القيامة
خريستوس آنستي.
هذا هو هتاف الكنيسة الأولى الذي ألهب الروح فيها ، مُنبئاً بافتتاح عصر الملكوت.
الجمعة العظيمة استودعنا آدم في المسيح بلحن غولغوثا ، میتاً على الصليب. وفي السبت دفنَّاه بأطياب وحنوط للجسد ، وبموته انتهى عصر البشرية العتيقة. واليوم ينبثق نور الحياة الجديدة من ظلمة قبر الإنسان ، ويقوم المسيح، الإنسان الثاني، من بين الأموات باكورة الخليقة الجديدة ورأسها ، مُعلناً بداية عصر الدهر الآتي وظهور ملكوت الله داخل القلوب.
يوم الجمعة العظيمة كان أعظم أحداث الخليقة الأولى قاطبة. كان يوم تصفية، ليس لكل خطاياها وأوجاعها التي حملها المسيح في جسده علی الصليب فحسب ؛ بل كان تصفية جذرية وقائية لعنصر الظلمة ورئيسها وجوهر الخطية ذاتها. لقد دان الله الخطية والعالم في الجسد ، فمات المسيح على الصليب حاملاً في جسده لعنة آدم و كل بنيه ، وبموت البار من أجل كل الأثمة ؛ تم بذلك حكم الناموس في كل ذي جسد : « فإن كان واحد قد مات من أجل الجميع ، فالجميع إذن ماتوا ». وبموت الجميع في المسيح انتهت البشرية الأولى بكل لعنتها.
القيامة التي أكملها الرب في اليوم الثالث هي بالنسبة للمسيح قيامة من بين الأموات ؛ أما بالنسبة لجسد آدميتنا الذي مات به فهي خليفة جديدة : ” إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة”.
إن القيامة التي قامها المسيح لم تأت من فراغ ، بل بدأت من قبر ، ومن موت حقيقي ، ومن تسليم کلي للذات في يدي الآب ، طاعة مذعنة سارت بأقدام الحب حتى الموت موت الصليب.
يستحيل أن نذوق القيامة ونحن لم نُكمل واجبات الموت وطقوس الدفن الإرادي، لأن الذي يريد أن يقوم مع المسيح يتحتم عليه أن يعتمد لموته ويُدفن معه بإرادته حياً.
يستحيل أن ينقلنا الآب إلى نور ملكوت ابن محبته ، ونحن لا يزال فينا شيء من الظلمة . لا يمكن ، بل ويستحيل أن يعبر الإنسان وهو في الخليقة العتيقة ليعيش في دائرة القيامة والحياة الأبدية ، وهو بعد یعیش بالجسد أو خوفاً على الجسد أو حباً في الجسد . المولود من الجسد جسد هو، الجسد يعيش ويفكر ويفرح ويحزن ويطمئن ويندم ، حيث کل معیشته تدور حول أمور الجسد والدنيا وهمومها. أما حياة القيامة فهي بدء الميلاد الثاني، وهي بالروح . والمولود من الروح هو روح، ومعيشته كلها هي بالروح، وكل أفراحه وأحزانه واطمئنانه كلها تدور حول أمور الروح، وهي بحسب أعماله العادية من أكل وشرب هو يعملها لمجد الله.
الإنسان الجسدي والإنسان الروحاني كلاهما يعيش في هذا العالم ، وكلاهما يفرح ويحزن ويطمئن ويؤدي كل مهام هذه الدنيا ؛ ولكن الأول يعيش ويعمل كل شيء للجسد ومن أجل الجسد وخوفاً على الجسد وحباً في الجسد ، ويموت مع الدنيا، والثاني يعيش ويعمل بالروح لمجد الله فقط ، لذلك فهو يعيش فوق الدنيا ولا يذوق الموت أبداً.
لا يمكن بل يستحيل أن يعبر الإنسان إلى دائرة القيامة و الحياة الأبدية وهو بعد يعيش بالجسد أو من أجل الجسد أو خوفاً على الجسد أو حباً في الجسد.
هوذا الله قد خلق بقيامة المسيح من الأموات كل شيء جديداً، لأن الأمور العتيقة مضت كلها ، لقد تصفَّت نهائياً على الصليب ، مع كل ما لا ينسجم مع ملكوت الله.
لقد جمع الله في ابنه كل معاثر بني آدم و تعدياته ، وصلبها في جسده ، وماتت الآدمية عن كل ماضيها في الخطية والتعدي، ثم أقامها المسيح في اليوم الثالث خليقة أخرى جديدة فيه و منه ، ليس فيها ما يعوقها عن المسير في جدة الحياة.
بالصليب انتهى دهر اللاخلاص ، دهر الخليقة العتيقة ، وبالقيامة ابتدأ دهر الخلاص الأبدي ، دهر المسيح والخليقة الجديدة ، جيل الإنسان الجديد المولود من فوق لميراث ملكوت الله . صارت القيامة هي الباب الجديد الذي افتتح به الرب أزمنة الخلاص وبهجة الملكوت وأنار طريق الخلود.
صلاة
الشكر لك والتسبيح والمجد الدائم ، يا ابن الله ، يا من صنعت عجباً لحسابنا.
أتوسل إليك ، يا رب ، یا من صالح النفس بالجسد ، أن تُصالح نفوسنا بأجسادنا.
أجسادنا ثقيلة جداً على نفوسنا ، لا تريد أن تستجيب لمطالب النفس والروح. نُطالبها بالقيام والوقوف فتتكاسل وتتراخى . ليتك ، يا رب ، تعطينا قيامة صادقة حقيقية للجسد والنفس . لكي لا يتمرد الجسد فيما بعد على الروح، بل يتصالح معها ويستجيب . والروح أيضاً تتصالح مع الجسد في ألفة أنت كونتها بعد خصومة دامت آلاف السنين.
أيها القائم من الأموات ليتك في هذا اليوم المبارك تشفی خصومتنا، إن كان في داخلنا أو في خارجنا ؛ ألغها یا رب كما ألغيت الموت ، الغ الخصومة من أعماقنا كما ألغيت الفساد ، لكي يدب الصلح والسلام بين أنفسنا وبين الآخرين ولا يعد لنا عدو.
فأعطنا نحن الذين دُعينا أبناء قيامة ونور ، أن نتصالح مع كل إنسان في الوجود.
فيا من أسكنت ، یا رب ، تلاميذك قوة قيامتك ، فسلكوا بها ، افتقد الآن كنيستك المنقسمة ليعود إليها صلحها وسلامها وألفتها ، ويحل روح القدوس فيه.
آمین ، اسمع يا رب ، في هذا اليوم المبارك ، ألق صلحاً وسلاماً على وجه الأرض كلها حتى يهتم كل إنسان بخلاص نفسه.
كتاب القيامة و الصعود للأب متى المسكين ص 176