دور المرأة فى المجتمع والكنيسة

17 – ما هو دور المراة كقائدة فى المجتمع والكنيسة الأولى؟

احتلت المرأة فى الكنيسة الأولى مركزاً خاصاً بسبب طهارتها وشجاعتها وقدراتها القيادية، نذكر على سبيل المثال النساء اللواتى فقن الرجال المرافقين لهن فى الاستشهاد، القديسات بربتوا Perpetua، والسيدة بلاندينا Bladina العبدة، وفيلستاس Felicitas وSymphorosa وDionysia وMercuria. كما نذكر بعض الشماسات، منهن من قمن بأدوار قيادية فريدة، مثل الشماسة أولمبياس تلميذة القديس يوحنا الذهبى الفم، ووُجدت أمهات فى الرهبنة مثل الأم ميلانية الكبرى Milania the Elder التى رافقت القديس جيروم فى عمله الرهبانى القيادى. كان بعض الآباء الرهبان القادة يأتون للاسترشاد بحكمة بعض الأمهات، مثل الأم سارة والقديسة الأم سنكليتيكى.

كثيراً ما أشار الآباء إلى توجيه النساء لإدراك دورهن الفعال على سلوك المجتمع كله. يقول العلامة أوريجينوس: [رأينا بأعيننا نساء وفتيات احتملن عذابات الاستشهاد الطاغية فى زهرة شبابهن، عندما أضيف وهن الحياة كأمر جديد إلى ضعف جنسهن ([252])].

18 – ماذا قال القديس إكليمنضس الرومانى عن إمكانية النساء المؤمنات؟

[نساء كثيرات صرن قويّات بالنعمة الإلهية وقمن بأعمال خارقة. عندما رأت يهوديت المغبوطة أن مدينتها محاصرة، طلبت من الشيوخ أن يسمحوا لها بالخروج إلى معسكر الغرباء. عرّضت نفسها للخطر حباً لوطنها وشعبها المحاصر فأسلم للرب هولوفارنيس Holofernes إلى يد امرأة (يهوديت8).

أيضاً استير كاملة الإيمان عرّضت نفسها لخطر لا يقل عن هذا من أجل خلاص الأسباط الإثنى عشر من هلاك خطية. كانت تتضرع صائمة متذللة أمام الله الأبدى الذى يرى الكل. وقد نظر إلى تواضع روحها فخلص الشعب الذى قدّمت نفسها للخطر من اجل خلاصه (استير7) ([253])].

19 – ما هو دور الشماسة أولمبياس Olympias؟ ([254])

نالت شهرة فائقة وارتبط اسمها باسم القديس يوحنا الذهبى الفم. لقد أعجب القديس بها من أجل حبها لله وسخائها فى العطاء مع نسكها وتواضعها، فأعطاها اهتماماً خاصاً، واستخدم طاقاتها فى الخدمة. حتى أدركت القسطنطينية كلها ذلك، لذلك عندما نُفى رئيس الأساقفة انصبت عليها اضطهادات كثيرة، لكنها أيضاً تقبلت رسائل تعزية من أبيها المتألم. أهداها القديس غريغوريوس أسقف نيصص كتابه فى تفسير نشيد الأناشيد بكونها قادرة على تقدير قيمته.

ذكر أيضاً المؤرخ بالاديوس تأثرها بالأم ميلانية Milania the Elder التى يكتب عنها ممتدحاً إياها بصورة فائقة فى كتابه التاريخ اللوزياكى ([255]) The Lausaic History. لقد كانت محبة للبتولية والرهبنة فى نسك عجيب مع قدرة فائقة على الاطلاع، إذ يقول عنها: “حولت الليل نهار، تفتش كتابات المفسرين القدامى، قرأت ثلاثة ملايين سطراً لأوريجينوس، ومليونين ونصف لاغريغوريوس واستفانوس وبيروس وباسيليوس وغيرهم من العظماء. لم تكن تقرأ هذا مرة واحدة فقط ولا فى عجالة إنما تدرس كل عمل فى دقة سبع أو ثمان مرات. وهكذا استطاعت بفضل هذه الكتب، أن تتحول فى رجاء صالح إلى طائر روحى منطلق نحو المسيح” ([256]).

تلألأت حياة الشماسة أولمبياس، إذ فتحت قلبها لمحبة الفقراء بصورة أدهشت الكثيرين، فقيل فى مديحها: “تسمع الإمبراطورة أفدوكسيا آيات الإكرام والتبجيل من كل بقاع العالم، أما أولمبياس فتسمع تنهدات العالم كله ودعواته!”.

صارت محبوبة من الشعب ومكرمة أيضاً من الأب البطريرك، فقد أخبرنا بلاديوس ([257]) أن الطوباوى نكتاريوس كان يكرمها جداً ويستشيرها فى بعض شئون الكنيسة رغم صغر سنها. ولخص لنا حياتها بقوله “وزعت مقتنياتها على المحتاجين. صارعت من أجل الحق، هذبت نسوة كثيرات تناقشت مع كهنة فى وقار، كرمت أساقفة، واستحقت أن تكون” معترفة “فى سبيل الحق، فان الذين يعيشون فى السقطنطينية يحسبونها ضمن” المعترفات والمعترفين “إذ رحلت إلى الرب فى كفاحها من أجل الله” ([258]).

20 – كيف بلغت الأم سارة أن تكون مرشدة روحية؟

أقامت العذراء الشريفة سارة ديراً للعذارى فى برية شيهيت، وكانت أماً وديعة حكيمة محبة ومحبوبة. ويروى عنها الآباء النساك أنها قضت ثلاث سنوات فى محاربة الأفكار الشريرة ولم تطلب إلى الله فى يوم من الأيام ان يرفع عنها هذه المحاربات، بل داومت على مطالبته بأن يعطيها القوة على الانتصار.

ذاع صيت حكمتها حتى أصبحت مركزاً للحياة الروحانية، وكان كثيرون يأتون إليها لاستشارتها بعد أن يكونوا قد استناروا بآباء شيهيت ونتريا، وكل من جلس إليها عاد ممتلئاً نشوة روحية مما سمعه.

ذهب لزيارتها ذات يوم عدد من الإخوة الذين فى شيهيت، وبعد التحدث إليهم قدمت لهم طبقاً من الفاكهة، واختار الإخوة الفاكهة المعطبة تاركين النضرة جانباً، وراقبتهم بابتسامة حلوة، ثم قالت لهم: “من الواضح أنكم بالحقيقة شيهيتيون”.

قالت الأم سارة: إذا طلبت إلى الله أن يكون الجميع مرتاحين من جهتى، فسأكون عند باب كل واحد تائبة. إلا إنى سأصلى كى يكون قلبى عفيفاً تجاه كل واحد. كما قالت أيضاً: يحسن للبشر أن يتصدقوا حتى ولو كان السبب إرضاء للناس، لأن الإحسان يحقق لنا إرضاء الله.

21 – لماذا حسب البابا أثناسيوس الرسولى القديسة سينكليتيكى أشبه بملاك؟

يعدّها بعض المؤرخين نداً للقديس الأنبا أنطونيوس كوكب البرية، فكما كان الأنبا أنطونيوس أباً لجميع الرهبان، كانت سينكاليتيكى أماً لتلك المجموعة المتناسقة من العذارى المتبتلات، اللاتى جعلن من وادى مصر الخصيب مقرا للنعمة الإلهية.

بدأ عبير حياتها ينتشر فى الأرجاء إلى أن ملأ الإسكندرية، فجاء لزيارتها عدد غير قليل من الشابات. البعض منهن لمجرد رؤيتها واخذ بركتها، والبعض الآخر مستفسرات عن حل مشاكلهن. وكان من الطبيعى أن تتأثر بعضهن بقدوتها ويمكثن معها ويشاركنها حياة النسك والتأمل.

ظلت سينكليتيكى مداومة على أصوامها وصلواتها ونسكها وتعبدها فى بيت أبويها إلى أن انتقلا إلى عالم النور، وعند ذاك وزّعت أموالها على الفقراء وأخذت وذهبت إلى مقبرة العائلة حيث عاشت بضع سنوات، وفى تلك الفترة ضاعفت أصوامها وصلواتها وتأملاتها.

تركت مقبرة العائلة وأخذت زميلاتها ليعشن معاً فى مبنى خارج المدينة، وكرست حياتها لخدمتهن صائرة قدوة وصورة حية لما تنادى به من تعاليم، ولذلك أحبتها زميلاتها وأخلصن الولاء لها وأطعنها عن رضى وحبور.

تزايد عدد الشابات اللواتى خضعن لرياستها سنة بعد الأخرى، وكان بعضهن يقضين معها فترة من الزمن يعدن بعدها إلى بيئتهن ليحملن إلى أهلهن النعمة المنعكسة عليهن من حياة سينكليتيكى.

لقد أراد البابا أثناسيوس الرسولى أن يبين عظمة قداسة هذه الراهبة المكرّسة فكتب سيرتها هو بنفسه. فبذلك يكون قد كتب سيرة الأنبا أنطونيوس بوصفه أباً للرهبان كما كتب سيرة القديسة سينكاليتيكى بوصفها أماً للراهبات.

22 – ما هو دور المرأة عند آباء الشرق فى الكنيسة الأولى؟ ([259])

أ. اتسمت الكنيسة الشرقية بالفكر الفلسفى اللاهوتى الروحى، خاصة آباء مدرسة الإسكندرية، لذا احترمت المرأة والزواج.

ب. ضمت مدرسة الإسكندرية طلبة من الجنسين دون تمييز.

ج. نشأت بيوت العذارى أن لم يكن قبل الحركات الرهبانية المنتظمة فعلى الأقل فى ذات عصرها يقول القديس كيرلس الكبير: [المرأة التى أعلنت مرة خدمة الموت، الآن هى اول من تقبل سرّ القيامة المهوب وأخبرت به. بهذا حصل جنس المرأة على الخلاص من العار ومن اللعنة]. كما يقول: [بهذه الرسالة السماوية استعادت المرأة كرامتها، إذ كرزت ببشارة القيامة للتلاميذ!].

يقول القديس إكليمنضس السكندرى: [الطبيعة واحدة فى كل فرد، وكل منهما قادر على ممارسة ذات الفضيلة. ليس للمرأة طبيعة بشرية وللرجل طبيعة أخرى. كلاهما لهما ذات الأهمية وذات الفضيلة. ان قلنا التعقل والعدل والفضائل المشابهة مذكر، يلزمنا البلوغ إلى النتيجة بأن الرجل يلزم أن يكون فاضلاً، والمرأة أن تكون مسرفة وظالمة، لكن هذا القول ذاته مشين. المرأة – كالرجل – يلزم أن تتعهد التعقل والعدالة وكل الفضائل الأخرى، سواء كانت حرة أم أمة، إذ توجد فضيلة واحدة مماثلة للطبيعة الواحدة المماثلة ([260])].

23 – ما هو رأى مدرسة الإسكندرية فى الإجهاض؟

فى التماس أثيناغوراس فى القرن الثانى أوضح للإمبراطورين أن الكنيسة تحرم الإجهاض ([261]).

ويرى القديس إكليمنضس السكندرى أنه يلزم عدم استخدام وسائل فيها جريمة قتل الجنين لمنع تكاثر الجنس البشرى. مع هذا نرى بعض النساء يستخدمن أدوية سامة تقتل ثمرة الرحم وتحطيمها، فيجردون أنفسهن من كل مشاعر إنسانية ([262]).

فاصل

من كتاب: كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ3 – الكنيسة ملكوت الله على الأرض – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى.

زر الذهاب إلى الأعلى