التعليم عن المعمودية في سفر الأعمال

 من كتاب المعمودية: الأصول الأولى للمسيحية 
للأب متى المسكين

الفصل الثاني
الجزء التقليدي

أ المعمودية من واقع الإنجيل وسفر الأعمال والرسائل 
1  التعليم عن المعمودية في سفر الأعمال

 

وقد وضعناها في أول التعليم عن المعمودية لأنها شملت أول عملية عماد تمَّت بعد قيامة الرب وصعوده إلى السماء، كما ابتدأ التعليم عن المعمودية منذ بدء السفر. ومعروف أن المعمودية ذُكرت في سفر الأعمال 21 مرَّة، ولكن لا تأتي على صورة عقيدة لاهوتية ولكن مجرَّد إجراء عملي. ويلزم أن نضع في الاعتبار أن كتابة “سفر الأعمال” بواسطة ق. لوقا جاءت متأخِّرة جدًّا عن تعاليم ق. بولس في كل رسائله. فتعليم ق. بولس عن المعمودية كما جاء في رسائله دخل الكنيسة وتداول فيها قبل سفر الأعمال.

كذلك لا يمكن أن يفوت علينا أن الجزء الأول من سفر الأعمال تمَّ ودُوِّن قبل دعوة بولس الرسول على طريق دمشق، وبالتالي قبل تعليمه في الرسائل بمدة كبيرة.

أ  بداية ممارسة المعمودية:

فالمعمودية بدأت في سفر الأعمال تمارس مبكِّراً جدًّا، منذ يوم الخمسين مباشرة حسب تحديد الرب يسوع نفسه: » وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أُورشليم، بل ينتظروا موعد الآب الذي سمعتموه مني، لأن يوحنا عمَّد بالماء وأمَّا أنتم فستتعمَّدون بالروح القدس، ليس بعد هذه الأيام بكثير. «(أع 1: 4و5)

وهذه المعلومة الإلهية تفصل تمام الفصل بين معمودية يوحنا المعمدان ومعمودية العهد الجديد، القائمة على أساس الروح القدس بواسطة وبتدبير المسيح ووعده([1]).

وهذه المعلومة أثبتها بطرس الرسول من واقع خبرته في بيت كرنيليوس الذي طلب العماد، والله
أرسل ق. بطرس برؤيا خاصة ليعمِّده وهو أُممي بلا فحص: » ما طهَّره الله لا تدنِّسه أنت «(أع 15:10). ويحكي ق. بطرس للتلاميذ في أُورشليم قائلاً: » فلمَّا ابتدأت أتكلَّم حلَّ الروح القدس عليهم كما علينا أيضاً في البداءة (يوم الخمسين)، فتذكَّرت كلام الرب كيف قال إن يوحنا عمَّد بماء وأمَّا أنتم فستُعمَّدون بالروح القدس «(أع 11: 15و16). ولكن العجيب في الأمر أن كرنيليوس أُممي وأن حلول الروح القدس لم يتم لا بوضع اليد ولا بأسبقية معمودية الماء([2]).

وهذا يأتي أيضاً مطابقاً لاعتراف يوحنا المعمدان نفسه » وكان يكرز قائلاً يأتي بعدي مَنْ هو أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أنحني وأحل سيور حذائه. أنا عمَّدتكم بالماء وأمَّا هو فسيُعمِّدكم بالروح القدس. «(مر 1: 7و8)

وهكذا نقيم مقابلة شديدة فاصلة بين معمودية يوحنا المعمدان بالماء، والمعمودية المسيحية “بالروح القدس”. هذا الفاصل في العمل والتعليم هو من عمل المسيح كما أثبتنا، على أن هذا الفاصل ابتدأ فقط بحلول يوم الخمسين كتتميم لوعد الرب في مطلع سفر الأعمال، لأنه واضح غاية الوضوح أن ما رواه ق. بطرس في (أع 11: 15و16) يؤكِّد أن كرنيليوس وكل بيته لم يعتمدوا بالماء أولاً، ولكنهم اعتمدوا بالروح القدس أولاً وبعدها اعتمدوا بالماء:  » أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن أيضاً. وأمر أن يعتمدوا باسم الرب «(أع 10: 47و48). هنا الماء والعماد بالماء جاء لاحقاً لعماد الروح القدس لتحقيق الإجراء الكلي.

ب  وضع اليد:

والقصة تبدأ هكذا في سفر الأعمال (19: 1-7):

+ » فحدث فيما كان أبُلُّوس في كورنثوس، أن بولس بعد ما اجتاز في النواحي العالية جاء إلى أفسس. فإذ وجد تلاميذ قال لهم: هل قبلتم الروح القدس لمَّا آمنتم؟ قالوا له: ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس. فقال لهم: فبماذا اعتمدتم؟ فقالوا: بمعمودية يوحنا. فقال بولس: إن يوحنا عمَّد بمعمودية التوبة، قائلاً للشعب أن يؤمنوا بالذي يأتي بعده، أي بالمسيح يسوع. فلمَّا سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع. ولمَّا وضع بولس يديه عليهم حلَّ الروح القدس
عليهم، فطفقوا يتكلَّمون بلغات ويتنبَّأون. وكان جميع الرجال نحو اثني عشر. «(أع 19: 1-7)

في هذه الرواية يتثبَّت لنا في التعليم المسيحي عن المعمودية الصلة المباشرة بين المعمودية باسم الرب يسوع، ووضع اليد الرسولية وقبول الروح القدس، وانقضاء معمودية يوحنا بالماء للتوبة وعدم نفعها.

والقصة الأخرى المطابقة التي فيها حل الروح القدس ثمَّ بعد ذلك تمَّ العماد بالماء هي قصة شاول نفسه المدعو بولس:

+ » فمضى حنانيا ودخل البيت ووضع عليه يديه وقال: أيها الأخ شاول قد أرسلني الرب يسوع الذي ظهر لك في الطريق الذي جئت فيه، لكي تبصر وتمتلئ من الروح القدس. فللوقت وقع من عينيه شيء كأنه قشور، فأبصر في الحال وقام واعتمد. «(أع 9: 17و18)

وهنا أيضاً هذه الحادثة تثبت الصلة المباشرة بين وضع اليد وقبول الروح القدس، ونفس هذه الرواية يرويها ق. بولس نفسه إذ يصف ما سمع وما قيل له فيقول:

+ » ثم إن حنانيا رجلاً تقياً … أتى إليَّ، ووقف وقال لي: أيها الأخ شاول، أبصر! ففي تلك الساعة نظرت إليه. فقال: إله آبائنا انتخبك لتعلم مشيئته، وتبصر البار، وتسمع صوتاً من فمه. لأنك ستكون له شاهداً لجميع الناس بما رأيت وسمعت. والآن لماذا تتوانى؟ قُمْ واعتمد واغسل خطاياك داعياً باسم الرب. «(أع 22: 12-16)

هنا اعتُبرت المعمودية “غسل خطايا بدعاء باسم الرب”.

وهناك حالة أخرى أيضاً تَّم فيها العماد باسم الرب يسوع ولكنهم لم يقبلوا الروح القدس لعدم وجود رسول يضع يده:

+ » ولكن لمَّا صدَّقوا فيلبس وهو يبشِّر بالأمور المختصة بملكوت الله وباسم يسوع المسيح، اعتمدوا رجالاً ونساءً … ولمَّا سمع الرسل الذين في أُورشليم أن السامرة قد قبلت كلمة الله، أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا، اللذين لمَّا نزلا صلَّيا لأجلهم لكي يقبلوا الروح القدس. لأنه لم يكن قد حلَّ بعد على أحدٍ منهم، غير أنهم كانوا مُعتمدين باسم الرب يسوع. حينئذ وضعا الأيادي عليهم فقبلوا الروح القدس. «(أع 8: 12و14-18)

هذا مثال لمعمودية تمَّت باسم الرب يسوع ولم يحل الروح القدس لغياب وضع اليد الرسولية.

وبهذا يتأكَّد لنا من واقع هذه الحوادث التي تمَّ فيها العماد بدون وضع يد – مهما كان كامل
الشروط – فلم يحل فيها الروح القدس، أن المعمودية في المسيح يتحتَّم فيها وضع اليد.

هنا جيد أن نعود إلى معمودية المسيح بالماء من يد يوحنا. واضح أن المعمدان تمنَّع جدًّا أن يقبل أن يعمِّد المسيح لأن هذا يستوجب وضع يده عليه. هنا بادره المسيح بالقول ينبغي أن نتمِّم كل برّ بمعنى بر الاتضاع! أو ربما برّ المعمودية نفسها. فكانت النتيجة أن حلَّ الروح القدس عليه ولكن ليس على مستوى حلوله على المعمَّدين الآخرين، ولكن حلول الروح القدس كان بصفة المسحة من الآب مباشرة للبدء في الخدمة، حسب قراءة إشعياء التي تلاها في المجمع: » فدُفع إليه سفر إشعياء النبي، ولمَّا فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوباً فيه: روح الرب عليَّ لأنه مسحني لأبشِّر المساكين … «(لو 4: 17و18)

ويلذ لنا جدًّا أن نتأمَّل في هذا الحلول فهو للخدمة كلزوم لها على الأرض.

أمَّا قبوله روح القيامة من الأموات فهو أيضاً لخدمة المجد كلزوم لها في السماء. والجميل حقـًّا أن نتأكَّد أن حلول الروح القدس عليه في المعمودية للمسحة للخدمة إنما صار كسابقة واجبة التنفيذ في كل الذين يعتمدون لاسم المسيح، فإنهم حتماً يقبلون الروح القدس كمسحة للخدمة والشهادة على الأرض باسم المسيح.

أمَّا قيامتنا مع المسيح وقبولنا روح القيامة فهو أيضاً بقبول شركة خدمة المجد في ملكوت الله والشهادة لقيامته التي نحياها.

لذلك كان عمل المعمودية الآن باسم المسيح هو على شقَّين:

شق تحدِّده مسحة الروح القدس لخدمة العتيدين أن يرثوا الخلاص باسم المسيح، وهو مطابق تماماً لحلول روح المسحة على المسيح في معمودية يوحنا بالماء، حيث الروح القدس حينئذ يُعطي الاعتراف والشهادة أننا نحيا بالقيامة كأولاد الله:»  الروح نفسه أيضاً يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله «(رو 16:8). تماماً كشهادة الآب من السماء للمسيح وهو خارج من معموديته – الروح القدس الذي هو وعد الآب وجميع الأنبياء وعلامة ومجد العهد الجديد ونوره.

أمَّا الشق الثاني فنحن نحصل عليه بالدفن في ماء المعمودية بالإيمان كشركة في موت الرب، كما نحصل عليه بالخروج من ماء المعمودية بالإيمان لابسين الرب يسوع كشركة في جسد قيامته – في جسد جديد للإنسان، خليقة جديدة سماوية.

 

الخلاصة:

  • بهذا نفهم أن المسيح بعماده من يد يوحنا في مياه الأُردن، وحصوله على الروح القدس، وشهادة الآب ببنوَّته، قد أكمل تأسيساً حقيقياً إلهياً لمعموديتنا بكل أجزائها.
  • كذلك فمعمودية المسيح أو صبغته التي اصطبغ بها على الصليب، التي بها قدَّس وعمَّد الجسد الحامل البشرية بدم صليبه ليؤهِّله للموت والقيامة وقبول الحياة الأبدية ودخول ملكوت الله؛ كان هذا تأسيساً لفاعلية المعمودية التي فيها نموت بالإيمان والدفن في الماء مع المسيح، ونقوم حاصلين على قيامة المسيح بالروح بالإيمان ولابسين الرب يسوع ثوب المجد والخلاص الأبدي.
  • فمعمودية الرب يسوع في الأُردن، ومعمودية المسيح بالموت على الصليب، هما أساس المعمودية التي ورثتها الكنيسة من جسده في جسدها “بالماء والروح القدس” كقول الرب لنيقوديموس. وهي حديث السماويات منذ البدء: » إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات. «(يو 12:3)

خبرة الكنيسة في المعمودية ابتدأت يوم الخمسين:

+ » فلمَّا سمعوا نخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل: ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة. فقال لهم بطرس: توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس. لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بُعد. كل مَنْ يدعوه الرب إلهنا. «(أع 2: 37-39). فاعتمدوا وانضم في ذلك اليوم ثلاثة آلاف نفس.

هذا صار منطوق عقيدة الكنيسة الأُولى الفتيَّة منذ اليوم الأول.

عمليات قوية وهامة:

أولاً: كل مَنْ يدعوه الرب إلهنا حتى الذين على بُعد (أي الأُمم) وإلى آخر الأيام.

ثانياً: نُخسوا في قلوبهم: هذا هو عمل الروح القدس المسبق الذي يمهِّد للمعمودية بالوعظ.

ثالثاً: ليعتمد كل واحد: المعمودية فردية والإيمان فردي والخلاص فردي.

رابعاً: على اسم([3])  يسوع المسيح: (وليس يوحنا بعد) كان هذا طقس الكنيسة الأول
الذي صار بعد ذلك باسم الثالوث.

خامساً: لمغفرة الخطايا: هذا هو الالتحام في الصليب والدم!

سادساً: فتقبلوا عطية الروح القدس.

بهذه العقيدة الأُولى كحدث وفعل رسولي:

  • يتحقَّق الوعد بقبول الروح القدس منذ أول لحظة، لأنهم نُخسوا في قلوبهم وطلبوا الخلاص قبل أن يعرفوا ما هي المعمودية أو يعتمدوا.
  • كما يتحقَّق تعليم الرب عن المعمودية لنيقوديموس: » إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله. «(يو 5:3)
  • إن المعمودية باسم الرب يسوع هي لغفران الخطايا.
  • إن الروح القدس يُعطى مقترناً معها ولكن هي لا تمنح الروح.
  • إن المعمودية تحتاج إلى يد رسولية أو مَنْ يحملها ليكون حاملاً الروح القدس ليتم الوعد الذي وعد به الرب: » لكنكم ستنالون قوة متى حلَّ الروح القدس عليكم … وأمَّا أنتم فستتعمَّدون بالروح القدس «(أع 1: 8و5). هذه القوة وهذا الروح ظهر فعله منذ أول يوم، إذ أن ق. بطرس ومَنْ معه من الرسل قد عمَّدوا ثلاثة آلاف نفس!

المعمودية سر الانضمام للكنيسة:

من نتائج حادث عماد ق. بطرس للثلاثة آلاف نفس يهودي أنهم آمنوا ودخلوا المسيحية، فاعتبرت المعمودية من أول يوم الخمسين أنها الباب الأول للانضمام إلى الكنيسة ونمو المسيحية بها!

+ » فقبلوا كلامه بفرح (فرح الروح القدس) واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس. «(أع 41:2)

+ » وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون. «(أع 47:2)

الإفخارستيا كانت هي السر الملازم للعماد منذ اليوم الأول:

+ » وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات. «(أع 42:2)

+ » وإذ هم يكسرون الخبز في البيوت كانوا يتناولون الطعام (وليمة الإفخارستيا) بابتهاج وبساطة قلب، مسبِّحين ولهم نعمة لدى جميع الشعب. «(أع2 :46و47)

 

أثر فعل المعمودية وشركة الإفخارستيا في الكنيسة:

في الاتحاد والوحدة والكرازة:

+ » وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة. ولم يكن أحد يقول إن شيئاً من أمواله له، بل كان عندهم كل شيء مشتركاً. وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدُّون الشهادة بقيامة الرب يسوع، ونعمة عظيمة كانت على جميعهم. «(أع 4: 32و33)

وهناك ملاحظة للرد على العالِم جوانس وايس الناقد الألماني، الذي خرج علينا بنقده أن المائة والعشرين الذين حلَّ عليهم الروح القدس لم يُذكر أنهم اعتمدوا بالماء. والرد على ذلك أنهم جميعاً سبق واعتمدوا من المعمدان لأنها كانت جماعة تقيَّة مختارة، فهنا العماد تمَّ على دفعتين: الماء أولاً على يد يوحنا المعمدان، والروح القدس يوم الخمسين. وبالتأكيد فإن معظم هؤلاء المذكورين المائة والعشرين أو كلهم عاينوا المسيح القائم من الأموات، فأصبح من غير ضرورة أن يعتمدوا باسم المسيح، وإيمانهم بالقيامة ويسوع نفسه حاضر فيهم!

فهل ممكن أن يكفّ الناقدون للمعمودية في سفر الأعمال؟

بل نحن نقول إن الأشخاص الذين ظهروا في الكنيسة في يوم الخمسين: الرسل والتلاميذ والمائة والعشرون، هؤلاء الذين رأوا يسوع المسيح قائماً من الأموات، يبدون في الحقيقة حاملين قوة وشهادة قيامة الرب، فالاعتراف في قلوبهم والشهادة في فمهم بالمسيح وقيامة المسيح قائمة لا تحتاج إلى شرح أو تعليم أو عماد بالماء، لأن الروح القدس أيضاً عليهم! فما حاجة هؤلاء أن يعتمدوا باسم المسيح؟ يُستثنى من ذلك شاول المدعو بولس فقد اعتمد ليصير مسيحياً وهو منتخب رسولاً.

المعمودية شهادة موت وقيامة الرب:

من أجل ذلك، أي من أجل أن الذين قاموا بعمليات العماد الأُولى في الكنيسة وأسَّسوها هم رُسل وهم شهود قيامة الرب، اندمغت المعمودية منذ البدء بأنها رمز أو شكل أو قانون إيمان بالقيامة بحد ذاتها، حاملة الروح القدس الجاهز للشهادة: » روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداء «(يو 15: 26و27). فالمعمودية شهادة فعلية وتنشئ معمَّدين قادرين على الشهادة الفعلية بموت الرب وقيامته. لأن المعمودية كما رأيناها وسنراها كثيراً أنها فعل موت وقيامة مع الرب.

 

المدركات الهامة التي تؤدِّي إلى المعمودية.

  • سماع كلمة الوعظ ¢koÚsantej

+ » فلمَّا سمعوا نُخسوا في قلوبهم … واعتمدوا. «(أع 2: 37و41)

+ » فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا ¢podex£menoi. «(أع 41:2)

  • الإيمان ببشارة الإنجيل فيما يخص اسم المسيح وملكوت الله:

+ » ولكن لمَّا صدَّقوا فيلبُّس (حرفياً: آمنوا بما يقوله) وهو يبشِّر (حرفياً: يعلن الإنجيل eÙaggelizomšnJ) بالأمور المختصة بملكوت الله وباسم يسوع، اعتمدوا. «(أع 12:8)

  • فبشَّره بيسوع: eÙhggel…sato

+ » ففتح فيلبُّس فاه وابتدأ من هذا الكتاب فبشَّره بيسوع … فقال الخصي هوذا ماء ماذا يمنع أن أعتمد. «(أع 8: 35و36)

  • فتح الرب قلبها لتصغي: di»noixen t¾n kard…an prosšcein

+ » فكانت تسمع امرأة اسمها ليدية بيَّاعة أرجوان من مدينة ثياتيرا متعبِّدة لله. ففتح الرب قلبها لتصغي إلى ما كان يقوله بولس. فلمَّا اعتمدت هي وأهل بيتها … «(أع 16: 14و15)

  • وكلَّماه وجميع مَنْ في بيته بكلمة الله: ™l£lhsan

+ » وكلَّماه (حافظ السجن) وجميع مَنْ في بيته بكلمة الرب. فأخذهما في تلك الساعة من الليل وغسلهما من الجراحات واعتمد في الحال هو والذين له أجمعون. «(أع 16: 32و33)

  • إذ سمعوا آمنوا: ¢koÚontej

+ » وكريسبس رئيس المجمع آمن بالرب مع جميع بيته. وكثيرون من الكورنثيين إذ سمعوا آمنوا واعتمدوا. «(أع 8:18)

+ » فبينما بطرس يتكلَّم بهذه الأمور حلَّ الروح القدس على جميع الذين كانوا يسمعون الكلمة. «(أع 44:10)

+ » فلمَّا ابتدأت أتكلَّم حلَّ الروح القدس عليهم «(أع 15:11). هذا كان في عماد كرنيليوس.

هذه الأمثلة توضِّح أنه ينبغي أن نلتفت إلى كثرة المرَّات التي فيها حدثت المعمودية مباشرة بعد الكلام والسمع وقبول الكلمة والإيمان. فالمعمودية هنا استجابة لرسالة الإنجيل. وهذه في لغة الكنيسة الأُولى كانت تُدعى kerygma أي المضمون الأساسي لتعليم الرسل.

 

خلاصة ما وجدناه في سفر الأعمال فيما يخص المعمودية:

( أ ) أنه منذ الأيام الأُولى للكنيسة وطقس المعمودية بالماء كان هو المعتبر الإجراء الأساسي للدخول في المسيحية.

(ب) أحياناً كان الطقس يُذكر ببساطة كما نراه في الأمثلة الآتية:

+ » وسيمون أيضاً نفسه آمن. ولمَّا اعتمد كان يلازم فيلبس. «(أع 13:8)

+ » وفيما هما سائران في الطريق أقبلا على ماء، فقال الخصي هوذا ماء ماذا يمنع أن أعتمد … فنزلا كلاهما إلى الماء فيلبُّس والخصي فعمَّده. «(أع 8: 36و38)

+ » فلمَّا اعتمَدَتْ هي وأهل بيتها طلبت قائلة إن كنتم قد حكمتم أني مؤمنة بالرب فادخلوا بيتي وامكثوا. فألزمتنا. «(أع 15:16)

+ » فأخذهما في تلك الساعة من الليل وغسلهما من الجراحات واعتمد في الحال هو والذين له أجمعون. «(أع 33:16)

+ » وكريسبس رئيس المجمع آمن بالرب مع جميع بيته، وكثيرون من الكورنثيين إذ سمعوا آمنوا واعتمدوا. «(أع 8:18)

( ج ) أحياناً أخرى كان يوصف بالتفصيل كما في المعمودية باسم يسوع المسيح:

+ » فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح. «(أع 38:2)

أو باسم الرب:

+ » وأمر أن يعتمدوا باسم الرب. حينئذ سألوه أن يمكث أياماً. «(أع 48:10)

أو باسم الرب يسوع:

+ » … غير أنهم كانوا معتمدين باسم الرب يسوع. «(أع 16:8)

+ » فلمَّا سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع. «(أع 5:19)

( د ) أو أن ترافق المعمودية عملية توبة وتكون المعمودية لمغفرة الخطايا:

+ » فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس. «(أع 38:2)

+ » والآن لماذا تتوانى؟ قم واعتمد واغسل خطاياك داعياً باسم الرب. «(أع16:22)

( هـ ) وهي كذلك متصلة بالروح القدس كعطية:

 

+ » فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس. «(أع 38:2)

+ » فبينما بطرس يتكلَّم بهذه الأمور حلَّ الروح القدس على جميع الذين كانوا يسمعون الكلمة، فاندهش المؤمنون الذين من أهل الختان كل مَنْ جاء مع بطرس لأن موهبة الروح القدس قد انسكبت على الأُمم أيضاً، لأنهم كانوا يسمعونهم يتكلَّمون بألسنة ويعظِّمون الله. حينئذ أجاب بطرس: أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن أيضاً. وأمر أن يعتمدوا باسم الرب. «(أع 10: 44-48)

غير أن في هذه الحالات كانت المعمودية تتبع وتأتي بعد أن يحل الروح القدس بدلاً من أن يرافقها.

( و ) وفي أمثلة أخرى وجدنا أن الروح القدس كان مرتبطاً بوضع اليد بالضرورة:

+ » لأنه لم يكن قد حلَّ بعد على أحد منهم، غير أنهم كانوا معتمدين باسم الرب يسوع. حينئذ وضعا الأيادي عليهم فقبلوا الروح القدس. «(أع 8: 16و17)

+ » فمضى حنانيا ودخل البيت ووضع عليه يديه. وقال أيها الأخ شاول قد أرسلني الرب يسوع الذي ظهر لك في الطريق الذي جئت فيه، لكي تبصر وتمتلئ من الروح القدس. فللوقت وقع من عينيه شيء كأنه قشور، فأبصر في الحال وقام واعتمد. «(أع 9: 17-18)

+ » فلمَّا سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع. ولمَّا وضع بولس يديه عليهم حلَّ الروح القدس عليهم، فطفقوا يتكلَّمون بلغات ويتنبَّأون. «(أع 19: 5و6)

النتيجة:

إن الحقيقة العظمى فيما يخص المعمودية في سفر الأعمال:

1  أنها كانت التعبير العملي لمعنى الإنجيل، فهي محسوبة أنها المحتوى الأساسي لتعليم الرسل!

2 – أنها تعني تماماً مغفرة الخطايا، والعضوية الحيَّة في الجماعة المسيحية الجديدة، وأنها تحمل هبة أو عطية الروح القدس، وكل بركات العهد الجديد كتحصيل لكل ما وعدت به العظات بالكلمة.

3 – أنها هي بالنسبة للذي اعتمد: شهادة له وشهادة منه أنه قَبِل الكلمة وأنه آمن.

 

4 – ينبغي أن ندرك أن المقصود من هذه النواحي الخاصة بالمعمودية كما جاءت في سفر الأعمال هو أنها تعبِّر عن عظمة وقيمة الطقس.

5 – والخضوع والطاعة للتعميد هي التعبير العملي المسموع في السماء عن إيمان الموعوظ، ولكن ليس الموعوظ هو الذي يعطي المعمودية قيمتها وعظمتها.

6 – ونعود نقول إن المعمودية تحمل جوهر ومعيار إنجيل القيامة. فطقس المعمودية قد أُعطي كسّر “تحقيق الأخرويات!”. فهو يحمل في مضمونه وشكله معنى وروح الإنجيل.

7 – إن حلول الروح القدس في المعمودية على المعمَّد هو المعاملة العلنية للروح القدس مع الخاطئ، تماماً كما كان المسيح يجالس الخطاة قبل الصليب!

8 – والإنسان الذي تعمَّد أصبح يمتلك في كيانه وقلبه وذهنه قوة هذا السر وفاعليته ليرافقه مدى الحياة وبعد الحياة!

9 – والذخيرة التي تحملها المعمودية كطقس بالنسبة للمعمَّد هي فرصة العمر الأُولى والعظمى لإدراك حقيقة هبة المسيحية التي كانت تسمِّيها الكنيسة الأُولى “عطية الروح” (أع 38:2 و45:10)، أو نعمة المسيحية التي تطل من وجه المعمَّد لتحكي قصته.

10 – وعلى أساس أن في معمودية المسيح بعد أن خرج من الماء انفتحت له السموات، هذا بعينه يشعر به الذي يعتمد (عَلَى كِبَر) إذ يحس بأنه وكأن السموات قد انفتحت له! وحياة جديدة امتدت أمامه وفرح لا يُنطق به. اسألوا المتنصِّرين! وسوف نقابل في رسائل بولس الرسول ما يطابق هذا.

11 – وكانت معمودية المسيح على يد يوحنا من الماء على نهر الأُردن هي الضمان الإلهي لدوام معمودية الماء والروح كل الأجيال وإلى الانقضاء!

([1]) هذا التوجيه الإلهي للرسل يجعل المعمودية بداية ونهاية بآن واحد لتعليم الرسل، أي الكريجما، أو أن المعمودية هي الكريجما عملياً.

([2]) هنا العماد بالروح القدس تمَّ بدون وضع يد وبدون إجراء العماد بالماء تماماً كما حدث للتلاميذ يوم الخمسين، ولكن العامل الوحيد الذي يبرز أمامنا في سر حلول الروح القدس على كرنيليوس هو سلطان الروح القدس في المعمودية. وهنا المقارنة الفاصلة واضحة جدًّا أن «يوحنا عمَّد بالماء أمَّا أنتم فستُعمَّدون بالروح القدس».

([3]) الاسم هنا هو التمثيل الواقعي لحضور الرب نفسه، فكلمة: “باسم يسوع المسيح” تعني أن الرب حاضر ويُعمِّد وأن السر فائق وأن المعمَّد أصبح يحمل اسم المسيح كختم = سفراجس. والمختوم يعني: معمَّد حامل اسم المسيح ولهذا يُدعى المعمَّد مسيحياً! لأن الختم هو صفة التبعية (انظر 2صم 28:12، إش 1:4و19:63، إر 10:7و9:14 و16:15).

فاصل

الموعوظون كتب الأب متى المسكين المعمودية في كتابات القديس يوحنا
كتاب المعمودية الأصول الأولى للمسيحية
المكتبة المسيحية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى