يو1: 2 هذا كان في البدء عند الله
“هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ.” (يو1: 2)
+++
تفسير الأب متى المسكين
2:1 – هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ الله.
«هذا» هنا تكرار مقصود به «اللوغس» في القول السابق: «فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ»، ليؤكد أمرين غاية في الأهمية بالنسبة لما هو مزمع أن يقوله عن الكلمة بالنسبة للخلق: الأمر الاول أن الكلمة أزلى, والثاني أن الكلمة هو من جوهر الله وطبيعته, ومؤكداً مرة أخرى أن «هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ» أي قبل أن يكون العالم وكافة المخلوقات.
وتأكيد القديس يوحنا على «عِنْدَ اللَّهِ» لثاني مرة لا يخلو من إشارة ذكية، أن هذه العلاقة القائمة الدائمة بين الكلمة والله هي بحد ذاتها سر من أسرار الخلق.
كما أن التأكيد عل أزلية الكلمة مع الله تقطع بالهوة السحيقة التي تفصل بين “الكلمة” وبين “الخلق المحدث الزمنى”, المخلوق بالكلمة.
وفي التعليق عل قول الإنجيل: «هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ» يشرح القديس يوحنا ذهبي الفم: [لقد أعاد ثاية القول «هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ» أي أزلى تماماً كالآب، لأن الأب لم يكن قط بدون الكلمة، بل كان الكلمة الله مع الله كل بشخصه.].
ونحن نرى أن العودة إلى «الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ» مرة أخرى هي حارس يحرس التعبير من الإنحراف نحو الثنائية بين الكلمة والله.

تفسير القمص تادرس يعقوب
“هذا كان في البدء عند اللَّه” (2).
v قول يوحنا عن السيد المسيح “هذا كان في البدء عند الله” أظهر لنا اتفاقه مع أبيه في أزليته. فإذا سمعت في وصف الوحيد أنه “كان في البدء” فافهم أنه كان قبل الخلائق العقلية كلها وقبل كل الدهور.
v لم يكن الآب قط بدون الكلمة، بل كان اللَّه دائمًا مع اللَّه، ولكن كل واحد في أقنومه اللائق به.
v “والكلمة كان عند اللَّه“: الآب والابن ليسا واحدًا في الأقنوم، بل كل منهما أقنوم يمكن رؤيته في الآخر بسبب وحدة الجوهر، لأنه إله من إله، الابن من الآب.
v “هذا كان في البدء عند اللَّه“، أي الابن، الذي هو مع الآب، والمولود من جوهره، فالابن الوحيد هو الذي يشار إليه بكلمة “هذا”.
v يمكن أيضًا للوغوس أن يكون “ابن الله” إذ هو يخبر بأسرار أبيه الذي هو “العقل”، مقابل (analogous) للابن أنه يُدعى “الكلمة”. فكما أن الكلمة فينا هي رسول لما يدركه العقل هكذا كلمة الله، إذ هو يعرف الآب يعلن عن ذاك الذي يعرفه، إذ لا تستطيع خليقة أن تدخل في علاقة معه دون إرشاد. لا يعرف أحد الآب إلاَّ الابن ومن يعلن له الابن عنه (راجع مت ١١: ٢٧). وبكونه الكلمة فهو رسول المشورة العظيم الذي على كتفه تستريح السلطة (إش ٩: ٥ LXX)، وقد صار ملكًا إذ احتمل الصليب. وقد جاء في سفر الرؤيا أن الكلمة الأمين والحق ركب على فرس أبيض (رؤ ١٩: ١١)، وفي رأيي لكي يوضح الصوت الذي يقوده (يمتطيه) كلمة الحق، ويأتي لكي يقطن فينا.
يقول العلامة أوريجينوس أن أنبياء العهد القديم تمتعوا بكلمة الرب التي صارت لهم (هو ١: ١؛ إش ٢: ١؛ إر ١٤: ١). فقيل “قول (كلمة) الرب الذي صار إلى هوشع بن بئيري” (هو ١: ١). كلمة هوشع معناها “المخَلِّص” وبئيري معناها “الآبار”، فإن كل من تمتع بالخلاص هو ابن الآبار التي تفيض من أعماق حكمة الله. فهو ابن الحكمة، وكما جاء في الكتاب المقدس “الحكمة تبررت من بنيها” (راجع لو ٧: ٣٥؛ مت ١١: ١٩). أما بالنسبة للآب فقد قيل: “وكان الكلمة عند الله” ولم يقل: “الكلمة صار إلى الآب”، إذ الكلمة أزلي مع الآب.
v على أي الأحوال صار الكلمة إلى البشر الذين لم يستطيعوا قبلاً أن يتقبلوا رحلة ابن الله الذي هو الكلمة. من الجانب الآخر، لم يأتِ الكلمة لكي يصير عند الله كما لو لم يكن الكلمة قبلاً عند الله؛ وإنما لأنه هو مع الآب على الدوام؛ قيل: “والكلمة كان عند الله” (يو ١: ١)، إذ لم يأت ليصير مع الله.
v نفس الفعل “كان” يشير إلى الكلمة عندما كان في البدء، وحين كان مع الله. إنه لم ينفصل عن البدء، ولا يفارق الآب. مرة أخرى إنه لم يأتِ ليصير في البدء كمن هو ليس في البدء، ولا عبر من عدم وجود مع الله لكي يصير معه. فإنه قبل كل زمان منذ الأزل “في البدء كان الكلمة، وكان الكلمة عند الله“.
v يضيف أنه بمجيئه إلى الأنبياء ينيرهم بنور المعرفة، ويجعلهم يرون الأمور التي لم يدركوها قبل مجيئهم كمن يرونها بأعينهم. أما بكونه عند الله، والكلمة هو الله إذ هو عنده.

تفسير القمص أنطونيوس فكري
أية (2): “هذا كان في البدء عند الله.”
هذا= أي الكلمة. وهنا نلاحظ أن التكرار مقصود لتأكيد أن الكلمة أزلي وأنه من جوهر الله وطبيعته وأنه قبل أن يكون خليقة فهو عند الله، فهو قوة الله وحكمة الله اللتان خلق بهما العالم. والله لم يكن قط بدون قوته ولا بدون حكمته. ولكن التكرار له هدف ثانٍ خاصة إذا نظرنا للآية التالية “كل شيء به كان” والتي نرى فيها الكلمة خالقًا. وبذلك تصير آية (2) لها مفهوم آخر، وهو أن الكلمة الذي كان منذ الأزل عند الله (آية1) بدأ في عملية الخلق وبدأ أن يكون هناك زمن وهناك خليقة. أزليًا الآب يحب الابن الذي عنده والآن هذا الحب امتد للعالم فبدأت الخليقة زمنيًا علامة الحب الإلهي للخليقة. وبنفس المفهوم كانت أول آية في الكتاب المقدس “في البدء خلق الله السموات والأرض” هي تعبير عن محبة الله وخيريته التي ظهرت في خلقة الإنسان.
- تفسير إنجيل يوحنا 1 للأب متى المسكين
- تفسير إنجيل يوحنا 1 للقمص تادرس يعقوب
- تفسير إنجيل يوحنا 1 للقمص أنطونيوس فكري