١كو ٢٧:٩ اقمع جسدي واستعبده
بَلْ أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ،حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِيرُ أَنَا نَفْسِي مَرْفُوضًا. ١كو ٢٧:٩
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“بل اقمع جسدي واستعبده
حتى بعدما كرزت للآخرين
لا أصير أنا نفسي مرفوضًا” [27].
يعرف الرسول بولس عدوه إبليس خير معرفة، وهو قادر بالسيد المسيح أن يضربه لا في الهواء بل بالصليب يحطمه.
المصارعون يبذلون كل الجهد وهم في غير يقين، إذ واحد فقط ينال المكافأة، أما في الجهاد الروحي فإن كل من يجاهد بالرب حتمًا ينال إكليلاً سماويًا في يقين من جهة مواعيد اللَّه الصادقة.
لئلا يظن السامعون أن الرسول يفتخر متكبرًا بسبب تنازلاته لأجل الخدمة وصراعه، يؤكد حرصه الدائم لئلا يهلك بالرغم من نجاح خدمته: “اقمع جسدي وأستعبده حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضٍا” [27]… انه لا يدخل معهم في منافسةٍ بل يجاهد حتى مع جسده!
إن كان هكذا يخشى الرسول هلاك نفسه بعد هذا الجهاد الطويل إذ كسب آلاف النفوس للسيد المسيح، فكم بالأكثر يليق بالمؤمنين خاصة الكهنة بكل درجاتهم الكهنوتية والخدام أن يجاهدوا لأجل خلاص أنفسهم وخلاص اخوتهم؟! نجاح الرسول بولس بتأسيسه كنائس جديدة وكسبه للنفوس ونشره للإنجيل ليس شهادة أكيدة لخلاصه، بل يلزمه الجهاد بنعمة اللَّه حتى النفس الأخير. إنه يقدم نفسه مثلاً لنا حتى لا ننخدع ونتهاون معتمدين علي نجاح خدمتنا السابقة أو الحاضرة. فما أخطر أن نقود الآخرين إلي الحياة الأبدية بينما ننحدر نحن نحو الهاوية في موت أبدي!
إن لم تضبط النفس والجسد بروح اللَّه القدوس، حتما يستعبد الجسد النفس. فالجسد خادم صالح للنفس وأن صار سيدًا لها يصير عنيفًا.
v أنظر إلى الرسول بولس، ألا يبدو أنه ينتقم للشهيد إسطفانوس في شخصه عندما يقول: “هكذا أُضارِب كأني لا أضرب الهواءَ. بل أقمع جسدي وأستعبدهُ” (1 كو26:9،27)، لأنه حينما كان يضطهد إسطفانوس وغيره من الشهداء كان يستعبد أجسادهم ويذلها، وكأنه انتقم لهم في ذاته باستعباده لجسده وقمعه له.
v الذي يخضع جسده لخدمة اللَّه يضع السراج على المنارة، فيكون التبشير بالحق في مرتبة أعلى وخدمة الجسد في مرتبة أدنى. ومع هذا فإن التعاليم تزداد وضوحًا بصورة محسوسة باستخدام الحواس الجسدية، أي عندما تُسخر الحواس المختلفة (اللسان والفكر وأعضاء الجسد) في التعليم، لذلك يضع الرسول سراجه على المنارة عندما يقول هكذا: “أُضارِب كأني لا أضرب الهواءَ. بل أقمع جسدي وأستعبدهُ حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا“.
كثيرًا ما تحدث القديس يوحنا الذهبي الفم عن حرصه الشديد على خلاص نفسه وسط انشغاله بالخدمة وكثيرًا ما حذر الأساقفة من تجاهلهم ذلك.
قبل الالتقاء بالسيد المسيح كان شاول (بولس الرسول) يتكل علي ماضيه كفريسيٍ بارٍ في عيني نفسه وأعين الشعب، بل ويظن أنه بار في عيني اللَّه. أما وقد أختبر الحياة الجديدة المقامة فصار ما يشغله الحاضر، فيسأل نفسه إن كان يسلك الآن كإنسان اللَّه المتمتع بحياة المسيح المقامة، كحياة حاضرة.
v إن كان بولس يخشى هذا وقد علّم هكذا كثيرين، وخشي ذلك بعد كرازته وصيرورته ملاكًا وصار قائدًا للعالم كله، فماذا يمكننا نحن أن نقول؟ يقول: “لا تظنّوا أنكم لأنكم قد آمنتم هذا يكفي لخلاصكم. إن كان بالنسبة لي لا الكرازة والتعليم ولا كسب أشخاصٍ بلا عدد يكفي للخلاص ما لم أظهر سلوكًا غير معيب، فماذا بالنسبة لكم؟”
v
تتغنّى العروس” “غضبوا عليّ، جعلوني ناطورة الكروم، أما كرمي فلم أنطره” (نش6:1). طبق هذا على بولس أو على أي قديس آخر يهتم بخلاص كل البشر، فترون كيف أنه يحفظ كروم الآخرين بينما إن لم يحفظ كرمه، أية خسارة تلحق به وهو يربح الآخرين.
كيف؟ فمع كون بولس حرًا استعبد نفسه للكل لكي يربح الكل، إذ يصير ضعيفًا للضعفاء، ويهوديًا لليهود، وكمن تحت الناموس لمن هم تحن الناموس وهكذا في كلمة، يمكنه أن يقول: “أما كرمي فلم أنطره” (نش 6:1).
v عندما تضعون طاقتكم وغيرتكم موضع العمل، فإن كل ما تفعلونه سواء من جهاد في الصلاة أو الصوم أو العطاء والتوزيع للفقراء أو العفو عمن يؤذيكم كما أعطانا اللَّه من أجل المسيح؛ أو بضبط العادات الرديئة وتهذيب الجسد وإخضاعه [27]… هذا هو عمل السالكين الطريق المستقيم، الذين يرفعون “أعينهم نحو الرب، لأنه يخلص أقدامهم من الشبكة ” (مز 25: 2).
v صلوا بكل وسيلة حتى “بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا” [27]. وعندما تفتخرون لا تفتخروا بي بل بالرب.
فإنني مهما حرصت على نظام بيتي فأنا إنسان وأعيش بين الناس.
لست أتظاهر بأن بيتي أفضل من فلك نوح الذي وُجد فيه ثمانية أشخاص بينهم شخص هالك (يافث تك 9: 27).
ولا أفضل من بيت إبراهيم فقد قيل: “أطرد هذه الجارية وابنها” (تك 9: 27).
ولا أفضل من بيت اسحق فقد قيل عن ابنيه: “أحببت يعقوب وأبغضت عيسو” (ملا 1: 2).
ولا أفضل من بيت يعقوب نفسه حيث وُجد فيه رأوبين الذي دنس مضطجع أبيه (تك 49: 4).
ولا أفضل من بيت داود الذي فيه أحد أبنائه سلك بغباوة مع أخته(2 صم 13: 4)، وآخر ثار ضد أبٍ كهذا مملوء حنوا مقدسًا.
ولست أفضل من أصدقاء بولس الرسول الذي ما كان يقول: “من الخارج ومن الداخل مخاوف” لو أنه كان لا يعيش إلا مع أناس صالحين، ولما قال عند حديثه عن قداسة تموثاوس واخلاصه: “لأنه ليس لي أحد آخر نظير نفسي يهتم بأحوالكم بإخلاص، إذ الجميع يطلبون ما هو لأنفسهم”…
كان مع الاثنى عشر الصالحين الذين مع يسوع يهوذا اللص والخائن.
وأخيرا لست أفضل من السماء فقد سقط منها ملائكة.
v
من يريد أن يكون معلمًا يلزمه أولاً أن يعلم نفسه. فكما أن من لم يصر جنديًا صالحًا لا يقدر أن يكون قائدًا، هكذا أيضًا بالنسبة للمعلم لذلك يقول: “حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضا”.
v لتكن نفوسنا هي الآمرة وأجسادنا الخاضعة, عندئذ يأتى المسيح حالا ويجعل مسكنه فينا.
v لكي نقمع الجسد نصوم ونتجنب كل أنواع الترف. يظهر بولس أنه يقمع جسده حتى لا يفقد المكافأة التي يكرز بها للآخرين.
أمبروسياستر
v بولس يؤدب ما هو له وليس ذاته, فإن ما يخصه (الجسد) شيء وذاته شيء آخر. أنه يؤدب ما له حتى إذ يصلحه يبلغ إماتة الشهوات الجسدية.
v حررنا يا محب البشر من الخطر الذي يشير إليه بولس, أنه وهو يبشر للآخرين يصير هو نفسه باطلاً.
أنت بالحق تعرف من نحن.
أنت تعرف طبيعة العدو الذي يضغط علينا. ففي معركتنا غير المتكافئة وضعفنا وموتنا نطلبك, فإن
لجلالك المجد متى عُلب الأسد الزائر بقطيع ضعيف.
كاسيودورس
لقد وضع الرسول في هذا الأصحاح المبادئ التالية:
v وهبه اللَّه الحق أن تعوله الكنيسة إن أراد ذلك (7-10، 13).
v من العدل أن يأكل علي حساب الكنيسة (11).
v أنه مبدأ إلهي أن من يخدم الإنجيل فمن الإنجيل يأكل.
v اختار الرسول أن يعول نفسه بنفسه حتى لا يضر أحدا (12،15)
v الضرورة موضوعه عليه أن يكرز بالإنجيل (16).
v رفضه الجزاء الأرضي يكللَّه في السماء (17- 18)
v مبدأه في الحياة لا أن يحصل علي مال، بل أن يتمتع بخلاص النفوس مع بذل من جانبه (19–22)، مهما كلفه الثمن.
v انه في حالة مصارعة تنتهي بنوال إكليل سماوي لا يفنى (24-27)
في اختصار الأصحاح كله يدور حول “بذل الذات من أجل بنيان النفوس”.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
آية 27 : – بل اقمع جسدي واستعبده حتى بعدماكرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضا
هنا نجد الرسول يطبق علي نفسه ما قاله في (غل 2 : 20) ” مع المسيح صلبت فأحيا… ” فنراه يفعل ما يفعله الرياضي،و يجاهد و يضبط نفسه في كل شيء، وهذا كما قلنا يكونبالإنقطاع عن الطعام والشراب والجنس للرياضيين، أمّابالنسبة للرسول ولحياتنا الروحية فعلينا أن نقمع أهواءالجسد ونصلب الأهواء والشهوات (غل 5 : 24) في أصوام،في سهر، في مطانيات، في خدمة، صالبين أهواء الجسدكالزنا والطمع والحسد فهذه تميت الحياة الروحية. إذاً عليالجسد أن يكون خاضعاً للروح. لقد شعر الرسول بالرغم منكل كرازته أن نصيبه السماوي أو إكليله معرض للضياع إنلم يقمع جسده ويستعبده ويضبط نفسه ويقمع شهواته. إذاًالحياة الروحية هي جهاد متواصل لئلا يفقد المؤمن المتوانيما سبق وكسبه. والرسول يذكر هذا لئلا يظن السامعون أنالرسول يفتخر متكبراً بسبب التنازلات التي ذكرها لأجلالخدمة، لذلك يؤكد أنه لا يضمن شيء بل هو يصارع ويجاهدحتى النفس الأخير.
تأمل : – إذا ثار الجسد ضد الإرادة وطلب لذته يصبح أخطرعدو للإنسان، فهو بهذا يرفض الخضوع لتوجيهات الروح. ومن لا يركب جسده سيركبه جسده، ومن لا يذل جسده سيذلهجسده. إن كنت تريد أن تنتصر علي عدو في خندق حصين،إقطع عنه الإمدادات، هذه فائدة الصوم والمطانيات والجهادفي الصلاة والخدمة، وإعتبار الجسد ميتاً أمام شهواته.
- تفسير رسالة كورنثوس الأولى 9 – القمص تادرس يعقوب ملطي
- تفسير رسالة كورنثوس الأولى 9 – القس أنطونيوس فكري