مت5: 8 طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله

 

“طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ. (مت5: 8)

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 

طوبى لأنقياء القلب

من يتشبّه بالرب حاملًا سِمة الرحمة المملوءة حبًا، يعمل الله في قلبه بلا انقطاع لتنفتح بصيرته الداخليّة على معاينة الله. القلب النقي هو العين الروحيّة الداخليّة التي ترى ما لا يُرى.

النقاوة” كما جاءت في التعبير اليوناني إنّما تُشير إلى الغسل والتطهير كإزالة الأوساخ من الملابس، وتعني أيضًا تنقية ما هو صالح ممّا هو رديء كفصل الحنطة عن التبن، وتطهير الجيش من الخائفين. وتستخدم أيضًا بمعنى وجود مادة نقيّة غير مغشوشة، كتقديم لبن بلا مادة غريبة. هكذا القلب الذي ينحني على الدوام عند أقدام ربّنا يسوع المسيح يغتسل على الدوام بالدم المقدّس فيتنقّى من كل شائبة، يقوم الروح القدس نفسه الذي تمتّع به خلال سرّيّ العماد والميرون بحراسته، فلا يترك مجالًا لفكرٍ شريرٍ أو نظرةٍ رديئة أن تقتحمه، ولا يسمح لشهوة رديئة أن تسيطر عليه … وهكذا يصفو القلب ويتنقّى بكل اشتياقاته وأحاسيسه ودوافعه فلا يطلب في كل شيء إلا الله وحده، فيعاينه خلال الإيمانبالروح القدس الساكن فيه.

*     لنُنقِّ قلوبنا بالإيمان، لكي نتهيأ لذاك الذي لا يُوصف، أي للرؤيا غير المنظورة.

*     لنجاهد بالعفّة حتى يتطهّر ذاك الذي يرفع الإنسان لله[178].

القديس أغسطينوس

*     هنا يدعو “أنقياء” من حصلوا على كل فضيلة، أو الذين لا يحملون أي مشاعر شرّ فيهم، أو الذين يعيشون في العفّة. فإنه ليس شيء نحتاج إليه لمعاينة الله مثل الفضيلة الأخيرة. لهذا يقول بولس أيضًا: “اتبعوا السلام مع الجميع، والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب” (عب 12: 14)[179].

القديس يوحنا الذهبي الفم

*     هذا هو غاية حبّنا، هذه هي النهاية التي بها نصير كاملين غير هالكين… فإنّنا إذ نُعاين الله لا نحتاج بعد لشيء من أفعالنا وأعمالنا الصالحة واشتياقاتنا ورغباتنا الطاهرة. لأنه ماذا نطلب بعد مادام الله حاضرًا؟ ماذا يُشبع الإنسان ما لم يشبعه الله…؟

سبق رب المجد فعدّد المطوّبين وأسباب تطويبهم، ذاكرًا أعمالهم وجزاءاتهم واستحقاقاتهم دون أن يذكر عن أحدهم أنه “يعاين الله“، ولكن عند ذكره نقاوة القلب وعد بمعاينة الله، ذلك لأن القلب يحوي العيون التي تُعاين الله هذه العيون يتحدّث عنها الرسول بولس قائلًا:إنارة عيون قلوبكم (أف 1: 18). أنها تستنير الآن بالإيمان، إذ يتناسب مع ضعفنا، أمّا في الأبديّة، فتستنير بمعاينة الله بسبب قوّتها:فإذ… نحن مستوطنون في الجسد، فنحن متغرّبون عن الرب. لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان (2 كو 5: 6-7). وإذ نسلك الآن بالإيمان يُقال عنّا: فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز، ولكن حينئذ وجهًا لوجه (1 كو 13: 12)[180].

القديس أغسطينوس

*   إن كل ما تقدّمه الكتب المقدّسة الإلهيّة لا يهدف إلا إلى تنقية النظر الباطني ممّا يمنعه عن رؤية الله. وكما أن العين خُلقت لكي ترى هذا النور الزمني حتى إذا داخلها جسم غريب عكّر صفوها وفصَلها عن رؤية ذلك النور، كذلك هي عين قلبك فإنها إن تعكّرت وجُرحت، مالت عن نور البرّ وما تجاسرت أو تمكّنت من النظر إليه… وما الذي يُعكّر صفاء عين قلبك؟ الشهوة والبُخل والإثم واللذّة العالميّة؛ هذا كلّه يُعكّر عين القلب ويغلقها ويعميها[181].

القديس أغسطينوس

هل نُعاين الله بصورة مجسّمة؟

يحذّرنا الآباء من التفكير في اللاهوت بصورة مجسّمة تُعاينه العين الجسديّة، إنّما هو فوق كل الحواس، يُعلن ذاته في القلب بطريقة فائقة، بالطريقة التي يمكن للقلب أن يحتملها وينعم بها كمن في مجد.

*     لقد طوَّب الرب الكثيرين لكنه لم يعد بمعاينة الله سوى أنقياء القلب… إننا لا نعاين الله في مكان ما بل نعاينه في القلب النقي. لا نبحث عنه بالعين الجسديّة، فإنه لا يُحد بالنظر ولا بسمع الأذن، ولا يُعرف بخطواته، وإنما وهو غائب (بالجسد) نراه، وقد يكون موجودًا (بالجسد) ولا نراه. لم يره جميع التلاميذ لذلك قال: أنا معكم زمانًا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس؟ (يو 14: 9) أما من استطاع أن يدرك ما هو العرض والطول والعمق والعلو ويعرف محبّة المسيح الفائقة المعرفة (أف 3: 18-19) فإنه يرى المسيح ويرى الآب أيضًا. لأننا “الآن لا نعرف المسيح حسب الجسد” (1 كو 5: 16) بل حسب الروح… فليترآف الله علينا ويرحمنا ويملأنا إلى ملء الله حتى نستطيع أن نعاينه[182].

القديس أمبروسيوس

*     لا تستسلّموا للتفكير بأنكم سترون الله وجهًا جسديًا، لئلا بتفكيركم هذا تهيّئون أعينكم الجسديّة لرؤيته فتبحثون عن وجه مادي لله… تنبّهوا من هو هذا الذي تقولون له بإخلاص: “لك قال قلبي… وجهك يا رب أطلب”… فلتبحثوا عنه بقلوبكم.

يتحدّث الكتاب المقدّس عن وجه الله وذراعه ويديه وقدميه وكرسيه وموطئ قدميه… ولكن لا تظنّوا أنه يقصد بها أعضاء بشريّة. فإن أردتم أن تكونوا هيكل الله، فلتكسروا تمثال البهتان هذا (أي تصوّر الله بصورة مجسّمة بشريّة)‍! إن يد الله يُقصد بها قوّته، ووجهه يقصد به معرفته، وقدميه هما حلوله، وكرسيه هو أنتم إن أردتم… نعم، لأنه ما هو كرسي الله سوى الموضع الذي يسكنه؟ وأين يسكن الله إلا في هيكله؟ “لأن هيكل الله مقدّس الذي أنتم هو” (1 كو 3: 17). اسهروا إذن لاستقبال الله!

الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا” (يو 4: 24). ليدخل تابوت العهد قلوبكم وليسقط داجون إن أردتم (1 صم 5: 3)[183].

القديس أغسطينوس

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (8):- طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله.

أنقياء القلب= نحن أمام نفس يتعامل معها الله، حولها للوداعة وتشبهت به فصارت رحيمة، وماذا بعد؟ كيف نرتقى لدرجة أعلى؟

ينقى الله القلب فيصبح بسيط، والبسيط عكس المركب، أى أن القلب البسيط لا ينقسم بين محبة الله ومحبة العالم، يصبح هذا القلب غير محباً للخطية.وأصل كلمة النقاوة فى اليونانية تشير للغسل والتطهير كإزالة الأوساخ من الملابس، وتعنى أيضاً تنقيه ما هو صالح مما هو ردئ كفصل الحنطة عن التبن هكذا قلب المؤمن، يغسله ربنا يسوع المسيح بدمه من كل شائبة.

يعاينون الله = هذه لا تعنى أننا نرى الله بضرورة مجسمة، فالله فوق الحواس بل أن من تطهر من حب الخطية تنفتح بصيرته الداخلية فيعاين الله، فالخطية هى التى تحجب رؤية الله، وبدون قداسة لن يرى أحد الرب (عب 14:12). الله يُرى ويُحَس ويُحَبْ بالقلب إذا تصفى من شوائب محبة العالم والخطية. أمّا من يعيش للخطية يصبح قلبه غليظاً لا يشعر ولا يحب الرب. لذلك هتف داود ” قلباً نقياً فىّ يا الله “. مثل هذا الإنسان الذى له القلب البسيط يقال عنه أيضاً أن له عين بسيطة لا تبحث إلاّ عماّ هو لله، هذا الإنسان يكون جسده كله نيراً، أى يكون نوراً للعالم يرى الناس الله من خلاله فالله نور. وهذه يصل لها من من يقمع جسده وأهواءه ويضبط شهواته ويصلب نفسه عن العالم.

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى