مت2: 9-11 وقدموا له هدايا: ذهبًا ولبابًا ومرًا

 

“9فَلَمَّا سَمِعُوا مِنَ الْمَلِكِ ذَهَبُوا. وَإِذَا النَّجْمُ الَّذِي رَأَوْهُ فِي الْمَشْرِقِ يَتَقَدَّمُهُمْ حَتَّى جَاءَ وَوَقَفَ فَوْقُ، حَيْثُ كَانَ الصَّبِيُّ. 10فَلَمَّا رَأَوْا النَّجْمَ فَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا جِدًّا. 11وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ، وَرَأَوْا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ. فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ. ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا. (مت2: 9-11)

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 “فلما سمعوا من الملك ذهبوا،

وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدّمهم

حتى جاء ووقف فوق حيث كان الصبي.

فلما رأوا النجم فرحوا فرحًا عظيمًا جدًا.

وأتوا إلى البيت،

ورأوا الصبي مع مريم أمه،

فخّروا وسجدوا له،

ثم فتحوا كنوزهم،

وقدّموا له هدايا ذهبًا ولبانًا ومرًا” [9-11].

إذ تركوا الملك ظهر لهم النجم وصار يتقدّمهم ليدخل بهم إلى حيث كان السيّد المسيح مضجعًا. ما أحوجنا أن نخرج من دائرة هيرودس الخفي، أي دائرة الخطيّة عمل إبليس، لتتكشّف لنا علامات الطريق الملوكي بوضوح.

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن النجم الذي رآه المجوس وتقدّمهم إلى بيت لحم إنّما هو خدمة الفقراء والمحتاجين، إذ يقول: [رأوا النجم وكانوا فرحين، وها أنت ترى المسيح نفسه غريبًا وعريانًا ولا تتحرّك…! هم قدّموا ذهبًا وأنت بالكاد تقدّم قطعة خبز![89]]

برؤيتهم للسيّد استراحت قلوبهم وزالت عنهم كل المتاعب، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم[قبل رؤيتّهم الطفل كانت المخاوف والمتاعب تضغط عليهم من كل جانب، أمّا بعد السجود فحلّ الهدوء والأمان… لقد صاروا كهنة خلال عمله التعبُّدي، إذ نراهم يقدّمون هدايا[90].]

ماذا تعني هدايا المجوس؟

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لم يقدّموا غنمًا ولا عجول، بل بالأحرى قدّموا الأمور التي تقترب بهم إلى قلب الكنيسة، إذ جاءوا إليه ببداءة التقدمة: معرفة وحكمة وحبًا[91].]

ويقول الأب غريغوريوس الكبير: [يقدّم الذهب كجزية الملك، ويقدّم البخور تقدمة لله، ويستخدم المرّ في تحنيط أجساد الموتى. لهذا أعلن المجوس بعطاياهم السرّيّة للذين يسجدون له بالذهب أنه الملك، وبالبخور أنه الله، وبالمرّ أنه يقبل الموت… لنُقدّم للرب المولود الجديد ذهبًا، فنعترف أنه يملك في كل موضع، ولنقدّم له البخور إذ نؤمن أنه الله ظهر في الزمان، مع أنه قبل كل زمان. ولنقدّم له المرّ، مؤمنين أنه وإن كان في لاهوته غير قابل للألم، فقد صار قابلًا للموت في جسدنا. ويمكننا أيضًا بهذه العلامات أن نفهم شيئًا آخر. الذهب يرمز للحكمة كما يشهد سليمان: “كنز مشتهى في فم البار” (أم 21: 20 الترجمة السبعينيّة) . والبخور الذي يُحرق أمام الله يرمز لقوة الصلاة كقول المزمور: “لتستقم صلاتيكالبخور قدامك (مز 141: 2)، والمرّ يرمز لإماتة أجسادنا، حيث تقول الكنيسة المقدّسة لعامليها الذين يعملون فيما لله حتى الموت:يداي تقطران مرًا (نش 5:5). إننا نقدّم للملك الجديد الذهب، إن كنّا في عينيّه نضيء بنور الحكمة السماويّة، ونقدّم له بخورًا إن كنّا نحرق أفكار الجسد على مذبح قلوبنا، فنرفع لله اشتياقاتنا السماويّة رائحة طيّبة. ونقدّم له المرّ عندما نُميت بالنسك شرور (شهوات) الجسد، فنقول إنه بالمرّ نحفظ الجسد الميّت من الفساد، كما نقول عن الجسد بأنه فسد متى غلبته الخلاعة، إذ قيل بالنبي، “تعفّنت الحيوانات في روثها[92]”. الحيوانات التي تهلك في روثها تُشير إلى الجسدانيّين الذي يختمون حياتهم وسط غباوة شهواتهم. إذن فلنقدّم لله مرًا لحماية أجسادنا المائتة من فساد الخلاعة ويحفظ في الطهارة[93].]

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (9): “فلما سمعوا من الملك ذهبوا. وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف فوق، حيث كان الصبي.”

ما أحوجنا أن نخرج من دائرة إبليس (هيرودس)، دائرة الخطية عمل إبليس لتتكشف لنا علامات الطريق الملوكي بوضوح. (نضع قنديل في شرقية الكنيسة رمزًا لهذا النجم).

 

آية (10): “فلما رأوا النجم فرحوا فرحًا عظيمًا جدًا.”

حينما نرى الطريق الملوكي لا بُد وسنفرح جدًا.

 

آية (11): “وأتوا إلى البيت، ورأوا الصبي مع مريم أمه. فخروا وسجدوا له ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا: ذهبًا ولبابًا ومرًا.”

المجوس قبل هداياهم قدموا قلوبهم وسجدوا له. هم نفذوا الناموس وهم الأمم، فهم لم يحضروا أمام الرب فارغين (تث16:16).

ذهبًا= إشارة لأنه ملك، بالرغم من مظاهر البساطة التي كان فيها، فقد شعر المجوس أنه ملك، لقد عرفوا بالروح، والمسيح يملك على القلوب البسيطة المتضعة. مملكة المسيح لم تكن من هذا العالم، وهو رفض أن يجعلوه ملكًا (يو15:6). ودخل أورشليم راكبًا أتانًا. ولكن بينما كان المسيح في مظاهر الوداعة والتواضع كانت السماء تشهد له، فالملائكة ترنم “المجد لله في الأعالي” والآب يشهد مجدت وأمجد أيضًا (يو28:12) . وكانت معجزاته بسلطان، بل هو أعطى لمن يؤمن به أن يكون في مجده ويرث معه، كل من عاش حياته يرضى الله ويطيع وصاياه سيملك معه، كل من قدَّم قلبه ليكون عرشًا للمسيح سيجلس مع المسيح في عرشه (رؤ21:3). ولكن هذا لمن يغلب ويحيا حياة سماوية (رمزها الذهب) على الأرض ويرفض أن يملك شهواته على حياته.

لبانًا= إشارة لكهنوته (مز4:110). وكاهن أي شفيع، فهو صار شفيعًا لجنسنا البشري عند الله الآب. هو كاهن قدَّم ذبيحة نفسه، وكانت ذبائح العهد القديم رمزًا للصليب ورئيس كهنتنا يسوع حي للأبد، يشفع فينا للأبد (عب3:7). وهناك مفهوم عام للكهنوت فكل المؤمنين ملوك وكهنة (ملوك لنا سلطان أن نملك على شهواتنا وأجسادنا وكهنة نقدم ذبائح التسبيح والصلاة والانسحاق بل نقدم أجسادنا ذبائح حيَّة (عب14:13-15+ مز17:51، 2:141+ رو1:12) وبهذا المفهوم فالمسيح هو ملك الملوك ورئيس الكهنة وهذا طبعًا لا يتعارض مع الكهنوت الخاص، فالكهنة هم خدام أسرار الكنيسة= وكلاء سرائر الله (1كو1:4).

واللبان يصنع منه البخور، والبخور يقدَّم لله فقط، فلنقدم حياتنا وصلواتنا للمسيح إلهنا. وربما اعتبر المجوس أن المسيح إله يستوجب تقديم البخور له كما يقدمون لآلهتهم.

مرًا= إشارة لآلامه وإشارة لأنه نبي (فوظائف المسيح الثلاث ملك/ كاهن/ نبي تنبأ عنها المجوس يوم ميلاده) والأنبياء الذين أرسلهم الله لشعبه عانوا الأمرين. ولكن آلام المسيح في صلبه كانت تسمو عن أفكارنا ويكفي حمله لخطايا البشرية وحجب الآب وجهه عنه كحامل خطايا). والمر يستخدم في تحنيط الموتى، إشارة لقبوله الموت ولكن المر رائحته طيبة جدًا إشارة لطاعة المسيح. والمر يستخدم في العطور إلا أن مذاقه مر جدًا إشارة لآلام المسيح. لذلك فكل من يحتمل مرارة الآلام والصليب يكون لهذا رائحة حلوة عند الله الآب، إذ يشترك مع ابنه في حَمْل الصليب. وهكذا كل من يميت شهوات جسده، فهو يشترك مع المسيح في موته فيكون له حق التمتع بالقيامة مع المسيح، ولذلك فبالمر أي باحتمال الألم نحفظ أجسادنا من الفساد، وباحتمال صلب الأهواء والشهوات نحفظ أجسادنا من الفساد إذ يكون لها قيامة في الأبدية. بل من يحتمل الآلام تكون له إعلانات وأسرار يستنير بها قلبه فيكون نبي.

وبهذا نرضى المسيح، بأن نقدم له هذه التقدمات [1] حياتنا السماوية (في20:3) (كو1:3) [2] صلواتنا [3]تسابيحنا وشكرنا وسط آلامنا. أي الذهب (حياتنا السماوية) واللبان (الصلاة) والمر (احتمال الألم بشكر).

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى