طول بالك

 “بصبركم اقتنوا أنفسكم” (لو 19:21 ).

ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص” (مت 22:10). به

شجعوا صغار النفوس، أسندوا الضعفاء. تأنَّوا على الجميع” (1 تس 14:5).

 

أبينا إبراهيم وعابد الأصنام

جاء في التلمود اليهودي أن أب الآباء إبراهيم جاء إليه ضيفاً مسن.
رحب أبينا إبراهيم بالضيف، ونحر له عجلاً وأطعمة الخبز بالسمين. وفي آخر اليوم أراد أن يستضيفه عنده للمبيت، فالسفر في الغابات خطر ويعرض الضيف للذئاب..
وقبل الشيخ، وعندما طلب أبينا إبراهيم من الضيف أن يصليا، أخرج الضيف وثنا من جيبه، وأخذ يصلي إليه ويسجد!! هنا قال له أبونا إبراهيم: إن هذا خطأ لأن الله خالق السماء والأرض له نسجد ونصلی. ولم يقبل الضيف نصيحة رجل الإيمان، وإستمر في صلاته، وإذ بأبينا إبراهيم يحتد عليه, ويطرده من عنده، لأنه عابد وثن, وفي ذات الليلة كلم الله أبينا إبراهيم معاتباً قائلا: “يا إبراهيم ستون سنة وأنا محتمل الرجل صابراً عليه.. أما قدرت أن تصبر عليه ليلة واحدة”.

إن الحب يصنع المعجزات، والاحتمال يقيم الأموات، والغضب لا يصنع بر الله.

ولو صبر أبونا إبراهيم على الرجل, وقدم له حباً لربما تغير الرجل و عبد الرب إله إبراهيم من أجل محبة إبراهيم وكرم ضيافته وحسن استقباله.

 

قصة

 جاء في بستان الرهبان عن الأنبا مقاريوس وتلميذه، عندما قابلهم كاهن وثن في إحدى المرات، وكان التلميذ يتقدم معلمه في الطريق, فقابل كاهن الوثن فلعنه بأوثانه، وهنا أمسك كاهن الوثن التلميذ وضربه وتركه، وعندما قابل كاهن الوثن القديس أبو مقار قال له القديس: “تصحبك المعونة يارجل النشاط”  وكلمه كلام طيب, فتغير كاهن الوثن من معاملة القديس مقاريوس، وآمن بالسيد المسيح على يد القديس مقاريوس. فلنطل أناتنا على الآخرين، وليكن لنا صبر على إخوتنا، وطوبى للرحماء فإنهم يرحمون.

 

معني طول الأناة 

طول الأناة من ثمار عمل روح الله فينا, وهي التأني، وطول الروح، وطول البال، وسعة الصدر، والحلم، والصبر.
حينما نتكلم عن سمات هذا العصر، نجد أنفسنا أمام عدة تناقضات: فهذا العصر من أصعب العصور لأنه يجمع تراكمات وافرازات عشرين قرناً سابقة، حملت في طياتها التطور العلمي الرهيب والقفزات التكنولوجية المعجزية، من غزو الفضاء والكمبيوتر، والطاقة النووية، والإنجازات الثقافية الضخمة، والرفاهية الاجتماعية المذهلة.
ومع كل هذا التقدم نجد في المقابل الانحرافات الشديدة والاستغراق في الخطية, والتغرب عن المسيح وعن الكنيسة… وبين هذا وذاك نجد التوترات النفسية الشديدة والأمراض العصبية القاسية.

  • أولا: السرعة:
    سمة إنسان هذا العصر هي السرعة، والسرعة في كل شئ: في التفكير، في اتخاذ القرار، في الحركة, في الكلام.. بل وتسربت هذه السرعة إلى ممارستنا الاجتماعية والكنسية، فاللقاءات العائلية أصبحت شحيحة وقصيرة وباردة، والعمل الروحي أصبح يتسم بالسطحية وعدم التركيز وغياب العمق. ولأن حمى الحصول على المال وتأمين المستقبل، أصابت المجتمع بسبب الكساد الاقتصادي والغلاء المتزايد، بالإضافة لغياب القناعة الروحية, والإيمان في محبة الله وكفايته وعنايته الأبوية، نجد الانكباب على العمل بصورة عجيبة وتكريس معظم أوقات اليوم للدراسة والعمل وجمع المال. وبسبب تبديد الطاقة الجسدية في العمل المضني، وتسريب الطاقة النفسية في القلق والتوتر، وكثرة التفكير أصبح إيقاع اليوم سريع: لا وقت للراحة الجسدية، أو حتى الذهنية والنفسية، ولا وقت للجلسات العائلية المباركة التي تجمع شتات الأسرة حول شخص السيد المسيح, والجلوس عند قدميه والشبع في محضر الصلاة. ومما يزيد من خطورة الموقف إنتشارا ما نسميه في علم النفس “بالترفيه السلبي” مثل: التليفزيون والسينما والمسرح ودور الملاهي.. وهي أمور نافعة بلا شك إن أعطيناها الوقت المناسب، واستخدمناها بالأسلوب المناسب.
  • ثانيا: العنف:
    سمة أخرى لهذا العصر هو العنف والعنف انتشر بصورة شديدة سواء في الجريمة أو الحروب والانقلابات والنزاعات، بل وانتشرت الجريمة نفسها في الأفلام المرئية والقصص المقروءة، بصورة لم نسمع عنها من قبل … وقد وصلت الجرائم لحدود بعيدة كل البعد عن التصور. مثل: جرائم يرتكبها الابن في حق أبويه، أو الأب مع أولاده، أو الزوجة مع زوجها. 
    والعنف وليد الإحساس بالفراغ والضعف الداخلي، فالقوي لا يهاجم ولا يشعر أنه يحتاج لأن يثبت للأخرين مدى تفوقه.. فلأنه داخلیاً مؤمن بقدراته, فهو لا يبدد طاقته في الدفاع عن نفسه، تاركاً للأيام إثبات الحق وتأكيده. أما الضعيف والفاشل والذي لم يحالفه الحظ في تحقيق آماله، فهو يلجأ للعنف ليثبت للناس وجوده وقوته وتفوقه.. غضب
    وهناك فرق كبير بين العنف والحق: فالحق قوى ولا يحتاج للعنف.. ويمكن للإنسان أن يطلب الحق، لأن الحق هو الله, ويؤمن أن الله، سیسنده ليحصل على هذا الحق، دون استعمال قوته الذاتية بطريقة خاطئة. والعنف كذلك ترجمة لغياب الأمان الداخلي، وتكاثر المشاكل النفسية. فالعنيف يعاني من خوف داخلي أو قلق أو اكتئاب دفين. لم يستطع التعامل معه، فيلجأ لتسريب الطاقة في صورة القسوة والهجوم … والعنف يعبر كذلك عن غياب الموضوعية والحجة: فالقوى يعتمد على منطقة وقوة الاقناع وبراهينه، ولا يخشى المواجهة أو الحوار، أو سماع الرأي الآخر.. أما العنيف فهو یداری عجزه وغياب منطقه بالقوة المزيفة. والعنف أخيراً هو صورة من صور الفشل النفسي: فالعنيف يحتاج لمن يسيطر أو يتفوق عليه أو يستعرض عليه قوته، ويحتاج أن يخاف منه أو يخشى بأسه… وهو بذلك یداری عیوبة نفسية خطيرة: من الإحساس بالنقص وبالفشل, أو الخوف من الآخرين وعدم القدرة على التكيف معهم..

الحل

لا مخرج من العنف إلا بالعودة للبناء الداخلي للكيان الإنساني، واختبار النضوج الداخلي، والاقتناع بأن قيمة الإنسان في الفضيلة والقوة الداخلية، وليس في التظاهر بالقوة الزائفة, والاختفاء خلف أقنعة مزيفة من القسوة والسيطرة.. المحبة هي أساس القوة، وخدمة الآخرين هي الوسيلة للإحساس بالأهمية، والبذل والتواضع يجعلان الإنسان عالياً في نظر الكل ولو بعد حين..

أنت قلقان – نفسك قصير – لا تحتمل – مش صابر – إذن أنت إنسان معاصر.

 الله يطيل أناته ويصبر على أخطائك، . فهل تطيل أناتك وتصبر على أخطاء الآخرين إليك, لقد حول الله بطول أناته خطاة إلى أبرار, ومن أجل طول أناته لم يهلك البشر ولم يفن العالم بكثرة شره, بل إرتفع على الصليب ليحمل عقاب خطايانا, وفتح ذراعيه قائلا: “تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم” (مت 28:11), لقد قاد الله بصبره وطول أناته كثيرين إلى التوبة, ومن أجل طول أناته يشرق شمسه على الأبرار والأشرار.

الأب افرایم الأورشلیمی

كيف أقتني فضيلة طول الأناة؟

  1. لا تفقد وداعتك: عندما تواجه آخرين يتصرفوا معك بدون لياقة, وبعدم احترام فإضبط نفسك، ولا تفقد رجاءك فيهم، بل بطول أناتك أكسبهم واعلم أن “رابح النفوس حکيم” (أم 30:11 )، والمثل يقول: “أن قطرات من العسل تصطاد من الذباب أكثر مما يصطاده برميل من العلقم” فليكن لك الروح الوديع وسعة الصدر ولا تتبرم.
    عندما كان داود النبي مطارداً أمام أبنه أبشالوم, أخذ أحد العامة يسبه وهو يلقي عليه بالأحجار, فقال قائد جيش داود له: دعني أقتله، فأبي داود قائلا: “لا.. دعه لينظر الله إلى إتضاع عبده”. ومن أجل تواضع داود رده الله إلى مملكته, وأهلك أعدائه، وأنت أعلم أن الله يقاتل عنك وأنت صامت، فلا تقابل الأخطاء بالأخطاء.
  2.  احتمل الافتراءات: ولا تنتقم لنفسك وإلتمس الأعذار للناس، كضعف بشري يحتاج إلى العلاج، والوقوف مع من يسئ إليك في خندق.
  3.  المحبة والتأني والترفق به: لا تفقد الأمل في الإصلاح، وسيأتي اليوم وستجني ثمر الصلاح.
  4.  طول الأناة والصبر: هي أساس الصداقات الناجحة والدرع الواقي لمنع الخصومات ولذلك قال سليمان الحكيم: “الرجل الغضوب يهيج الخصومة وبطيء الغضب يُسكن الخصام” (أم 18:15 ). فإن أردت أن تحيا سعيداً وتعمر مديداً لا تغضب، وكن صبوراً؛ لكي لا تحطم سعادتك بيديك، فالإنسان الهادئ يجلب السعادة لنفسه، ولمن حوله، ولمن يتعاملوا معه، ويكون قوياً يستطيع أن يتعلم ويعطى من نفسه قدوة لبناء الآخرين. وثق صديقي أن “مالك روحه خير ممن يأخذ مدينة” (أم 32:16 ), وضع أمامك أن طول الأناة والصبر هي من صفات الله التي يجب أن نتعلمها.
  5. سلم نفسك: كلما سلمنا أنفسنا أكثر للروح القدس وخضعنا لتوجيهاته، يعمل فينا، ويجعل نفسنا أطول. كلنا يحتاج لملء الروح الفائض، ليسيطر على أفكارنا وأقوالنا ومشاعرنا. فلنسكن نفوسنا أمامه ليزيل الغضب من داخلنا، وليعلمنا ويغرس فينا فكر المسيح الذي شرحه الرسول بطرس في قوله: “لأنكم لهذا دعيتم. فإن المسيح أيضا تألم لأجلنا، تاركاً لنا مثالاً لكي تتبعوا خطواته. الذي لم يفعل خطية، ولا وجد في فمه مكر، الذي إذ شتم لم يكن يشتم عوضاً وإذ تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضي بعدل” 1 بط 21:2-23).
    كم نحتاج كلنا، من معلمين ومتعلمين، إلى طول الأناة، لنحتمل بعضنا بعضاً فی المحبة، بدون فقدان أعصاب ولا صياح! في زمن نوح استغرق بناء الفلك مئة وعشرين سنة، كان نوح خلالها کارز بالبر للناس، والله يطيل أناته عليهم ليتوبوا (ابط 20:3 ).
  6. انتظر: وعد الله لنا بالراحة، فقد قال السيد المسيح: “تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم” (مت 28:11 ). ولقد كان الرسول بولس متعباً من شوكة في الجسد فطلب من الله أن يرفعها عنه. ولكن الله لم يفعل، وقال له: “تكفيك نعمتي، لأن قوتي في الضعف تكمل” (2كو 9:12). فانتظر الرسول تحقيق الوعد الإلهي كما وعد الله به.
    اعرض طلبك أمام الله، وانتظر بصبر وإيمان قوی تحقيق المواعيد الإلهية، بالطريقة التي يراها الله، وفي الوقت المناسب الذي تعينه حكمته. وأثناء انتظارك ستتعلم طول الأناة.
  7.  مسيرها تنتهي: كلما عرفنا أن للألم والتعب نهاية أطلنا أناتنا، واثقين من انقشاع الغيوم ومجيء النهاية السعيدة. قال المرنم: “إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً، لأنك أنت معي” (مز 4:23) فلم يقل إنه توقف في وادي ظل الموت، لأنه كان “يسير” ليخرج منه. ولم يقل أنه جرى في وادي ظل الموت ولا جرى منه، لأنه لم يكن مرتعباً، فقد كان في صحبة الله المحب القدير، وكان متأكدا أن لكل ليل صباح “لأن للحظة غضبه. حياة في رضاه. عند المساء يبيت البكاء، وفي الصباح ترنم (مز 5:30). ولنتذكر دوما أن “الله أمين، الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضا المنفذ، لتستطيعوا أن تحتملوا” (اكو 13:10 ). “ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوون حسب قصده” (رو 28:8).

تدريب

طول البال .. وإن كان من فعل الروح القدس فينا, إلا أنه يظهر أمام الناس خلال تصرفاتنا التي يجب أن نراعيها في معاملتنا للغير، فبولس الرسول يقول: “تأنوا على الجميع” (اتس 14:5 ).

– عدم الغضب بسرعة: “لا تسرع بروحك إلى الغضب” (جا 9:7). “مبطئاً في الغضب” (یع 19:1 )

– الإصغاء إلى المتحدث وعدم مقاطعته ليكن كل إنسان مسرعاً في الإستماع” (یع19:1)

ا- عدم التسرع في التكلم “مبطئاً في التكلم” (يع 19:1 ).

وهناك أيضا تدريبات أخرى مثل: عدم التذمر وحدة الطبع – احتمال أخطاء الآخرين – الصبر على احتمال المشقات.


من المسابقة الدراسية – مرحلة جامعيين –  مهرجان الكرازة 2011

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى