تفسير رسالة تيطس أصحاح ٣ للقمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح الثالث
العلاقات بالآخرين

بعدما تحدث عن التعاليم التي يوجهها الراعي لشعبه عاد ليوضح له بعض الأسس اللازمة في علاقة شعبه بالغير، خاصة بالنسبة للرئاسات والسلطات الحاكمة، وذلك على ضوء نعمة الله.

1. الخضوع للهيئات الحاكمة 1

ذكرهم أن يخضعوا للرياسات والسلاطين، ويطيعوا،

ويكونوا مستعدين لكل عمل صالح” [1].

أولاً: الخضوع

يبدأ الرسول حديثه بقوله: “ذكرهم“، وكأن ما جاء بالرسالة هنا هو ليس بالأمر الجديد. والسبب في هذا أن عدو الخير كان يثير اليهود والوثنيين ضد الكنيسة الذين كانوا يشعلون غضب الولاة ضدها خلال الدعوى بأن الكنيسة تقيم من نفسها دولة مستقلة، ومجتمعًا خاصًا له قوانينه ومبادئه، فيعصون الدولة وقوانينها وأنظمتها ويحتقرون الإمبراطور والولاة ولا يبالون بهم.

إنه ذات الاتهام الذي وُجه للسيد المسيح نفسه، إذ صرخ اليهود في وجه بيلاطس حين أراد أن يطلقه يتهمونه أنه لا يحب قيصر، لأنه يطلق من يدعى أنه ملك! وفي غباوة ظن بعض الأباطرة أن المسيح منافس له، والكنيسة منافسة لدولته. من أجل هذا دفع الرب الجزية علانية، وأعلن جهارًا “أعطِ ما لقيصر لقيصر، وما لله لله“.

وناقشت الكنيسة منذ العصر الرسولي الأول هذه الأمور، وفندت بكل قوة هذه الاتهامات الباطلة في كتب كثيرة تدافع عن المسيحية أُرسلت إلى الولاة، فقد عالجت كل تهمة موجهة إلى المسيحيين منها:

1. الادعاء بأن المسيحية تؤلف جماعة سرية على مستوى عالمي لتكوين مملكة ذات غرض سري مجهول.

2. عدم الولاء للإمبراطور والولاة والسلاطين.

3. أنهم غير نافعين للدولة، مواطنون غير صالحين.

وقد قام العلامة ترتليان والعلامة أوريجينوس والقديس إكليمنضس السكندري، واثيناغورس الفيلسوف وبنتينوس واربنيدوس وكثيرون يدافعون ضد هذه الاتهامات الباطلة. وقد ترجم نيافة الأنبا يؤانس وأيضًا نيافة الأنبا غريغوريوس أسقف عام معهد الدراسات القبطية مقتطفات منها.

ثانيًا: طاعتهم

ربما يظن البعض أن الخضوع الذي نادى به الرسول هو من قبيل المداهنة والممالقة. هذا لن يكون! إنه يأمر هنا بالطاعة، أي الامتثال لأوامرهم برضا وسرور، لا عن تذمرٍ أو ضجرٍ، وذلك من أجل الرب وفي الرب.

ثالثًا: استعدادهم لكل عمل صالح

الخضوع والطاعة للرؤساء والسلاطين في نظر الرب والكنيسة هما عمل صالح. فحين يخضع المؤمن، إنما يفرح ويبتهج لأنه عمل أمرًا صالحًا.

2. محبة الجميع 2

بعدما تحدث عن علاقة المؤمنين بالسلطات الحاكمة والرؤساء عاد ليتحدث عن علاقتهم بالناس عامة. هذه العلاقة تتلخص في وصية “الحب” من كلا جانبيها، السلبي والإيجابي.

أولاً: الجانب السلبي:

1. “ولا يطعنوا في واحد”.

ليس عملنا البحث عن أخطاء الغير والطعن فيهم، إنما الحب يستر أخطاء الغير، ويزّين حياتهم في نظرهم. أولاد الله يرون في كل إنسان شيئًا صالحًا، حتى ولو كان الذي أمامه مجرمًا أو قاتلاً أو متعجرفًا، لأن عينه البسيطة ترى ما هو صالح، وقلبه المحب يترفق ويحنو طالبًا خلاص الكل.

وكما يقول القديس مقاريوس الكبير: ]يجب على المسيحيين أن يجتهدوا ألا يدينوا أحدًا حتى ولا كانوا قليلي التدبير، بل يراعوا كل جنس البشر بسذاجة النية وعين النقاوة، لكي يصبح الإنسان من طبيعته وأساسه ألا يستخف بأحدٍ، ولا يدين أحدًا أو يكره أحدًا. [

2. “ويكونوا غير مخاصمين”.

إذ لا تحتمل أيام غربتنا القليلة إضاعتها في الخصام، بل الأيام مقصرة وشريرة، وكما يقول الأنبا افراطس: ]يليق بالمتقدمين إلى الله أن ينظروا إليه وحده، ويلتجئوا إليه بتورعٍ هكذا حتى لا يعيروا الشتيمة التفاتا، حتى ولو كانوا مظلومين ربوات من المرات.]

ثانيًا: الجانب الإيجابي:

حلماء، مظهرين كل وداعة لجميع الناس“. [2] 

كأبناء الله الطويل الأناة يليق بنا أن نُظهر الحلم وكل وداعة للجميع، ليس من أجل الناس، بل من أجل ما صرنا عليه حسب الإنسان الجديد. فالحب بكل آثاره هو سمة المسيحي الحقيقي بغض النظر عن شر الناس المحيطين به، مسيحيين كانوا أم غير مسيحيين، فهو يحبهم ويترفق بهم كابن الله.

كيف نقدر أن نحب؟ 3-8

في كل عصر يلتقي المؤمن بأناس أشرار، حتى من المسيحيين أنفسهم، فكيف يقدر أن يكون محبًا حليمًا مُظهرًا كل وداعة لجميع الناس؟ هنا ينقلنا الرسول لنرى إنساننا العتيق وحياتنا خارج دائرة النعمة الإلهية. عندئذ نتحقق أن كل البشرية لها ذات الضعف لولا عناية الله ونعمته الحانية.

أولاً: لتنظر إلى إنساننا العتيق

إن كان الله قد سترنا بعمل نعمته، فلنزحف ونتسلل لندرك ما كنا عليه خارج نعمته وما نكون عليه لو تخلت عنا، إذ يقول الرسول:

لأننا كنا نحن أيضًا قبلاً أغبياء،

غير طائعين، ضالين، مُستعبدين لشهوات ولذات مختلفة،

عائشين في الخبث والحسد، ممقوتين، مبغضين بعضنا بعضًا“. [3]

بحسب إنساننا العتيق نصير أشر المجرمين وأشدهم غباوة وأدنس الشهوانيين، ويمتلئ القلب خبثًا وحسدًا وبغضه. أقول الحق يا أخي أن ما يرتكبه أخوك هو ليس بغريبٍ عنك، ولو أنك أفلت من يدي الله لإنزلفت واستسلمت إلى ما يصنعه في صورة أشد وأعنف. لهذا حين كان يرى القديس الأنبا يحنس القصير أخًا يخطئ كان يبكي بمرارة وعندما سُئل أجاب [اليوم أخطأ هذا الأخ، وغدًا أخطئ أنا، وربما يسمح الله لهذا فيتوب، وقد لا يسمح لي أنا.]

ثانيًا: لنتجاوب مع عمل النعمة:

لا نقف عند التأمل في ضعف إنساننا، بل بالأحرى نتأمل في إمكانية النعمة القادرة أن تهب حبًا. فبالمعمودية دُفنا مع المسيح، وقمنا متجددين، وصارت لنا إمكانية الحياة الجديدة النامية كل يوم بالروح القدس المنعش للنفس.

هكذا يقول الرسول: 

ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه،

لا بأعمال في برِّ عملناها نحن،

بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس. 

الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا. 

حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية“. [4-7]

فإن ما فيّ من خير وأعمال صالحة هو بفضل النعمة الإلهية. ومن جانب آخر ليس لي أن أحتج بضعفي، لأن النعمة قادرة أن تهبني الحب وكل فضيلة سماوية.

لهذا يحدثنا القديس أغسطينوس في كتابه عن “النعمة والإرادة الحرة” أن نتعلق بالنعمة الإلهية قائلاً: ]هكذا يلزم للإنسان لا أن يتبرر بنعمة الله وهو شرير فحسب (أي قبل توبته أو عماده)، بل يلزمه حتى عندما يتبررّ بالأعمال أن ترافقه النعمة الطريق، وأن يحافظ عليها لئلا يسقط![

على هذا الأساس كُتب عن الكنيسة في سفر نشيد الأناشيد: “من هذه الطالعة من البرية في ثوب أبيض مستندة على حبيبها” (راجع 8: 5). إذ تصير بيضاء هذه التي لا تقدر على هذا بمفردها. فبواسطة من تصير بيضاء إلا بذاك الذي يقول: “إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج” (يو 15: 5)؟

كيف إذن نحتج بضعفنا إن كنا غير قادرين على أن نحب؟ وإن أخذنا الحب كيف نفتخر بالحب كأنه من طبعنا الذاتي وهو هبة النعمة العاملة في المجاهدين؟ هذه النعمة كما سبق أن رأيناها هي ابن الله” ذاته واهب كل عطية، إذ جعل من نفسه عطية لنقبله في حياتنا فنكون واحدًا معه لنا إمكانياته فينا. وهي أيضًا روحه القدوس الذي أرسله لنا من عند الأب فيسكن فينا ويرافقنا ويسندنا ويهيئنا للعرس السماوي، إذ يقول الرسول: “تجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا، حتى إذ تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية”.

ويعلق القديس أمبروسيوس على هذا القول قائلاً:

[الروح القدس هو الذي يخلصنا من دنس الأمم!

سامية هي هذه النعمة التي تغير غضب الوحوش إلى بساطة الروح.]

[من هو هذا الذي يُولد من الروح ويصير روحًا (روحانيًا) إلا الذي يتجدد بالروح في ذهنه”. (أف 4: 23)! هذا هو بالتأكيد ذاك الذي يولد بواسطة الماء والروح حيث ننال رجاء الحياة الأبدية خلال جرن الميلاد الذي للروح القدس.[

ويعلق القديس أغسطينوس قائلاً:

]في المعمودية غُسلت كل الخطايا السابقة. وخلالها يكون عون الروح الذي به يشتهي ضد الجسد فلا ننهزم في حربنا، (الروحية). وخلالها تكون للصلاة الربانية فاعليتها حين نقول “اغفر لنا ذنوبنا”. هكذا يُعطى لنا التجديد، ونُعان في صراعنا، وتسكب الصلاة، ويكون قلبنا غير مشوب. وبهذا نكون بلا لوم.[

وقد لاحظ القديس أغسطينوس أن قوله “خلصنا” جاءت في عبارة الرسول عوض”اعتمدنا”، فعلق قائلاً بأنه لا يمكن التمتع بالخلاص خارج المعمودية، إذ كلمة “العماد”وكلمة “الخلاص” متفقتان في الهدف ومتلازمتان فهما في العمل.

يقول أيضًا عن أهمية العماد لخلاص الأطفال: ]إذن من يقدر أن يتجاسر فيثبت أنه بدون التجديد الذي يتكلم عنه الرسول يمكن للأطفال أن ينالوا الخلاص الأبدي كما لو كان المسيح لم يمت من أجله؟ [

غير أننا لا نفهم من قوله ” خلصنا “ بصيغة الماضي أن الإنسان يقول: “إنني خلصت فعلاً كأننا قد نلنا كل شيء، فتستكين نفوسنا، ظانين استحالة سقوطنا أو انحرافنا. لكن الحقيقة هي أننا سالكون في طريق الخلاص حتى النفس الأخير وإنما بالرجاء خلصنا.

يقول القديس أغسطينوس: [من الواضح أننا نحصل في غسل التجديد لا على الخلاص ذاته بل الرجاء فيه ” وذلك إلى أن نعبر الأبدية فيتم الخلاص. ]

ولما كان هذا الرجاء أكيدًا نقول: “نحن خلصنا” كما لو كان الخلاص قد مُنح فعلاً.

ففي موضع آخر يقول: “نحن أنفسنا أيضًا نئن في أنفسنا متوقعين التبني فداء أجسادنا، نحن بالرجاء خلصنا ولكن الرجاء المنظور ليس رجاءً ، لأن ما ينظره أحد كيف يرجوه أيضًا؟ ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فإننا نتوقعه بالصبر” (رو 8: 23-25). إنه لم يقل “نحن نخلص” بل قال “خلصنا” أي بالرجاء، مع إنه لم يتم فعلاً حتى الآن.

وبنفس الطريقة فإنه بالرجاء  وليس تم فعلاً  إذ نحن إلى الآن لا نعرف إنسانًا حسب الجسد قد خلص تمامًا، إنما رجاؤنا هو في المسيح، إذ فيه نترجى أن ما قد وعدنا به قد تحقق فعلاً ( تحقق فيه فصار متحققًا لنا).

ويقول القديس ذاته أيضًا: ]لكن إن سأل أحد عما إذا كان بنفس الغسل قد أُنقذنا فعلاً بالتمام في كل طريق، فإنني أجيب أنه ليس كذلك إذ يقول الرسول: “بالرجاء خلصنا”…فيحدث خلاص الإنسان في المعمودية إذ يخلص من أي خطية قد حلت به من والديه وأيضًا كل ما أخطأ به قبل عماده، لكن خلاصه سيكون فيما بعد حينما يأتي الوقت الذي فيه لن يخطئ قط تمامًا (في الأبدية). [

موقف الإنسان من عمل النعمة

خشي الرسول أن يُفهم من خلال حديثه عن لطف الله وإحسانه ونعمته لخلاصنا أنه يمحو كل جهاد أو عمل من جانبنا في طريق خلاصنا، لذلك أكمل القول هكذا:

أريد أن تقرر هذه الأمور 

لكي يهتم الذين أمنوا بالله أن يمارسوا أعمالاً حسنة،

فإن هذه الأمور هي الحسنة والنافعة للناس“. [8]

وكأنه يكتب قائلاً إنني إذ أقرر هذا لا أثبط هممكم في الجهاد وممارسة الأعمال الحسنة، فإن هذا يناقض غايتي، بل بالأحرى أدفعكم إلى المثابرة والجهاد في كل عملٍ صالحٍ، عالمين أننا لسنا نعمل بقوتنا البشرية الواهنة بل مستندين على النعمة القوية القادرة.

إن تركيزه على النعمة غايته تشجيع المؤمن لا على التواكل والتراخي بل على العمل والجهاد بثقة في الذي يعمل فيهم وبهم، وفي نفس الوقت يحطم كل كبرياء يمكن أن يتسلل في قلب المؤمن بسبب ما يصنعه أو يصل إليه من حياة تقوية فاضلة.

3. تجنب المقاومين 9-11

بعدما أرشدنا الرسول إلى الخضوع والطاعة للرئاسات ومحبة كل البشر مفتدين الوقت في كل عمل صالح، خشي لئلا يضربنا عدو الخير بالانهماك وإضاعة الطاقات في المناقشات الغبية مع المقاومين والمبتدعين، ذلك تحت دافع الدفاع عن الحق فقال:

وأما المباحثات الغبية والأنساب 

والخصومات والمنازعات الناموسية فاجتبها،

لأنها غير نافعة وباطلة،

الرجل المبتدع بعد الإنذار مرة ومرتين أعرض عنه،

عالمًا أن مثل هذا قد انحرف،

وهو يخطئ محكومًا عليه من نفسه“. [9-11]

قبلاً كان يحدث كل المؤمنين بجميع فئاتهم عن شهادتهم العملية وكرازتهم خلال سلوكهم وحياتهم اليومية وخضوعهم وطاعتهم للسلطات وحبهم لجميع الناس، والآن يوقف كل مضيعة للوقت إذ يمنع:

1. المباحثات الغبية: أي المناقشات التي لا تقوم على أساس التعرّف بالحق أو تذوقه، بل لمجرد التعصب وإبراز القدرة على الكلام والإقناع. يُصاب الكثير من الخدام بهذه الضربة، فما أن يلتقي الراعي أو الخادم بإنسان حتى تتفتح أبواب كثيرة للمناقشات والأحاديث البعيدة عن التوبة والخالية من التمتع بالشركة بالله وتتسم رائحة المسيح في سير القديسين أو خلال الطقوس الحية.

2. الأنساب: إذ كان اليهود يعتمدون على أنهم أبناء إبراهيم، الأمر الذي جر بعض المعلمين إلى إضاعة الوقت مع اليهود المقاومين في إطالة المناقشات بخصوص اتتساب البشرية لإبراهيم أو غيره من الآباء. وقد أبكم الرب اليهود بكلمات قليلة مختصرة.

3. الخصومات: يقول الذهبي الفم: [أما الخصومات فيعني بها المناقشات مع الهراطقة. يود الرسول ألا نتعب فيها بغير جدوى، دون أن نجني منها شيئًا، لأنها تنتهي إلى لا شيء. لأنه إن صمم إنسان جاحد على عدم تغيير رأيه مهما حدث، فلماذا تتعب نفسك وتزرع على الصخر، مع أنه كان يليق بك أن توجه عملك العظيم إلى شعبك متحدثًا معهم عن الفضائل؟]

فإذا يتصلف الإنسان في عناده يليق بنا ألا نجادله بعد بل نعرض عنه.

إذن يجدر بالرعاة كما يقول القديس أمبروسيوس: ]أن يكونوا هكذا كمرشدين للسفن حكماء. فيفردون شراعات إيمانهم حيث يسير في أكثر الأماكن أمانًا، حاسبين تكاليف “رحلة الكتب المقدسة” فلا ننطق بكلمة إلا للبنيان. وباختصار يليق بالراعي أن ينخلع عن المباحثات الغبية والأنساب والخصومات وكل ما هو ليس للبنيان إذ يدعوها الرسول أنها أمور غير نافعة، من ينشغل بها يصير غبيًا.]

4. وصايا ختامية خاصة 12-15

في ختام الرسالة أرسل إليه عن بعض الأمور الخاصة قائلاً:

أ. “حينما أرسل إليك ارتيماس أو تيخيكس، بادر أن تأتي إليّ إلى نيكوبوليس لأني عزمت أُشتي هناك”. [12]

إنه يرسل إليه ارتيماس أو تيخيكس اللذين هما أعزاء لديه، وذلك بعد خروجه من السجن، وقد طلب منه أن يأتيه إلى نيكوبوليس، لا ليرافقه في الأسفار والرحلات، وإنما كما يقول ذهبي الفم: ]لكي يشجعه ويرشده ويزوده للخدمة[.

أما “ارتيماس” فهو اختصار للاسم اليوناني “أرتيمادورس” أي “عطية الآلهة أرطاميس”. وهو أحد رفقاء الرسول في الفترة الأخيرة من حياته.

و “تيخيكس” وهو اسم يوناني معناه “محصن”، كثيرًا ما كان يرافق الرسول بولس في رحلاته (أع 20: 4)، وقد شهد له أنه الأخ الحبيب والخادم الآمين (راجع كو 4: 7، 9). وأرسله حاملاً الرسائل إلى أفسس وكولوسي (أف 6: 21)، (كو 4: 7). يقترح هنا إرساله إلى تيطس في كريت ليخبرهم عن أحوال الخدمة ويعزي قلوبهم بما عمله الرب على يدّ الأسير بولس. كما أرسله الرسول إلى أفسس (2 تي 4: 12).

2. “جهز زيناس الناموسي وأبلوس باجتهاد للسفر، حتى لا يعوزهما شيء. ويتعلم من لنا أيضًا أن يمارسوا أعمالاً حسنة للحاجات الضرورية حتى لا يكونوا بلا ثمر”. [13-14]

لعله دعاه بالناموسي لأن زيناس كما يقول القديس الذهبي الفم: ]كان متضلعًا في الناموس الموسوي. [

و”زيناس” اختصار للاسم اليوناني “زيندورس” أي “عطية الآلهة زفس”، كان من رجال القانون، جال في جزيرة كريت مع “أبلوس” للكرازة والخدمة يعاونان الأسقف “تيطس”.

أما “أبلوس” السكندري الفصيح فسيجيء الحديث عنه في رسالة “الرسول بولس” الأولى إلى أهل “كورنثوس” إن شاء الرب وعشنا.

وقد طلب الرسول منه أن يعطيهما احتياجاتهما ليكون قدوة أمام المعلمين والرعية في كريت، فلا يكونوا طماعين بل أسخياء في العطاء، خاصة في احتياجات الخدمة. وقيمة هذا العمل إنه ثمر للحياة المسيحية الحقيقية والإيمان الحي العامل، فيشتمه الله تقدمه مقدسة.

3. وأخيرًا يختم الرسالة كعادته مقدمًا سلام مَن معه، طالبًا السلام على جميع المؤمنين، قائلاً: “يسلم عليك الذين معي جميعًا، سلم على الذين يحبوننا في الإيمان”.

ثم يصلي من أجلهم طالبًا “النعمة مع جميعكم، آمين” [15]، وهذه زبدة كل الطلبات أن ترافقنا نعمة الله على الدوام. آمين.

تفسير تيطس 2 تيطس – 3 تفسير رسالة تيطس
تفسير العهد الجديد فهرس
القمص تادرس يعقوب ملطي
تفاسير تيطس – 3 تفاسير رسالة تيطس تفاسير العهد الجديد

 

زر الذهاب إلى الأعلى