يو٣: ٢ هذا جاء إلى يسوع ليلاً، وقال له…

 

1كَانَ إِنْسَانٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ اسْمُهُ نِيقُودِيمُوسُ، رَئِيسٌ لِلْيَهُودِ. 2هذَا جَاءَ إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَقَالَ لَهُ:«يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَهُ». 3أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ». 4قَالَ لَهُ نِيقُودِيمُوسُ:«كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟ أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟» 5أَجَابَ يَسُوعُ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ. 6اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ. 7لاَ تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ. 8اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ».” (يو3: 1-8)

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 

“هذا جاء إلى يسوع ليلاً، وقال له:

يا معلم نعلم أنك قد أتيت من اللَّه معلمًا،

لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل،

إن لم يكن اللَّه معه”. (2)

كلما أشار الإنجيلي يوحنا إلي شخص نيقوديموس يربطه بزيارته للسيد المسيح ليلاً، وقد كرر ذلك ثلاث مرات في هذا السفر (3: 2؛ 7:50؛19: 39). لماذا جاء إلى يسوع ليلاً؟

‌أ. شعر أنه لا يكفيه أن يسمع أحاديثه العامة، ولا أن يتمتع برؤية معجزاته العلنية، بل هو محتاج إلى جلسة هادئة مع السيد المسيح فيما يخص خلاص نفسه. محتاج إلى حوار شخصي معه (ملا ٢: ٧). إن كان الابن الوحيد الجنس كثيرًا ما كان ينسحب من الجماهير بل ومن التلاميذ الأخصاء ليقضي الليل كله في حديث ممتع مع الآب، ألا يحتاج كل إنسانٍ منا أن يترك كل شيء ويجلس، خاصة بالليل، مع مسيحه ليدخل معه في حوارٍ شخصي، ويتمتع بالحياة الجديدة والشركة معه؟

‌ب. لعله من باب الحكمة اختار المساء، لأن السيد المسيح كان مشغولاً طوال النهار بالخدمة العامة، فانتظر نيقوديموس حتى المساء ليلتقي مع السيد في وقت راحته، في حديث ودي.

‌ج. لعله إذ دهش برؤية بعض المعجزات انتهز أول فرصة للقاء الشخصي معه. بينما الكل نيام أراد أن يقضي سهرة روحية مع السيد المسيح، ولعله خشي ألا يجد مثل هذه الفرصة في المستقبل. كان نهازًا للفرص! إنه تمثل بداود النبي الذي كثيرًا ما كان ينتهز فرصة الليل للتأمل (مز ٣٦: ٦؛ ١١٩: ١٤٨).

 

‌د. لعل أيضًا الدافع لمجيئه ليلاً أنه خشي أن يبلغ الخبر إلى رؤساء الكهنة فيثوروا بالأكثر ضد السيد المسيح، أو يسيئون هم والرؤساء والفريسيون إلى نيقوديموس نفسه. ربما كان ينقصه نور الإيمان، لقد انجذب إلى شخص يسوع، لكنه لم يكن بعد قد عرفه عن قرب، ولا تعرّف على حقيقته أنه نور العالم. لقد كان قائدًا يهوديًا (1)، ومعلم إسرائيل (10)، يحتاج إلى الميلاد الجديد ليتمتع بمفاهيم جديدة للمملكة السماوية المسيحانية. في ضعف إيمانه جاء ليلاً، وقد وجد باب قلب سيده مفتوحًا، ولم يجرح مشاعره بكلمة عتاب واحدة. على أي الأحوال كان إيمانه أشبه بحبة الخردل الحية التي نمت وظهرت كشجرة عظيمة عندما مات السيد المسيح، فتقدم بشجاعة ليطلب جسد السيد.

v لقد تردد نيقوديموس على المسيح، لكن ليس كما كان يليق، ولا بتمييز لائقٍ، لكن الضعف اليهودي كان لا يزال مستحوذًا عليه بعد، ولهذا السبب جاء ليلاً خائفًا من أن يجيء إليه نهارًا. ومع هذا فإن الله الرحوم لم يرذله ولا انتهره، ولا حرمه من تعاليمه، وإنما في حنوٍ شديدٍ حاوره، وكشف له تعاليم سامية للغاية، حتما كانت مبهمة إلا أنه كشفها له. فانه يستحق العفو بما لا يقاس من أولئك الذين يفعلون هكذا بنية شريرة. هؤلاء بلا عذر تمامًا، أما هو وإن كان يستحق اللوم لكن ليس بذات الدرجة.

v وإن كان نيقوديموس تخلف، إلا أنه فكر فيه بطريقة بشرية، فتحدث عنه كأنه نبي، متوهمًا انه قال عنه أمرًا عظيمًا من خلال معجزاته. يقول: “يا معلم نعلم أنك أتيت من الله معلمًا” (2). ” فلماذا أتيت ليلاً في الخفاء إلى ذاك الذي يتكلم بأمور الله، ذاك الذي أتي من الله؟ لماذا لم تحاوره علانية؟ لم يقل له يسوع شيئًا من هذا، ولا انتهره. إذ يقول النبي: “قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ” (إش 42: 2، 3؛ مت 12: 19، 20). مرة يقول السيد نفسه: “لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم” (يو 12: 47).

v “لأنه ليس أحد يقدر أن يعمـل هذه الآيات التي أنت تعمل، إن لم يكن الله معه“(2).

لاحظ تنازل المسيح المتزايد. فانه قد أحجم إلى حين عن القول: “لست محتاجًا إلى عون آخرين، إنما أفعل كل شيء بسلطانٍ، لأنني ابن الله ذاته، ولي ذات سلطان أبي”، فإن هذا كان صعبًا علي سامعه…

ولهذا فإنه في مواضع كثيرة كان كمن يضع لنفسه حدودًا، أما في أفعاله فلم يفعل هكذا. فعند ممارسته معجزة، يصنع كل شيءٍ بسلطان، فيقول: “أريد فأطهر” (مت 8: 3)؛ “طليثا، قومي” (مر 5: 41)؛ “مد يدك” (مر 3: 5)؛ “مغفورة لك خطاياك” (مت9: 2)؛ “اسكت، ابكم” (مر 4: 39). “احمل سريرك واذهب إلى بيتك” (مت 9: 6). ” أيها الروح النجس، لك أقول أخرج منه” (مت 15: 28).” إن سألكما أحد، قولا: الرب محتاج إليه” (مر 11: 3).” اليوم تكون معي في الفردوس” (لو 23: 43).. “سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل… وأما أنا فأقول لكم من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم”(مت 5: 21، 22).” هلم ورائي فأجعلكما تصيران صيادي الناس” (مر 1: 17). في كل موضع نلاحظ أن سلطانه عظيم، فإنه في عمله لا يمكن لأحد أن يمسك عليه خطأ… أما في أحاديثه فربما في جنونهم يتهمونه بالجنون.

 

لذلك في حالة نيقوديموس لم يتكلم علانية، بل قاده بكلمات غامضة أن لديه سلطانًا في ذاته يظهر معجزات، فقد ولده الآب كاملاً، فيه الكفاية المطلقة بلا نقص قط.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v كان نيقوديموس واحدًا من هؤلاء (الذين آمنوا باسمه لكنه لم يأتمنهم على نفسه 2: 23-24). جاء إلى الرب، لكنه جاء ليلاً. جاء إلى النور، وقد جاء في الظلمة.

v بالرغم من أنه جاء إلى يسوع، لكنه إذ جاء ليلاً، ظل يتكلم من خلال ظلمة جسده. لم يفهم ما يسمعه من النور الذي يضيء لكل إنسانٍ آتٍ إلى العالم.

v ربما علة مجيئه إلى السيد الحقيقي ليلاً أنه اعتاد أن يعلم، وكان يخجل من أن يتعلم. لكنني أتمتع بمسرة أعظم عندما أصغي إلى معلم عن أن يُصغي إليّ كمعلمٍ. فإنني أتذكر ما قاله للذين اختارهم قبل غيرهم: “لكن ليتكم لا تُدعون معلمين بواسطة الناس، فإن سيدكم واحد، المسيح” (راجع مت 8:23).

القديس أغسطينوس

على أي الأحوال لم يأتِ ليلاً لينال المعمودية ولا ليتتلمذ للسيد، فإنه حسب التقليد اليهودي لا يجوز لمن يريد أن يدخل الإيمان اليهودي أن يُختتن أو يُعمد في الليل، وإلا حسب هذا العمل باطلاً. لقد جاء للاستنارة برأيه، والتعرف على الطريق لا للتلمذة على يديه.

يا معلم“: لم يكن من السهل لفريسي يُحسب عالمًا في الكتاب المقدس وقائدًا للشعب أن يخضع لشخصٍ ما قائلاً بروح التواضع: “يا معلم نعلم أنك قد أتيت من الله معلمًا” (٢). لم يتحدث مع السيد في أمورٍ سياسيةٍ، ولا في شئون الدولة، مع أنه كان رئيسًا لليهود، لكن ما كان يشغله هو خلاص نفسه.

اعترف نيقوديموس بأن السيد لم يتعلم على يدي أي معلمٍ يهوديٍ، ولا التحق بمدرسة دينية، لكن تعليمه هو بسلطان إلهي سماوي. أدرك أن السيد يحمل سلطان الحق لا السيف، يعمل بحكمة علوية لا بشرية. يعترف نيقوديموس أن الآيات التي صنعها يسوع لا يمكن أن تكون مزيفة. لقد فحصها مع زملائه وأدركوا أنها من الله، تتحقق بقوة إلهية.

والعجيب أنه يتكلم بصيغة الجمع “نعلم“، ربما لأنه جاء ومعه واحد أو أكثر من تلاميذه، أو تحدث على لسان بعض الفريسيين الذين لم يكن يشغلهم شيء أو شخصٍ ما سوى “يسوع”، وقد اعترفوا فيما بينهم بما يعلنه نيقوديموس هنا، لكن أحدًا ما لم يجسر أن يتكلم علانية، ولا أن يلتقي مع يسوع خفية.

فاصل

تفسير الأب متى المسكين 

 

2:3- هَذَا جَاءَ إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللَّهِ مُعَلِّماً لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ مَعَهُ».

«جاء ليلاً»:

لقد تركت في ذهن القديس يوحنا هذه الزيارة «في ظلام الليل» أثراً لا يُمحى، فقد ذكرها له ثلاث مرات في كل مرة يذكر اسمه, وكأنها أصبحت صفة أو لقباً؛ هذا في الحقيقة يكشف عن شعور القديس يوحنا بمدى الحذر أو الخوف الذي اتصف به نيقوديموس. ففي وسط مجمع السنهدريم تقدم نيقوديموس مدافعاً، ولكن بحذر شديد: «قال لهم نيقوديموس, الذي جاء إليه ليلاً, وهو واحد منهم» (يو50:7‏)، وأيضاً بعد إنزال جسد الرب من على الصليب جاء نيقوديموس بحذر أيضاً، ولكن بالتقابل كان التلاميذ قد تركوا المسيح وهربوا!! «وجاء أيضاً نيقوديموس الذي أتى أولاً إلى يسوع ليلاً وهو حامل مزيج مُر وعود نحو مائة مناً» (يو39:19). مع أنه جاء إليه ليلاً أول مرة، جاء وهو مؤمن باسم المسيح أي «المسيا»، ولكن دون علاقة شخصية أو إيمان شخصي فهو إيمان بالاسم, وفي المرة الثانية التي دافع فيها عن المسيح داخل السنهدريم دافع بحذر دون إظهار أي تعاطف مع المسيح، وعند أول مواجهة من الزملاء التزم الصمت؛ أما في المرة الأخيرة، وقد صار تلميذاً بالفعل للرب، إلا أنه أيضاً جاء مع يوسف الذي من الرامة: «ولكن خفية لسبب الخوف من اليهود.» (يو38:19‏)
‏هذا الحذر والخوف يوضح بكل جلاء أن الإيمان بالمسيح لم يبلغ بعد إلى الايمان «الحي» بابن الله كمخلص حقيقي, حيث يجد الإنسان في المسيح دواء لجبانة الضمير، الدواء الذي يحوله من جبان رعديد كبطرس إلى شجاع صندي كبطرس أيضا: «أنا لست أعرف هذا الرجل». هذا الكلام قاله بطرس عن المسيح!!! أمام جارية!!!، «حينئذ امتلأ بطرس من الروح القدس وقال لهم: يا رؤساء الشعب وشيوخ إسرائيل إن كنا نفحص اليوم عن إحسان إلى إنسان سقيم بماذا شُفي هذا، ليكن معلوماً عند جميعكم وجميع شعب إسرائيل أنه باسم يسوع المسيحالناصري الذي صلبتموه أنتم الذي أقامه الله من الأصوات…» (أع8:4-10). وهذا الكلام قاله أيضاً بطرس بعد أن قبل الإيمان الحي بابن الله!!!

‏ولكن أسلوب القديس يوحنا يتعجب له, فهو يقول ويردد القول أنه جاء ليلاً ولا يمكن أن يفرط ويقول كلمة واحدة على جبن الرجل أو إيمانه, ولكن الذي يعرف أسلوب القديس يوحنا يعرف أنه قال هذا عن الرجل وقال أكثر!! فقوله أنه جاء ليلاً وتكراره لذكر الليل كفيل بحسب أسلوبه أن نفهم منه أنه إيمان الظلام، بمعنى أنه لم يعثر بعد على «أقنوم النور»، وأنه لا يزال بعيدأ عن الحب وما يحويه الحب من الإخلاص والثقة والأمانة وعدم الخوف، هذا هو تفسير «الليل» عند القديس يوحنا: «فذاك (يهوذا) لما أخذ اللقمة خرج للوقت وكان ليلاً.» (يو30:13‏)
«يا معلم ‏نعلم أنك أتيت من الله معلما»: هذا الاعتراف بالمسيح، كونه معلماً, من شخص مثل نيقوديموس هو تقييم كبير لإنسان لم يؤمن بالمسيح بعد كابن الله. وكلمة «رابي» تعني أكثر من معلم باللغة العربية لأنها من جذر كلمة يهودية تعني كبير أو عظيم، وهي عل ثلاث درجات: «راب», و«رابي» و«رابو»، و«رابون» هي أعلاها, هذا اللقب مستحدث مذ أيام مدرسة شماي وهاليل. ونيقوديموس يعطيه هذا اللقب بالرغم من أنه ليس من خريجي مدارسهم: «فتعجب اليهود قائلين كيف هذا يعرف الكتب وهو لم يتعلم» (يو15:7‏)، إلا أنه رأى بحسب قياسات علمه أنه كان مستنيراً بالمعرفة الإلهية، وأنه جاء من الله. وهذا تعبير عبري قديم يقيم به الأشخاص الموهوبون. وهو بأسلوب مؤدب خفي يُشرك زملاءه علماء الناموس الذين استمعوا إلى المسيح في رأيه هذا بقوله: «نعلم» بالجمع. وبتعبير من هو مأخوذ بتعاليم المسيح، يصرح بحرارة أن تعليمه من الله مباشرة: «أتيت من الله معلماً»، وهو نفر التعبير الذي يكرره المسيح عن تعليمه: «تعليمي ليس لى بل للذي أرسلنى» (يو16:7). وهذا يتضمن بالفعل أنه مُرسل. ولكن خطأ نيقوديموس أنه يقصر ملامح التفوق الإلهي عند المسيح في حدود «معلم» فقط ( ) ‏التي تأتي في اللاتينية magister حتى ولو كان موهوباً.
«لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه»: وهنا يكمن الخطأ الثاني لنيقوديموس، أنه اعتبر عمل الآيات أنه هو الدليل أن المسيح هو رجل الله. ومعروف أن الرابيين الأتقياء كانوا يجترحون المعجزات ليثبتوا تقواهم وليبرهنوا على صحة تعاليمهم. وهكذا ربط نيقوديموس آيات المسيح بحالة التقوى التي حصل عليها المسيح، على مستوى الرابيين الأتقياء.
‏«إن لم يكن الله معه»: ‏هذا اصطلاح عبري كتابي مذكور بكثرة في العهد القديم: «فظهر له الرب في تلك الليلة وقال له: أنا إله إبراهيم أبيك، لا تخف لأني معك» (تك24:26). وهذا الكلام لإسحق ابن إبراهيم. وكذلك: «فظهر له ملاك الرب وقال له: الرب معك يا جبار البأس» (قض12:6‏), وهذا الكلام لجدعون. وواضح من الإصطلاح أن الذي يكون الله معه، لا يزيد عن كونه مُعانا من الله لإتيان أمر يطلبه الله. إلى هنا توقف إيمان نيقوديموس بالنسبة للمسيح والأيات التي رأها والتعليم الذي سمعه منه. ومنه ترى أنه كان يعيش في جو عالم الفريسيين والربيين، وأنه لم يخرج بإيمانه خارج الدراسات التى تلقاها.

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

 

آية (2): “هذا جاء إلى يسوع ليلاً وقال له يا معلم نعلم انك قد أتيت من الله معلماً لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه.”

جاء ليلاً= ويوحنا الإنجيلي يذكر هذه العبارة 3 مرات (50:7+39:19). فمجيئه ليلاً يكشف عن حذره وخوفه وأنه لا يريد أن يعرض مركزه للخطر، ويكشف عن كبريائه، فكيف يأتي هذا المعلم الكبير لنجار ليتعلم منه. ماذا يقال عنه لو عرف الفريسيون ما عمله. وهذا يعني أن الإيمان لم ينمو ليصبح إيمان حي بإبن الله كمخلص حقيقي، ودواء الخوف هو المسيح، والإيمان به. ومجيئه ليلاً يشير إلى أنه لم يعثر بعد على الإيمان والنور الإلهي (قارن مع يو30:13) في مفهوم القديس يوحنا كلمة ليلاً يشير للخطية والكبرياء والظلام في القلب. نعلم أنك أتيت من الله معلِّماً= هذه قد جاءت من معلم عظيم كنيقوديموس، لذلك ففي نظره أن المسيح له قيمة عظيمة.

نعلم= ليس المهم أن تعلم فقط بل أن تتغير. وقوله نعلم يشير إلى أن غيره من الفريسيين أعجبوا بأعمال المسيح وتعاليمه. رابي= هي إحدى درجات ثلاث وترتيبها راب/ رابي/ رابون. وتأتي من كلمة جذرها في العبرية يعني كبير أو عظيم. ومع كل هذا كانت معرفة نيقوديموس بالمسيح ناقصة، كان ينقصه إيمانه بأن المسيح هو إبن الله. إن لم يكن الله معه= (تك24:26+ قض12:6). فنفهم من هذا أن رأي نيقوديموس أن الله يعين المسيح، وبهذه المعونة يعمل أعماله الإعجازية.

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى