يو13: 5 ثم صب ماء في مغسلٍ، وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ…

 

“ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَل، وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِرًا بِهَا.”(يو13: 5)

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 

“ثم صب ماء في مغسلٍ،

وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ،

ويمسحها بالمنشفة التي كان متزرًا بها”. (5)

انتظر السيد حتى اتكأ الجميع حول المائدة، وكانت العادة في تلك الأيام ألا يجلس الآكلون على كراسي حول المائدة، ربما يمكن للعبد أن يجلس على كرسي حين يأكل، أما الشخص الحرّ فيتكئ على ذراعه (الكوع) الأيسر ورأسه متجهة نحو المائدة والقدمين من الجانب الآخر.

كانت العادة أن يقوم أحد العبيد بغسل الأقدام، وإذ لم يوجد بينهم عبد ربما توقع الكل أن أقلهم سنًا أو مركزًا يقوم بهذا العمل، لكن السيد قام بنفسه بهذا الدور. وهو بهذا يرفع من كرامة العبيد، إذ هم يمارسون هذا العمل قسرًا بحكم وضعهم الاجتماعي، أما السيد فقام به بكامل حريته بمسرة، خلال تواضعه وحبه. هكذا لا يعود يأنف العبد من ممارسة أي عمل، يمارسه من أجل الرب، لا خوفًا من الناس. وكما يوصيهم القديس بولس: “أيها العبيد أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوفٍ ورعدةٍ في بساطة قلوبكم كما للمسيح، لا بخدمة العين كمن يرضي الناس، بل كعبيد المسيح، عاملين مشيئة الله من القلب، خادمين بنية صالحة كما للرب ليس للناس، عالمين أن مهما عمل كل واحدٍ للخير فذلك يناله من الرب، عبدًا كان أم حرًا” (أف ٦: ٥-٨).

يرى العلامة أوريجينوس أن السيد المسيح لم يغسل قدمي يهوذا، إذ ليس له نصيب معه بسبب إصراره على شره. بينما يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن السيد بدأ بغسل قدمي يهوذا أولاً ليقدم له كل عمل محبة حتى اللحظات الأخيرة قبل قيامه بالخيانة، لعله يراجع نفسه ويتراجع عن شره.

v يبدو لي أنه غسل قدمي الخائن أولاً بقوله: “وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ” (٥).

v انظر كيف أظهر السيد المسيح طريق التواضع، ليس بغسل أقدامهم فقط، لكنه أوضحه بطبيعة أخرى إذ نهض بعد اتكائهم كلهم. ثم لم يغسل أرجلهم على بسيط الحال، لكنه غسلها بعد خلع ثيابه. ولم يقف عند هذا الحد، لكنه اتزر بإزار، ولم يكتفِ بهذا لكنه ملأ المغسل بنفسه، ولم يأمر آخر أن يملأه. مارس أعمال الغسل بنفسه كلها ليرينا أن نمارس أعمالنا لا في شكليات بل بكل نشاطنا.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v لم يأخذ إبراهيم بنفسه ماءً، ولا قام بنفسه بغسل أقدامهم كغرباء جاءوا إليه، بل قال: “ليؤخذ ماء ويغسلوا أرجلكم” (راجع تك ١٨: ٤). كما لم يحضر يوسف ماءً ليغسل أقدام اخوته الإحدى عشر، إنما الرجل الذي على بيت يوسف أحضر إليهم شمعون وجاء بماء ليغسل أقدامهم (تك ٤٣: ٢٣-٢٤). أما ذاك الذي قال: “جئت ليس كمن يتكئ على مائدة بل كمن يخدم” (راجع لو ٢٢: ٢٧). وبحق يقول: “تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب” (مت ١١: ٢٩)، هو بنفسه صب ماءً في مغسل. فإنه قد عرف أنه لا يستطيع أحد أن يغسل أرجل التلاميذ مثله بطريقة بها يكون لهم نصيب معه (٨).

v الماء في رأيي هو الكلمة الذي يغسل أقدام التلاميذ عندما جاءوا إلى المغسل وجلس يسوع أمامهم.

العلامة أوريجينوس

لم يقل الكتاب “غسل أرجل التلاميذ” بل قال: “ابتدأ يغسل أرجل التلاميذ” وكما يقول العلامة أوريجينوس بأنه قد بدأ ولم يتوقف عن الغسل، إذ كانوا في حاجة إلى غسلٍ مستمرٍ، حيث تدنسوا في ذات الليلة بعد الغسل: “كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة” (مت ٢٦: ٣١)، كما قال لبطرس: “لا يصيح الديك حتى تنكرني ثلاث مرات” (يو ١٣: ٣٨).

v ما العجب في أن يصب ماءً في مغسلٍ ليغسل أقدام تلاميذه ذاك الذي سكب دمه على الأرض لكي يغسل دنس خطاياهم؟

ما العجب في أنه مسح بالمنشفة التي اتزر بها الأقدام التي غسلها هذا الذي بجسده نفسه الذي التحف به أقام ممرًا ثابتًا لخطوات الإنجيليين الذين له؟

لكي يتزر بالمنشفة ألقى بثيابه التي كان يرتديها جانبًا، ولكنه حين أخلى ذاته (من مجد لاهوته) لكي يأخذ شكل العبد لم يلقِ بما هو لديه بل قبل ما هو ليس لديه قبلاً.

القديس أغسطينوس

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

 

آية (5): “ثم صب ماء في مغسل وأبتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان متزرًا بها.”

غسل الأرجل له مفهوم يهودي ومفهوم روماني. والمفهوم اليهودي أن الكاهن يغتسل ويستحم في المرحضة في الهيكل عند بدء تكريسه وخدمته ككاهن عندما يبلغ من العمر 30 سنة. ثم يغسل يديه ورجليه فقط في المرحضة كلما دخل للخدمة. أما المفهوم الروماني، فقد كانت هناك حمامات عامة يستحم فيها الشخص ولكنه يغسل قدميه من الأتربة فقط بعد عودته للمنزل. وهذا فيه إشارة لسرى المعمودية (الغسل الكلي) والتوبة والاعتراف (غسل القدمين). وبالنسبة إلى التلاميذ فهم كانوا قد آمنوا وتطهروا بإيمانهم ومعمودية المسيح لهم (يو3 : 26 + يو4 : 1 ، 2) وهذه المعمودية للتلاميذ هي (الغسل الكلي)، لذلك قال المسيح في (آية 10) وأنتم طاهرون. والآن وهم قادمون إلى سر التناول لا يحتاجون سوى لغسل الأرجل فقط. ونلاحظ أن من إغتسل لا يحتاج لأن يغتسل ثانية وفي هذا إشارة لعدم تكرار المعمودية. أمّا التوبة فتتكرر مع كل احتكاك بالعالم وهذا مثل كل إنسان يخرج فتتسخ قدميه ويحتاج لغسلها. فالتراب اللاصق بالأرجل إشارة للخطية التي تأتي من الاحتكاك بالعالم.

فاصل

تفسير القمص متى المسكين

 

5:13 ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَلٍ وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِراً بِهَا.

‏واضح أن الرب قام بعملية غسل الأرجل بكل جزئياتها، وكان القديس يوحنا دقيق الملاحظة للغاية في تسجيل الحركات وكأنها حية ناطقة. فالرب هنا أمسك بالإبريق الذي به الماء، وصب الماء في «المغسل» الذي يجيء في الترجة القبطية «لقان»، وابتدأ يغسل أرجل تلاميذه واحداً بعد واحد.
‏المنظر هنا يفوق قدرة أي إنسان أن يمسك بطرفيه، فهذا هو ابن الله الإله المنحدر من المجد الأسنى، من أعلى السموات، منحنياً على أرجل ملؤثة تملأها الوسخ والتراب، منشغلاً في غسلها. ولكن، أليس هذا هو بمقتضى الطبيعة التي نزل إليها: أخذ شكل العبد؟ ثم أليس هذا هو عمل المسيح وصميم رسالته، أن يستعلن ما هو عمل المحبة الإلهية في أقصى حدودها؟
‏هنا يستعلن المسيح حدود محبة الله وموضوع انشغالها ومسرتها. ماذا؟ غسل رجل الإنسان! إلى هذا الحد بلغ المسيح في استجلاء «المنتهى»، ألم يقل أنه أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم إلى «المنتهى»؟ نعم هذا «منتهى اتضاع المحبة» وهل بعد ذلك يمكن أن يكون شيء؟ صعب على الإنسان أن يغسل إنساناً، وعسير غاية العسران يغسل رجلي خادمه، ومستحيل أن يغسل رجلي عبد له. نعم، هذه هي طبيعة الإنسان، لا يستطيع أن ينزل دون ذاته، ولكن الله ليس كذلك!! اسمعه وهو يقول في سفر حزقيال النبي، مخاطباً أورشليم، أو بالحري الشعب الذي لوثته الخطية، والمزمع أن يلد منه الكنيسة: «فحممتك بالماء, وغسلت عنك دماءك, ومسحتك بالزيت.» (حز9:16)
‏وهكذا جاء المسيح ليتمم وعد الله. لهذا، فعمل المسيح يٌحسب عمل الألوهية وفي صميم الفداء لميلاد الكنيسة.

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى