يو1: 23 أنا صوت صارخ في البرية، قوَّموا طريق الرب…

 

“قَالَ:«أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: قَوِّمُوا طَرِيقَ الرَّبِّ، كَمَا قَالَ إِشَعْيَاءُ النَّبِيُّ». ” (يو1: 23)

+++

تفسير الأب متى المسكين 

 

23- قَالَ: «أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: قَوِّمُوا طَرِيقَ الرَّبِّ كَمَا قَالَ إِشَعْيَاءُ النَّبِيُّ».

عجيب هو تعبير إشعياء النبي عن الصابغ السابق يوحنا المعمدان هذا, لقد وضعه قبل أن يجيء بستمائة سنة. فهذا التعبير «صوت صارخ» يخلو من تحقيق الذات بل يفقدها في مسار عملها كالصراخ الذي ما يفتأ إلا ويتلاشى ولا يوجد له وجود. اسمع ما يقوله المعمدان عن نفسه تحقيقاً لهذا الوصف الذي أعطاه إياه إشعياء النبي: «ينبغي أن ذاك يزيد وأني أنا أنقص»!! وكأنما صراخ الشهادة أضيف إلى المسيح لتتلاش قوته من الصارخ الشاهد!
‏لقد تبارى جميع الإنجيليين ليسجلوا له نبوة إشعياء بأكملها خاصة القديس لوقا, حباً وكرامة, أما هو, المعمدان, فاكتفى لنفسه بجملتين منها. وهل يحتاج أعضاء لجنة الفحص وتقصي الحقائق الموقرون إلى التعريف بما آلت إليه حال البلاد في عهدهم وما يحتاجه هذا الحال من إصلاح ليناسب الملك الآتي؟

فاصل
تفسير القمص تادرس يعقوب

 

“قال: أنا صوت صارخ في البرية،

قوَّموا طريق الرب كما قال إشعياء النبي” (23).

جاء صريحًا في إجابته فنطق بالحق، موضحًا أنه جاء يتمم ما ورد في الكتب، وأنه يحمل سلطانًا إلهيًا كسابقٍ للمسيح، يهيئ له الطريق.

تحدث القديس يوحنا المعمدان عن نفسه أنه الصوت الصارخ في البرية (إش ٤٠: ٣-٤). وحين شهد عن المسيحصرخ” (١٥). فماذا يعني بالصراخ. إنه لا يعني الصوت الخارجي المرتفع أو الصياح، لكنه يتكلم مع الله والناس بلغة الروح التي يسمعها الله حتى وإن صمت اللسان، والتي تخترق قلوب الناس. لقد اعتمد السيد المسيح نفسه شهادة يوحنا المعمدان أنها حق. إذ يقول: “الذي يشهد لي هو آخر، وأنا أعلم أن شهادته التي يشهدها لي هي حق. أنتم أرسلتم إلى يوحنا فشهد للحق” (يو 5: 32-33).

v إن كان الصوت العقلي للذين يصلون يلزم ألا يكون عاليًا بمبالغة، إلاَّ أنه ليس ضعيفًا، ويليق بهم ألا يرفعوا صرخة أو صيحة، فإن الله يسمع الذين يصلون هكذا.

إنه يقول لموسى: “لماذا تصرخ إليَّ”؟ (خر ١٤: ١٥) بينما لم يصرخ بصوت عالٍ (إذ لم يُذكر ذلك في سفر الخروج)، وإنما خلال الصلاة صرخ بصوت عالٍ بذاك الصوت الذي يسمعه الله وحده.

ولهذا يقول أيضًا داود: “أنا صرخت إلى الرب بصوتي، والرب سمع لي” (مز ٧٦: ٢).

العلامة أوريجينوس

يرى العلامة أوريجينوس أن البرية هنا تشير إلى النفوس الرافضة لله وللفضيلة، فقد عرف القديس يوحنا أن يتحدث إلى قلوبهم كما بصرخة الروح.

v جاء في الأمثال: “لا تمل يمينًا أو يسارًا” (أم ٤: ٢٧). فمن يميل إلى أحد الجانبين يفقد الاستقامة، ولا يعود يتأهل للرعاية الإلهية عندما يتعدى استقامة الطريق. فإن الرب عادل ويحب العدل، ووجهه يتطلع إلى الاستقامة (مز ١٠: ٧) وما ينظره ينيره.

العلامة أوريجينوس

v إذ قال يوحنا المعمدان في المسيح وصفًا عظيمًا عاليًا التجأ في الحال إلى إشعياء النبي، جاعلاً قوله بهذا الوجه مؤهلاً لتصديقه.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v

كما أن الصوت يختلف عن الكلمة (الكلام) عندنا، فأحيانًا يمكن أن يصدر صوت بلا معنى بدون كلام، ويمكن أيضًا أن يُعلن الكلام للذهن دون صوت كما يحدث عندما نتأمل في داخلنا، هكذا يوحنا الذي يشبه الصوت في علاقته بالمسيح الذي هو الكلمة، فهو يختلف عن المخلص الذي من جانب معين هو الكلمة.

العلامة أوريجينوس

v جعل المذيع الناس يقفون خلف الديان، ودعا يوحنا الديان (ليأتي). نعم بالحقيقة يدعو يوحنا البشرية لذاك المتواضع حتى لا يختبروا ما سيكون عليه كديّان ممجد.

القديس أغسطينوس

v تهدى العروس المديح العريس: “حلقه حلاوة وكله مُشتهيات” (نش 16:5). نفس هذه الكلمات كالآتي: يوجد الحلق أسفل الذقن ويصدر الصوت من القصبة الهوائية والحنجرة بواسطة حركة الهواء. بما أن كلمات العريس لذيذة مثل العسل في حلاوتها، فصوته هو عضو الكلمة. وصوته الذي يصدر من الحلق قد يطلق عليه راعٍ ومُفسر للكلمة التي يتكلمها السيد المسيح. وسوف نتمكن من فهم حلق العريس بهذه الطريقة. عندما سُئل يوحنا المعمدان: من أنت؟ قال: “أنا صوت صارخ في البرية” (يو 23:1). يقدم الرسول بولس برهانًا على أن السيد المسيح يتكلم بداخله وبواسطته أصبح صوته عذبًا (2 كو 23:13). قدم جميع الأنبياء أنفسهم كأعضاء الصوت للروح القدس وأصبحت أصواتهم عذبة بتثبيت العسل المقدس في حناجرهم. يأكل الملوك والشعوب العسل لما له من فوائد صحية. ولا يقلل التمتع بأكله الرغبة في الاستزادة منه. لذلك تُسمى العروس عريسها “أنه هو كله المرغوب فيه دائمًا” ويعتبر هذا تعبيرًا عن من تبحث عنه. كم هي نعمة عظيمة لأرجل العريس التي تجعله مرغوبًا فيه بشدة. فأرجله كاملة في كل شيء خيّر وتتكون هيئته وجمالها المرغوب فيه من جميع أعضاؤه. فهو مرغوب فيه ليس فقط من أجل عيونه ويداه وخصلات شعره بل أيضا من أجل قدميه ورجليه وحنجرته. فلكل عضو من الأعضاء أهميته الخاصة ولا يقلل من هذه الأهمية ارتفاع أهمية أحد الأعضاء على الأعضاء الأخرى.

القديس غريغوريوس النيسي

فاصل
تفسير القمص أنطونيوس فكري

 

الآيات (22-23): “فقالوا له من أنت لنعطي جوابًا للذين أرسلونا ماذا تقول عن نفسك. قال أنا صوت صارخ في البرية قوموا طريق الرب كما قال إشعياء النبي.”

(راجع إش3:40) فيوحنا كان صوت إنذار للشعب حتى يقبلوا المسيح الكلمة. وهو صارخ فهو مملوء بقوة الروح القدس الذي يملأه. قَوِّمُوا طَرِيقَ الرَّبِّ = حينما يذهب الملك إلى مكان وعر (جبال ووديان) يعبدون له الطريق. برفع الأماكن الواطئة وإزالة المرتفعة. وروحياً فالأماكن الواطئة تشير للدونية وصغر النفس والتواضع الكاذب. والأماكن العالية تشير للكبرياء والتعلق بعظمة العالم واشتهاؤه. وبدون هذا وذاك نعد الطريق للرب ليسكن في حياتنا.

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى