا الناموس، إلا أنهم كانوا يتطلّعون إليه بضمير حيّ عظيم. وبينما كانوا يفسخونه كل يوم بأعمالهم، لكنهم يحافظون على حروفه لتبقى كما هي بلا تغيير، ولا يضيف عليه أحد شيئًا. لكنهم بالحقيقة أضافوا هم ورؤساؤهم إليه لا ما هو أفضل بل ما هو أردأ، إذ اعتادوا أن يتركوا التكريم اللائق بالوالدين جانبًا بإضافات من عندهم[209].] أمّا السيّد المسيح فقد جاء ليكمّل الناموس والأنبياء بطرق متنوّعة، منها:

 

أولًا: تحقّقت النبوّات في شخص المسيّا، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم[لقد أكمل الأنبياء بقدر ما أكّد بأعماله كل ما قيل عنه، فقد اعتاد الإنجيلي أن يقول في كل حالة: لكي يتم ما قيل بالنبي (مت 1: 22-23)، وذلك عندما وُلد، وعندما ترنم له الأطفال بالتسبحة العجيبة، وعندما ركب الأتان (مت 21: 5-16)، وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة. لقد حقّق هذه الأمور التي ما كان يمكن تحقيقها لو لم يأتِ[210].]

 

ثانيًا: أكمل السيّد الناموس بخضوعه لوصايا دون أن يكسر وصيّة واحدة. يقول ليوحنا المعمدان: “لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل له كل برّ” (مت 3: 15)، ويقول لليهود: من منكم يبكّتني على خطيّة؟” (يو 8: 46)، كما يقول لتلاميذه: “رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء (يو 14: 30). هذا وقد شهد عنه النبي، قائلًا: إنه لم يعمل ظلمًا، ولم يكن في فمه غش (إش 53: 9).

 

ثالثًا: يرى القديس يوحنا الذهبي الفمالقديس يوحنا الذهبي الفم أن السيّد المسيح لم يكمّل الناموس في نفسه فحسب، وإنما يكمّله أيضًا فينا، قائلًا: [هذا هو العجب ليس أنه هو حقّق الناموس، بل وهبنا نحن أيضًا أن نكون مثله، الأمر الذي أعلنه بولس بقوله: لأن غاية الناموس هي المسيح للبرّ لكل من يؤمن (رو 10: 4)، كما قال: دان الخطيّة في الجسد، لكي يتم حكم الناموس فينا نحن السالكين ليس حسب الجسد (رو 8: 3-4) وأيضًا: أفنُبطل الناموس بالإيمان؟! حاشا! بل نثبِّت الناموس (رو 3: 31). فإنه مادام الناموس كان عاملًا لكي يبرّر الإنسان، لكنّه عجز عن تحقيق ذلك. جاء (المسيح) ودخل بالإنسان إلى طريق البرّ بالإيمان مثبتًا غاية الناموس. ما لم يستطع الناموس أن يتمّمه بالحروف تحقّق بالإيمان، لهذا يقول: “ما جئت لأنقض بل لأكمل[211]”.]

 

رابعًا: أكمل أيضًا السيّد الناموس بتكميل نصوصه، بالدخول إلى أعماقه. ففي القديم أمر الناموس بعدم القتل، فجاء السيّد ليؤكّد الوصيّة لا بمنع القتل فحسب، وإنما بمنع الغضب باطلًا، أي نزع الجذر، فتبقى الوصيّة في أكثر أمان، إنه بهذا لم ينقضها، بل قدّمها في أكثر حيويّة وقوّة. يقول القديس يوحنا كاسيان[تأمرنا كلمة الإنجيل باستئصال جذور سقطاتنا، وليس نزع ثمارها، فعند إزالة جميع الدوافع بلا شك لن تقوم من جديد[212].]

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (17) :-

لا تظنوا أنى جئت لانقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لانقض بل لأكمل.

إنى جئت= هذا يعنى أنه جاء من نفسه وليس كالأنبياء أرسلهم الله.فهو بهذا القول يظهر نفسه أعظم من الأنبياء. 

فاصل

زر الذهاب إلى الأعلى