المعاني اللاهوتية لنصوص المعمودية عند القديس بولس الرسول

 من كتاب المعمودية: الأصول الأولى للمسيحية 
للأب متى المسكين

مقدِّمة تفسيرية من الكاتب:

لكي نفهم لاهوت القديس بولس الرسول في جرأته عن العلاقة بالمسيح بل وعن الحق الإلهي، يلزمنا أن نعرف أن المسيح هو الذي تسبَّب في هذه الجرأة وهذه الشجاعة اللاهوتية الفريدة. فأولاً: المسيح بدأ المسيرة مع الإنسان بأن تنازل بصورة فريدة وجريئة وأخذ لنفسه جسدنا البشري ليحيا فيه ويموت به وهو في ملء لاهوته، لأن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولاطرفة عين، وأيضاً قام به – أخذ جسدنا ولكن بحالة طهارة وقداسة لأنه لم يكن من اتصال رجل بامرأة بل اتصال الروح القدس، لذلك دُعي في الحال أنه القدوس ابن الله وتحدَّدت رسالته أنه يخلِّص شعبه من خطاياهم. فلم نكن نحن المتجرِّئين عليه بل هو المتنازل والمتواضع ليأخذنا لنفسه دون خطية، ولو أنه حملها في الآخر لمَّا وضعوها عليه ومات شريكاً للخطاة ليموت بها ويقوم بجسدنا بلا خطية، أي خليقة جديدة لإنسان جديد. فلمَّا تألَّم وصُلب ومات بالجسد تعني تألَّم وصُلب ومات بنا. ولمَّا قام في مجد أبيه قمنا معه بالضرورة الحتمية التي خطَّط لها الآب ونفَّذها الابن بالتجسُّد!

فعندما يقول ق. بولس متنا معه أو صُلبنا معه أو قمنا معه فهذا حق كامل خطَّط له الآب ونفَّذه الابن، ولسنا مجترئين على لاهوته بل هو الذي أدخل لاهوته في عملية التجسُّد والخلاص هذه، حتى ننال فيه نصيباً في اللاهوت مع الجسد كان من المستحيل أن نناله بدون هذا التدبير. وأهم درجة من درجات الخلاص هذا هي القيامة، لأن المسيح لمَّا قام بعدما أمات الموت والخطية وظفر بصاحب الموت والخطية، فأخذنا نحن بالتالي وبالضرورة كحق مكتسب نصيبنا في هذه القيامة المجيدة، لأنها قيامة جسدنا الذي استعاره منَّا ليصنع به هذا الفداء العظيم، ويسلِّمه لنا بمحضر الآب لنكون أبراراً قديسين أمام الآب في المسيح، خليقة جديدة وإنسان جديد له حق في المسيح أن يحيا مع الله إلى الأبد في شركة حقيقية وصادقة نفتخر بها، لا كعبيد للخطية بعد بل كأبناء الله وإخوة المسيح رأس جنسنا. البكر من الأموات. هلليلويا.

1  المعمودية غسيل:

مقدِّمة:

غسل الخطايا بالمعمودية اصطلاح فيه استهانة كبيرة بل مريعة بالخطية في قوتها وسطوتها وعداوتها وسلطانها المستمد من الشيطان مبدع الخطية ومؤسِّسها وحارسها والمروِّج لها.

ولكن المعمودية مصرَّة بأن ماءها يغسل الخطايا، لأن ماءها يعمل بقوة الكلمة الحية الباقية إلى الأبد، كقول القديس بطرس. وقوة الكلمة نبعت علينا من دم الصليب القوة الغالبة للشيطان وكل قواته والخطايا وسلطانها. فكما محى الصليب الخطايا بدم المصلوب ومزَّق صك خطايانا المكتوب علينا وسمَّره على الصليب في لحظة، فلم يعد للخطايا وجود، هكذا أخذ ماء المعمودية قوة الكلمة الحية الباقية إلى الأبد بدمها النابع من الصليب، واستطاع أن يغسل الخطايا بمعنى يمحوها من الوجود، ومكانها يبيض أكثر من الثلج.

أ  (1كو 11:6):

+ «وهكذا كان أُناس منكم. لكن اغتسلتم بل تقدَّستم بل تبرَّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا».

في هذه الآية يستخدم القديس بولس صلة المعمودية مع مادة المعمودية “الماء”. والغسيل أو التنقية هي الصفة البدائية لاستخدام الماء. ولكن في استخدام كلمة الغسيل في سفر الأعمال (16:22): » قُم واعتمد واغسل خطاياك « يكشف عن معنى صوري للغسل، فرفع الخطية عن حياة الإنسان أصبح يساوي غسلها بالماء، هذا تصوير ولكنه تصوير ذو قيمة ومعنى عالٍ. وهذا يشرح عمل الإنسان المنظور تنفيذاً لعمل الله غير المنظور.

وعمل الغسيل يسبقه تلويث بالخطية، وهذا هو معنى الخلاص، وفعله الإيجابي يقع في العمل الإلهي. وواضح أن فكر ق. بولس هو في المعمودية التي فيها يُدعى باسم المسيح ويُعطَى الروح القدس. واسم المسيح وروح الله لا يعملان من ذاتهما بفعل سحري، ولكن حياة المسيحي الجديدة تكشف أنه صار من خاصة المسيح بالدعاء باسمه والروح القدس المُعطى كهبة: «لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطَى لنا» (رو 5:5). وفي نفس الوقت يفعل فينا التقديس والتبرير.

 

وهكذا نرى أن الغسيل في الآية (1كو 11:6) يصف في الحقيقة الفعل الخلاصي للمعمودية، وهو إذ يستخدم هذا الفكر البدائي للمعمودية كغسيل يهيِّئ الذهن لمعاني آتية أعمق.

ب  (أف 26:5):

+ «لكي يقدِّسها مطهِّراً إيَّاها بغسل الماء بالكلمة».

هنا لا يذكر المعمودية بوضوح، ولكن يكشفها بقوله بغسل الماء. هنا الماء من فم بولس الرسول يكشف أمام أعين الناس مشيئة المسيح أن يتألَّم من أجل الكنيسة. وبعدها يستخدم صورة الزواج لعلاقة المسيح بالكنيسة. فالمعمودية هي حمَّام التطهير الذي أعدَّه المسيح للكنيسة. فالرب يرغب أن يجعلها مقدَّسة “بلا لوم ولا تجعُّد ولا لطخة ولا أي شيء مثل هذا”. فهل هذا كله بتأثير غسل الماء؟ طبعاً لا. فالوصف يمتد إلى الأمام: بلا تجعُّد السنين الذي هو رمز العجز والشيخوخة، وهذا العمل بعد الغسل يعود لأول الآية » لكي يقدِّسها «ويقدِّسها بما أتى قبلها أي » أسلم نفسه لأجلها “للموت” «آية (25). وهذا هو الذي يضمن لها نضارة وتجدُّد الحياة بلا تجعُّد ولا لطخ ولا أي شيء مثل هذا. فهذا هو عمل الفداء. والقديس بولس استخدم الغسيل بعد أن أكمل واستوفى عمل الفداء، الأمر الذي تمَّ وانتهى. أمَّا الغسيل فهو عمل السنين القائم أصلاً على عمل الفداء. وعلى العموم فالقديس بولس لا يعتمد كثيراً على الصورة ولكن على ما تتضمَّنه الصورة – ولكن لا يفوتنا أن الغسيل هنا واقع في صميم العمل السابق: “أسلم نفسه لأجلها” الذي يعبِّر به القديس بولس عن موت الفداء، أي غسل دم المسيح للخطية الذي أكمله المسيح على الصليب:

+ «لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته.» (رو 5:6)

+ «الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين كيف لا يهبنا أيضاً معه كل شيء.» (رو 32:8)

+ «مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ.» (غل 20:2)

+ «كما أحبنا المسيح أيضاً وأسلم نفسه لأجلنا قربانا وذبيحة لله.» (أف 2:5)

وباستمرار تأتي صورة المعمودية ومعها حقائق الخلاص: لكي يقدِّسها، كنيسة مجيدة لا دنس فيها، تكون مقدَّسة وبلا عيب.

واستخدام ق. بولس “الكلمة”: بغسل الماء “بالكلمة” فهنا الرفع اللاهوتي لصورة الماء ليأخذ واقعه وحقيقته الإلهية.

 

وغسل الماء بالكلمة تفتح أذهاننا لنفهم في ماء المعمودية ما يقصده المسيح من الكلمة في (يو 17:17): «قدِّسهم في حقِّك. كلمتك (الترجمة الصحيحة) هي حق».

كما يجعلنا ق. بولس نفهم أن في ماء المعمودية قوة الكلمة على النقاء، وذلك حسب قول الرب يسوع: «أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلَّمتكم به.» (يو 3:15)

كما يُلاحظ القارئ أن ق. بولس لم يذكر الغسل بالماء فقط، فغسل الماء ليس له عمل ولا تأثير، ولكن الماء بالكلمة يعطي الماء قوة الغسيل للتطهير والتقديس المنبعث من قوة الكلمة. «الروح هو الذي يحيي. أمَّا الجسد فلا يفيد شيئاً. الكلام الذي أُكلِّمكم به هو روح وحياة» (يو 63:6). وهكذا “بالكلمة” = بالمسيح، يصبح للماء في المعمودية قوة الروح والحياة.

ويُلاحَظ في قواعد اللغة اليونانية أن الكلمة موصولة بالغسل وبالماء:

loutrù toà Ûdatoj ™n ∙»mati

فالمعنى يفيد حالة صلة أو ارتفاق معاً “الكلمة بالماء” والغسيل ليكون لها التأثير المذكور.

ولكن الأمر الجديد وغير العادي أن الكنيسة تقبل الغسيل ككل (والحقيقة أنها صورة للمسيحية كلها من بُعد). ولكن في رسالة أفسس (4:4و5): «جسدٌ واحِدٌ، وروحٌ واحِدٌ، كما دعيتم أيضاً في رجاءِ دعوتكم الواحد ربٌّ واحِدٌ، إيمانٌ واحِدٌ، معموديةٌ واحِدةٌ» يرى القديس بولس هنا أن المعمودية هي التي تؤمِّن الوحدة للكنيسة: «لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد … وجميعنا سُقينا روحاً واحداً.» (1كو 13:12)

فالكنيسة استلمت معمودية واحدة تبعاً لموت المسيح الذبائحي ومبنياً عليه، وهذا يوضِّح اهتمام المسيح العميق من نحو الكنيسة. وفي نص رسالة أفسس الذي نشرحه تأخذ المعمودية اعتباراً أقوى، فليس تطهيراً فقط ولكن ينبوع مجد إلهي. ليس كوسيلة في متناول اليد بل عمل المسيح نفسه.

ولكن نسأل من أين جاء أصل التعبير: “الغسيل” في المعمودية؟

أول ذكر لها جاء على لسان حنانيا: «والآن لماذا تتوانى قم واعتمد واغسل خطاياك داعياً باسم الرب» (أع 16:22). هذه سمعها شاول المدعو بولس بنفسه وبنى عليها معرفته المسيحية. فمغفرة الخطايا تتحقَّق بواسطة الغسل باسم الرب. وبالرغم من أن الغسل يصيب الجسد فالغسيل له تأثير عميق في الداخل في نفس الإنسان.

فالمعمودية بكل عمقها الإلهي التجديدي تحتاج إلى ماء: «فقال الخصي هوذا ماء. ماذا يمنع أن أعتمد.» (أع 36:8)

ولكن غسيل الخطايا لا يستلزم في البدء أن يكون الإنسان مسيحياً، فقبول الروح يتحتَّم أن يوجد: «فقال لهم بطرس (لليهود) توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس» (أع 38:2). فقبول المعمودية والروح القدس باسم الرب يسوع (أع 16:8، 48:10، 5:19). وكلها توضِّح الفرق الهائل بين الطقس المسيحي الانفتاحي في المعمودية مع طقس عماد الداخل لليهود حديثاً والمربوط بالختان أيضاً. حيث في المسيحية الإيمان بالمسيح كرب يؤهِّله للمعمودية حيث يُمنح عطية الروح القدس كهبة إلهية، ليكون هو تأكيداً للحياة الجديدة والخلاص. وهنا نلاحظ صلة بين ق. بولس ووعظ الرسل في البداية بخصوص الخلاص. لأن في تعليم القديس بولس يوجد قبول المعمودية باسم المسيح: «هل انقسم المسيح؟ ألعلَّ بولس صُلب لأجلكم؟ أم باسم بولس اعتمدتم؟» (1كو 13:1)، وعمل الروح القدس: «وهكذا كان أُناس منكم لكن اغتسلتم بل تقدَّستم بل تبرَّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا» (1كو 11:6)، وأيضاً: «لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد … وجميعنا سُقينا روحاً واحداً.» (1كو 13:12)

رؤية الكنيسة للمعمودية تستمدها من المسيح نفسه:

فأول امتداد لمعنى الغسيل في الكنيسة بدأ من ق. بطرس: » الذي مثاله (الفلك) يخلِّصنا نحن الآن أي المعمودية، لا لإزالة وسخ الجسد بل (الأصل الآبائي: «الاعتراف لله بضمير صالح بقيامة يسوع المسيح») = سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح» (1بط 21:3). فالمعمودية المسيحية لا تغسل وساخة الجسد ولكن تنشئ ضميراً صالحاً. إنها الوسيلة العُظمى للنجاة (الخلاص)، وبالتالي المقابل لمياه الطوفان المهلكة – وربما أساسها أمر المسيح للأعمى: «وقال له اذهب واغتسل في بركة سلوام الذي تفسيره مُرسل. فمضى واغتسل وأتى بصيراً». وما علاقة الغسل بالبصر والبصيرة؟ أليس هو الذي تأتيه المعمودية للإنسان الخارج عن الإيمان أي الفاقد البصر والبصيرة والرؤيا حينما تعمِّده فيصير مستنيراً؟ إذن هناك علاقة سريَّة في قلب المسيح وفكره بين الاغتسال والرؤيا أي الانفتاح والبصيرة أي النور والاستنارة.

 

2  المعمودية ولادة ثانية:

مقدِّمة تفسيرية للكاتب:

الميلاد الثاني أو الخليقة الجديدة تأخذ حقيقتها ومعناها وأصولها من عملية القيامة التي قام بها المسيح بالجسد، الذي هو جسدنا، بعد أن رفع عنه الخطية والموت ووهبه روح القيامة فأصبح جسداً جديداً للبشرية، أو هو في حقيقته خليقة جديدة روحية للبشرية قامت بقيامة المسيح ودخلت الحياة الأبدية باستعداد الاستعلان الأخير يوم القيامة. فالخليقة الجديدة أو الميلاد الثاني للإنسان الذي أشار إليه المسيح لنيقوديموس هو حال الإنسان بالقيامة من الأموات كجنس للبشرية جديد، رأسه هو المسيح (آدم الثاني) الرب المحيي. بمعنى أنه يستحيل أن يدخل الإنسان العادي ملكوت الله إلاَّ بعد أن يقبل الموت والقيامة لحياة جديدة، والمسيح نفسه تمجَّد اسمه هو الذي وضع لنا كيف يصير ذلك بالمعمودية من الماء والروح الذي دعاه ميلاداً من فوق.

وصف المعمودية أنها غسيل موجود أيضاً في رسالة تيطس: » لا بأعمال في برٍّ عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلَّصنا بغُسْل الميلاد الثاني paliggenes…aj وتجديد ¢nakainèsewj الروح القدس «(تي 5:3). وبذكره اصطلاح » وتجديد الروح القدس «فهو بلا شك لكي يؤصِّل مفهوم الخلاص الذي يحدث أثناء الميلاد الثاني ولا يقصد أبداً أن يجعله عملاً آخر.

لأن الكنيسة الأُولى تعرف المعمودية فقط كوسيلة أكيدة للخلاص.

+ «فقال لهم بطرس: توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس (أع 38:2)

+ «فقالا: آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك. وكلَّماه وجميع مَنْ في بيته بكلمة الرب … واعتمد في الحال هو والذين له أجمعون.» (أع 16: 31-33)

+ «أجاب يسوع الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله (يو 5:3)

+ «الذي مثاله يخلِّصنا نحن الآن، أي المعمودية، لا إزالة وسخ الجسد بل سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح (1بط 21:3)

+ «مَنْ آمن واعتمد خَلَص. ومَنْ لم يؤمن يُدن.» (مر 16:16)

ولغوياً باليونانية الولادة الثانية ترادف تجديد الروح القدس. ولينتبه القارئ:

فكلمة: paliggenes…aj مكوَّنة من: p£lin وهي تفيد “أيضاً” أو “ثانياً” ومن كلمة:
genes…a أي: “الميلاد”. ومثلها تماماً كلمة: ¢nakainèsewj مكوَّنة من مقطع: ¢na بمعنى: “من فوق أو من جديد” وكلمة: ka…nwsij والأخيرة من أصل: kainÒw = “يجدِّد”، والكلمة بمعنى: “يُنشئ” أو “يخلق جديداً”. وهذا المعنى واضح جدًّا في (2كو 16:4): » لذلك لا نفشل بل وإن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدَّد ¢nakainoàtai يوماً فيوماً « لذلك فهي تصبح تكميلاً أو تتميماً مناسباً جدًّا لكلمة paliggenes…a. لأن الروح القدس ولو أنه ينسكب لأول مرَّة في غسيل المعمودية، فكلمة ¢na تعني: “تغييراً” أو “تحويلاً” مثلما جاءت في (رو 2:12): » بل تغيَّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم … « حيث كلمة “تغيَّروا بتجديد = ¢nakainèsei” تعني الأمر نفسه الذي يعمله الروح القدس. والمعروف أن الروح القدس لا يعمل خارج المعمودية.

ويُلاحَظ أن كلمة paliggenes…a التي تُترجم عادة بـ“الميلاد الثاني”، تُرجمت بكلمة: “التجديد” في إنجيل القديس متى (28:19): «فقال لهم يسوع: الحق أقول لكم: إنكم أنتم الذين تبعتموني، في التجديد paliggenes…a …» في المفهوم المسكوني الأخروي. فبعد أن اعتمد المسيح وحلَّ عليه الروح القدس واختار تلاميذه مباشرة انطلق يخدم التجديد (الملكوت الآتي) بمعناه الكلِّي أي الخليقة الجديدة للعالم.

فاستخدام هذه الكلمة في تجديد المفديين أفراداً يأتي في (تي 5:3): «لا بأعمالٍ في برٍّ عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس». ولنبحث عن المثيل في (يو 3: 3و5): «إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله … إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله». هنا الولادة من فوق أو التي تبدأ من المنطقة السماوية الإلهية الفائقة، هي في مقابل الولادة الجسدية الأرضية والعامل الفعَّال فيها هو “الروح”.

ويقول القديس بطرس في رسالته الأُولى (3:1): «الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانيةً لرجاءٍ حيٍّ، بقيامة يسوع المسيح مِنَ الأمواتِ»، حيث كلمة: “ولدنا ثانية = ¢nagenn»saj”. هنا الميلاد الثاني في هذه الآية ظهر للوجود بقيامة يسوع المسيح من الأموات. فالمسيحيون » مولودون ثانية ¢nagegennhmšnoi «(1بط 23:1) ليس من بذرة فاسدة بل من بذرة غير فاسدة بواسطة كلمة الله الحيَّة الثابتة. هنا فكرة الميلاد الجديد ذات تأثير أقوى إذا قورنت بالميلاد الطبيعي. والعامل الفائق للطبيعة الذي يعمل في ذلك هو كلمة الله المملوءة روحاً كما كُتبت في (أف 26:5): «لكي يقدِّسها، مطهِّراً إِيَّاها بغسلِ الماءِ بالكلمةِ». والفرق بين الميلادين يذكره القديس يوستين الشهيد بالمقارنة التالية:

 

[الفرق بين الولادة الأُولى والولادة الثانية هي الفرق بين ولادة اضطرارية وولادة بالاختيار الحر، حادث خارج عن الوعي وتكميل بكل الفهم، ميلاد لحياة الشر وسلوك سيئ وميلاد لغفران الخطايا وتغيير الفكر. والتدرُّج في هذه المقابلات نحو الكمال.]([2])

فاذا تدرَّجنا في المعاني الواردة في (تي 5:3) نستطيع أن نقول إن وراء الاصطلاح الفريد عن الميلاد الثاني paliggenes…aj يوجد تجديد الروح القدس ¢nakainèsei فإذا كان التجديد بالروح القدس هو شرح للميلاد الثاني إذن فهو المسئول عن خلقة الإنسان الجديدة kainÒj والميلاد من فوق ¢na-، ولكان الميلاد الثاني هو الحدث الذي فعله الروح القدس. وهذا الحدث الفائق يتأكَّد داخل غسيل المعمودية: » بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس loutroà «

وعامل الماء في المعمودية يظهر الآن في الوجود ولكن بحال أن الروح القدس يظهر كعامل فعَّال، وهكذا ينجمع معاً العنصران المكوِّنان للمعمودية الماء والروح كما هما في (يو 5:3)، مع التأكيد على الروح في (يو 3: 6-8). وكلمة: paliggenes…aj في مقارنتها مع ¥nwqen في (يو 3:3) تُلزمنا أن نفهم الميلاد الثاني بالروح أنه ميلاد من نوع جديد فائق للطبيعة، وهذا المعنى يتكرَّر في آيات أخرى ولكن بصورة ليست ظاهرة كما وصفها ق. بطرس في رسالته الأُولى (1بط 23:1) ولكنها مجرَّدة، كما تجيء في (1كو 11:6): «وهكذا كان أُناس منكم. لكن اغتسلتم بل تقدَّستم بل تبرَّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا».

فكر بولس الرسول هو في الحقيقة فكر العهد الجديد ككل، إذ يمتاز بالحقيقة أنه لا يعني بالأفكار السطحية المستمدَّة من المعمودية في رمز الماء. فالقديس بولس يمسك بتعاليم روحية واضحة ثمَّ يربطها بالرموز والحوادث ذات المدلول الرمزي حينما تسنح له الفرصة. ولكن مع القديس بولس يظل المضمون التعليمي هو الأساس، ففي (تي 5:3) نجد أن الله بمقتضى رحمته خلَّصنا، وهنا نجد الحدث الأعظم الذي به أُنقذ العالم من الهلاك من جهة المبدأ هو الأساس، هذا الخلاص أو الإنقاذ يصير فعَّالاً للمؤمن الفرد في غسل المعمودية. فإذا اعتبر ماء المعمودية أنه ماء حيّ فهو تصوُّر غير مُختَلَق بالفكر أو منمَّق بالتخيلات الفانتازيا، ولكن بالأكثر هو المعنى اللاهوتي الذي يأتي في الحال أمامنا، بمعنى أن التحوُّل قد حدث بالروح القدس لكي يُظهر أثر هذا المبدأ الإلهي في ملئه. والعدد التالي (تي 6:3) يصف كيف أن الله قد سكب الروح القدس بغنى على المسيحيين. فالكنيسة
الأُولى بالتالي كانت متأثِّرة للغاية بخبرتها في استقبالها للروح القدس بالحقيقة والفعل المنظور والمُدرك وليس بالرمز. فالقديس بولس في رسالة تيطس (6:3) يكشف عن درايته الأصيلة للكريجما الرسولية الأُولى أي مفهوم وشرح مبادئ الإنجيل والخلاص عند الرسل.

 الإنسان الجديد والخليقة الجديدة:

في (2كو 17:5): «إذاً إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً»،

وفي (غل 15:6): «لأنه في المسيح يسوع ليس الختان ينفعُ شيئاً ولا الغرلة، بل الخليقة الجديدة».

نحن هنا أمام الاصطلاح الجديد: خليقة جديدة، وإنسان جديد.

يتحتَّم أن نعتقد ونؤمن أن انسكاب الروح القدس كعطية مرتبط بلا استثناء بالمعمودية كعناية إلهية بالروح الإلهي في المعمودية ومن المعمودية.

فالمعمودية المسيحية بالروح القدس حدث إلهي للانفتاح حيث المعمودية المسيحية هي ميلاد ثاني حتى الملء.

3  المعمودية في اسم المسيح:

في التعاريف المختلفة للمعمودية يقف التعبير “يعتمد لاسم أو في اسم المسيح = bapt…zein ™ij tÕ Ônoma toà Cristoà” يأتي بالمعمَّد في علاقة مباشرة بالمسيح نفسه. وإن كان هذا الاصطلاح لا يأتي بمعناه مباشرة، ولكن لمَّا أنكر بولس أن أحداً اعتمد باسمه فهو بذلك يجعل المعمودية لأهل كورنثوس أنها كانت في اسم المسيح وحده فقط:

+ «هل انقسم المسيح؟ ألعلَّ بولس صُلب لأجلكم؟ أم باسم بولس اعتمدتم؟» (1كو 13:1)

لأن الخلاص والمسيحية كلها مرتبطة بهذا العماد في اسم المسيح، وهي قلب لاهوت ق. بولس. فإذا عدنا للنص نفسه لأنه لا يوجد غيره: «هل انقسم المسيح؟ ألعلَّ بولس صُلب لأجلكم أم باسم بولس اعتمدتم؟ … حتى لا يقول أحد إني عمَّدت باسمي» (1كو 1: 13و15). فبعد المعمودية التي اعتمد الكل بها في اسم المسيح، أيمكن أن تنقسم الجماعة بعد ذلك بين مَنْ منهم لبولس ومَنْ منهم لأبولُّس ومن منهم لبطرس. السؤال هنا استنكاري شديد: «هل انقسم المسيح؟» فبما أن المعمودية واحدة وهي باسم واحد: اسم المسيح، أصبح الكل للمسيح أتباعاً، ولا يحق بعد ذلك أن يتشايعوا لبولس ولأبولُّس ولبطرس. ثمَّ سؤال استنكاري ليضع الأصول في مكانها: «ألعلَّ
بولس صُلب لأجلكم؟»
إذن فهم للمسيح الواحد في المعمودية لأنه هو الوحيد الذي صُلب والذي قامت المعمودية على أساس صليبه. إلى هنا يؤكِّد القديس بولس أنه يستحيل الانقسام بعد أن يكون المسيح قد صُلب من أجل الجميع والمعمودية في اسمه كمصلوب للخلاص.

والانقسامات ظهرت في كنيسة كورنثوس أربعة أقسام وقد أرجعها القديس بولس إلى المعمودية، لأن المعمودية أساس وحدة الكنيسة التي جعلت الجميع “للمسيح” أي أتباع للمسيح. فكيف تقول جماعة منهم أنا لبولس وأنا لأبولُّس وأنا لصفا وأنا للمسيح؟ هنا يستنكر ق. بولس ذلك لأن أهم أساس في المسيحية نشأ من معموديتهم على أساس إيمانهم بما تمَّ في المعمودية أن الكل واحد للمسيح.

ولكن كما جاء في (أف 14:4): «كي لا نكونَ في ما بعد أطفالاً مضطربينَ ومحمولينَ بكلِّ ريحِ تعليمٍ، بحيلةِ الناسِ، بمَكرٍ إلى مكيدةِ الضلالِ»، أو كما في (كو 8:2): «انظروا أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب أركان العالم وليس حسب المسيح». فالقديس بولس يرى في تصرُّف الكورنثيين نوع من الاستخفاف وإهانة مجد المسيح، وكان يود أن يكون سلوكهم كما شرحه لهم في (1كو 10:1):

+ «ولكنني أطلب إليكم أيها الإخوة، باسم ربنا يسوع المسيح، أن تقولوا جميعكم قولاً واحداً، ولا يكون بينكم انشقاقاتٌ، بل كونوا كاملين في فكرٍ واحدٍ ورأي واحدٍ».

لأن الكل يمثِّل المسيح والمسيح لا ينقسم. وهنا عودة إلى اللاهوت لأن الكل يمثِّل المسيح يعني جسد المسيح، وجسد المسيح لا ينقسم. ومعنى الكل للمسيح يعني الكل لجسد المسيح وذلك واضح جدًّا في (1كو 12: 12و13):

+ «لأنه كما أن الجسد هو واحد وله أعضاء كثيرة وكل  أعضاء الجسد الواحد إذا كانت كثيرة هي جسد واحد، كذلك المسيح أيضاً. لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد … وجميعنا سقينا روحاً واحداً».

والقديس بولس يؤاخذ المتشيِّعين ويؤاخذ الأشخاص الذين تشيَّعوا لهم، فقد أخذوا لشخص الإنسان المجد الذي هو للمسيح وحده. ويضع نفسه مثالاً بالنسبة للأشخاص الآخرين: » هل صُلب بولس لأجلكم؟ « ألم يمت المسيح على الصليب لكي يشتريكم لنفسه؟ «أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم لأنكم
قد اشتريتم بثمن، فمجِّدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله.»
(1كو 6: 19و20)

على أن المعمودية في اسم المسيح تجعلهم من المستحيل أن يشعروا أنهم مرتبطون بآخر غير المسيح، فالاسم (المسيح) الذي دُعي به عليهم هو للرب الذي له وحده يتبعون منذ المعمودية. وقد شرحت إحدى البرديات معنى في اسم المسيح أو لاسم المسيح أنه “على حساب”، وعلى حساب تعني في البيع والشراء – “ونحن قد اشترانا المسيح بدمه من الهلاك والموت” – أن شاري الشيء يعطيه الحق رسمياً بأن يمتلك هذا الشيء ولا ينازعه فيه أحد!

والقديس بولس يشرحها «وأمَّا أنتم فللمسيح والمسيح لله» (1كو 23:3). وليس هنا أي تعبير سرِّي أو مستيكي، فهو اصطلاح قضائي يقصده ق. بولس قصداً.

كما لا يُستفاد إطلاقاً من الآية (1كو 17:1): «لأن المسيح لم يرسلني لأُعمِّد بل لأُبشِّر» أنه يقلِّل من قيمة المعمودية. فالمعمودية في نظر ق. بولس تقف بالتساوي مع الصليب في قيمتها في حياة وخلاص الإنسان، والكل في كورنثوس قد تعمَّد في المسيح، وعلى هذا الأساس ق. بولس يخدم ويبشِّر باعتبار أنهم قد صاروا جسد المسيح » لأن كلكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح «(غل 27:3)، وهذا كل لاهوته في الكنيسة، فهو لم يبعد المعمودية من لاهوته أو يحصرها في غرفة كما هي في الكنيسة، ولكنه يجتهد ليجعلها حجر أساس في عقيدة المسيح والخلاص.

ووقوعها على خط الخلاص يجيء في (رو 6: 1-11) ومطلعها: «كل مَنْ اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية للموت». وتنتهي: «كذلك أنتم أيضاً احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية (من واقع المعمودية على أساس الموت مع المسيح) ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا (الذين قمتم في المعمودية معه)». حيث قياس المعمودية كنسياً كأساس وحدة الكنيسة المسيحية وكل الكنائس معاً. وهذا المبدأ يبلغ قمَّته في (أف 5:4): «ربٌّ واحِدٌ، إيمانٌ واحِدٌ، معموديةٌ واحِدةٌ». حيث المعمودية تقع كأساس وحدة الكنيسة في حياة إيمان برب واحد إيمان واحد بمعمودية واحدة.

4  اعتمدتم للمسيح:

+ «لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح (غل 27:3)

bapt…zein e„j CristÒn

 

الخلاف حول اصطلاح “اعتمدتم بالمسيح”:

هناك شرحان لهذا الاصطلاح ومثيله في (رو 3:6 أ): «كل مَنْ اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته». الحل الأول يجعل e„j تعطي علاقة خارجية مثل e„j tÕ Ônoma “في اسم”.

والحل الآخر يعطي مضموناً خاصاً ليحصل على معنى وواقع سرِّي مستيكي عظيم – وهذا الحل أو الشرح قد اكتسح مجال الفكر اللاهوتي. وفي هذا يقول القديس يوحنا ذهبي الفم عن (رو 3:6):

[«كل مَنْ اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته» يعني نحن اعتمدنا في موته. فنحن أيضاً نموت كما مات هو لأن الصليب هو المعمودية. وكما كان الصليب والقبر للمسيح فالمعمودية لنا.]([3]) 

لا يوجد شك أن (غل 27:3 ب): «قد لبستم المسيح» تتعمَّق في أصول العلاقة مع المسيح. ونسأل هل في قول الجزء الأول من الآية: «كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح» تعني الغطس السرِّي في المسيح؟ هنا يكون السؤال الأساسي حول هذه النقطة؟ نعم هذا الاصطلاح الرمزي السرائري يعني بالضرورة لغوياً شكل «اعتمدنا للمسيح». إن كان كذلك كان حتماً يلزم أن نسلِّم بما جاء في (رو 3:6): «كل مَنْ اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته».

وهذا يُحسب حلاًّ قاطعاً لهذا الموضوع.

في هذا يقول العالِم ف. برات مؤكِّداً أنه من خلال المعمودية للمسيح (e„j CristÒn) فإن المعمَّد لا يكون فقط مستهدفاً ليكون كالعبد لصاحبه أو الأجير لمستأجره، ولكن بالأكثر متحداً فيه، مغموراً فيه، صائراً جزءاً فيه = أنا آخر (ثانٍ) second self([4]). وكل اللاهوتيين مولعين في فهم المعمودية أنها غطس أي انغمار في المسيح e„j CristÒn ، كما تتم بالانغمار تحت سطح الماء التي تبدو من (مر 9:1): «وفي تلك الأيام جاء يسوع من ناصرة الجليل واعتمد من يوحنا في الأُردن = e„j tÕn ‘Iord£nhn» التي تفيد الغطس. لذلك نحن الأرثوذكس الأقباط نسميه عيد الغطاس أي عيد عماد ربنا يسوع.

+ «وقال له اذهب اغتسل في بركة سلوام. الذي تفسيره مُرسل، فمضى واغتسل وأتى بصيراً.» (يو 7:9)

 

حيث مفهوم اغتسل بمعنى استحمَّ أي نزل وانغمر في الماء، على أن يكون الانغمار (الغطس) في المعمودية يأخذ مفهوم وواقع الانغمار والغطس في موت المسيح. من جهة المسيح كان موته على الصليب هو حقـًّا معمودية رآها قبل أن تكون، صبغة لابد أن تكون وهو مستعد لها. على هذا الأساس تكون معموديتنا هي شركة إيمانية حيَّة بالمعمودية في موت أو معمودية المسيح بالصلب.

من هذا يصبح لبستم المسيح بشركة الموت وشركة القيامة تصويراً إيمانياً صادقاً.

5  الاتحاد بجسد المسيح:

مقدِّمة تفسيرية للكاتب:

اتحاد المعمَّد بالمسيح في موته وفي قيامته الذي يحمله اصطلاح المعمودية “مع المسيح” هو اتحاد إيمان وتصديق حق لما حدث على الصليب والقبر والقيامة.

كما يُلاحَظ أن الرب الذي نتحد به في المعمودية هو “الرب الروح” الذي لا يقبل إلاَّ الاتحاد بالروح أي اتحاد الحق. لهذا هنا يدخل عامل الروح القدس كوسيط اتحاد على مستوى الروح([5]) الذي يعمل بعد ذلك، أي بعد الاتحاد، في إعانة النفس الروحية لتقوى وتغلب كل مشاغبات الجسد العتيق الذي تحت حكم الموت «إن كنتم بالروح تُميتون أعمال الجسد فستحيون» (رو 13:8) الذي هو النتيجة العليا للمعمودية، أي نتحوَّل من جسد إلى روح لنبلغ فعلاً وحقًّا إلى الميلاد من فوق والحياة مع الله – لذلك كان القانون الآتي: «مَنْ آمن واعتمد خلص».

(1كو 13:12):

+ «لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد، يهوداً كنَّا أم يونانيين، عبيداً أم أحراراً، وجميعنا سقينا روحاً واحداً».

هنا نجد «اعتمدنا إلى» – «اعتمدنا إلى جسد واحد» إنما بروح واحد، هي نفس القوة ونفس التأثير للمعمودية لتنطلق إلى «ليس يهودي ولا يوناني. ليس عبد ولا حر. ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع» (غل 28:3). وأيضاً في (1كو 13:12) حيث فكر الجسد الواحد يبرز إلى الوجود، وللمقارنة نقول: «لأنه كما أن الجسد هو واحد وله أعضاء كثيرة وكل أعضاء الجسد الواحد إذا كانت كثيرة هي جسد واحد، كذلك المسيح أيضاً» (1كو 12:12). حتى
أن المعمَّدين يصيرون جسداً واحداً، جسد المسيح » وأمَّا أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفراداً «(1كو 27:12)، وكأنه كائن قائم بذاته كالجسد الطبيعي. فهل جسد المسيح هو قائم بذاته والمعمَّدون اتحدوا به وصاروا أعضاءً له، أو أن المعمَّدين في المسيح صاروا مع المسيح جسداً واحداً؟ حيث كلمة “e„j” في » اعتمدوا للمسيح «أصبح لها هذا التأثير والنتيجة. ولكن الشرح الذي ساد الآن هو أن جسد المسيح كائن قبل المعمودية والمعمَّدون يتحدون به: هو جسد الصليب والجالس في السماء عن يمين الآب. حيث معنى الانغمار (الغطس) في المعمودية له نفس معنى “يعتمد لـ”. ولذلك يكون معنى يعتمد لجسد المسيح (1كو 13:12) هو الأساس والغاية من المعمودية ذاتها. وفي هذه الحالة يمكن شرح الموضوع كالآتي: نحن جميعنا اعتمدنا لجسد واحد لذلك نحن نتبعه واتحدنا به، وبواسطة الروح القدس دخلنا في جسد واحد أي جسد المسيح. هذا يشرح عمل الروح الواحد والوحدة الكاملة التي يُدعى إليها المعمَّدون.

والقديس بولس يقول بتوزيع المواهب “الخارزماتا” كما يشاء الروح، لأن المعمودية – في اتحادها بجسد المسيح – قائمة على عمل الروح الواحد: «لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد … وجميعنا سقينا روحاً واحداً» على أن الرب (يسوع) يعمل من خلال الروح. وتوزيع المواهب لأنها في الجسد الواحد، فالمطلوب أنها تعمل على أساس الاتحاد حتى لا يظهر الجسد كأنه منقسم على نفسه، على أساس أن العامل في المواهب جميعاً هو روح واحد.

ففي المعمودية يدخل عامل الروح باعتباره أنه هو المسئول عن إضافة أعضاء جديدة في جسد المسيح على أساس الصليب والقيامة، وهكذا هو المسئول عن بناء الجسد الواحد أي الكنيسة. على أن الروح ينطلق من جسد القيامة: “وآدم الأخير (المسيح) روحاً محيياً” (1كو 45:15)، «وأمَّا الرب فهو الروح» (2كو 17:3). وهكذا يستمر المسيح الرب الروح بعد القيامة في قيادة وتوحيد النفوس لبناء الجسد الواحد، الكنيسة – فالروح والمسيح القائم هما “القوة الإلهية” الفعَّالة في الكنيسة لإحياء وبناء الجسد بواسطة المعمَّدين. وهذا الذي قيل في (غل 27:3): «لأن كُلَّكُم الذين اعتمدتُم بالمسيح قد لبستُم المسيح»، هو على أساس أن المسيح هو الروح «الرب الروح»، ولِبْس المسيح هنا هو لبس روح القيامة، لبس البر والتبني «إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة» (2كو 17:5) أي خليقة روحانية، حيث تأتي هذه الآية:

+ «وهكذا كان أُناس منكم (قبل المعمودية) لكن اغتسلتم (تعمَّدتم) بل تقدَّستم (بالروح القدس)، بل تبرَّرتم (بروح القيامة) باسم الرب يسوع (المعمودية باسم يسوع) وبروح
إلهنا.»
(1كو 11:6)

هنا الاتحاد في جسد المسيح «بروح إلهنا» هو الذي به نحصل على لبس المسيح، حيث نحصل على التبرير والقوة الإلهية المحيية.

6  المعمودية فعل خلاص:

مقدِّمة تفسيرية للكاتب:

لماذا يتحتَّم أن تكون المعمودية فعل خلاص؟ لأنها تقوم على الإيمان بالقلب والفم. أمَّا الإيمان فيظل المعمَّد يتعلَّم كيف يؤمن وبماذا يؤمن حتى يصل إلى درجة القبول على يدي الأسقف، أمَّا القلب والفم بمعنى الداخل والخارج، ففي المعمودية يمارس بقلبه الإيمان بالموت والقيامة مع المسيح، والمعمودية تكون عملية علنية في وسط الكنيسة كلها، وهنا يتوفَّر عامل الشهادة واعتراف الفم.

والقديس بولس أخذ فكره عن المعمودية من ممارسة الكنيسة الأُولى، وبالأخص غسل الخطايا، التي رنَّ سماعها في أذنه كأول مفهوم عن الخلاص من فم حنانيا وهو يضع يديه على رأسه، عندما قال له لماذا تتوانى قم واعتمد واغسل خطاياك لتمتلئ من الروح القدس. ثمَّ ابتدأ ق. بولس يتدرَّج من المعمودية إلى العلاقة مع المسيح والدخول إلى أعماق المفهوم اللاهوتي لهذه العلاقة. وابتدأت المعمودية تكون عنده ذات قيمة لاهوتية عالية في الكنيسة، وفهم منها خبرة الخلاص وكيف صنعت الوحدة مع المسيح، وابتدأ مفهوم » جسد المسيح «واعتبر المعمودية نقطة انطلاق منظورة من الداخل لعمل الخلاص. وابتدأ يضع لها مفهومها اللاهوتي ليشرحها: كزواج روحي، المسيح والكنيسة أو المسيح والمسيحية، من واقع عمل المعمودية في النفس، ورفعه إلى المفهوم اللاهوتي. وانتهى إلى أن المعمودية فعل خلاص له ارتباط وثيق بشخص المسيح في المعمودية. ورأى أن المعمودية موت وقيامة مع المسيح sÝn Cristù ومن هذه النقطة ننطلق إلى قلب لاهوت المعمودية والخلاص.

البدء في الانطلاق:

(رو 6: 1-11):

ابتدأ القديس بولس في الانطلاق من فكرة هل نبقى في الخطية لتكثر النعمة؟

+ «أم تجهلون أننا كل مَنْ اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدُفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أُقيم المسيح من الأموات، بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة. لأنه إن كنَّا قد صرنا متحدين معه بشبه موته، نصير أيضاً بقيامته. عالمين هذا: أن إنساننا
العتيق قد صُلب معه ليُبطَل جسد الخطية، كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية. لأن الذي مات قد تبرَّأَ من الخطية. فإن كُنَّا قد مُتنا مع المسيح، نؤمن أننا سنحيا أيضاً معه. عالمين أن المسيح بعدما أُقيم من الأموات لا يموت أيضاً. لا يسود عليه الموت بعد. لأن الموت الذي ماته قد ماته للخطية مرَّة واحدة، والحياة التي يحياها فيحياها لله. كذلك أنتم أيضاً احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية، ولكن أحياءً لله بالمسيح يسوع ربنا».

ثمَّ ابتدأ يشرح ذلك في (رو 21:3 إلخ): «وأمَّا الآن فقد ظهر بر الله … بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون لا فرق» كطريق للخروج من الخطية، متبررين بالفداء الذي قدَّمه الله كفَّارة من أجل الصفح عن الخطايا السالفة، للجميع يهود وأُمم، بالنعمة لأن الإيمان هو أصلاً من إبراهيم أب جميعنا «جعلتك أباً لأُمم كثيرة». فالكل به يتبرَّرون بالإيمان. وهو آمن وهو في الغرلة فقد عمَّم الإيمان على الذين في الغرلة، فإذ قد تبرَّرنا بالإيمان لنا سلام مع الله لأننا نؤمن بالذي أقام المسيح من الأموات، كما آمن إبراهيم وأُعطي نسلاً بعد موات له وموات سارة. المسيح الذي أُسلم من أجل خطايانا وأُقيم من أجل تبريرنا، ونحن بعد خطاة مات المسيح من أجلنا وبرَّرنا وهذا هو لإظهار محبته لنا، فإذ قد تبرَّرنا بدمه نخلص بحياته – وكما بخطية إنسان واحد صار الكل خطاةً، فببر واحد (الإنسان البار يسوع المسيح) يصير الكل أبراراً. وكما ملكت الخطية في الموت هكذا تملك النعمة بالبر للحياة الأبدية.

ولكن الخطية لا تزال واقفة بالمرصاد. فهل يمكن أن نبقى في الخطية وفي نعمة البر؟ وهكذا أدخل القديس بولس المعمودية كواسطة لرفع الخطية، لكي تملك النعمة بالبر: أم تجهلون تأثير المعمودية؟

+ «كل مَنْ اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة».

+ «عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية. لأن الذي مات قد تبرَّأ من الخطية (أي دفع ثمنها المحكوم به عليه)».

قانون المعمودية:

+ «فإن كنا قد متنا مع المسيح نؤمن أننا سنحيا أيضاً معه».

+ «كذلك أنتم أيضاً احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية، ولكن أحياءً لله بالمسيح يسوع ربنا. إذاً لا تملكن الخطية في جسدكم المائت … فإن الخطية لن تسودكم لأنكم لستم
تحت الناموس بل تحت النعمة (نعمة المسيح).»
(رو 6: 11-14)

ثمَّ عامل آخر قوى: أنكم كنتم عبيداً للخطية (قبل المعمودية) ولكنكم أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلَّمتموها (المعمودية) فصرتم عبيداً للبر، عبيداً لله وثمركم للقداسة والنهاية حياة أبدية بالمسيح يسوع.

ثمَّ عاد القديس بولس يتصارع مع الخطية كناموس الطبيعة القديمة، ثمَّ انتهى انتهاءً بديعاً عجيباً، وهو أن المسيح رفع دينونة الخطية عن الجسد لأن الجسد المسئول عن الخطية مات، إذ أصبحنا بالإيمان والمعمودية خليقة روحانية جديدة خارجة عن الدينونة: «وأمَّا أنتم فلستم في الجسد بل في الروح إن كان روح الله ساكناً فيكم (بحسب المعمودية (رو 9:8)، وإن كان المسيح ساكناً فيكم، وهذا حق بالمعمودية، فالجسد يكون ميتاً لأن الخطية قد أنهى عليها المسيح أي ميِّتة. وأصبح لنا قوة إلهية من قبل الروح، فأصبح لنا بالروح قوة أن نُميت أعمال الجسد، وهو روح التبني الذي به ندعو الله يا أبانا، الواهب الخضوع والطاعة لأوامر الآب.

على أنه في بداية الأصحاح (6) قد وضع النتيجة (نتيجة المعمودية) قبل البحث: «نحن الذين متنا عن الخطية»، عاد إليها في العدد (11) «احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية» هذا بعد عمل المعمودية. ولكن بالأكثر هو يوضِّح الموت للخطية الذي حدث بالمعمودية بسؤاله الاستنكاري «أم تجهلون أننا كل مَنْ اعتمد …». أمَّا الجمع بين المعمودية وموت المسيح فهذا هنا يوضِّح الرمزية للمعمودية، على أنه ولابد معلوم لقرَّائه. وبتوضيح موتنا مع المسيح وقيامتنا مع المسيح يضع خطوط شرح المعمودية لاهوتياً حسب تسليم الكنيسة بالنسبة لموت المسيح الفدائي للخلاص، باعتبار أن المعمودية تحمل نفس المضمون.

وتشديد القديس بولس على «دُفنا معه sunet£fhmen» يعلن بها اتصالنا الداخلي بموت المسيح وبالتالي قيامته، أي من أعماق موته – كنا فيه – إلى قمة قيامته – كنا معه – والتأكيد هنا على قيامته والحياة الجديدة. ثمَّ هو في هذا التعبير يجاوز الشكل الخارجي في حادثة موت المسيح بالصليب، فهو يتكلَّم عن موتنا في المعمودية على شكل موته (الترجمة العربية ضعيفة إذ تقول: “بشبه موته” وكأنه ليس مثله مع أن “على شكل” توضِّح دقة التشابه)، بمعنى موت الخطية الكفَّاري حتى جعل هذا أيضاً بالنسبة لقيامته أي بشكل قيامته الممجَّد والمنتصر.

فمن خلال المعمودية نحن اتحدنا بأقرب شكل بموت المسيح ودفنه وبهذا بلغنا موت الخطية – 
الذي بلغه المسيح. ويأتي العدد (6) «إنساننا العتيق قد “صُلب معه sunestaurèqh”، أي متنا معه ¢peq£nomen”». فبموتنا بشكل موت المسيح الكفَّاري نكون قد متنا إلى الأبد لقوة الخطية.

ويعود ويؤكِّد هذه الحقيقة لاهوتياً «كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية» لأنه ليس موت وحسب بل وقيامة (6). لأن الموت الذي ماته ثمناً وكفَّارة للخطية ماته مرَّة واحدة ™f£pax (once for all). هكذا نحن! تحرَّرنا منها إلى الأبد. فبالنسبة لقوة الخطية (المؤدِّية إلى الهلاك والموت الأبدي) قد صرنا لها بالحقيقة أمواتاً nškroi أي لا تؤثِّر فينا. بل وأحياء لله نستمد قوة ضدَّها!

وهكذا استطاع الطقس في المعمودية أن يهبنا سرائرياً sacramentaly بواسطة هذا السر “حياة جديدة”، لأننا قمنا مع المسيح بعد أن متنا معه في هذه المعمودية سرائرياً sacramentaly. مؤكِّداً أننا بالمعمودية نكون أحياء لله في المسيح يسوع. ولكن في موت وحياة المعمودية يكون الموت مع المسيح للخطية أمَّا الحياة فلله بالمسيح. لذلك فبولس الرسول باستعمال كلمة «مع المسيح sÚn» في الموت والقيامة يعطي المضمون السرائري أي مضمون المعمودية إضافة إلى تكميل المسيح هذا الموت العملي على الصليب والقيامة الفعلية من القبر.

والبعض من اللاهوتيين الكبار يتحفَّظون خطأ على القول: «ليبطل جسد الخطية» و«إنساننا العتيق قد صُلب معه» و«أن الذي مات قد تبرَّأ من الخطية». والرد على ذلك أن المقصود بالخطية هي الخطية ذات القوة وسلطان الموت الأبدي، وهذا غير الخطية التي يعود إليها الإنسان بعد المعمودية فهي فاقدة قوة وجبرؤوت خطية آدم التي لبسها الشيطان. ففرق بين خطية الخطأ في المعرفة وخطية الخطأ المقصود والمعروف في الله ومهاجمته. فالخطأ الأول يؤدَّب كما يؤدَّب التلميذ والثاني هو شيطان الهلاك بحد ذاته ليس له تأديب بل هلاك. والمطلوب التفريق بين الخطية وقوة الخطية المدمِّرة للهلاك الأبدي. فالذي يفعل الخطية عن جهل ليس كالذي يخدم عن معرفة قوة الخطية المدمرة للهلاك الأبدي. ويعبِّر عنها القديس بولس: «الذي مات قد تبرَّأ من الخطية» البراءة هنا هي من حكم الموت الأبدي الذي حصل عليه آدم. فالذي مات بإرادته (سواء على الصليب) بالإيمان أو في المعمودية مع المسيح هو موت إرادي تنفيذاً لعقوبة آدم فهو براءة من الخطية. لأنه معنى أننا متنا مع المسيح في المعمودية هو أننا آمنا أننا صلبنا معه. لذلك فموت المعمودية مع المسيح هو المدخل الرسمي للحياة الأبدية بعد ذلك.

 

وفي قول ق. بولس «نؤمن أننا سنحيا أيضاً معه» (8) فهذه الحياة هي حياة المعمودية السرائرية كعطية. وهذه الحياة هي بعينها عنصر الخلاص الأبدي الثابت الذي لا يفقد. وهذا غاية ما يريد بولس الرسول الوصول إليه من إدخال الموت والقيامة والحياة مع المسيح في المعمودية حياة امتلاك الأبدية. ويضعها ق. بولس هكذا لتُماثل المسيح:«عالمين أن المسيح بعدما أُقيم من الأموات لا يموت أيضاً. لا يسود عليه الموت بعد» (9). يقول ق. بولس هذا لنأخذه لأنفسنا بالشبه والمثال. فالحياة التي نحياها هي حياة الله ونحن شركاء هذه الحياة «أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا» (11).

وينتهي ق. بولس إلى القول: «كذلك أنتم أيضاً (بالمعمودية) احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا».

– ويقول أحد اللاهوتيين (Casel) إن المعمودية والفعل الخلاصي الذي تمَّ على الصليب ليسا عملين([6]) بل هما عمل واحد.

7  مع المسيح صُلبت:

مقدِّمة تفسيرية للكاتب:

ليس هذا فرضاً ولا إرادة أو شهوة من طرف الإنسان، بل هو عرض قدَّمه المسيح على الصليب وقدَّمه قبل الصليب: » إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني «(مت 24:16)، ثمَّ جعله أمراً: » اتبعني حاملاً الصليب! «(مر 21:10). لذلك فقول بولس الرسول إن بصليب المسيح قد صُلب العالم له وصُلب هو للعالم، ذلك لأنه اعتبر نفسه أنه صُلب لحظة أن صُلب المسيح كونه صُلب بنا ومن أجلنا  لذلك شعر ق. بولس أن المسيح أحبَّه وأسلم نفسه لأجله.

فالصليب فوق أن يكون إرادة فهو محبة. فمن يرفض أن يقبل المحبة؟ بهذا إن كانت المعمودية تعطيني فرصة أن أُمارس الصليب مع المسيح حقـًّا وأقوم معه بعد ذلك حقـًّا! تكون أعظم مكسب بل وفرحتي الوحيدة لأمتلك الحياة الأبدية بل والمسيح، فهي ثمرة المسيحية التي تُعطَى مجَّاناً وفيها المسيح بكل مواهبه وعطاياه التي نالها بالصليب! فالمعمودية إنجيل معاش ومحقَّق!

 

مع المسيح صُلبت:

(غلاطية 19:2، 24:5، 14:6):

+ (غل 19:2):

» لأني مت بالناموس للناموس لأحيا لله «

المعمودية هنا غير مذكورة ولكنها موضوعة في الأساس بصورة حتمية، ولكي نوضِّح هذه الآية نقارنها مع (رو 10:6):

(رو 10:6)

(غل 19:2)

«لأن الموت الذي ماته قد ماته للخطية مرَّة واحدة

والحياة التي يحياها فيحياها لله».

«لأني مت بالناموس للناموس

لأحيا لله».

كما نجد في رسالة رومية (6:6) آية تعتبر الوصلة بين رسالة رومية ورسالة غلاطية:

(رو 6:6): «عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليُبطل جسد الخطية، كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية».

(غل 20:2): «مع المسيح صُلِبتُ، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ. فما أحياهُ الآن في الجسد، فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبني وأَسلَمَ نفسه لأجلي».

ولكن قول «صُلبت مع المسيح» لا تحدِّد نقطة زمنية معيَّنة – لأن القديس بولس قد أخفى المعمودية التي اعتمدها من يد حنانيا ولم يذكرها. ولكن «متّ بالناموس» تحدِّد حتماً نقطة زمنية. متى؟ وحياة ق. بولس كلها معروفة عندنا ونقطة التحوُّل العظمى الوحيدة في حياته كانت المعمودية من تحت الناموس إلى مسيحي.  إذن المعمودية هي النقطة الزمنية المحدَّدة الموقَّعة على زمن الصليب. فبمقارنة (رو 10:6) مع (غل 19:2) المذكورة أعلاه ينكشف الموت والحياة في الاثنين. فالقديس بولس مات في المعمودية بالناموس للناموس، ومعنى بالناموس للناموس استلفها من موت المسيح. فالمسيح مات بالناموس بحكم السنهدرين ومات للناموس لكي يلغيه كما قيل إنه مات للخطية.

لذلك ومن هذا المنطلق رأى نفسه مصلوباً مع المصلوب لمَّا مات في المعمودية موت سيده على الصليب، فقال: » مع المسيح صُلبت « فالذي عاينه في المعمودية هو بعينه الذي عاينه المسيح على الصليب: «المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا، لأنه مكتوب ملعون كل مَنْ عُلِّق على خشبة.» (غل 13:3)

 

ولكن حينما يقول ق. بولس » مع المسيح صُلبت «فهذا التعبير بحد ذاته يكشف عن فعل زمني تمَّ بشكل ما وهو المعمودية التي نالها تحت يد حنانيا، التي فيها اعتبر نفسه صُلب مع المسيح بالناموس الذي صَلب المسيح وللناموس الذي أدخل الخطية إلى الوجود. ومع المعمودية كان الإيمان بالمسيح «إيمان يسوع المسيح (غل 16:2)

وهكذا صارت المعمودية في لاهوت بولس الرسول قوة للخلاص بالاتحاد بالمسيح والصليب.

وبرجوعنا إلى تعبيرين هامين في رسالة رومية بالنسبة للناموس يتضح فعل المعمودية بقوة:

(رو 4:7)

رو 6:7)

» إذاً يا إخوتي أنتم أيضاً قد مُتّم للناموس بجسد المسيح

 

لكي تصيروا لآخر للذي قد أُقيم من الأموات «

» وأمَّا الآن فقد تحرَّرنا من الناموس. إذ مات الذي كنَّا ممسكين فيه (الجسد العتيق)

حتى نعبد بجدة الروح لا بعتق الحرف «

هنا في وقت ما قد مُتُّم للناموس! إنها لحظة المعمودية الموقَّعة على لحظة الصليب، لذلك يحسبوا أنهم عاينوا موت المسيح وقيامته، أي لحظة الخلاص التي تمَّت على الصليب بصورتها المسكونية العامة، وأعيدت للذين آمنوا وطلبوا المسيح في المعمودية.

وكأن موت المسيح وقيامته هي التي تحرِّك فكر بولس الرسول حول المعمودية.

وأيضاً:

(رو 6:6)

(غل 20:2)

«عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية».

«مع المسيح صُلِبتُ، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ. فما أحياهُ الآن في الجسد، فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبني وأَسلَمَ نفسه لأجلي».

هنا واضح الخلاص

هنا الخلاص معبَّر عنه بالحياة في الإيمان فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ: قد حلَّ المسيح في مركز حياته عوض “أنا”.

ويقول ق. بولس مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ، كل هذا بكل تأكيد قد تمَّ
بواسطة المعمودية التي فيها ليس فقط يكون مع المسيح بل صُلب معه. وبهذا جعل عمل المعمودية ملاصقاً لعمل الجلجثة، وبالتالي حياة المؤمن المعمَّد هي حياة دائمة متحدة في المسيح المصلوب. وبهذا يضعنا ق. بولس في وضع متقدِّم من المعمودية “فمع المسيح صُلبت في المعمودية” هو شرح لحياة البر بعد المعمودية.

المعمودية و“مع المسيح صُلبت”:

بدأ الفكر عند ق. بولس من واقع العماد، وذلك بعد إيمانه بالمسيح ابن الله، فشاول اليهودي لمَّا آمن واعتمد سقط عنه الناموس، بل مات الناموس إذ صار مسيحياً. وكان تعبير ق. بولس الأول في (رو 4:7): «إذاً يا إخوتي أنتم أيضاً قد مُتُّم للناموس بجسد المسيح لكي تصيروا لآخر، للذي قد أُقيم من الأموات». وبتعبير آخر يقول في (رو 6:7): «وأمَّا الآن فقد تحرَّرنا من الناموس إذ مات الذي كُنَّا مُمْسكين فيه حتى نعبد بجدَّة الروح لا بعتق الحرف». وفي غلاطية ظهرت بوضوح أكثر: «لأني مت بالناموس للناموس لأحيا لله.» (غل 19:2)

وكان هذا التعبير من واقع موت المسيح على الصليب، فقد مات بالناموس أي قتله رؤساء الكهنة بحكم الناموس عليه، فمات المسيح على الصليب بالناموس ولكي يرفع الناموس عنا، فاستخدم ق. بولس هذا التعبير. ولكن موت المسيح كان صلباً، فاستخدم ق. بولس هذا التعبير لنفسه فقال تعبيراً عن أنه مات في المعمودية » مع المسيح صُلبت « وهكذا دخل هذا التعبير في المعمودية. ثمَّ عاد ق. بولس ليجعل هذا الاصطلاح عاماً للجميع، يهوداً وغير يهود، لأنه من واقع الجلجثة، والجلجثة للجميع بقوله في (رو 14:6): «فإن الخطية لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة». أي أن الجميع تحرَّروا من الناموس مع أنه لم يوضع عليهم في السابق. وهكذا جاز أن يقول الكل » مع المسيح صُلبت «لأن المسيح مات بالناموس ومات لكي يرفع الناموس. لأنه إن لم يكن ناموس فليس خطية، فالناموس هو الذي أوجد الخطية، فالمسيح لكي ينهي على الخطية أنهى أيضاً على الناموس.

ومعروف أن رسالة غلاطية مشحونة بالصليب:

+ » وأمَّا أنا أيها الإخوة فإن كنتُ بعدُ أكرزُ بالختانِ، فلماذا أُضطهَدُ بعدُ؟ إذاً عثرةُ الصليبِ قد بَطَلَتْ «(غل 11:5)

+ » جميع الذين يريدون أن يعملوا منظراً حسناً في الجسد، هؤلاء يُلزِمُونكُم أن تختَتِنوا، لئلاَّ يُضطهدوا لأجل صليبِ المسيح فقط «(غل 12:6)

 

+ » وأمَّا من جهتي، فحاشا لي أن أفتخرَ إلاَّ بصليبِ ربِّنا يسوع المسيح، الذي به قد صُلِبَ العالمُ لي وأنا للعالمِ «(غل 14:6)

+ » ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواءِ والشهواتِ «(غل 24:5)

صُلب، أَصلِب، قد صلبوا:

إن ابتداء تحوُّل » مع المسيح صُلبت «كعمل سلبي مبني للمجهول “صُلبتُ” إلى عمل إيجابي “أَصلِب”، هنا ليس كفعل مباشر من المعمودية ولكن كفعل نسكي «أصلب الجسد مع الأهواء والشهوات»، ولو أنه يُحسب كنتيجة تحصيل حاصل، فالجسد المصلوب مع المسيح في المعمودية يبقى مصلوباً بعد المعمودية، ولكن يضعها ق. بولس كعمل مواز لعمل المسيح على أساس الحقيقة: » عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليُبطل جسد الخطية، كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية «(رو 6:6). حيث هذه تُحسب عملاً مجَّانياً كفعل من أفعال الخلاص كعمل الله المباشر. “فصلب الجسد العتيق” في المعمودية فعل أخلاقي مجَّاني موهوب للإنسان، على أن يمارسه ويكمِّله بعد تحوُّله إلى المسيح، أي بصيرورته مسيحياً، حيث العمل البشري هنا هو استجابة حرَّة إرادية لعمل النعمة المجاني في المعمودية.

حيث يصبح فعل “صلب مع المسيحالذي ينتهي باستجابة عملية من طرف الإنسان، تُحسب أنه فعل أخلاقي، لأن المسيحي الذي يُصلب مع المسيح في المعمودية، عليه بالضرورة في ذات الوقت أن يَصلب هو الجسد بأهوائه وشهواته التي تبرز من الخطية، كشهوات شريرة، التي كانت تستخدمها الخطية كمعين لها كما هو في (رو 12:6): «إذن لا تملكنَّ الخطية في جسدكم المائت (الذي مات بالنعمة) لكي تطيعوها في شهواتها « وأيضاً في (غل 24:5): » ولكن الذين هُم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات «

وتعليل بولس الرسول لهذا يقوله في الآية اللاحقة (غل 25:5) » إن كنَّا نعيش بالروح، فلنسلك أيضاً بحسب الروح « بمعنى أنه يخاطب إنساناً مسيحياً ماسكاً بالحياة الأبدية غير منعطف ناحية الجسد.

والقديس بولس يقصد من عبارة » صُلب مع المسيح «- كفعل ماضٍ – يعني فعلاً فردياً سرائرياً إيمانياً يتم في المعمودية لكل واحد بمفرده، فهو يموت للخطية ليحيا مع الله، وبعد المعمودية يعيش في قانون «قد صلبت مع المسيح» حتى يلتزم بالحياة فعلاً مع المسيح، بإيمان حار ينبع من كلمة «صلبت مع المسيح»، ومن حقيقة ذلك على الجلجثة، وذلك من أجل الحياة مع الله وحده، يشمل كل كيانه وله تأثير دائم في أعماقه.

 

8  وبه أيضاً ختنتم:

(كو 2: 11-13): «وبه أيضاً ختنتم ختاناً غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح».

«مدفونين معه في المعمودية التي فيها أُقمتم أيضاً معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات».

«وإذ كنتم أمواتاً في الخطايا وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحاً بجميع الخطايا».

(كو 3: 1-4): «فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله».

«اهتموا بما فوق لا بما على الأرض».

«لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله».

«متى أُظهر المسيح حياتنا فحينئذ تظهرون أنتم أيضاً معه في المجد».

إن المعمودية هي فعل خلاص » مع المسيح sÝn Cristù «تأخذ موضعها ويشرحها ق. بولس بالمضمون الرسمي في (رو 6: 3-11) ولكن أيضاً وبكل وضوح في (كو 2: 11-13).

وبمقارنة ما جاء في رسالة رومية بما جاء في كولوسي نحصل على مثل أوضح للوصول إلى فهم ورؤية أفضل للمعمودية كموت وقيامة مع المسيح.

هنا ق. بولس يحتج بشدَّة على فهم المعمودية أنها أعمال تتم فيها وبها، وكأن الغطس هو الموت والخروج من الماء هو القيامة. لذلك يضع أسئلة استنكارية ليرفع من فكر الكنيسة إلى حقيقة ما يحدث في المعمودية لاهوتياً.

والسؤال (استنكاري) إن كان نفس الشكل الذي يمثِّل المعمودية في (رو 6) هل يظهر حقـًّا كقبر فيه دُفن فعلاً إنسان الخطية العتيق؟ أو أن الانغمار (الغطس) Submergence والخروج من الغطس emergence هل يُعتبر حقـًّا كرمز الموت والقيامة مع المسيح؟ فإذا كانت عبارة » وبه أيضاً ختنتم «تعود في الحال لفعل المعمودية وليس لكلمة “المسيح” التي جاءت في نهاية الآية([7])، يكون
الخروج من ماء المعمودية تصوُّراً مسبقاً مساوياً للقيامة، وننتهى إلى “متنا مع المسيح وقمنا مع المسيح”. وقد قلنا إن خروجنا من الماء بطقس المعمودية بحد ذاته يرمز إلى القيامة.

وإذا قارنا بين (آية 10): «وأنتم مملوؤون فيه  الذي هو رأس كل رياسة وسلطان»، والآية (11) التي تبدأ: «وبه أيضاً ختنتم ختاناً غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح». وأيضاً بالتالي الآية (12): «مدفونين معه في المعمودية التي فيها أُقمتم أيضاً معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات»، نخرج بالآتي:

الحقيقة أن مجيء “ختنتم” مباشرة بعد “وبه” توضِّح أن المسيح هو المصدر وليس الماء. كما أن طبيعة الختان الروحي – تظهر في » غير مصنوع بيد «- التي تأتي بعدها مباشرة “بخلع جسم خطايا البشرية” على مثال قطع الغرلة من العضو ورميها، التي تعبِّر عنها ما جاء في (رو 6:6): » ليُبطَل جسد الخطية « بهذا كله يؤكِّد ق. بولس:

أن في “ختانة المسيح يلزم أن نفهم أنها روحية، فهي الموت على الصليب = (رو 6:6) » ليُبطَل جسد الخطية (الموت على الصليب) «- ولكن هنا في المعمودية جعله على مستوى الدفن مع المسيح في القبر، حيث مات واختفى جسد الخطية كموت واختفاء الغرلة، ولكن هنا في الدفن الختانة روحية وليست في اللحم، وفي جسم الخطية كله وليس في جزء منه. بالروح وليس باللحم. وينطبق على المسيح فقط وحده.

ولكن المسيح بعد دفن الجسد في القبر لثلاثة أيام قام، قام المسيح من الموت فنحن جميعاً الذين دُفنا معه قمنا أيضاً معه، وذلك بعامل الإيمان بقوة الله = «لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت.» (رو 9:10)

وبقول القديس بولس: «قمنا معه» لا يزال يفكِّر وهو متمسِّك بالمعمودية – ولكن لا يتكلَّم هنا عن القيامة على أن المعمودية هي السبب في القيامة، بل أدخل في المعمودية عنصر الإيمان «التي فيها أُقمتم أيضاً معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات». لأن الإيمان هو الذي يجمع الموت والقيامة معاً في حادث واحد غير منفصل، ويُفهم الاثنان كعمل خلاص واحد، الإيمان بالله وقوته وسلطانه الذي بلا حد، القادر أن يدعو الميت إلى الحياة:

+ «كما هو مكتوب إني قد جعلتك أباً لأُمم كثيرة، أمام الله الذي آمن به الذي يحيي الموتى ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة.» (رو 17:4)

 

+ «وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين، حسب عمل شدة قوته الذي عمله في المسيح، إذ أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في السماويات.» (أف 1: 19و20)

والإيمان الذي يثق بما عمله الله في المسيح يثق أيضاً بما عمل الله في الذين دُفنوا مع المسيح في المعمودية، باعتبارهم أنهم قاموا في المسيح مع المسيح.

ولهذا نرى أن ق. بولس يحاجج هنا أنه من الإيمان أي من الاعتراف أن المسيح مات ودُفن ورُفع في مجد، وليس من طقس المعمودية ولا من رمزها، تستمد المعمودية فعلها السرائري.

ويرى البعض أنه لا يصح للقديس بولس أن يضع اصطلاح «أحياكم معه» في الآية (13) مع «مسامحاً لكم» في نفس الآية. ولكن لأن «أحياكم معه» هو عمل المعمودية (رو 4:6)، ولأن المعمَّدين ملتصقون في الدفن: «مدفونين معه»، تكون الحياة معه حتماً على هذا المستوى. فالقيامة تعني الحياة (كو 13:2). والقديس بولس يتكلَّم عن أُولئك الذين كانوا سائرين في الخطية «فإذ كنتم أمواتاً في الخطايا» (كو 13:2)، وعند قبولهم الحياة مع المسيح «أحياكم معه»، باعتبارها عمل قوة الله ونعمته، ولكن كونها تأتي قبل «مسامحاً لكم» فإنه يفيد: متى تمَّ ذلك، فذلك لأنه تمَّ عموماً قبله.

وبمقارنة (كو 11:2و12) مع (رو 4:6و6) في أمر المعمودية:

آية

(كو 2: 11و12)

(رو 6: 4و6)

(12)

«مدفونين معه في المعمودية التي فيه أُقمتم أيضاً معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات».

«فدُفِنَّا معه بالمعمودية للموت حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة».

(11)

«وبه أيضاً خُتنتم ختاناً غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح».

«عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليُبطل جسد الخطية كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية».

يفيد هذه النتائج:

1 – تعاليم المعمودية في (رو 6) مشروحة جيداً ومثبَّتة ومفهومة في (كو 2)، وماء المعمودية يعتبر قبر الدفن بواسطة الغطس حتى يختفي الجسد كما في القبر، ولكن بالإيمان نعلم أن
المسيح قام بقوة الله لحياة جديدة (ليس بالمعمودية) – ولكن في المعمودية لأن التحام المعمَّد بالمسيح هو في الماء كما في القبر، لا يبقى في الماء ولكن يقوم مع المسيح الذي قام بقوة الله من القبر الحقيقي. إذن (كو 2) ملخَّص جيد لـ (رو 6).

2 – القديس بولس يستخدم الختان في (كو 2) لتصوير موت الإنسان العتيق في الدفن مع المسيح، حيث يُخلع الإنسان العتيق كما تُخلع الغرلة. هنا شركة في موت المسيح وخلع الإنسان العتيق بدون استخدام شركة الموت والحياة. والمعمودية تستخدم الاثنين الغمر تحت الماء للموت ثمَّ القيامة، والدفن لخلع الجسد العتيق ثمَّ القيامة مع المسيح.

3 – الخلاص التي تصوِّره (كو 2) بالمعمودية متعدِّد الأوجه إمَّا بالموت والقيامة مع المسيح في المعمودية، أو بقطع الإنسان العتيق في الدفن والتخلُّص منه مع المسامحة بغفران الخطايا أي الخلاص (بالختان) بالمعمودية، حيث تكون القيامة مع المسيح ليس بالخروج من الدفن تحت الماء ولكن بالإيمان بأن الله قد أقامه من الأموات بقوة عمله.

لذلك نقول: إن الإيمان هو عامل الربط بين الموت والقيامة في (كو 2)، ولكن في (رو 6) = هو الغطس والخروج من الماء.

«مع المسيح»:

أمَّا في (كو 3: 14) وعلاقتها بالمعمودية في الاصطلاح «مع المسيح»، فهو هنا يستخدم القيامة كحياة جديدة في المسيح بأن يكون هدف الحياة فيها في السماء حيث المسيح جالس، الذي يشجِّعنا على طلب ما هو ما فوق. ويعبر هنا سريعاً على حياة القيامة التي نحياها الآن في المسيح أنها مستترة مع المسيح بمقتضى قانون المعمودية، قمتم » مع المسيح « ونهايتها «في الله»، متى أُظهر المسيح في المجد حينئذ ستظهر حياتنا الجديدة بظهوره بحسب القانون نفسه «مع المسيح».

ويعرِّج على لبس الأبيض – الإنسان الجديد – في المعمودية: لبس المسيح روحياً في (كو 10:3)، معتبراً أن تجديد الحياة الجديدة أي تنشيطها لخدمة السماء «ما فوق» إنما هو تجديد معرفة ودراسة وفهم، ليصير مطابقاً لأوصاف صورة المسيح الذي خلقه والذي يلبسه روحياً «وأمَّا نحن فلنا فكر المسيح (1كو 16:2)

ومروراً بلبس أحشاء رأفات ولطف وتواضع ووداعة وطول أناة الذي هو لباس القديسين المختارين.

ومروراً بلبس المحبة – رباط الكمال الذي يحزِّم الوسط ويحفظ الحلَّة البيضاء.

 

9  «أحيانا مع المسيح»:

(أف 2: 4-6): «الله الذي هو غنيٌّ في الرحمة، من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها،
ونحن أمواتٌ بالخطايا أحيانا مع المسيح
 بالنعمة أنتم مخلَّصون
وأقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع».

كان اصطلاح » مع المسيح sÝn Cristù «وهو اصطلاح معمودية بالدرجة الأُولى، مستولياً على فكر ق. بولس الرسول في رسالته إلى رومية (6: 1-11)، وإلى كولوسي (12:2 إلخ) باعتباره أنه حدث خلاصي يجمع المؤمنين بالمسيح في المسيح مع المسيح. والآن نجيء إلى مجموعة أخرى من «مع المسيح» وهي «أحيانا مع المسيح» وهي مذكورة سابقاً، و«أقامنا مع المسيح» وهي مذكورة سابقاً أيضاً، ولكن الجديد هي » أجلسنا معه sunek£qisen «

وفكرة صعودنا هكذا إلى عرش السماء مع المسيح تأتي من بعيد من ذكره لما حصلنا عليه بالمعمودية، ولكي يزداد هذا التعبير وثوقاً نقارنه بما جاء في (كو 13:2):

+ «وإذ كنتم أمواتاً في الخطايا وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحاً لكم بجميع الخطايا (بالمعمودية)».

ونضع أمامها (أف 5:2):

+ «ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح – بالنعمة أنتم مخلَّصون».

ومن هذا نرى أن «أحيانا مع المسيح» تعود إلى حدث قيامة المسيح مرَّة واحدة وإلى الأبد، ولكن يرافقها قيامة سرائرية sacramentally أي في المعمودية (رو 4:6)، والمعمَّدون متحدون بهذه القيامة (رو 5:6) = أولاد المعمودية.

ويذكر في (أف 2: 1-3) مسيرة الخطية سابقاً تحت سلطان الشيطان (2): «حسب رئيس سلطان الهواء الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية». وهكذا ومرَّة واحدة – بالمعمودية – نالوا الخلاص برحمة الله المجَّانية «أحيانا مع المسيح»، و«أقامنا معه» و«أجلسنا معه». هكذا ربط هذا الخلاص بـ » مع المسيح « هذا كله تمَّ في المعمودية (أف 4:4): «جسدٌ واحِدٌ، وروحٌ واحِدٌ، كما دعيتم أيضاً في رجاءِ دعوتكم الواحد»، (أف 26:5): «لكي يقدِّسها، مطهِّراً إِيَّاها بغسلِ الماءِ بالكلمةِ».

وإليك التوافق الشديد بين (أف 2: 4و5)، (كو 13:2):

 

(أف 2: 4و5)

(كو 13:2)

«الله الذي هو غنيٌّ في الرحمةِ، مِنْ أجلِ محبته الكثيرةِ التي أحبَّنا بها، ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح – بالنعمة أنتم مخلَّصون».

«وإذ كنتم أمواتاً في الخطايا وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحاً لكم بجميع الخطايا»

 

         

وواضح هنا أن نفس حدث الخلاص واحد وهو المعمودية بلا شك.

وهنا فات على كثيرين أن ما حدث لنا هنا من خلاص جماعي هو من صنع المعمودية بالإضافة إلى وضعه العام اللاهوتي الذي نشأ من صلب وموت المسيح وقيامته.

وواضح عمل الله في قيامة المسيح وقيامتنا هكذا، وأن إقامة الله للمسيح هي من أجلنا أصلاً:

(أف 1: 19و20)

(أف 2: 5و6)

«وما هي عظمةُ قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين، حسب عمل شدَّةِ قوَّته الذي عمله في المسيح، إذ أقامه من الأموات، وأجلسه عن يمينه في السماويَّات».

«ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح – بالنعمة أنتم مخلَّصون – وأقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويَّات في المسيح يسوع».

واضح أن كل عمل للمسيح تحوَّل لنا نحن المسيحيين على أن نكون «مع المسيح» (المعمودية). والذي زاد علينا هنا ما جاء في رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس وقوله من جهة صعودنا وجلوسنا معه:

( أ ) فبعد أن كنَّا في قبضة رئيس سلطانِ الهواءِ، الروح الذي يعمل الآن في أبناءِ المعصيةِ (أف 2:2).

(ب) وبعد أن كانت مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ، بل مع الرؤساءِ، مع السلاطينِ، مع ولاةِ العالمِ، على ظلمة هذا الدهرِ، مع أجناد الشرِّ الروحية في السماويات (أف 12:6).

( ج ) رَفَع الله المسيح في كرامة وأجلسه عن يمينه ووضع كل رئاسات الشيطان تحت قدميه (أف 21:1): فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يُسمَّى. ورفعنا معه بالضرورة = » لأجل جسده الذي هو الكنيسة «

( د ) وهذه النصرة معلنة في (أف 8:4): «لذلك يقول: إذ صَعِدَ إلى العلاءِ سبى سبياً وأعطى الناس عطايا».

 

كل هذا من واقع ما وُهبنا في المعمودية. لأن معنى «أحيانا معه» تفيد كل ما اكتسبه المسيح من النصرة والسيادة والسلطان، لأننا قمنا مع المسيح وحياتنا مستترة مع المسيح، حتى السماء والجلوس عن يمينه.

10  الخلاص في المعمودية في لاهوت القديس بولس:

كانت المعمودية في الكنيسة الأُولى هي مصدر انسكاب الخارزما (المواهب):

+ «لأن يوحنا عمَّد بالماء وأمَّا أنتم فستتعمَّدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير.» (أع 5:1)

ولمَّا بدأت المعمودية وحلول الروح القدس، عُرفت بواسطة الرسل أنها للفداء الآتي (الخلاص) الموعود به بكل بركاته التي للخلاص:

+ «ويكون كل مَنْ يدعو باسم الرب يخلص.» (أع 21:2)

+ «وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون.» (أع 47:2)

+ «وهو يكلِّمك كلاماً به تخلص أنت وكل بيتك.» (أع 14:11)

+ «أيها الرجال الإخوة بني جنس إبراهيم والذين بينكم يتَّقون الله، إليكم أُرسلت كلمة هذا الخلاص.» (أع 26:13)

+ «توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا (الخلاص) فتقبلوا عطية الروح القدس(أع 38:2)

وهكذا تجمَّعت الآيات التي تشير إلى الخلاص: فابتدأ ق. بولس على نفس النمط بالاستلام التقليدي:

+ «لكن اغتسلتم بل تقدَّستم بل تبرَّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا.» (1كو 11:6)

ثمَّ يوضِّح ق. بولس في (1كو 12: 13-18) أن المعمودية باسم المسيح تربطنا بالرب الذي صُلب من أجلنا وينقذنا من الهلاك المزمع أن يكون:

+ «لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد يهوداً كنا أم يونانيين، عبيداً أم أحراراً وجميعنا سُقينا روحاً واحداً …» (1كو 13:12)

+ «لأن كُلَّكُم الذين اعتمدتُم بالمسيح قد لبستُم المسيح (غل 27:3)

وهكذا جئنا إلى الاتحاد به فأصبحنا شركاء في البركات الموعودة لإبراهيم:

+ «فإن كنتم للمسيح، فأنتم إذاً نسلُ إبراهيمَ، وحسب الموعدِ ورثَةٌ.» (غل 29:3)

 

وفي (رو 6: 4و8)، (كو 12:2) نُدفن مع المسيح ونقوم معه للحياة:

+ «لأنكم قد متُّم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله، متى أُظهر المسيحُ، حياتُنا، فحينئذ تُظهرون أنتم أيضاً معه في المجد.» (كو 3: 3و4)

أي حياة ينتظرها ملء المجد الإلهي تظهر في النهاية.

وفي رسالة تيطس (5:3) تظهر معمودية الميلاد الثاني التي تمنح البر في النعمة وحق الميراث لملكوت الله حسب وعد الحياة الأبدية.

هذه كلها تعاريف بولس الرسول وهي تماثل التي عند بطرس الرسول (1بط 21:3) كون المعمودية هي الطريق الأساسي للخلاص في العهد الجديد:

+ «الذي مثاله يخلِّصنا نحن الآن، أي المعمودية. لا إزالة وسخ الجسد، بل سؤال (صحتها: اعتراف) ضمير صالح عن الله، بقيامة يسوع المسيح (1بط 21:3)

وإنه كما يوجد رب واحد توجد معمودية واحدة وإيمان واحد.

+ «ربٌّ واحِدٌ، إيمانٌ واحِدٌ، معموديةٌ واحِدةٌ» (أف 5:4)

إن الخلاص الذي يتأتَّى من المعمودية هو ممنوح من الله وحده فقط، مع أن المعمودية تُصور عمل الإنسان مشتركاً مع عمل الله من أجل الخلاص الممنوح من الله، والعمل والفعل الحاسم يأتي من الله فقط ونحن نتلقَّى الفعل:

+ «لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد … وجميعنا سُقينا روحاً واحداً.» (1كو 13:12)

+ «كل مَنْ اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته.» (رو 3:6)

+ «لأن كُلَّكُم الذين اعتمدتُم بالمسيح قد لبستُم المسيح (غل 27:3)

هكذا في كل أعمال الخلاص في المعمودية يعطي ق. بولس لله الأولوية والعمل والفعل. فالله وحده هو الذي يُفدي ويحيي:

+ «وإذ كنتم أمواتاً في الخطايا وغلف جسدكم أحياكم (الله) معه مسامحاً لكم بجميع الخطايا. إذ محا الصك الذي علينا …» (كو 2: 13و14)

+ «ونحن أموات بالخطايا أحيانا (الله) مع المسيح (أف 5:2)

+ «لا بأعمال في برٍّ عملناها نحن بل بمقتضى رحمته (الله) خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد
الروح القدس
(تي 5:3)

فالله خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس، هذه الآية تكشف عن موقع المعمودية بين خلاص الله واستجابة عمل الإنسان.

كما يظهر في الآيات التالية اصطلاحات عمل الخلاص ومواهب الخلاص الممنوحة في المعمودية، ومغفرة الخطايا وموهبة الروح القدس:

+ «توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس (أع 38:2)

+ «والآن لماذا تتوانى. قم واعتمد واغسل خطاياك داعياً باسم الرب.» (أع 16:22)

وغسل الخطايا والتقديس والتبرير:

+ «وهكذا كان أُناس منكم. لكن اغتسلتم بل تقدَّستم بل تبرَّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا.» (1كو 11:6)

وغسيل المعمودية بفعله الدائم الوحيد الفريد وأثره الأبدي بصورته الأبدية:

+ «لنتقدَّم بقلبٍ صادقٍ في يقين الإيمان، مرشوشةً قلوبنا من ضميرٍ شريرٍ، ومُغتَسِلةً أجسادنا بماءٍ نقيٍّ.» (عب 22:10)

+ «لأن الذين استنيروا مرَّة وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس (عب 4:6)

والروح القدس في المعمودية موهبة الله العظمى بقوتها الإلهية وحلولها على المعمَّدين في كل سفر الأعمال وفي بقية آيات بولس الرسول، له عمله مع الرب المرتفع وهو وسيط التبرير والتقديس:

+ «لكن اغتسلتم بل تقدَّستم بل تبرَّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا.» (1كو 11:6)

والمعمودية تحمل معها إعطاء موهبة الروح القدس ونسمعه في رسالة تيطس:

+ «لا بأعمال في برٍّ عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس (تي 5:3)

والقديس بولس يعتبر الروح القدس عطية الله:

+ «لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطَى لنا.» (رو 5:5)

 

+ «إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب.» (رو 15:8)

+ «ثم بما أنكم أبناءٌ أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً: يا أبَا الآبُ.» (غل 6:4)

كما يعتقد أن المسيح الممجَّد يعمل بالروح القدس في المعمودية:

+ «لكن اغتسلتم بل تقدَّستم بل تبرَّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا.» (1كو 11:6)

وهو الذي يقوم بعمل الاتحاد في جسم المسيح المُقام:

+ «لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد … وجميعنا سُقينا روحاً واحداً.» (1كو 13:12)

أي أن المسيح سقانا من روحه القدوس في المعمودية، وهو الذي يجمع المؤمنين معاً برباط المسيح.

ويعتبر القديس بولس أن عملية الموت مع المسيح والقيامة مع المسيح هي بواسطة الروح القدس في المعمودية كفعل خلاص. فهو الذي جمع وربط الثلاثة آلاف:

+ «فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس.» (أع 41:2)

+ «وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفسٍ واحدة. وإذ هُم يكسرون الخبز في البيوت كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب. مسبِّحين الله ولهم نعمة لدى جميع الشعب، وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون.» (أع 2: 46و47)

+ «والله العارف القلوب شهد لهم معطياً لهم الروح القدس كما لنا أيضاً … لكن بنعمة الرب يسوع المسيح نؤمن أن نخلص كما أُولئك أيضاً.» (أع 15: 8-11)

وكانت المعمودية هي القرار القضائي المنتهي الذي يُعطِي للمعمَّد حق الانضمام إلى جماعة المخلَّصين رسمياً، كما أن فيها يأخذ المعمَّد الروح القدس الفاعل المباشر لاتحاد المعمَّد بجسد المسيح، روح واحد يُعمِّد الجميع وبالروح الواحد يتحدون بالمعمودية بالجسد الواحد بالإيمان الواحد:

+ «لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد، يهوداً كنا أم يونانيين، عبيداً أم أحرار، وجميعنا سقينا روحاً واحداً … وأمَّا أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفراداً.» (1كو 12: 13و27)

بمعنى أن الروح يبني الجسد روحياً أي الكنيسة هيكل الله:

+ «لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه.» (أف 30:5)

 

ويمكن أن نلمح بسهولة المجهود الضخم الذي قام به بولس الرسول لكشف العلاقة الداخلية للمعمودية باسم المسيح – لأن لاهوت ق. بولس في المعمودية ربطه بعقيدة الكنيسة في أن المعمودية هي باسم المسيح وله:

+ «لأنه لم يكن قد حلَّ بعد على أحد منهم. غير أنهم كانوا معتمدين باسم الرب يسوع.» (أع 16:8)

+ «فلمَّا سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع.» (أع 5:19)

+ «فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح(أع 38:2)

+ «وأمر أن يعتمدوا باسم الرب.» (أع 48:10)

واستخدمها ق. بولس في (1كو 11:6): «اغتسلتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا». وهذا هو القطب الجاذب الذي جذب لاهوت المعمودية نحو صحتها الإلهية. وأصبحت وسيلة الخلاص باسم المسيح المخلِّص الوحيد. وقد استخدم ق. بولس التعبير المختصر ليُعلن قوة المعمودية هكذا:

+ «لأن كُلَّكُم الذين اعتمدتُم بالمسيح قد لبستُم المسيح (غل 27:3)

وكانت أنشودة المعمَّدين الجدد في زفة عيد القيامة.

+ «كل مَنْ اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته.» (رو 3:6)

الأمر الذي جعل الاتحاد بموته ممكناً، بل وسهَّل بولس قوله نلبس المسيح. فالمدخل الوحيد أن نصبح شركاء المسيح هو أن المعمودية للمسيح، فالمسيح قائم فيها مهيَّأ لقبول المعمَّدين، وذلك بدخول المعمودية باسم المسيح، المعمودية التي دخلها المسيح كسابق من أجلنا ليستقبلنا فيها! ويوحِّدنا بصليبه وموته ويعطينا روحه للقيامة والحياة لله.

+ «وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم، فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكم.» (رو 11:8)

الأجساد العتيقة التي ماتت سيحييها أجساداً جديدة.

وهكذا رأينا أن لاهوت ق. بولس الرسول المُلهم يكون دائماً أقوى وأكثر امتداداً حينما يلتزم بالمعمودية مع المسيح!

11  عمل المسيح الخلاصي العام كأساس لعمل الخلاص في المعمودية:

القديس بولس يقدِّم في (رو 6) وضع المعمودية العام من داخل إطار التدبير الإلهي للخلاص.
واصطلاح (رو 6:6): » إنساننا العتيق قد صُلب معه sunestaurèqh «يوضِّح كيف أن القديس بولس يضع قاعدة المعمودية على قاعدة الخلاص العام الذي قام به يسوع ولن يُفقد له فعل، بمعنى أن فعل الصليب وجد دوامه الأبدي في المعمودية، وهو بهذا يقدِّم رؤيته العميقة للخلاص وإدراكه للمعمودية بأنها منبعٌ دائم للخلاص في صليب ربنا يسوع المسيح. وهو لا يُعلِّم بمعجزة تحدث برسم الصليب بعيداً عن فعل الصليب للخلاص على الجلجثة، معتبراً المعمودية تدخُّل حاسم في تاريخ الإنسان للتحوُّل من الخراب إلى الفداء.

المسيح مات وقام ممثّلاً وحالاً محل الإنسان الميت المفدى كفعل خلاص، هكذا نموت معه في المعمودية ونقوم معه أيضاً:

+ «مدفونين معه في المعمودية التي فيها أُقمتم أيضاً معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات.» (كو 12:2)

وحالما نؤسِّس بالإيمان والمعمودية الاتحاد بالمسيح كالخالق الروحي للإنسان الجديد وذلك بنوالنا نصيباً في الذي صنعه، صار موته موتنا وقيامته قيامتنا.

والمسيح يبقى في كل ذلك الأول والبداية:

+ «ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين … المسيح باكورة ثمَّ الذين للمسيح في مجيئه. «(1كو 15: 20و23)

بمعنى أنه باقٍ كما هو قائد للخلاص ويضم إلى نفسه الذين يتبعونه ويُدخلهم في فدائه، وأخيراً إلى قيامة الأجساد (الروحانية) ليكمِّل شكلهم المتواضع ليكون على شكل مجده:

+ «لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعيَّنهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكراً بين إخوة كثيرين.» (رو 29:8)

+ «وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضاً صورة السماوي.» (1كو 49:15)

فالذي حدث على الصليب مرَّة واحدة وإلى الأبد سيبقى كما هو لا يتغيَّر ويبقى عمله بالمعمَّدين في المعمودية. لهذا نموت مع المسيح في المعمودية، ولكن لا يمكن أن يكون العكس ،لأن العكس حدث مرَّة وهو قائم كما هو، وعلى أساس قيامته التي قامها سنقوم من خلال قيامته وفيه ومعه. أمَّا الفارق الزمني، وتكرار المعمودية للذين يأتون ويعتمدون لا دخل لها في السباق، فكل الذين يتحدون بالمسيح بالمعمودية خلواً عن الزمن إنما يُؤخذون في الحال إلى الحدث الأول  الصليب
والقيامة
 والثابت وفيه هو القائم كما هو. قام كأنه مذبوح أي مصلوب.

وفي هذا الاتصال يقع التركيز على الخصوص على بشرية المسيح:

+ «ولكن ليس كالخطية هكذا أيضاً الهبة. لأنه إن كان بخطية واحدٍ مات الكثيرون، فبالأولى كثيراً نعمة الله، والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح، قد ازدادت للكثيرين.» (رو 15:5)

+ «فإنه إذ الموت بإنسان، بإنسان أيضاً قيامة الأموات.» (1كو 21:15)

+ «الإنسان الأول من الأرض ترابي. الإنسان الثاني الرب من السماء.» (1كو 47:15)

والمسيح صار ممثِّلاً لجنس الإنسان بالتجسُّد (غل 4:4)، وبهذا الميلاد أصبح هو الذي أوجد الإنسانية الجديدة التي خُلقت بعد ذلك على صورة الله:

+ «ولبستم الجديد الذي يتجدَّد للمعرفة حسب صورة خالقه» (كو 10:3)

والقديس بولس يفرِّق بين القديم الأرضي القابل للفناء والإنسانية الجديدة الممجَّدة بالروح بالقيامة:

+ «صار آدم الإنسان الأول نفساً حيَّة وآدم الأخير روحاً محيياً … الإنسان الأول من الأرض ترابي. الإنسان الثاني الرب من السماء.» (1كو 15: 45و47)

والإنسان الأول كان فقط نفساً حيَّة، والثاني الأخير روحاً خالقاً محيياً. الإنسان الأول أُخذ من تراب الأرض، والثاني جاء من السماء. بهذا جاهد ق. بولس لكي يضع أمامنا صورة المسيح المخلِّص لأن المسيح قد أعطى غنىً فائقاً من نعمته على الآخرين لأنه جاء وسيطاً.

+ «إذن محبة المسيح تحصرنا إذ نحن نحسب هذا أنه إن كان واحد قد مات لأجل الجميع فالجميع إذاً ماتوا.» (2كو 14:5)

هنا يظهر جوهر الخلاص عند ق. بولس بكل قوته وكل ملئه، حيث يضع الإحلال في وضع جميل: واحد مات من أجل الجميع! وبالتالي يكون الجميع قد ماتوا!

هذا مبدأ الاتحاد والتماسك الأمر الذي يجعل موت المسيح موتنا أو حياة المسيح حياتنا! ولكن ليس بالعكس. فالمسيح وحده هو الذي يأخذ مكان الجميع. وهكذا يظهر أن مبدأ التمثيل يرجع إلى أن المسيح هو رأس البشرية الجديدة. هذه الشمولية الفريدة في الخلاص عند ق. بولس ستظهر أكثر فيما بعد. والتي فيها يأخذ المسيح كل جنس البشر متحداً فيه – نحن يستحيل أن نموت على
الصليب من أجل واحد. موت المسيح حقـًّا كان هو موت كل واحد منا ولكن نموت نحن “معه” في المعمودية. ولكن المسيح مات على الصليب فقط لأنه يمثِّلنا، ونحن رعيته التي تحتاج إلى موته للخلاص، نُظهر هذا بدخولنا ماء المعمودية لنموت معه! هو أكمل الخلاص على الصليب وفي القبر، أمَّا نحن فعلينا أن ننتفع بموته وصليبه بأن نموت ونُصلب معه في المعمودية.

+ «وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام.» (2كو 15:5)

وهنا ق. بولس يضع “كي †na” لكي يكون تمثيل المسيح كقاعدة، لكي نفهم كيف أن الله يقدر أن يوسِّع الخلاص لكل مَنْ يريد أن يأخذ الخلاص، حتى نصير أبراراً لله في المسيح. وهنا المعمودية تقف شاهدة – والقديس بولس في هذه الآية يربط بحكمة وفهم وإلهام بين الحياة والموت. فالمسيح مات من أجل الجميع حتى لا يعيش الأحياء لأنفسهم فيما بعد. بل للذي مات وقام ليعيشوا ويحيوا معه.

وباختصار، المسيح مات ليخلِّص حياتهم » إن محبة المسيح تحصرنا « فالمسيح صنع هذا كله لنا لكي نضع حياتنا له.

12  الإيمان والمعمودية:

المعمودية امتلاك للخلاص بالإيمان:

«لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع. لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح» (غل 3: 26و27). كان ق. بولس يمسك بالاثنين معاً وللاثنين نفس الأهمية، معتبراً في هذه الآية أن المؤمن أولاً يحصل على شركة مع المسيح بالإيمان وبعد ذلك وبنفس الأهمية يعتمد ويُختم. فالإيمان حاجته عظمى ليحرِّر الإنسان ويهبه البركة، لأن وضع الإيمان في الحقيقة يقف في مقابل الناموس. لذلك يقود ق. بولس الفكر عامة ليصل بسهولة إلى المعمودية. لأنه إذ يصل إلى هذه المرحلة يستطيع أكثر أن يتكلَّم عن الشركة مع المسيح التي فيها نصير ونحس بأننا أبناء الله وورثة للمواعيد العظمى والثمينة.

وسهولة الانتقال من الإيمان إلى المعمودية تحدث من خلال “في المسيح التي تقف كمفتاح الوضع في نهاية الآية (26): «لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع». هنا في الحقيقة الشعور بأنهم “أبناء الله” أشد فاعلية وأشد دفعاً من الإيمان وحده فقط. فشركة المسيح من خلال المعمودية تصير شركة مبنية ومفهومة على أساس أننا أبناء الله: «ثم بما أنكم أبناءٌ أرسل الله روح
ابنه إلى قلوبكم صارخاً: يا أبَا الآبُ»
(غل 6:4) وذلك بواسطة الروح القدس الذي يكمِّل لنا الاختيار أو التبني لله.

والصلة بين الإيمان والمعمودية موجود في (كو 12:2): «مدفونين معه في المعمودية التي فيها أُقمتم أيضاً بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات». هنا تبرز المعمودية في الأول بهيئة ختان روحي بغير يد ختان المسيح. ولكن بمجرَّد أن دخل ق. بولس في القيامة أبرز الإيمان، لأن قوة الله لإقامة الميت تفترض الإيمان، حينئذ تكلَّم عن الإيمان. وهكذا يُبرز المعمودية أو يُبرز الإيمان تبعاً للرؤية السائدة.

وعند القديس بولس تقف المعمودية حتماً ضرورية لإنسان يريد أن يكون مسيحياً، فإن جاء إنسان يعرف الإيمان بالمسيح كطريق للبر تصير المعمودية في الحال سبيل الخلاص. والمعمودية عند ق. بولس توصل إلى الروح:

+ «وهكذا كان أُناس منكم لكن اغتسلتم بل تقدَّستم بل تبرَّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا.» (1كو 11:6)

+ «لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد … وجميعنا سُقينا روحاً واحداً.» (1كو 13:12)

الروح يقدس يُبرِّر ويجعل المعمَّد يجوز الدفن والقيامة مع المسيح. فالمعمودية في ظاهرها كأنها اعتراف وفي داخلها إيمان: » لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت «(رو 9:10). والمعمودية عند القديس بولس بها وبداخلها فعل خلاص وظاهرها يُعد مجرَّد اعتراف فقط.

فالإيمان الكامل الصحيح يقود بالضرورة إلى المعمودية، لأن الإيمان الصحيح هو طاعة لكلمة الله، كما صنع ق. بولس نفسه تحت يد حنانيا. والمعمودية هي تبرير عند ق. بولس (“بل تبرَّرتم”). وهي إعلان إيمان أمام الكنيسة، والكنيسة لا تعترف بشركة الإنسان في المسيح وهو ليس عضواً فيها. ونحن لا يمكن أن نتبع المسيح بدون إيمان ومعمودية. والإيمان يتكمَّل بالمعمودية لأنه ينفتح على المسيح والكنيسة. وهذا الإيمان هو الذي يخلِّص!

13  المعمودية “سرّ”  فعل سرائري:

المظهر الخارجي، العنصر المنظور، العلامة، الرمز بالنسبة لفعل الخلاص في المعمودية:

إن نظرة ق. بولس من نحو المعمودية أخذها كما هي بالتسليم الأمين الدقيق، لم يزد أو يحذف
شيئاً مما استلم، بل شرح ووضَّح ورفع إلى المستوى الحق واللاهوت، فأدخل المعمودية في لاهوت الكنيسة وبالتالي في لاهوت الخلاص برؤيته الملهمة المتسعة الدقيقة.

نناقشها على درجات:

1 – القديس بولس قيَّم العنصر المنظور في المعمودية “أي الماء” واستخدامه منذ فجر اليهودية (المعمودية اليهودية ومعمودية يوحنا) – فرآها غسيلاً للخطايا:

+ «لكن اغتسلتم بل تقدَّستم بل تبرَّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا.» (1كو 11:6)

+ «لكي يقدِّسها، مطهِّراً إِيَّاها بغسلِ الماءِ بالكلمةِ» (أف 26:5)

كما رأى بكل احترام ووقار عشاء الرب بكل رموزه وعوايده:

+ «لأنني تسلَّمت من الرب ما سلَّمتكم أيضاً إن الرب يسوع في الليلة التي أُسلم فيها أخذ خبزاً …» (1كو 23:11)

كما رأى طقس وضع اليد وأعطاه كرامته وأهميته التي أعطاها المسيح والكنيسة الأُولى:

+ «لا تهمل الموهبة التي فيك المعطاة لك بالنبوَّة مع وضع أيدي المشيخة.» (1تي 14:4)

+ «لا تضع يداً على أحد بالعجلة.» (1تي 22:5)

+ «أُذكِّرك أن تضرم أيضاً موهبة الله التي فيك بوضع يديَّ.» (2تي 6:1)

+ «الذين أقاموهم أمام الرسل (السبعة شمامسة) فصلّوا ووضعوا عليهم الأيادي.» (أع 6:6)

+ «فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي ثمَّ أطلقوهما.» (أع 3:13)

2 – والقديس بولس رأى بقياس خاص أن يمتد بالتقليد الرمزي للمعمودية ويعمِّقه. ففي (أف 26:5) هناك امتداد ونمو للصورة الأصلية لحمَّام الغسيل، لأن من خلال غسيل الماء غَسَل المسيح الكنيسة من كل أدناسها وجعلها مجيدة. فإذا قارنا معمودية يوحنا التي فيها اغتسل قوم اليهود استعداداً لعصر المسيَّا، فعند يوحنا المعمدان نجد معمودية استعداد للمسيَّا، أمَّا مع ق. بولس فغسيل المعمودية “بدم المسيح”. والقديس بولس يرى بالروح الكنيسة والمسيح كعلاقة عروس بعريسها (كآدم وحواء بالروح). وفي (أف 26:5) يكشف ق. بولس عن الصورة الممتعة للكنيسة حيث المعمودية عنده ليست هلباً يخلِّص فرداً، ولكن تكوين جماعة الخلاص على صورة فاخرة يشابهها فلك نوح وفيه الناجين من الهلاك. والقديس بولس في (تي 5:3): «لا بأعمال في برٍّ عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلَّصنا
بغسل الميلاد الثاني»
أمسك بصورة عملية – للميلاد الثاني – هدفها في قوله “خلَّصنا”.

3 – والقديس بولس أيضاً أعطى للمعمودية معنى فريداً بتصويره تصويراً جديداً لطقس المعمودية، وشرح المعمودية بالتغطيس الذي كان هو أصل وقوة واعتماد المعمودية، فأعطاه تصويراً حيًّا جديداً «مدفونين مع المسيح» حتى يعطي الفرصة «للقيامة معه» لا يمكن أن نعبر عليها ببساطة، فهي أصبحت قوة المعمودية التي لا نجد لها أي أثر قبل ق. بولس في الكنيسة. حيث وضع العلاقة اللاهوتية الأُولى والأساسية للمعمودية بالنسبة لموت المسيح وقيامته. حيث “الدفن مع المسيح يُعلن صحة عقيدته ورؤيته للعماد بالتغطيس التي قام عليها طقس العماد منذ البدء.

وبحسب (غل 27:3) أصبح المعمَّد من خلال غطسه في ماء المعمودية “يلبس المسيح”. هذا تصوير جديد وبديع يشهد لقدرة ق. بولس الإلهامية لتصوير أفكاره لتلبس الحقائق، واصطلاح ختانة المسيح في (كو 11:2) يؤكِّد قصد ق. بولس الاستعاري متخذاً من قطع الغلفة النجسة عند اليهود مثالاً يستخدمه ق. بولس ليجعلها » خلع جسد الخطية «بجملته، ولكي يحكم وضعها مع الدفن في المعمودية مع الموت الجديد يقول إنها » بغير يد «فدخل الاصطلاح في المفهوم الروحي اللاهوتي، هذا لم يكن لغرام ق. بولس بالاستعارة ولكن لأن عينه كانت على قوة الإقناع! أمَّا اعتماده الأساسي فكان على الاستعلان.

4 – القديس بولس كان متحفِّظاً تجاه لغة الليتورجيا وخاصة الرموز، بل كان يحدّ نفسه بالطقس الرئيسي. فإذا قارنا ق. بولس بالآباء المتخصِّصين في الليتورجيا ومواعظهم للمعمَّدين الجدد مثل ق. كيرلس أسقف أُورشليم وأمبروسيوس أسقف ميلان، لظهر تحفُّظ ق. بولس واضحاً في كل ما يختص بالليتورجيا ومصطلاحاتها وأشكالها، فالقديس بولس لغته في الليتورجيا غزيرة وتصويرية في توضيح كل الأفكار اللاهوتية ولكن بتحفُّظ تقليدي عقائدي كبير من جهة رموز الليتورجيا.

5 – والقديس بولس كان يتجه بقوة نحو مفهوماته اللاهوتية أكثر من طقوس الليتورجيا، واهتمامه بالمعمودية ليس في التمادي بأوصاف علاماتها ولكن اهتمامه اقتصر على فعل الخلاص من داخل المعمودية، ويتمادى في ذلك لاقتناص معاني جديدة في هذا الخلاص. فهو لم يتمادى في استجلاء غوامض عمل الماء في المعمودية مثل ترتليان، فكون المعمَّد
يغتسل ليُطهَّر في المسيح ويتقدَّس أو يموت ويقوم مع المسيح فهذا هو ما يشكِّل بؤرة اهتمام ق. بولس في المفهوم المسيحي. وأعظم اهتمامه بالمعمودية هو الخلاص، فالتزم بالموت والقيامة مع المسيح وسكب الروح القدس الذي يثبت ويؤكِّد المعمودية، باعتبارها الأصول الأُولى للمسيحية:

+ «أما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلاَّ بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم.» (غل 14:6)

+ «لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطَى لنا.» (رو 5:5)

وباختصار فإن الكلام عن الروح ووجوده فهو عند ق. بولس مرتبط بقيامة المسيح:

+ «وتعيَّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات.» (رو 4:1)

+ «وبالإجماع عظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد، تبرَّر في الروح، تراءى لملائكة، كُرزَ به بين الأُمم، أومِنَ به في العالم، رُفع في المجد.» (1تي 16:3)

وهو يأتي بنا من خلال الروح في وجوده:

+ «آدم الأخير روحاً محيياً.» (1كو 45:15)

+ «وأمَّا أنتم فلستم في الجسد بل في الروح إن كان روح الله ساكناً فيكم.» (رو 9:8)

على أن الروح الساكن فينا هو روح المسيح! لذلك فالشركة مع المسيح وامتلاك الروح هما مترادفان بالأساس:

+ «وأمَّا مَنْ التصق بالرب فهو روح واحد.» (1كو 17:6)

وأكبر دليل على أن ق. بولس ليس ليتورجياً قوله بصراحة: » لأن المسيح لم يرسلني لأُعمِّد بل لأُبشِّر «(1كو 17:1)، «أشكر الله أني لم أُعمِّد أحداً منكم إلاَّ كريسبس وغايس» (1كو 14:1). هذا هو الاتجاه السائد في تعليمه حتى ولو تكلَّم عن المعمودية فهي فعل خاص! مستيكي ولكنه يدخل في الطقس وأدائه ليستعلنه لاهوتياً.

فعند ق. بولس، الفكر القاطع لا يأتي على الطقس أو الليتورجيا ولا أصول الرمز وأسراره، ولكن الذي يستهويه للغاية هي الأفكار العميقة وعلاقة المسيح بعقيدة الخلاص. لذلك نجده يقف بقوة وثبات في تقليد الكنيسة الأُولى.

 

14  الموت مع المسيح والقيامة مع المسيح من داخل ما عمله المسيح:

حقيقة “الموت مع المسيح” و“القيامة مع المسيحتحقِّق الإدراك الأساسي أن المعمَّد يحصل شخصياً وعملياً على الخلاص الذي اكتسبه له المسيح. والخلاص يحصل عليه بالشركة مع المسيح، وفي قلب هذه الشركة مع المسيح تقع المعمودية بإيمانها. هذا المستوى ندركه من رسالة رومية الأصحاح (6) لأنها تعطي المفتاح لمعرفة إعلانات ق. بولس عن المعمودية، حيث حركة الفكر عنده تأتي إلى (11:6): «كذلك أنتم أيضاً احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا». بمعنى أننا أحياء لله في المسيح يسوع([8]). والكلام بعده يقود إلى كيفية أن يكون لنا شركة مع المسيح وهو موضوع إلهامه، إذ تصف كيف تكون هذه الحياة في المسيح يسوع هي الهدف. فالمعمودية هي الانفتاح الحقيقي للشركة مع المسيح، وفي الحال يصف ق. بولس أثر المعمودية التي هي موضوع اهتمامه وبالذات الحياة الجديدة في المسيح. وق. بولس لا يحسب المعمودية عملاً خارجياً للدخول في شركة المسيح، ولكن ينظر إليها من الداخل باعتبارها تحوي الذي حصل للمسيح ذاته. فهي ليست فقط النتيجة التي تخص المسيح: “الوجود مع المسيح”، بل إنها – أي المعمودية – هي ممارسة تحمل معنى ما حدث “في المسيح”.

والقديس بولس غير مهتم أن يكشف ما في المعمودية من أعمال طقسية التي فيها نحصل على اتحاد بالمسيح، ولكنه بالأكثر يرغب في الامتداد بمفهوم الموت والحياة في المسيحية في هذا الموضوع. والموت مع المسيح الذي هو الصلب مع المسيح في المعمودية يطبع كل الوجود المسيحي كوجود ميت للخطية وقائم مع المسيح بآنٍ واحد. الذي يعني الحياة مع المسيح والذي سننال منتهى تتميمه في قيامة الأجساد.

والذي يحدث في المعمودية إنما يأتي بالمسيحي إلى علاقة وثيقة مع المسيح المصلوب والقائم = اتحاد. وهكذا يتشكَّل طريقه بحسب المسيح. ومن الموت والقيامة في المعمودية تنمو تلمذة وتوافق ووحدة على شبه المسيح الذي دخل إلى مجد الله بطريق الصليب. أمَّا أن نكون على شبه المسيح ومتحدين به فهو مركز التقوى عند ق. بولس كهدف نتابعه. بهذا يُفهم أن ق. بولس في أماكن كثيرة يصف حدث الخلاص في المعمودية باصطلاح “لبس المسيح (غل 27:3)، ويدعو المعمودية ذاتها أنها “ختانة المسيح (كو 11:2). فإن كان هذا أصبح واضحاً، فمن السهل أن نرى أن الموت مع
المسيح في المعمودية والقيامة مع المسيح في المعمودية
هي ببساطة طريق ضمن طرق أخرى تمثِّل بداية شركتنا مع المسيح، وهي في حقيقتها أهم هذه الطرق، وتعتبر لاهوتياً الطريق الأكثر خصوبة وقوة.

وبآن واحد هذا لا يجعلنا أن نقلِّل من أهمية هذه الحقيقة اللاهوتية في ذاتها، وهي الموت والقيامة مع المسيح في المعمودية، ولكن نمتد بها لتأخذ كامل معناها الواقعي. ولكن ما هو “الموت مع المسيح” أو “الدفن مع المسيح” الذي يحدث للمعمَّد، وكيف نشرحه ونحن نرى الرب قد تألَّم حتى الدم ليبلغ الموت على الجلجثة هناك في الزمان السابق البعيد ومرَّة واحدة وليس لها تكرار؟ أمَّا من جهة المسيح فليس هناك صعوبة، لأن الرب الذي صعد وارتفع هو هو مسيح التاريخ، وإدراكنا أنه صار هو » الرب الروح «يسهِّل الانتقال من أن المسيح الرب الروح هو ذاته ما حقَّقه منذ زمان. ولكن بالنسبة للمعمَّد يكون السؤال كيف يأتي إلى حدث تمَّ وانتهى نهائياً على الجلجثة؟ الحل هو لأنه يدخل إلى اتحاد روحي حقيقي مع الرب الروح الحي والموجود الآن الذي اعتمد باسمه. وأيضاً بالنسبة لدخوله في شركة مع المسيح فإنها تحقَّق على نفس مستوى “يموت مع المسيح”.

هذا المسار الفكري مربوط بمسار آخر يبدأ من الرب المصلوب والقائم باعتباره آدم الجديد: فنحن في المسيح المحسوب أنه منشئ الجنس البشري الجديد، أُنقذنا من سيادة الخطية والموت وأدخلنا مجال الحياة الأبدية. هذا العمل الجبَّار تمَّ بالموت والقيامة:

«الذي أُسلم من أجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا» (رو 25:4) فرداً فرداً، «أحبني وأسلم نفسه من أجلي». والإنسان الفرد بالتالي يلزم أن يموت ويقوم معه «يحمل صليبه ويتبعني»، الأمر الذي يتم في المعمودية، ثمَّ بالسلوك. والفكرة التي تصل بينهما واضحة: أن الذي حدث “للواحد” الذي هو منشئ الجنس الجديد للبشر المولود فيه يلزم أن يحدث للكل، أي الذين ارتبطوا به وأتوا فيه وقاموا فيه المؤمنين باسمه، أي التابعين له. فعليهم أن يختبروا الذي اختبره المسيح وأيضاً معه، هذا يكون أولاً في المعمودية وثانياً في الحياة الأخلاقية وأخيراً “في الاسخاتولوجيا” أي التكميل في المستقبل.

والذي يميّز القديس بولس في لاهوته ليست الليتورجيات والطقوس بقدر الحيوية والعمق الفكري وبالأخص حقيقة الخلاص كما يراها ويحياها عن ممارسة وكرسالة. فالقديس بولس في حقيقته التي استعلنت لنا، له روح خلاَّق للحقائق والمفهومات اللاهوتية. فهو صاحب التركيبات الروحية المتقنة والمبادئ اللاهوتية الرائدة وتراكيب العقيدة بالنسبة للكنيسة ولتسابيح الليتورجيا كما نسمعها في (1تي 16:3): «وبالإجماع عظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد، تبرَّر في الروح، تراءى لملائكة، كُرزَ به بين الأُمم، أومِنَ به في العالم، رُفع في المجد».

 

والفكرة اللاهوتية التي قادت ق. بولس لأن يتكلَّم عن المعمودية  في (رو 6) بدأت بالتقابل بين آدم والمسيح في (رو 5) التي منها نبعت فكرة أن المسيح ممثّل البشرية الجديدة رأس الكنيسة. هذا الفكر يلزم توضيحه حتى نفهم قول ق. بولس الشخصي: “مدفونين مع المسيح” و“نقوم مع المسيح” و“صُلبنا مع المسيح” و“نحيا مع المسيح”. لأن الذي حدث للمسيح رأس جنسنا الجديد نموذج يحدث للمسيحيين: لأن الموت مع المسيح والقيامة مع المسيح أصبحت قاعدة الحياة المسيحية، وقد وضعها ق. بولس على أساس أن المسيح هو رأس الجنس البشري الجديد كآدم الأول بالنسبة للجنس البشري القديم. وكما أخطأ آدم فأدخل الخطية والموت على جميع ذريته، هكذا وبالمثل مات المسيح عن الجميع ليرفع خطية الجميع (رو 5: 12-21) وبآن واحد، يقول: «إن كان واحد قد مات لأجل الجميع فالجميع إذاً ماتوا» (2كو 14:5). هنا شركة بالتبعية في الموت وبالتالي في القيامة والحياة وأصلاً لرفع الخطية. وهنا جاءت (رو 4:6): «فدُفنَّا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة». وإن كان هذا على مستوى المعمودية فهو سارٍ أيضاً على الجميع في الأخلاق والأخرويات. لذلك لمَّا قالها «في المعمودية» قالها في الماضي [وأيضاً في: (كو 12:2)]، ولكن وضعها في المضارع في (2كو 10:4):

+ «حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تُظهر حياة يسوع أيضاً في جسدنا».

والصيغة الرائدة هي (رو 5:6):

+ «لأنه إن كنَّا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته».

ومثلها:

+ «فإن كنَّا قد متنا مع المسيح نؤمن أننا سنحيا أيضاً معه.» (رو 8:6)

+ «فإن كنتم قد قُمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله … لأنكم قد مُتُّم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله (كو 3: 1و3)

وبعدها مباشرة تأتي صيغة الأمر:

+ «إذن لا تَملكنَّ الخطية في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواته.» (رو 12:6)

+ «فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض: الزنى النجاسة الهوى الشهوة الرديَّة الطمع الذي هو عبادة الأوثان.» (كو 5:3)

ثمَّ تأتي صيغة جزئياً في الحاضر: “نموت مع المسيح” وجزئياً في الاسخاتولوجي (المستقبل) “نقوم مع المسيح”:

 

+ «فإن كنا قد متنا مع المسيح نؤمن أننا سنحيا أيضاً معه.» (رو 8:6)

+ «فإن كنَّا أولاداً فإننا ورثة أيضاً. ورثة الله ووارثون مع المسيح. إن كنَّا نتألَّم معه لكي نتمجَّد أيضاً معه.» (رو 17:8)

+ «لأعرفه، وقوَّةَ قيامته، وشركة آلامه، متشبِّهاً بموته، لعلِّي أبلغ إلى قيامة الأموات … ولكني أسعى لعلِّي أُدركُ الذي لأجله أدركني أيضاً المسيح يسوع.» (في 3: 10-12)

+ «لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله. متى أُظهر المسيح حياتنا فحينئذ تُظهرون أنتم أيضاً معه في المجد.» (كو 3: 3و4)

+ «لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضاً معه.» (1تس 14:4)

+ «الذي مات لأجلنا حتى إذا سهرنا أو نمنا نحيا جميعاً معه.» (1تس 10:5)

+ «صادقة هي الكلمة أنه إن كنَّا قد مُتنا معه فسنحيا أيضاً معه.» (2تي 11:2)

وهكذا فإن ق. بولس قادر أن يعطي لفكره أشكالاً مختلفة وذلك فيما يخص أمراً منظوراً قد حدث وهو أمر مطلوب، ولكن تبقى القاعدة التي ينطلق منها هي كما هي، وهي الحدث الذي عمله المسيح الذي يشمل الموت والدفن والقيامة والمجد (رو 17:8) والجلوس عن يمين الآب (أف 6:2) وإلى المجد (2تي 12:2، رو 17:5). ينظر إليها كفعل تمَّ سابقاً وقد تعيَّن على كل الذين يتبعون مؤسِّس البشرية الجديدة أن يتمِّموه فيه!

على أن الموت الذي ماته المسيح ماته من أجل الخطية وقوتها مرَّة واحدة. وهذه الحقيقة تصبح في الحال ذات اتصال مباشر وفعَّال للذين ماتوا مع المسيح في المعمودية، وهنا نعود بالراجع إلى المسيح.

الشبه  الشكل (morf»):

«لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبِّهاً بموته. لعلِّي أبلغ إلى قيامة الأموات» (في 3: 10و11). هذه الآية مرتبطة بالموت والقيامة مع المسيح. فالقديس بولس يأمل أنه كلما تشبَّه أو نما في شبه حياته summorfizÒmenoj مع موت المسيح يبلغ إلى قيامة الأموات. وبعدها يقول: «الذي سيغيِّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته أن يُخضع لنفسه كل شيء.» (في 21:3)

ونفس الكلمة يستخدمها في (رو 29:8): «لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعيَّنهم ليكونوا مشابهين
صورة ابنه، ليكون هو بكراً بين إخوة كثيرين».
«مشابهين صورة ابنه» يقصد صورة المجد للرب المقام.

وفي (2كو 18:3): «ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغيَّر إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح». هنا التغيير يكون إلى شكل المسيح بعد المعمودية لتكون مطابقتنا للمسيح عملية مستيكية مستمرَّة. فنحن نتغيَّر إلى تلك الصورة عينها التي للمسيح من مجد إلى مجد.

وهذه الآيات توضِّح مدى اهتمام ق. بولس لأن يقود المسيحيين بعمق أكثر في حقيقة المسيح. والذين يعيبون في تصوُّر ق. بولس أنه يقدِّم عملية وهمية، عليهم أن يضعوا في الميزان أن النظر هنا والتأمُّل والتأجُّج هو في شخص المسيح الذي لا يرد السائل أو المتشبِّه حبًّا به وفيه دون أن يعكس عليه نور حبّه وبهاء مجده. ألم يحدث هذا لموسى؟ وماذا كان لمعان وجه موسى؟ أليس هو انعكاس صورة خالقه عليه؟ التي تكشف لنا سر ما في قلب وفكر وباطن موسى من نحو الله؟

من الموت إلى القيامة:

والتتابع من الموت إلى الحياة:

 

(رو 6: 5و8):

«لأنه إن كنَّا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته»، «فإن كنا قد متنا مع المسيح نؤمن أننا سنحيا أيضاً معه».

 

(2تي 11:2):

«صادقة هي الكلمة أنه إن كنَّا قد متنا معه فسنحيا أيضاً معه».

 

(رو 4:6):

«فدُفنَّا معه بالمعمودية للموت حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جِدَّة الحياة».

 

(2كو 10:4و11):

«حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تُظهر حياة يسوع أيضاً في جسدنا»، «لأننا نحن الأحياء نُسلَّم دائماً للموت من أجل يسوع لكي تُظهر حياة يسوع أيضاً في جسدنا المائت».

 

(غل 19:2):

«لأني مت بالناموس للناموس لأحيا لله».

 

 

 

(2كو 4:13):

«لأنه وإن كان قد صُلب مِن ضعف لكنه حيّ بقوة الله».

ولكن الفكر يحمل تعابير متعدِّدة:

 

(كو 12:2):

«مدفونين معه في المعمودية التي فيها أُقمتم أيضاً معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات».

 

(كو 20:2):

«إذاً إن كنتم قد مُتُّم مع المسيح عن أركان العالم فلماذا كأنكم عائشون في العالم …».

 

(كو 4:3):

«متى أُظهر المسيح حياتنا فحينئذ تُظهرون أنتم أيضاً معه في المجد».

 

(أف 2: 1و5-7):

«وأنتم إذ كنتم أمواتاً بالذنوب والخطايا … ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح … وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع ليُظهر في الدهور الآتية غنى نعمته …».

أو يعطي فكراً عميقاً مستيكياً:

 

(غل 2: 19و20):

«لأني مُتُّ بالناموس للناموس لأحيا لله. مع المسيح صُلِبتُ، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ. فما أحياهُ الآن في الجسد، فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبني وأَسلَمَ نفسه لأجلي».

 

(1كو 31:15و32):

«أموت كل يوم … إن كان الأموات لا يقومون فلنأكل ونشرب لأننا غداً نموت».

ويرى العالِم برات الألماني أن لاهوت بولس الرسول كله يتمركز حول الحقيقة التالية:

[المسيح الفادي يوحِّد كل مؤمن بموته وبحياته]([9]).

 

15 – الموت مع المسيح والقيامة مع المسيح كاتحاد في “الرب الروح”:

هي قدرة القديس بولس أن يرى معاً المسيح كشخص تاريخي وروح حاضرة، كمسيَّا الذي مات وقام وهو الرب الروح الحيّ إلى الأبد. هذا على قاعدة أنه يعرف أن الرب مرَّ وعبر إلى حالة الوجود الروحي بعد قيامته كحقيقة يؤكِّدها تجسُّده وقيامته. ولأن الرب هو الروح: «وأمَّا الرب فهو الروح» (2كو 17:3) فهو قادر دون أن يفقد طبيعته الثابتة والتاريخية كشخص وإله أن يدخل في شركة وثيقة مع أحد المؤمنين به، وينمو معه إلى اتحاد يفوق التصوُّر وثيق للغاية دون أن يناقض شيئاً من طبيعته الخاصة ودون أن يفقد المؤمن طبيعته الشخصية. وإلى هذا الحد يلزم للمؤمن أن يحصل على نصيبه في الوجود الروحي أولاً حتى يتسنَّى للرب وله أن يتّحدا.

لذلك فحقيقة الروح “كموضع لتقابل المسيح معنا” وللحصول على “خلاصنا الشخصي” هو من أهم الأساسيات في المعمودية.

لذلك يلزم أن يمتلئ الشخص بالروح في المعمودية، لأن حدوث الخلاص في المعمودية يكون باتحاد المعمَّد بالمسيح، ويكون هذا الاتحاد موصوفاً بأنه ثابت ودائم بشركة داخلية:

+ «مع المسيح صُلِبتُ (مُتُّ)، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ. فما أحياهُ الآن في الجسد، فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبني وأَسلَمَ نفسه لأجلي.»  (غل 20:2)

فالمعمَّد لمَّا مات حقًّا عاش المسيح فيه لمَّا سكب فيه حياته.

ومعروف لنا أن ق. بولس يربط بين إعطاء الروح مع فعل الخلاص في المعمودية كما في رومية (6) وأن المعمودية تهب الروح القدس: «لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسدٍ واحد … وجميعنا سقينا روحاً واحداً» (1كو 13:12). «إن عطش أحد فليأتِ ويشرب» هنا سقي الروح هو سقي المسيح، فالمسيح هو ماء الحياة وروح الحياة.

ولكن السؤال: لماذا لا نجد الروح متداخلاً في قوله «دُفنَّا معه»؟

أولاً حينما نعتبر (1كو 13:12) يلزم أن نلاحظ أن ذكر الروح في هذا النص له معنى خاص لا نجده في رومية (6)، وأيضاً وجود الروح في عملية المعمودية يمكن أن نلحظها بطريقة أخرى وبالذات في ذكر الحياة، وكلمة “يحيا” المتكرِّرة في رومية (6). فكل ثقل ما جاء في رومية (6) واقع على مسيرة الحياة أخلاقياً، وهذا له صلة بالاتجاه العملي في رومية (6) وبالأخص (5:6) «لأنه إن كنّا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته».

 

التحوُّل هنا من الموت إلى الحياة، حياة القيامة، “الروح” هنا عامل أساسي. وكلمة «الحياة» المتكرِّرة في رومية (6) ليست حياة أرضية بل حياة بالروح التي سوف تصل بعد ذلك إلى … في المجد:

+ «لأنكم قد مُتُّم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله. متى أُظهر المسيح حياتنا حينئذ تُظهرون أنتم أيضاً معه في المجد.» (كو 3: 3و4)

مجيء الحياة هنا بعد الموت يعني تدخُّل الروح لحياة قيامة أبدية.

هذا معناه أن حصولنا على الروح للحياة هو أمر مخفي غير ظاهر لحياة المسيح بعد القيامة، لا يراه إلاَّ أخصَّاؤه، فهي حياة مستترة وموجودة في الله. هكذا نصير معه بالقيامة في المعمودية.

وفي: (رو 8: 12-14): «فإذاً أيـُّها الإخوة نحن مديونون ليس للجسد لنعيش حسب الجسد. لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون. لأن كل الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله».

دخول الروح هنا كقائد للحياة يعني سيادته، يعني أننا أحياء بالروح، يعني أننا أولاد الله.

هنا الصلة بين الحياة والروح حقيقة ثابتة. فالمسيحيون حقـًّا يحيون دائماً لله وفي المسيح بالروح وبكل الحس، ذلك إن كانوا حقـًّا بالروح يميتون أعمال الجسد أول بأول (13). لأنه إن كنا نعيش حسب الجسد فهذه ليست حياة، لأن الحياة حسب الجسد تعبر إلى الفناء وتنتهي بالموت. ولكن الروح الذي يعيش في المؤمن المسيحي (11) يقوده سرًّا وعملياً (14) ويحثّه أن يسير بالروح، ليحيى بالروح وإلى الأبد.

(غل 5: 16-18): «وإنما أقول: اسلكوا بالروح فلا تكمِّلوا شهوةَ الجسدِ. لأن الجسد يشتهي ضدَّ الروح والروح ضد الجسد، وهذان يقاومُ أحدهُما الآخرَ، حتى تفعلونَ ما لا تُريدونَ. ولكن إذا انقدتُم بالروحِ فلستم تحتَ الناموس».

وهذا توضيح ما بعده توضيح لعمل الروح في الإنسان المسيحي المعمَّد.

وعند القديس بولس أيضاً: «السلوك بالروح في جدَّة الحياة» (رو 4:6) و«السلوك حسب الروح» (غل 16:6) هي مترادفات. والاتجاه الأخلاقي مبني على حصول المسيحي على حياة حسب الروح. ولكن في (رو 6) يتكلَّم ق. بولس عن الحياة بدل الروح لأن ذلك مطلوب بشدَّة
لأنه مناسب للقيامة، في حين في (غل 5) هو مشغول بمقاومة السير بحسب الجسد فأعطى المقابل “الحياة حسب الروح”.

ولأن في رومية (6) تظهر الحياة كشرط أو عنصر للخلاص، فالحياة يأتي ذكرها بالضرورة للتعبير عن قوة الروح وذكر الحياة في (11:6): «كذلك أنتم أيضاً احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا»، فإن أراد أن يضع كلمة الروح هنا تكون كما جاءت في (رو 9:8): «وأمَّا أنتم فلستم في الجسد بل في الروح إن كان روح الله ساكناً فيكم».

والآن نتدارس السؤال بخصوص العمل الذي يعمله الروح في عملية الموت مع المسيح والحياة مع المسيح:

فلأن الروح والحياة يمتَّان إلى بعضهما بوفاق، يلزم أن نستخلص من ذلك أن الشخص المعمَّد يحصل أولاً على الروح عندما يقبل الحياة من المسيح، بأن يقبل القيامة مع المسيح. ومن ناحية أخرى فإن عملية الموت مع المسيح على مستوى تدخُّل الروح، وهو روح الرب الذي يستقبل الإنسان المعمَّد بعد أن يجوز به الموت، لأنه لولا وجود الروح والإنسان يعبر الموت ما قام منه.

كذلك: في (كو 12:2):

«مدفونين معه suntafšntej aÙtù في المعمودية التي (فيه) أُقمتم أيضاً معه sunhgšrqhte «

لأن الروح الذي أقام المسيح أقامنا فيه ومعه.

(أف 6:2):

«وأقامنا معه sun»geiren وأجلسنا معه  sunek£qisenفي السماويات في المسيح يسوع».

لاحظ هنا فيه أولاً ومعه ثانياً.

هنا sÝn Cristù تصف عمل المعمودية السرائري للخلاص.

أهمية “في المسيح”:

‘en Cristù تفيد الشركة الدائمة مع المسيح. «أنتم فيَّ وأنا فيكم».

ولكن في (كو 12:2) مكتوب: «مدفونين معه في المعمودية التي فيها أُقمتم أيضاً معه …» الترجمة هنا خطأ وصحتها: فيه ™n ú أي: «في المسيح»

 

وعبارة «فيه أُقمتم أيضاً معه « تلعب دوراً قائداً في كل الأصحاح، فكلمة: “فيه” تعني: كل ملء اللاهوت الذي يسكن فيه: «فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً وأنتم مملوؤون فيه …» (كو 2: 9و10)، «فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس.» (يو 4:1)

فالمسيحيون حصلوا على كل الملء من ملئه الذي فيه (10)، وفيه قبلوا الختان (11)، وفيه قاموا من الأموات (12). والمسيح هو محيط أو دائرة أو مستوى فيه أمكن حدوث كل هذا حتى «دُفنتم معه» (12) وأُقمنا أيضاً معه.

ويبدو أنه ينبغي أن نكون أولاً “فيه” لنكون بعد ذلك “معه”.

+ «فكما قبلتم المسيح يسوع الرب اسلكوا “فيه”، متأصِّلين ومبنيين “فيه”، وموطَّدين في الإيمان كما عُلِّمتم متفاضلين فيه بالشكر.» (كو 2: 6و7)

كما قالها المسيح نفسه:

+ «اثبتوا فيَّ وأنا فيكم.» (يو 4:15)

+ «الذي لنا فيه الفداء بدمه.» (كو 14:1)

«الروح»:

كل عملية الموت مع المسيح والقيامة مع المسيح إنما تتم في دائرة الروح. فالمسيح دُفن وقام مع المعمَّدين ويعيش حقـًّا في المجد الأسنى “كالرب الروح”:

+ «لأن الموت الذي ماته قد ماته للخطية مرَّة واحدة والحياة التي يحياها فيحياها لله.» (رو 10:6)

كذلك فإن المسيح الروح يقبل المعمَّدين في ذاته ويعطي من روحه لهم. لذلك فعملية الموت مع المسيح، لأنها تأخذ حالة القيامة مع المسيح من قِبَل الله، يدخل المعمَّد إلى علاقة مع » الرب الروح « فإن العملية كلها توصف بأنها عملية روحية pneumatic » مولوداً من الروح « ولكن في المعنى الضيق فإن نتيجة هذه العملية التي تتم في المعمودية هي حصول المعمَّد على الروح أو أن الروح هو نفسه يملك المعمَّد » هلمَّ تفضل وحل فينا « على أنه لا يُفهم من ذلك أن الروح يُعطى أولاً ثمَّ يحدث الموت مع المسيح – لأن العملية هي عطية الخلاص فهي موازية لعطية الروح. ولكن في كل منهما يُنظر إلى المعمودية من وجهة نظر معيَّنة مع أنها واحدة، لأن الموت مع المسيح ممكن فقط على أساس أن المسيح نفسه «روح محيي» (1كو 45:15): «هكذا مكتوب أيضاً صار آدم
الإنسان الأول نفساً حيَّة وآدم الأخير روحاً محيياً».
وهكذا يوحِّد المعمَّد بنفسه إذ يعطيه حياته.

والموت مع المسيح وعطاء الروح يلزم أن يُدرك كفعل واحد. وق. بولس يعتبر أن عمليه الموت والقيامة عملية واحدة ككل غير قابل للانقسام، لأن الحياة حسب الجسد ليست حياة كما يراها ق. بولس. فالحياة هي حياة من ملء الحياة الأبدية.

وأيضاً نجد أن الاتحاد بجسد المسيح إنما يتم بواسطة الروح: «لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد … وجميعنا سقينا روحاً واحدا» (1كو 13:12). ولكن من جهة أخرى يعتبر الروح أنه عطية:

+ «بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلِّصنا.» (تي 3: 5و6)

+ «والرجاء لا يخزى لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطَى لنا.» (رو 5:5)

أو كعربون:

+ «بروح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده.» (أف 13:1و14)

+ «الذي ختمنا أيضاً وأعطى عربون الروح في قلوبنا.» (2 كو 22:1)

+ «ولكن الذي صنعنا لهذا عينه هو الله الذي أعطانا أيضاً عربون الروح.» (2كو 5:5)

ولكي ندرك العلاقة بين الموت مع المسيح وعطية الروح يلزم أولاً أن ندرك العلاقة بين القيامة وامتلاك الروح. فإن الرب المرتفع نفسه هو الرب الروح، أي كيان روحي، ذلك بعد القيامة:

+ «وتعيَّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات.» (رو 4:1)

+ «وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد، تبرَّر في الروح، تراءى لملائكة، كُرز به بين الأُمم، أومن به في العالم، رُفع في المجد.» (1تي 16:3)

وهو في هذا الحال (رُفع في مجد) يعطي الروح إلى الآخرين مع القيامة. وإنه من الأهمية أن ندرك أن كل الذين يؤمنون بالمسيح يبلغون أيضاً القيامة ذلك بأن نضعهم في حيازة الروح! روح القيامة.

هذه هي الحياة في المسيح «أمَّا أنتم فلستم في الجسد بل في الروح إن كان روح الله ساكناً فيكم» (رو 9:8)، ولكن ليس في حال المجد بعد الذي يملكه الرب – لأن المسيحيين في الحاضر لا يزالون في الوجود الأرضي: «فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه “في الإيمان”. إيمان (قيامة) ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي» (غل 20:2)، ولكن من خلال الروح الساكن فينا سنبلغ
إلى قيامة الأجساد في النهاية (رو 11:8) ونُعطى أن نشارك المسيح الممجَّد.

+ «لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعيَّنهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه. ليكون هو بكراً بين إخوة كثيرين.» (رو 29:8)

+ «وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضاً صورة السماوي.» (1كو 49:15)

+ «الذي سيغيِّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته أن يُخضع لنفسه كل شيء.» (في 21:3)

16 – الموت مع المسيح في المعمودية هو عمل الله للإنسان:

إنه في غاية الأهمية أن ندرك أن في الموت مع المسيح والقيامة مع المسيح، العمليات التي تجرى في المعمودية، يكون الله هو العامل فيها جميعاً:

( أ ) الموت مع المسيح في صيغة المبني للمجهول. حيث الفاعل هو الله:

(رو 4:6):

«دُفنا معه»

sunet£fhmen

(رو 5:6):

«متحدين معه بشبه موته»

sÚmfutoi gegÒnamen

(كو 12:2 أ):

«مدفونين معه»

suntafšntej

(كو 12:2 ب):

«أُقمتم معه»

sunhgšrqhte

(كو 1:3):

«قُمتم مع المسيح»

sunhgšrqhte

وأيضاً بدون معمودية:

 (غل 20:2):

«صُلبت مع»

          sunestaÚrwmai.

(غل 14:6):

«صُلِب»

™staÚrwtai.

(في 10:3):

«متشبِّهاً بموته»

summorfizÒmenoj.

(ب) الله فاعل بصورة ظاهرية رسمية (بفعل مبني للمعلوم):

(أف 5:2):

«أحيانا مع المسيح»

sunezwopo…hsen

(أف 6:2):

«وأقامنا معه»

sun»geiren

 

«وأجلسنا معه»

sunek£qisen

(كو 13:2):

«أحياكم معه»

sunezwopo…hsen

اصطلاحات محايدة العامل فيها جميعاً هو الله:

 

 

(رو 8:6):

«متنا مع المسيح»

¢peq£nomen sÝn Cristù

(رو 11:6):

«أمواتاً عن الخطية»

NekroÝj m\en tÍ ¡mart…v

(كو 20:2):

«متُّم مع المسيح»

¢peq£nete sÝn Cristù

(كو 3:3):

«متُّم»

¢peq£nete

نستخلص من هذا أن الموت في المعمودية وبقية الأفعال الأخرى: دُفن، صُلب «مع المسيح» تأتي كلها كعمل الله يقبلها الإنسان عليه أي تُعمل لنفسه، بمعنى أن الله هو الذي يُجري عليه فعل الموت!

ويمكن أن نأخذ خطوة إلى الخلف لنجد أن ذات الفعل أُجري مع المسيح في الموت على الصليب بمشيئة الآب. وفي رسائل القديس بولس يصف القيامة أنها فعل الآب. ففي رومية (4:6) «حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب …». فالقديس بولس يصف هنا قوة ومجد الآب التي استعلنت في قيامة المسيح. فهذا العمل القوي لله يستمر فعله علينا في عمل خلاصنا داخل المعمودية، حتى أن فعل المسيح وعمل المعمودية تشترك جميعاً داخل إطار عمل الآب. وفي (كو 12:2) يقول صراحة: «فيه أُقمتم أيضاً معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات»، وحتى قول: “في المسيحلنصير على شكل المسيح تعود أيضاً لعمل الآب نفسه.

فهذا العمل الإعجازي والنعمة التي فيه يلزم أن يُفهم أنه عمل الله ولذلك لا يُفهم إلاَّ بالإيمان، والقصد من هذا الإيمان هو قبول عمل الله من أجل خلاصنا في المسيح. وفي قيامة المسيح أظهر الله قوته منظورة بأن جعل الميت يقوم ويحيا (رو 17:4)، وجعل القيامة تملك وتسود وتنتشر من أجل حياتنا: «بل من أجلنا نحن أيضاً الذين سيُحسب لنا الذين نؤمن بمَنْ أقام يسوع ربنا من الأموات» (رو 24:4). ويوضِّح ق. بولس هذه الحقيقة بصورة كبيرة ودقيقة ومرتَّبة هكذا:

+ «ما هي عظمةُ قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين، حسب عمل شدَّةِ قوَّته الذي عمله في المسيح، إذ أقامه من الأموات، وأجلسه عن يمينه في السماويَّات، فوق كل رياسةٍ وسلطانٍ وقوَّةٍ وسيادةٍ، وكل اسمٍ يُسمَّى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل أيضاً، وأخضع كل شيءٍ تحت قدميه، وإيَّاه جعل رأساً فوق كل شيءٍ للكنيسةِ، التي هي جسده، ملءُ الذي يملأُ الكلَّ في الكلِّ.» (أف 1: 19-23)

هكذا كل ما عمله الله في المسيح يؤول إلينا:

+ «الله الذي هو غنيٌّ في الرحمةِ، مِنْ أجلِ محبته الكثيرةِ التي أحبَّنا بها، ونحن أموات بالخطايا
أحيانا مع المسيح – بالنعمة أنتم مخلَّصون –  وأقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويَّات في المسيح يسوع، ليُظهِرَ في الدهورِ الآتيةِ غنَى نعمته الفائقَ، باللطفِ علينا في المسيح يسوع. لأنكم بالنعمة مخلَّصونَ، بالإيمانِ، وذلك ليس منكم. هو عطيةُ اللهِ.»
(أف 2: 4-8)

في هذه الآية الجامعة كشف بولس الرسول بوضوح وتأكيد عن أن الله هو العامل فيَّ:

«أحيانا مع المسيح» و«أقامنا معه» و«أجلسنا معه» في السماويات في المسيح يسوع. بحسب أفعال الخلاص التي أكملها المسيح في موته وقيامته وصعوده وجلوسه في السموات، التي هي الأفعال الأُولى الأساسية التي أخذتها الكنيسة لتعطيها لأولادها في المعمودية، حيث الله هو العامل في الأول وفي الآخر.

17  نظرة عامة على المعمودية في لاهوت بولس الرسول:

تأخذ المعمودية عند بولس الرسول مكانة ثابتة ودائمة، فلم تكن عنده موضوعاً مجهداً يحتاج إلى دراسة ومراجع ليجمع ويربط فكره بحقيقة المعمودية في وصفها المستيكي. كذلك لم يعتبرها ركناً مبهماً عليه أن يُدخلها في رسالة الخلاص التي أُرسل ليخدمها بين الأُمم. ولكن باستعراضنا لكل أفكاره ودراساته وجدناها جزءاً مكمِّلاً قائماً بذاته مهيَّأ ليدخل في بنائه اللاهوتي العام. ووجدنا أن المناداة الرسولية بحقيقة المسيح وعمله العظيم المسلَّم من الكنيسة يقوم أساسه على أن المسيح يسوع قد مات ودُفن وقام بحسب الكتب (1كو 3:15 إلخ).

أمَّا أساس هذه المناداة عند بولس الرسول بمفهومه لعمق المسيحية في وجود المسيح السابق كابن الله، وكيف أنه أخلى نفسه من شكل الألوهة ووضع ذاته وأطاع أباه حتى الموت موت الصليب، ولكن بسبب هذا النزول والاتضاع والطاعة حتى الموت رفَّعه الله وكالرب الحيّ جلس على عرشه على يمين الله أبيه (في 2: 4-11). وسيأتي يوماً كالرب الممجَّد والغالب لقوَّات العدو، وأخيراً يسلّم السلطان إلى الآب (1كو 15: 24-28). وهنا يرى ق. بولس أن الخلاص مرتبط أساساً بالمسيح وأعماله، وبهذا النزول والصعود للابن الوحيد الأبدي والأزلي حدث الخلاص للإنسان من الهلاك الأبدي (رو 32:8).

ولكن كان اهتمام ق. بولس الشديد متركِّزاً على الصليب ومعناه العميق في خطة الله الكلِّي الحكمة، الهادف لتحرير الإنسان من الهلاك الأبدي الذي أحدثته الخطية والموت، ومن الناموس الذي سهَّل عملهما وأتقنه، ومن العميل الذي كان يعمل مع الخطية ولحسابهما “الجسد” الذي غرق في الخطية والموت.

 

ففي نور القيامة قام منتصراً بعد أن ذاق موت العار بعد أن كمَّل أسباب الخلاص على مستوى المسكونة والعالم كله! وهذا الخلاص يلزم أن يمارسه كل فرد في وجوده المحدود. فكما أن آدم أنشأ البشرية الجسدية، فالمسيح كرأس البشرية روحياً فدى البشرية، وكان في نظر الله واعتباره أن الذي حدث للمسيح لكل من يمثِّلهم أي كل البشرية فكان المسيح بكر لكل الآتين بعده.

والآن السؤال من قلب عقيدة الخلاص: كيف يحصل الفرد على الخلاص الذي اكتسبه المسيح له؟ أو بالتالي كيف يخطو الإنسان ليدخل حالة الشركة مع المسيح الذي عاش ومات ليمثِّله شخصياً حتى فيه يكسب الحياة الأبدية، ويشترك في مجد هذه الحياة التي وفَّرها له المسيح بدمه؟

ويجيب ق. بولس الرسول على هذا السؤال: “بالإيمان” و“بالمعمودية”. لأن الإيمان عند بولس الرسول بالنسبة ليسوع المسيح هو المصطلح الأعظم مقابل التبرير بالناموس الذي فشل. والقديس بولس أول ما فتح عينيه في المسيحية فتحها من داخل المعمودية، التي فيها وبها مات الناموس له وصار مسيحياً. أي أن المعمودية كانت مؤسَّسة رسولياً بتوجيه المسيح قبل أن يدخل هو المسيحية وينادي بها! فكان موقف ق. بولس اللاهوتي عن اقتناع إيماني واقعي مدروس بالنسبة للمعمودية أنها حقيقة ثابتة له أيضاً بشكلها ومضمونها.

من هنا بدأ العنصر اللاهوتي ينمو في فكر ق. بولس وضميره على أسس ثابتة ومتينة ليرفع المعمودية ويعرضها مع مناداته بالخلاص كقوة للخلاص، ذاقها في واقعها وقبل فيها الروح القدس، كما ذاق فيها الاتحاد بالمسيح. وكان أول ما دقَّ أذنه عن المعمودية هو قول حنانيا له: » لماذا تتوانى قُم واعتمد واغسل خطاياك «لتمتلئ من الروح القدس. فغسل الخطايا هو أول عمل للمعمودية (1كو 11:6)، ولكن كان هذا هو الرمز الجاري في الكنيسة الأُولى كما سمعه من حنانيا وعاشه هو نفسه.

بعدها عمَّق بولس الرسول من هذا الفكر لاهوتياً حيث وجَّهه للكنيسة كلها لكي تأخذ غسيلها من الرب (أف 26:5)، وفي (تي 5:3) يدعوها ق. بولس: «غسل الميلاد الثاني». وهكذا ظلَّ ق. بولس أميناً على وضع المعمودية في المفهوم اللاهوتي والواقع العملي للمسيح الروح. وقد امتدَّ ق. بولس في لاهوت المعمودية ليضعها كوسيلة للاتحاد بالمسيح. وفي تأكيد أن تكون المعمودية باسم المسيح (1كو 13:1) فهو يتمسَّك بتقليد الكنيسة السابق عليه (أع 5:19). وأعطى ق. بولس تعبيره المميَّز لقبول المعمَّد في شعب المسيح بقوله إن المعمودية «ختانة في المسيح» (كو 11:2)، ولكن لا يقصد فقط التبعية الخارجية للمسيحية ولكن بالاتحاد الشخصي مع المسيح الذي
يوجِّه كل كيانه ويؤثِّر فيه، وأكملها بقوله إن بالمعمودية “نلبس المسيح (غل 27:3).

والقديس بولس يبلغ قمة لاهوت المعمودية المسيحية حينما وضع اصطلاح “يموت مع المسيح” و“يقوم مع المسيح(رو 6: 1-11)، (كو 1:3). ففي المعمودية يدخل المؤمن بالمسيح في عمل المسيح دخولاً ذاتياً فيرافق الرب في موته حتى قيامته مبتدأ بأن “يُدفن معه”، ويجعل القيامة مع المسيح لحياة جديدة إلهية، وبالتالي مسيرة حياة لله. وعمق هذا الفكر واقع في كونه “مع المسيح” الذي كان قد صُلب من أجلنا وقام أيضاً. فهذه ليست مسألة مُماثلة أو أن يصير مثله ولكن بالأكثر والأقوى اتحاد بصليب المسيح وبقيامته حتى إلى أن كل ما عبره المسيح من أجل خلاصنا يحدث للمعمَّد وبذلك يجني ثمرة موت المسيح.

هذه الحقائق لا يشرحها ق. بولس من خلال فكر وقول مستيكي تصوُّفي، ولكنها تقوم على أساس ما أتمَّه رأس جنسنا الجديد في نفسه وهو بحال اتصال واتحاد بنا، وعمله ممثلاً لنا ونائباً عنا ليهبه بالنهاية بكل نتائجه لكل مَنْ يؤمن به، ليشاركوه في كل شيء حتى النهاية. فالمعمودية هي المكان حيث يتحد المؤمنون بالمسيح، الذين آمنوا برأس جنسنا الجديد لينالوا الجدَّة فيه، بأن يموتوا معه بعمل نعمته الفائق! وبآن واحد يكون المعمَّد قد انضم انضمام الاتحاد في الجماعة الذين هم للمسيح أي الكنيسة. والكنيسة عند ق. بولس هي جسد المسيح تشكَّلت وبُنيت بالروح القدس ليتحد بها الأعضاء الجدد في المعمودية (1كو 12: 13و27).

هذه النظرة الكنسية هي ذات النظرة اللاهوتية المحصورة في المعمودية والموقوفة عليها كجزء من خلاصها اللاهوتي، كما توضِّح أهمية المعمودية وصلتها بالإيمان. فالإيمان القلبي الداخلي، والاعتراف الخارجي، والاشتراك الشخصي مع المسيح، والاتحاد في جسد المسيح، هذه كلها تتبع بعضها بلا انفصال. والوجود الجديد الذي يحوزه المعمَّد المؤمن بالمسيح هو حياة في الكنيسة ككل مع الجماعة الجديدة الذي لا يوجد فيها أدنى تمايز في الجنس أو اللون أو المجتمع أو أي مميزات أخرى (غل 28:3، 1كو 13:12، كو 11:3).

وبناءً على ذلك يكون بولس الرسول قد اعتبر المعمودية كفعل خلاص داخل إطار فعل المسيح الخلاصي، وأنها مرتكزة في واقعية المسيح لاهوتياً. وقد أعطى المعمودية أعمق وأخص التعبيرات اللاهوتية، وهي الموت والقيامة مع المسيح. كما أن المعمودية قادت فكر ق. بولس ليطرق مسالك الأخلاق والنسك وضبط الفكر والأعضاء والجسد والحواس لحساب الحياة الحاضرة والأخرى،
وذلك اعتماداً على النعمة وعمل الله القوي، عابرين الحياة بالصبر والاحتمال والرجاء والشكر والصلاة والتسبيح، وكأن الإنسان لم يخرج من معموديته بل باقٍ فيها وينمو ممسكاً بها ناظراً إلى فوق وممتداً بالرجاء. يعيش موته مع المسيح ويحيا رجاءه في قيامته – عالماً أن روح المسيح الذي اعتمد له وسكن فيه يقوده. فالمنقادون بروح الله هؤلاء هم أبناء الله لأنه لا يمكن للمعمَّد أن ينسى أنه قَبِلَ الخلاص من المسيح ليعيش له.

 

([1]) استعنت في هذا الجزء بالكتاب التالي:

  1. Schnackenburg, Baptism in the Thought of St. Paul, 1964.

([2]) Justin, Apology I, 61, ANF., vol. I, p. 183.

([3]) In Rom. Hom. X-Mont.

([4]) Theol. d. s. Part. II. p. 265 f.

([5]) والاتحاد بالمسيح بدأ لما صمَّم الآب أن يلبس ابنه (يحمل) خطايانا على الصليب، لكي نلبس نحن بالقيامة بر المسيح [هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له] ففتح الطريق إلى التقابل والاتحاد، فالاتحاد قائم في الصليب والقيامة!!

([6]) O. Cosel, Glaube, Gnosis, Mysterium, p. 116, Cited by R. Schnackenburg, op. cit., p. 49.

([7]) كلمة “المسيح” موقعها يظهر أكثر في آية (8) إذ يقول: «انظروا أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب أركان العالم وليس حسب “المسيح”».

([8]) «في المسيح يسوع ربنا» بحسب الأصل اليوناني ™n Cristù’Ihsoà.

([9]) F. Prat, La Thèologie de S. Paul, II, p. 23, cited by R. Schnackenburg, op. cit., p. 159.

فاصل

عظات الآباء الأساقفة العظام على المعمودية كتب الأب متى المسكين الهندسة الأثرية للمعموديات في الكنيسة الأُولى
كتاب المعمودية الأصول الأولى للمسيحية
المكتبة المسيحية

زر الذهاب إلى الأعلى