كيف نحفز المخدومين على الانتباة والتفكير
يتعرض الشخص لكم هائل من المعلومات كل يوم، فيسمع أخبار وأحاديث، ويشاهد أحداث كثيرة في البيت، وفي أثناء سيره في الشارع، وفي عمله، ويتعرض لمواقف ومفاجأت، فكيف نتعامل مع كل هذه المعلومات والمثيرات؟
١- نسمع ولا ننتبه وننتبه فنسمع
ليس كل ما نراه أو نسمعه في كل لحظة نعيره انتباهنا، ويثير تفكيرنا، فأننا لا نحتفظ في ذاكرتنا بكل هذا الكم الهائل من المعلومات، ولا نشغل أذهاننا بها؟! ولكن ماذا يحدث؟
إننا لا ننتبه إلا للمعلومات التي نود أن نعرفها، ولنا احتياج لها، وعندنا رغبة وشغف في معرفتها!! فموقفنا الداخلي يحدد ما الذي ننتبه إليه فقط. فالطفل يلفت نظره الألعاب، والشباب ينجذبوا لأصدقائهم، والبالغون يهتمون بكل ما يخص أعمالهم، والمرأة يلفت نظرها كل ما يفيد أسرتها. يتوقف التدقيق في المعلومة ومعرفة التفاصيل، على درجة أهمية هذه المعلومة لحياتي العملية، فما يساعدني على تحسين أدائي لعملي، أهتم بتفاصيله الدقيقة، وما يساعدني على حل مشاكلى، أهتم بمعرفته أكثر. فبعض المعلومات تلفت انتباهنا قليلاً، والقليل جداً من المعلومات نتوقف عندها، وتثير فينا تفكير عميقة، والقليل منها بعد تفكير عمیق تحدث تأثيرا في مسار حياتنا، فتحسن من قدراتنا، وتزيد خبراتنا، وتحسن من تعاملاتنا. من هنا نلاحظ أن الأمر لا يتوقف على المعلومة، ولكن كيف تستقبل المعلومة؟
والذي يحدد درجة أهميتهاهو المتلقي، وليس صاحب المعلومة ولا عارضها. الذي يحدد أهمية درسك هو التلميذ، فهو المتلقي، وحسب اهتماماته وظروفه وواقع حياته ومشكلاته، قد ينتبه لهذا الدرس، وقد يثير تفكيره بعمق، وقد لا يثير تفكيره، وقد يحدث تأثيرة عقلية أو وجدانية يؤثر على سلوكه، ويغير من حياته.
٢- عصرنا عصر صراع معلوماتی
في عصر العولمة والثورة المعلوماتية أصبحت المعلومات متوفرة في أي وقت ولا توجد رقابة تحد من درجة معرفتك، فكل شيء أصبح مباح، بالقدر الذي ترغب فيه والوقت الذي تحدده أنت. لقد أفرز ذلك بعض المشكلات، ونتج عنه ظواهر من ذوبان الثقافات وتداخلاتها، خوفة حادة من فقدان الهوية القومية، والخصوصية التي تميز القوميات المختلفة، فكان رد الفعل الحاد في الدفاع عن الهوية، والبحث عن طرق قوية الجذب الانتباه، فاستخدم أسلوب الإلحاح الإعلامي لتأكيد الهوية، واستخدمت الأساليب الوجدانية لأثاره الروح القومية، بإثارة الخوف من الغريب، والثقافة الوافدة، وإثارة الروح العدائية تجاه كل ما هو غريب وأجنبي، واستنفار حالة التعبئة والترقب، للدفاع عن النفس من هجوم وهمي قادم، وبسبب ذلك تنتشر في هذه المجتمعات الأفكار الغيبية.
كذلك بسبب السوق المفتوحة، والإتجاهات الإقتصادية الحديثة، بخلق احتياجات وأسواق التصريف السلع، وليس توفير السلع التي يحتاجها السوق. فكان الاهتمام بخلق أنماط استهلاكية جديدة، ومتجددة في السوق، لتستمر الحركة التجارية الرأسمالية. فلجذب الناس وخلق اهتمامات جديدة، تغيرت أساليب الإعلان والأعلام، لتكوين هذه الأنماط الاستهلاكية الجديدة. ولكن وسط توفر المعلومات الحقيقية عن قيمة هذه الأشياء الاستهلاكية، كان لابد للإعلان والإعلام أن يستخدم وسائل شديدة الجذب وأكثر تأثيرا، ولا ترك فرصة للتفكير والمناقشة والمقارنة، فنجد الإعلام والإعلان يستخدم وسائل المالتيميديا التي تؤثر على أكثر من حاسة في نفس الوقت، وبالتالي يكون تأثيرها الوجداني أشد، ويمكن تلاحظ ذلك بسهولة من شدة تأثير الإعلانات على الأطفال، وسهولة إغرائهم. ويحاول الإعلان الصريح والمقنع، الإيحاء بأن تملك الأشياء يصنع الحياة الأفضل، ويربط دائمة بين الرفاهية المادية والسعادة.
3- ماذا نفعل الآن وسط هذه الأجواء ؟
مسكين إنسان اليوم الذي يعيش بين صراخ المتشددين، وتحت ضغط المعلنين، الذين لا يعطونه الفرصة ليفكر ويقرر ويختار لنفسه. وماذا نفعل نحن في تعليمنا، وكيف نقدم معلوماتنا الروحية وسط هذه الأجواء؟ نحتاج أن نراجع أنفسنا في أساليبنا، في تقديم معلوماتنا الروحية، فالأساليب التقليدية أصبحت ضعيفة، ولا تقدر أن تصمد أمام الصراع المعلوماتی الذي يعيشه الناس اليوم. يشتكى المخدومين كثيرا من الملل من دروسنا ويشتكى الخدام من قلة إقبال التلاميذ على دروسهم، أو كثرة مشاغبتهم، وقلة الانتباه لمحاضراتهم. الحقيقة أن المشكلة تكمن في أساليب العرض، وليس في المغالطة المطروحة “هل روحانیاتنا تناسب العصر؟!!” نحتاج أن نغير اللغة والوسيلة، التي تقدم بها روحانیاتنا، لأن العصر تغير تماما.
إننا نعيش العصر الذي فيه انفتح المخدوم على وسائل إعلام كثيرة ومتنوعة، ودعاية جذابة في التليفزيون والراديو والكمبيوتر والإنترنت والجرائد والمجلات والملصقات في الشوارع والميادين، وأساليب الدعاية المغرية، ووسائل الوسائط المتعددة (Multi –Media). وقد أصبح يتدفق علينا كم هائل من المعلومات في مجالات شتى، دعائية وأخبارية وثقافية.
فلم تعد الوسائل والطرق التقليدية تصلح في التعليم الكنسي، والتي نسعى من خلالها أن يحفظ الشاب بعض الآيات أو بعض الحقائق الإيمانية، وأن ينصت التلميذ للخادم وهو يتكلم ويشرح الدرس أو أن يجاوب على ورقة أسئلة.
لقد أصبح الشاب اليوم يتعامل مع كل وسائل الأعلام وينجذب لها، لذلك لابد للخادم أن يبحث عن وسيلة جذب فعالة في التعليم لتجذب الشاب للتعليم الكنسي وتجعله يتفاعل قلبية وداخلية مع التعليم الروحي.
يحتاج الخادم اليوم أن يبذل الجهد لإيجاد وسيلة عرض تناسب المنهج والدرس، وبها
يقدم بوضوح كل الحقائق الإيمانية والروحية للدرس، وفي نفس الوقت تكون جاذية لانتباه التلاميذ، وتحفزهم على التفاعل والمشاركة في الدرس.
حينما يعد الخادم الدرس فإنه بعد أن يحدد هدف الدرس، يبحث عن المراجع، ويقرأ ويبحث، ثم يجمع بعض الأفكار والمعلومات، ويضع تأملاته وخلاصة فهمه، ويشرح بأسلوبه ومن خبرته درسه. ظروفك وسنك وقدراتك الذهنية وخبراتك، هي مختلفة تماما عن ظروف تلاميذك. كما أن الفروق الفردية بينهم وبين بعضهم البعض، لا تجعل خبرتك وأرائك الشخصية صالحة لهم في كل الأوقات. الدرس بوضعه الحالي يشبه توزيع المعلبات لإطعام الناس، دون مراعاة لأذواق الناس، واحتياجاتهم الفعلية. هناك فرق شاسع بين هذه الطريقة وبين عمل (بوفية مفتوح) مائدة كبيرة عليها أصناف متعددة، وكل واحد يختار ما يرغبه، وما يناسبه، وبالقدر الذي يكفيه ويشبعه.
في الدرس التفاعلى، ما رأيك أن تحضر المصادر التي تعد منها الدرس لتعرضها على تلاميذك، وتجعلهم هم الذين يفسروا ويستنتجوا ويطبقوا منها، ويستخلصوا حلو” وأراء تناسب هدف الدرس.
سوف يكون دورك في هذه المرحلة من الدرس، أن تختار بعناية المصادر، وتجهز أساليب عرضك بأسلوب جاذب، ومثير لتفكير تلاميذك، ومثير لخيالهم، ويحفزهم على المشاركة بأرائهم وتعليقاتهم.
كيف نختار المعلومات ونتناولها
إختيار المعلومة بعناية وحكمة، سوف يتوقف عليه نجاح التفاعل، وإحداث التأثير المطلوب من الدرس لتحقيق هدفه.
من الملاحظ أننا نعرض تفسيراتنا وفهمنا الخاص لموضوع الدرس، ونعرض آراعنا، ويدور الدرس حول هذا الرأي، ومناقشة هذا الرأي، وتحليله، أو نعرض رأية أعجبنا في كتاب أو لأحد المعلمين. تعليم الآراء، في عصر تعدد الآراء، يضعف من قوة التعليم، في بناء عقائد المخدومين، ويجعل الدين والروحيات آراء، يمكن أن تستبدل برأى أخر أكثر وجاهة وأكثر إقناعة، ويسهل التشكيك فيها. ولكن ما رأيك في أن نقدم الحقائق قبل الآراء؟ فمثلا كل دروسنا عن صلب المسيح وقيامته، تدور حول بركات الصليب والقيامة، ولماذا صلب المسيح، وكيف نحيا الصليب والقيامة.
وكأن الصليب والقيامة نظرية روحية، وننسى أن نقدم الصلب والقيامة أولا كحقيقية تاريخية، حيث حقيقي لا يقبل الشك فيه. ولكن تفسير هذا الحدث، والآثار الناتجة عنه، فهي كثيرة ومتعددة، إلى مدى بعيد، بسبب ضخامة الحدث الفريد والعجيب في حياة البشرية. ففي البناء العقيدى للمخدوم، لابد أن نقدم الحدث كواقعة تاريخية حقيقية، ونجعله يفرق تماما بين الحدث والحقائق، وبين التفسيرات والآراء.
لابد أن نعرف أنواع المعلومات ونفرق بينها، ونعرف قيمتها في التعليم وكيف نستخدمها وما هي المصادر التي نعد منها المعلومات، التي تقدم للمخدومين في دروسنا.
المعلومات ثلاثة أنواع: حقائق – آراء – تبريرات أو تفسيرات. الحقائق مثل الأحداث والأقوال والتواريخ والإحصائيات. الحقائق لا تناقش بل تقبل كما هي، ولكن تفسير الحقائق وتعليل حدوثها، وتوقع نتائجها، كلها أمور قابله للنقاش. التعليق على الأحداث يناقش، ولكن الأحداث نفسها ليست مجالا للمناقشة أو الإنكار أو التشكيك.
قدم الحقائق كما هي وهذه أمانة الكلمة. احترس من تزييف الحقائق أو إغفالها أو تحريفها. فمثلا، ليس لأني لا أتصور أن الأنبياء يخطئون نتغافل ذکر ضعف الآباء، وأنبياء العهد القديم، التي ذكرها الكتاب المقدس، أو نحاول أن نبرر لهم أخطائهم. الحقيقة أن إبراهيم – مثلا – أخطأ لأنه تحت الضعف، ولكن الله استخدمه ليحقق خطة خلاصه. وهكذا داود وسليمان وأرميا وأيوب أبطال الإيمان، ورجال الله وأنبياؤه، ولكنهم بشر تحت الضعف، فالجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله.
تفسيرات ضعيفة وساذجة، وتوجد تفسيرات قوية ومنطقية. التفاسير تكمل بعضها البعض، لأنها تبحث جوانب مختلفة للحقيقية الواحدة. فالتفسير الرمزي والتاريخي والسلوكي تفسيرات تكمل بعضها، ولا تتناقض مع بعضها البعض. في التعليم نقدم الحقائق، ونقدم التفسيرات، ونحتاج أن نستعين بتفسيرات للمفسرين، مشهود لهم، ومن ثقافتنا الأرثوذكسية، حتى نقدم أفضل التفسيرات للمخدومين، تساعدهم على الفهم، وتكوين إتجاهاتهم الروحية المعتدلة والسليمة.
أما موقف الأشخاص من هذه الأحداث والحقائق، ومدى إدراكهم لتأثيرها على حياتهم فتشكل آراءهم التي تنبع من واقع خبراتهم المعاشة. لذا الآراء يمكن أن تتباين وتختلف جذرية، ومن النقيض إلى النقيض، لذا لا عجب أن يكون رأي بعض الناس في المسيح أنه إبن الله، والبعض يقول عنه أنه بعلزبول. فأراء المحبين غير آراء الحاقدين، والمستعدين غيرالرافضين. فالآراء عادة يحكمها الهوى الشخصي، والمصالح والحسابات. ولكن بالرغم من ذلك فهناك أمر هام ينبغي ألا يفوتنا، وهي أن تعدد الآراء لا يغير من الحقيقية في شيء، الشمس مهما كان رأي الناس في الشمس، فلا ينبغي أن ننزعج من أراء المشككين، ولا نخاف من آراء المخالفين. كذلك لا ينبغي أن نعلم بآرائنا، ولا نروج لبعض الآراء، ولكن نحاول أن نساعد المخدومين على تكوين آرائهم الروحية، التي تساعدهم في سلوكهم واتخاذهم قراراتهم، وتحديد مواقفهم.
هل درسك آراء أم حقائق، تأملات أم عقائد ؟!
من الملاحظ في تحضير الخدام لدروسهم، أن دروسهم عبارة عن عرض لتأملات شخصية (أي آراء) أو نقلا لآراء آخرين، ويقل فيها الاستعانة بالشواهد الكتابية والأحداث التاريخية، والطقوس الكنسية. وكذلك تقل الاستعانة بالتفسيرات الآبائية، أو العلمية، أو النفسية للمتخصصين في عرض موضوعات المنهج.
الآراء المبنية على حقائق (شواهد وقصص كتابية، أحداث من التاريخ الكنسي، ومن صلواتنا وطقوسنا)، أقوى بكثير، وتساعد المخدومين على تكوين آراء قوية، وتبنى إتجاهات روحية وسلوكية. وهكذا تنمو عقائدهم وسلوكهم الروحي. الشرح بالتفسيرات الآبائية، وباستخدام أساليبنا في التفسير الكتابي، تفسير الكتاب بالكتاب، يحمي من مشاكل وخطورة استخدام الآية الواحدة ويكون عقيدة كتابية سليمة، ويسهل استخلاص روح الكتاب ومبادئنا الروحية. كذلك استخدام التفسير بالكنيسة، كيف عاشت الكنيسة هذه المبادئ الكتابية، وحولتها إلى حياة وواقع حئ حقیقی، كحقيقة الكتاب. ومن طقوسنا وعبادتنا التي هي ترجمة طقسية لكل عقائدنا، فكل عقيدة لها ما يعبر عنها طقسية، برموز طقسية، وحركات طقسية، وصلوات طقسية. كذلك نفسر الكتاب بالآباء الذين استطاعوا أن يحولوا كلماته إلى فضائل، وأحداث، وتاريخ، فأقولهم توضح لنا كيف فهموا ومارسوا، فتساعدنا أن نفهم علاقة كتابنا المقدس بواقع الحياة. هذه أمور لابد أن نهتم بها في تحضير المعلومات التي تعرض على المخدومين.
من أين نحصل على المعلومات التي نستخدمها في التعليم، وكيف اختار مراجع لدرسی؟
حينما نفكر في مرجع، فأننا نبحث عن كتاب يعرض هذا الموضوع، فنقرأه ونلخصه ونستخدمه في تقديم درسنا. ولكننا ننسى أن لكل كاتب هدفه، وقد يكون الهدف مختلفة عن درسنا. وكل كاتب له أسلوبه، ويخاطب فئة معينة قد لا تكون فئة تلاميذنا ولا سنهم. حينما نتعامل مع مرجع أو كتاب، فليس المهم عنوان الكتاب ولا العناوين الداخلية، ولكن ينبغي أن تستخلص منه الحقائق لتقدمها لتلاميذ، وتستعين ببعض تفسيراته، وتأخذ من آرائه ما يساعدك على تكوين رؤيتك للدرس، ولكن لا تنقل حرفية آراء الآخرين.
المصادر متعددة، فأبحث في القواميس والأحداث، من الجرائد، والمجلات، والإحصائيات من المجلات، والكتب المتخصصة، وابحث في الخرائط الطقوس والصلوات الكنسية، من أقوى المراجع والتفسيرات الروحية.
كل درس يحتوي على مفهوم أو فكرة معينة، هذا المفهوم ابحث أولا كيف تناوله الكتاب المقدس، بالرجوع إلى فهرس الموضوعات الكتابية، أو قواميس الكتاب المقدس، أو دوائر المعارف الكتابية، وبرامج الكتاب المقدس الإلكترونية.
إن كان الموضوع به أمور نفسية خاصة بمرحلة الشباب والمراهقة، أبحث عن الموضوع في كتاب تربوي، أو نفسي، لمتخصصين معروفين. اجمع للموضوعات الإجتماعية قصاصات من المجلات بها قصص، أو إحصائيات، أو حوادث، أو استطلاعات رأي أو مقابلات، فهذه الأمور تساعد على تفهم القيم والأعراف، السائدة في المجتمع.
ما جمعته من معلومات ضعه في مجموعات، ولخص فكرته، وأعطى كل مجموعة عنوانا. فهذه العناوين سوف تشكل عناصر درسك. لا تنسى أن تحضر معلوماتك، ومصادرها معك إلى فصلك، واستخدم المصادر كوسائل إيضاح قوية، تؤكد المعلومات.