يو6: 56 من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه

 

52فَخَاصَمَ الْيَهُودُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَائِلِينَ:«كَيْفَ يَقْدِرُ هذَا أَنْ يُعْطِيَنَا جَسَدَهُ لِنَأْكُلَ؟» 53فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ. 54مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ، 55لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَق وَدَمِي مَشْرَبٌ حَق. 56مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ. 57كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ الْحَيُّ، وَأَنَا حَيٌّ بِالآبِ، فَمَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي. 58هذَا هُوَ الْخُبْزُ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. لَيْسَ كَمَا أَكَلَ آبَاؤُكُمُ الْمَنَّ وَمَاتُوا. مَنْ يَأْكُلْ هذَا الْخُبْزَ فَإِنَّهُ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ». 59قَالَ هذَا فِي الْمَجْمَعِ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي كَفْرِنَاحُومَ.” (يو6: 52-59)

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 

“من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه”. (56)

v يقوت المسيح كنيسته بهذه الأسرار، فبهذه يتقوى جوهر النفس…

لهذا فإن الكنيسة أيضًا إذ تنظر نعمة عظيمة كهذه تحث أبناءها وأصدقاءها أن يأتوا معًا إلى الأسرار، قائلة: “كلوا يا أصدقاء، وأشربوا، نعم اشربوا يا اخوة بفيض” (نش 5:1). ما نأكله وما نشربه قد أوضحه الروح في موضع أخر قائلاً: “ذوقوا وانظروا فإن الرب صالح، طوبى للرجل الذي يصنع رجاءه فيه” (مز 34:8).

في هذا السرّ المسيح إذ هو جسد المسيح، لذلك فهو ليس بالطعام الجسماني بل الروحي… ذاك الطعام كما يسجل النبي يقوي قلوبنا، وهذا الشراب يبهج قلب الإنسان (مز 104: 15).

القديس امبروسيوس

v يا له من تنازل مهيب! الخالق يعطي ذاته لخليقته لأجل بهجتهم.

يعطي الحياة نفسه للقابلين للموت، كطعامٍ وشرابٍ، فيحثنا: “تعالوا كلوا جسدي وأشربوا الخمر الذي مزجته لكم. أعددت نفسي طعامًا. مزجت نفسي لمن يرغبونني. بإرادتي صرت جسدًا، صرت شريكًا لجسدكم، وأنا حبة الحنطة الواهبة الحياة، أنا هو خبز الحياة. اشربوا الخمر الذي مزجته لكم فإني مشرب الخلود، أنا الكرمة الحقيقية (يو15: 1)،1 اشربوا الخمر الذي مزجته لكم (أم 9:5).

أقل كمية من البركة (الإفخارستيا) تخلط جسمنا كله معها، وتملأ بفعلها المقتدر. هكذا جاء المسيح ليكون فينا ونحن أيضًا فيه.

القديس كيرلس الكبير

v في هذه الأيام يطعمكم المعلمون، يطعمكم المسيح يوميًا. مائدته دائمًا معدة أمامكم.

لماذا إنكم ترون أيها السامعون المائدة ولا تأتون إلي الوليمة؟…

ما يقوله الرب يعرفه المؤمنون حسنًا. أما أنت أيها الموعوظ المدعو سامعًا فأنت أصم. فإنك تفتح أذني الجسم، متطلعا أنك تسمع الكلمات التي قيلت، لكن أذني قلبك مغلقتان، إذ لا تفهم ما يُقال…

هوذا عيد القيامة على الأبواب، قدم اسمك للعماد… لكي تفهم معني: “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه” (٥٦).

v كيف يلزمنا أن نفهمه؟

هل تشمل هذه الكلمات (“من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه”) حتى أولئك الذين قال عنهم الرسول: “يأكلون ويشربون دينونة لأنفسهم” (١ كو ١١: ٢٩) عندما يأكلون هذا الجسد ويشربون هذا الدم؟ هل يهوذا الذي باع سيده وخانه (مع أن لوقا الإنجيلي يعلن بكل وضوح أنه أكل وشرب مع بقية تلاميذه سرّ جسده ودمه الأول بيدي الرب) هل ثبت في المسيح والمسيح فيه؟

هل كثيرون من الذين يتناولون ذاك الجسد ويشربون ذاك الدم في رياء أو الذين بعد تناولهم من الجسد والدم يرتدون يثبتون في المسيح والمسيح فيهم؟

القديس أغسطينوس

فاصل

تفسير الأب متى المسكين 

 

56:6- مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ.

هنا ينتقل المسيح بعقول اليهود نقلة كبيرة وهامة للغاية, فالأكل من المن السماوي لم يغير شيئا من طبيعة ابائهم، فقد ماتوا «روحيأء» بمفهوم أنهم حرموا من الدخول إلى راحة الله بسبب عدم الإيمان, وبالأكثر بسبب العصيان والتذمر على الله والتمرد، بل واستخدام الأكل للذة الجسد وشهوة النفس: «كما هو مكتوب جلس الشعب للأكل (من المن) والشرب (من ماء الصخرة)، ثم قاموا للعب, ولا نزن كما زنى أناس منهم…» (اكو7:10-8). واضح أن الأكل من المن والشرب من ماء الصخرة مع أنه كان «طعاما روحيا وشرابا روحيا» (اكو3:10-4), إلا أنه لم يغير من طبيعتهم شيئا, بل تحول لهم الأكل والشرب إلى لعب وزنا.
‏هنا يعطي المسيح المقارنة بين أكل وشرب يثمر موتا لأنه لم يتغلغل جوهر الروح والنفس، وبين خبز الحياة الذي يعطيه المسيح بجسده ودمه لينشىء حياة أبدية؛ فجسده مأكل حق أي جوهري، أي إلهي، وفي نفس الوقت هو جسد ذاتي أي يختص بشخص المسيح ابن الله. فالذي يأكل منه، أو على الأصح يأكله, فالجسد يصير فيه ويبقى فيه كما هو, جسد ابن الله الوحيد بصفاته الحية.
ويلاحظ القارىء أن كلمة «يثبت» كما جاءت بالعربية هي في اللفة اليونانية يبقى وهو نفس الفعل المشتق منه كلمة «الباقي»: «الخبز الباقي للحياة الأبدية» في الآية: اِعْمَلُوا لاَ لِلطَّعَامِ الْبَائِدِ بَلْ لِلطَّعَامِ الْبَاقِي لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّذِي يُعْطِيكُمُ ابْنُ الإِنْسَانِ لأَنَّ هَذَا اللَّهُ الآبُ قَدْ خَتَمَهُ. (يو27:6)
‏وكذلك الدم، فالذي يشرب منه أو عل الأصح يشربه، يصير الدم فيه ويبقى فيه دم ابن الله الوحيد المذبوح بصفاته، بالروح الأزلى الذي فيه ونفس المسيح الحية الخالدة.
‏وبمعى كلي، يكون كل «من يأكل جسدي ويشرب دمي»، أصير أنا كلى فيه وأبقى فيه بجسدي، أي بسر تجسدي، وبدمي، أي بسر فدائي بحياتي وموتي وقيامتي، فيصير موتي فيه لموته, ‏أي فدائه، وحياتي لحياته الأبدية، وتصير قيامتي لقيامته في ملء المجد.
‏وهكذا يتم القول بالحرف الواحد: «يثبت فيّ وأنا فيه». هذا الثبوت هنا عجيب حقا وسري للغاية. فهو ثبوت الجسد الإلي بالجسد (الروحي) للإنسان وثبوت الروح الأزلى بروح الإنسان، وهذا هو الذي ينشىء فينا القيامة. إنه التحام حي، شخص بشخص، ينشىء إتحادا ووحدة. وهذا هو ما حدا ببولس الرسول أن يقول: «لأننا أعضاء جسمه من لحمه وعظامه» (أف30:5)
‏والعجيب أيضا في سر الثبوت هذا أنه متبادل لتأمين الإتحاد، خوفا من ضعف الإنسان وانفلاته. فنحن لا نثبت فيه بإمكانياتنا الضعيفة وإيماننا الأضعف فقط، وإلا فالإنفكاك وشيك الحدوث لا محالة, لذلك أمنه المسيح بنفسه أيما تأمين: «يثبت في وأنا فيه». ولاحظ هنا، أيها القارىء العزيزه أن الثبوت جاء هنا فرديا لكل من يأكل ويشرب بإيمان، واحدا واحدا. إنها علاقة فردية أنشأها المسيح بموته عن كل نفس، لأنها علاقة حب، بل عشق متبادل, ملأت قلب المسيح نحو النفس البشرية كعريس وعروس. ولكن لا يخطىء الفاهم والشارح، فالحب سبب، والبذل ثم الثبوت والإتحاد نتيجة: «هكذا أحب… حتى بذل» «ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه» (يو13:15)؛ «الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني, والذي يحبني يحبه أبي، وأنا احبه واظهر له ذاتي. في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي وأنتم في وأنا فيكم.» (يو20:14-21)
‏إذن لا يخطءى أحد ويفهم أن الأكل من الجسد والشرب من الدم أنه فريضة، أو هو طقس فرضه المسيح كما فرض موسى الناموس كقانون، بل هو فعل محبة وثمرة عشق متبادل بين النفس والمسيح المذبوح كعريس من أجلها. لذلك يصرح المسيح لليهود بمواجهة صعبة ومرة: إنهم محرومون من خبزه الحي, من جسده ودمه، لأنهم رفضوه كابن الله الحبيب: «لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني.» (يو42:8)
‏أما بالنسبة للربط بين الآيات، فبعكس ما يرى كثير من علماء الكتاب المقدس بأن الآيات مكررة وغير مترابطة، نجدها نحن مترابطة أشد الارتباط لو أخذنا بالعمق الروحي الذي هو من خصائص هذا الآنجيل, فقوله: «لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق»، فهو هنا ينقل الأكل والشرب من الجسد والدم إلى مستوى «الحق», أي مستوى «أنا هو» أي بالمفهوم اللاهوتي، إلى مستوى الجوهر الذاتي، أي بتوضيح أكثر إلى مستوى «أنا» = الذات الإلهية للابن + «هو» كيان الابن أي جوهره أو طبيعته.
‏لذلك فالتسلسل يأتي هنا بمنتهى القوة والعمق حينما يقول بعد ذلك: «من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه. «فالحق» في الآية السابقة يفسر في الآية التي بعدها بـ «أنا».
‏وإلى هنا لم ينحرف المسيح بنظره أو توجيه كلماته بعيدا عن اليهود الذين يحاججونه، كما يرى علماء الكتاب المقدس، ولكن المسيح كان، بآن واحد، ينظر إلى تلاميذه وإلينا وإلى الأجيال كلها إلى منتهى الدهور، لذلك تجيء كلمات المسيح دائمأ ذات أبعاد متسعة لا تغيب عن القلوب المتسعة.

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

 

آية (56): “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه.”

أكل المن لم يغير شيئاً من طبيعة من أكله، بل من أكله مات، ولكن من يأكل جسد المسيح يبقي فيه ويصير فيه المسيح بصفاته، موت المسيح يصير موتاً لنا عن العالم وفداءً لنا وحياته تصير لنا حياة أبدية والثبوت هنا هو ثبوت جسد المسيح بالإنسان أف30:5 وهذا ما ينشئ فينا القيامة، إنه إلتحام حي، شخص بشخص ينشئ إتحاداً ووحدة. ونلاحظ أن الثبات متبادل= يثبت فيّ وأنا فيه. فهو لو قال يثبت فيّ فقط نكون معرضين للإنفصال فإمكانياتنا ضعيفة وإيماننا ضعيف ولكنه أضاف وأثبت فيه لتأمين الإتحاد خوفاً من ضعف الإنسان هذا فعل محبة من المسيح. ثباته فينا كما يثبت ويتحد الغذاء بالجسد. ويثبت فيّ= فهو يعطيني حياته “ليس الحياة هي المسيح” (في21:1) وأثبت فيه= فأنا صرت من جسده ومن عظامه (أف30:5).

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى