١كو ١: ٣١،٣٠ ومنه انتم بالمسيح يسوع
30وَمِنْهُ أَنْتُمْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِي صَارَ لَنَا حِكْمَةً مِنَ اللهِ وَبِرًّا وَقَدَاسَةً وَفِدَاءً. 31حَتَّى كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«مَنِ افْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبِّ».
+++
تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم
“ومنه أنتم بالمسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من الله و براً و قداسة وفداءً » ( ع30).
المقصود من قول بولس الرسول عن المسيح أنه “من الله” أي أنه عندما يقول الكتاب أقوالاً عظيمة عن المسيح يضم الآب معه فمن حيث إنه قال إنه اقتدر على مثل هذه الأشياء وضع الكل في الابن قائلاً « الذي صار لنا حكمة من الله وبراً وقداسة وفداء ، إذ وجه الأشياء كلها بالابن ونسبها للآب.
“حتى كما هو مكتوب من افتخر فليفتخر بالرب » (ع۳۱).
إن العدل هو الافتخار بالله ، فلتفتخر في كل أمر بالله ، لأن أمور اليونانيين ليست هي هكذا، بل ينسبون الأمور لذواتهم.
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“ومنه أنتم بالمسيح يسوع،
الذي صار لنا حكمةً من الله وبرًا وقداسةً وفداءً” [30].
بقوله “ومنه أنتم” تقابل “هم” الذين يجدون فخرهم ومجدهم في حكمة العالم. إذ صرتم أبناء للَّه في المسيح يسوع، يتحقق وجودكم الروحي من اللَّه بالاتحاد مع المسيح يسوع، ليس حسب الجسد [26-29] بل بالروح صرتم وكالته وسفراء عنه تحملون إمكانياته. كل صلاح فينا هو هبة من اللَّه نتمتع بها خلال شركتنا مع المسيح، فقد جاء يسوع المسيح ليهبنا بركات الإنجيل.
v تعبير “ومنه“ [30] أظن أنه استخدمه هنا ليس بخصوص تمتعنا بالوجود، وإنما بخصوص الإيمان، أي أن نصير أولاد اللَّه، “ليس من دم ولا من مشيئة جسد” (يو 13:1). لا تفكروا أنه قد نزع عنا مجدنا، وتركنا هكذا، إذ يوجد مجد آخر، مجد أعظم، هو عطيته. فإنكم أنتم أبناء له، يليق أن تتمجدوا في حضرته، هذا ما تنالونه في المسيح. وإذ قال “اختار جُهّال العالم والمزدرى بهم” يعني بهذا أنهم يصيرون أكثر شرفًا من الكل إذ أخذوا اللَّه أبًا لهم. بخصوص سمونا فعلته ليس هذا الإنسان أو ذاك بل المسيح الذي جعلنا حكماء وأبرارًا وقديسين. هذا ما تعنيه الكلمات: “صار لنا حكمة“.
“صار لنا حكمة“، يتقدم إلينا لنقتنيه بكونه حكمة الآب الذي يفوق حكمة الفلاسفة والكتّاب والباحثين في هذا العالم. تقدم لنا الحكمة البشرية فلسفات بلا قوة، أما هو فمصدر الحكمة يهبنا كسفراء عنه سرّ الحكمة. يصير “لنا” كي نمتلكه وهو يمتلكنا. نعتز به فنصير حكماء. مسيحنا هو مصدر كل حكمة، يقدم لنا الحقائق الإلهية لننال معرفة حيّة اختباريه قادرة على خلاصنا. بروحه القدوس يدخل بنا إلى طريقه الملوكي، فلا ننحرف يمينًا ولا يسارًا، بل نسلك في طريق الحكمة. يفتح لنا أبواب مدرسته ليقودنا بروحه القدوس في طريق الحياة وننعم بخبرات جديدة كل يوم.
v لماذا لم يقل “جعلنا حكماء”، بل قال “صار لنا حكمة“؟ لكي يُظهر فيض العطية. وذلك كقوله: “أعطانا نفسه“. لاحظ كيف أكمل الحديث في ترتيبٍ لائقٍ. أولاً جعلنا حكماء بإنقاذنا من الخطأ. بعد ذلك أبرارًا وقديسين بإعطائنا الروح. هكذا خلصنا من كل الشرور لكي نصير “منه“. هذا لا يعني تعبيرًا عن علاقة وجود وكيان بل حديث عن الإيمان.
v هل تحققت هذا أن المسيح هو قوة اللَّه وحكمة اللَّه؟ تقول: “نعم إني مقتنع بهذا” اسمع إذن: “نفس البار هي كرسي الحكمة” (الحكمة 1). نعم! فإنه أين يوجد كرسي اللَّه إلا حيث يسكن؟ وأين يسكن إلا في هيكله، فإن “هيكل اللَّه مقدس، والذي أنتم هو” (1كو17:3). لتدرك إذن كيف قبلتم اللَّه.
“صار لنا برًّا“، نلبسه فنختفي فيه، ونظهر أمام الآب أبرارًا، الأمر الذي يعجز الناموس عن تحقيقه (غلا21:2؛ 21:3). بدمه ليس فقط ننال غفران خطايانا وإنما نحمل بره فينا. ليس فقط ينزع عنا الغضب الإلهي، بل ونصير موضع سرور الآب.
v برّ اللَّه هو المسيح، يقول الرسول: “صار لنا من اللَّه حكمة وبرًّا وقداسة وفداءً”؛ كما هو مكتوب “من يفتخر فليفتخر في الرب“.
برّ اللَّه الذي هو عطية النعمة بدون استحقاقات، لا يُعرف بواسطة أولئك الذين يريدون أن يُقيموا برّهم الذاتي، فلا يخضعون لبرّ اللَّه الذي هو المسيح.
في هذا البرّ نجد غنى عذوبة اللَّه التي يقول عنها المزمور: “ذوقوا وانظروا ما أعذب الرب” (مز 8:43).
“صار لنا قداسة“، يعمل فينا في أعماقنا، فنصير أيقونة القدوس. احتل مكاننا على الصليب فصار بلا جمال. ودخل بنا إلى مقادسه السماوية، فصرنا نحمل قداسته العجيبة.
“صار لنا فداء“، ليس من عبودية المصريين ولا من السبي البابلي ولا من الاستعمار الروماني، بل من عبودية إبليس والموت والفساد لننعم بمجد حرية أولاد اللَّه. قدم لنا خروجًا جديدًا، ليس تحت قيادة موسى النبي بل خلال دمه، لنعبر إلى السموات عينها. هذا هو فداؤنا.
v إن كنا لم نرَ بعد المسيح قد صار “الكل في الكل” كقول الرسول، فإنه لا يزال بهذه الطريقة نجده جزئيًّا في الكل. قيل عنه “الذي صار لهم حكمة وبرًّا وقداسة وفداء“. فإنه إذ يوجد في واحد حكمة، وفي آخر برًّا، وفي آخر قداسة، وآخر لطفًا، وآخر عفّة، وآخر تواضعًا وآخر صبرًا، فإن المسيح قد انقسم في الوقت الحاضر، عضو بعضوٍ بين كل القديسين. ولكن عندما يأتي الكل معًا في وحدة الإيمان والفضيلة، يتشكل في إنسان كاملٍ، يكمل كمال جسده في مفاصل وما لأعضائه. إلى أن يحين هذا الوقت حيث يصير اللَّه “الكل في الكل” يمكن القول بأن اللَّه حاضر في الكل، خلال فضائل معينة، وإن كان ليس بعد “الكل في الكل” خلال كمال الكل.
القديس يوحنا كاسيان
v لا تتعجب إننا نتحدث عن فضائل محبة المسيح، حيث أنه في حالات أخرى نود أن نعتبر المسيح هو نفسه كيان هذه الفضائل عينها. تجد هذا كثيرًا في الكتب المقدسة، يُكيّف ذاته حسب ظروف (المؤمنين)، فنجده مثلاً لا يدعى فقط العدل بل والسلام والحق.
“حتى كما هو مكتوب
من افتخر فليفتخر بالرب” [31].
جاء في سفر إرميا النبي: “هكذا قال الرب: لا يفتخرن الحكيم بحكمته، ولا يفتخر الجبار بجبروته، ولا يفتخر الغني بغناه، بل بهذا ليفتخرن المفتخر بأنه يفهم ويعرفني إني أنا الرب الصانع رحمة وقضاءً وعدلاً في الأرض، لأني بهذا أسر يقول الرب” (إر 23:9-24). علة الافتخار بالرب أنه مصدر الحكمة والقوة والغنى والقداسة وكل بركة حاضرة ومستقبلة. نفتخر باللَّه الآب الذي وهبنا كل عطية صالحة في المسيح يسوع. لم يعد فخرنا في الجسد ولا في العالم بحكمته وغناه وسلطانه بل نفتخر بالرب وحده للأسباب التالية:
v خطة خلاصه تفوق كل فكر بشري.
v بتواضعه الذي أُعلن في أعماقه على الصليب وهبنا تجديد أعماقنا لنشاركه تواضعه.
v يقدم لنا نفسه مصدر فرح، إذ فيه ننعم بالنصرة على الخطية ونتمتع ببره وقداسته، ونغتني بعطاياه وننعم بشركة مجده.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
آية 30 :- ومنه انتم بالمسيح يسوع الذي صار لناحكمة من الله وبرا وقداسة وفداء.
ومنه أنتم = عائدة على أختار الله في آيات 27،28. بالمسيح يسوع = صرتم أبناء الله بالمسيح يسوع
صار لنا حكمة = (راجع المقدمة – كيف تكون لنا حكمة الله؟). فالمسيح رأس الكنيسة حل فيه كل ملء اللاهوت جسدياً(كو 2 : 9) وبإتحادنا بالمسيح، صار لنا المسيح مصدراً لكلالخيرات، حياة وقداسة وحكمة وبر… هذا من بركات التجسد أن نتحد بالمسيح ونصير ثابتين فيه (هذا لمن يحيا في قداسةوطهارة) فيكون المسيح مصدراً لكل هذه البركات لهُ، فالمسيحمصدر لا نهائي للحياة والقداسة والحكمة بسبب حلولاللاهوت فيه، أي في جسده. ولذلك فنحن في المسيح نكونقادرين أن نقتنى الحكمة التي بها نعرف الآب وندرك الأمورالروحية العالية ونفهم وصاياه ونعمل بها.
براً = هو حمل خطايانا لنصير نحن بر الله فيه، وبطاعته أوفي كل ما علينا من مطالب الشريعة، هو يكمل ضعفاتنا، نستتر فيه فنصير أبراراً أمام الآب.
قداسة = المسيح هو القدوس وأعطانا روحه القدوس ليقودنا للقداسة.
وفداء = المسيح هو الذي حمل عنا كل عقوبة الخطية، وحررنامن كل عبودية. وفى المجيء الثاني سيفتدى أجسادنا لنقوممعه في المجد بأجساد ممجدة.
آية 31 :- حتى كما هو مكتوب من افتخر فليفتخربالرب
لأن كل ما فينا من صلاح هو هبة من الرب، فهو مصدر غناناالروحي لذلك فلنفتخر به، دون تفكير في خصومات، ولانفتخر فيما بعد ببولس أو أبلوس (أر 9 : 23، 24)