لا للغضب
قصة:
الملك جنكيز خان الذي قاد جيش الصين وإيران وغلب فی معارك كثيرة ، واتسعت مملكته لتضم شرق أوروبا حتى بلغت اليابان ( حوالي 1162 – 1226 ) ، انهزم أمام غضبه ليعيش حزيناً!
لم يظهر قائد عظيم مثل جنكيز خان منذ أيام الإسكندر الأكبر ، فی أحد الأيام إذ كان في قصره بعد دخوله في عدة معارك وقد حالفه النصر على الدوام ، أراد أن يمارس رياضته المحبوبة لديه ، وهي الصيد . فأخذ معه أصدقاءه الذين ركبوا الخيل وحملوا الأقواس والرماح ، وجاء خلفهم العبيد مع كلاب الصيد . انطلق الكل معاً، ودخلوا وسط الغابات وهم يتسامرون ويغنون ويصرخون ويضحكون ، وكان يقف على معصم الملك صقره الخاص المدرب على الصيد . كان يأمره فيطير على مسافات عالية فإن رأى غزالا أو أرنبا برياً ينقض عليه بسرعة كالسهم . قبل الغروب سار الملك بمفرده في طريق بعيد بين جبلين ، وكان الجو حاراً، وعطش الملك جداً، طار الصقر عاليا بينما لاحظ الملك قطرات ماء تتساقط ببطء شديد من ينبوع في أعلى الصخرة ، أمسك الملك بكوبه يجمع الماء نقطة فنقطة حتى امتلأ الكوب ، وإذ رفع يده ليشربه ، فجأة سمع الملك صوتاً عالياً في الهواء واهتزت يده بقوة وسقط الكوب على الأرض ، فإذ به يرى صقره هو الذي فعل ذلك ، كرر الصقر هذا الموقف ثلاث مرات ، فغضب الملك جداً وصرخ محدثاً صقره : كيف تجاسرت لتفعل هذا ثلاث مرات ؟ إن عدت وصرت بين يدي فسأقطع رقبتك . ملا الملك الكوب للمرة الرابعة ، وقبل أن يحاول شرب الماء استل سيفه وقال : ” الآن أيها السيد الصقر ، إنها الفرصة الأخيرة وإلا قطعت رقبتك ! ” لكن قبل أن ينهي كلماته كان الصقر قد كرر ما فعله للمرة الرابعة ، وبسرعة البرق ضرب الملك رقبة الصقر ، فسقط الطائر ميتا تحت قدمي الملك . تطلع الملك إلى صقره المحبوب لديه وقال : ” لم أكن أود أن أقتلك ، لكن هذا جزاء فعلك ” . لقد حذرتك مرارا ولم تتصت . أراد الملك أن يملا الكوب لكنه وجد الكوب قد تدحرج إلى هوة لا يقدر أن ينزل إليها . وفي إصرار قال الملك سأشرب من ماء الينبوع بيدي . ثم بدأ يتسلق الصخرة ليبلغ الينبوع وإذ به يلاحظ وجود حية سامة وخطيرة تنفث سمومها في الماء . نسي الملك ظمأه ، وتساقطت الدموع من عينيه متطلعاً نحو صقره الأمين الذي بذل كل الجهد لكي ينقذ صاحبه من الماء المملوء سماً. صرخ الملك .. عزيزي الصقر الأمين .. لقد أنقذت حياتي .. أما أنا ففي غضبي تصرفت بحماقة .. أنت أعظم صديق لي .. وأنا بغضبي قتلتك .. لقد تعلمت اليوم درسا لن أنساه أنني لن أفعل شيئا في غضبی .
– القلب الغضوب لا يطيق أن يوجد فيه يسوع الهادئ الوديع الذي لا يصيح ولا يسمع أحد صوته
( القديس أغسطينوس )
– قالوا : سيطر على الغضب قبل أن يسيطر عليك .
1- أنواع الغضب
يوجد نوعان من الغضب : أحدهما الغضب المقدس أو الواجب ، والثاني الغضب الخاطئ والذي يعتبر خطية واضحة ، أو مجموعة من الخطايا .
1- ما هو الغضب المقدس ؟
هو غضب لأسباب مقدسة من أجل الحق ، ولا تدخل فيه الذات ، ويكون بأسلوب سليم ، وليس بعصبية أي ليس ينرفزة ، ولا يكون بجهل ، ولا بسرعة .. والكتاب المقدس يعطينا أمثلة من غضب الله ، وغضب الرسل والأنبياء . كما يعطينا التاريخ أمثلة من غضب القديسين . وكما يقول الكتاب : “إغضبوا ولا تخطئوا ( أف 26:4 ) . أي أن نغضب من أخطائنا الشخصية وطبائعنا ولكن لا نخطئ ، وهناك أمثلة من الغضب المقدس :
1- غضب الله كرد فعل الله أمام تمرد الإنسان .
2- سخط موسى على العبرانيين ، عندما قل إيمانهم ( خر 20:16 ) وعندما كفروا في حوريب ( خر 23: 19-22 ) ، حين أهملوا الطقوس وعندما لم يراعوا الحرام من الغنيمة ، وهكذا حدث بالنسبة لفنحاس الذي امتدح الله غيرته ( عد 11:25 )
3- غضب إيليا عندما قتل الأنبياء الكذبة وعندما أنزل الرب النار من السماء على مبعوثی الملك ( 2 مل1:1 ، 10، 12 ) ،
4- غضب بولس الرسول في أثينا .. ( أع 16:17 )
2 – ما هو الغضب الخاطئ ؟
الغضب الباطل هو غضب لأسباب شخصية ، أو لأمور مادية أو عالمية ، وليس لسبب مقدس . والمظهر الثاني له أن هذا الغضب يتم بطريقة خاطئة ، يفقد فيها الإنسان أعصابه ويخطئ .. وهناك العديد من الأمثلة من الغضب الخاطئ الذي ذكره الكتاب المقدس ، منه :
1- غضب قايين .. فقتل أخيه هابيل ( تك 5:4 ) .
2- وغضب شمعون ولاوی ( تك 5:49 ) .
3- غضب عيسو على يعقوب .
4- وغضب داود على نابال .
5- وغضب شاول الملك على داود .
2- لا للغضب . فلماذا
لانه خطية منفرة ومركبة : ليس الغضب مجرد خطية بسيطة ، بل هو مجموعة من الخطايا مركبة معا في أسبابها ونتائجها
- خطية فيها الحدة والعصبية .
- وعدم المغفرة .
- وقسوة في القلب .
- ولذلك يحمل الغضب أيضا لونا من الكراهية .
- وخطية الغضب تتنافى مع الوداعة واللطف
- وفي الغضب يفقد فضيلة التواضع أيضا .
- خطية الغضب ترتبط دائمأ بخطية إدانة الآخرين ..
- قد تصاحبها شتيمة وإهانة .
- وقد يقع في كثير من خطايا اللسان .
- وإذا ترسب الغضب في القلب يلد حقدا .
- وفي الغضب فقدان الصورة الإلهية .
- وقد يتحول الغضب إلى خصومة وإلى معارك .
- وقد يفقد الغضوب كثيرا من علاقاته .
- والغضب هو ثورة تهدف إلى الانتقام والتهور والاندفاع .
- والغضوب يحمل داخله خطية أخرى هي عدم الاحتمال .
- وتدخل خطية الغضب أيضا خطية إعثار الآخرين .
إذن هي خطية مركبة .. والغريب ان من يخطئ في كل هذا ، يجمعه في عبارة واحدة في اعترافه أمام الأب الكاهن . فيقول مجرد كلمة ” غضبت” أو وقعت في خطية الغضب ؟
3- نتائح الغضب الخاطئ
- لا يجعلنا ننظر لأخطائنا الشخصية ، ويفقد الإنسان الكرامة وتقدير الناس .
- الرجل الغضوب يهيج الخصام والرجل السخوط كثير المعاصي ( أم 22:29 )
- والغضب من الناحية الطبية مضر على الصحة ويسبب كثير من الأمراض .
- العثرة وضياع السمعة .
- إساءة العلاقات مع الآخرين .
- عرقلة الصلاة والتناول ۔
ما هي الأسباب المؤدية له ؟
طباع الإنسان – الذات والكرامة – أن الشخص يريد كل شيء حسب هواه – حب التسلط – عدم المحبة وعدم الاحترام – الأرهاق الجسدي والعصبي – الإلحاح – المشغولية – متاعب الذكاء – أسباب نفسية – قلة الحكمة – حرب شيطانية – فقدان الاتضاع – أخطاء الآخرين – عدم الطاعة – أسباب مالية ومادية .
4- علاج الغضب
يمكننا أن نلخص علاج الغضب في ست فضائل :
- فضيلة المغفرة : وفي ذلك يقول القديس أوغسطينوس : فلا يستبق أحد ضد نفسه شيئا ، برفضه أن يغفر ، لئلا يتبقى ذلك ضده عندما يصلي ” .
- – فضيلة الزهد : لأن الزاهد في العالم لایجد سببا يجعله يغضب . إنه قد ارتفع فوق مستوى الكرامة والحقوق ، وارتفع فوق كل ما يتنازع حوله الناس في العالم .
- فضيلة الرقة واللطف : كونوا جميعاً متحدي الرأی بحس واحد ، ذوی محبة أخوية ، مشفقين ، لطفاء (ابط 8:3 ) .
- الصلح والسلام : على أن نسرع بالمصالحة ، لأننا كلما تباطأنا فيها ، تزداد الأمور تعقيدا ، ويتطور الأمر داخل القلب إلى أسوأ .
- بالصلاة والترتيل : قال مارأوغريس : إذا تحرك الغضب يمكن أن يهدأ بالمزامير والكرم والرحمة .. الغضب إذا هاج يخمده الترتيل وطول الأناة والرحمة .
- طول البال وسعة القلب : بعض الناس صدرهم ضيق ، يغضبون بسرعة ولأتفه الأسباب . أما أنت فكن واسع الصدر ، وطويل البال
الناس في موضوع الغضب أربعة أنواع :
- سريع الغضب سریع الرضی
- بطىء الغضب بطيء الرضی .
- سريع الغضب بطيء الرضی ۔
- بطىء الغضب سریع الرضی .
فأنت أيهم تكون ؟؟ مع الأخذ في الاعتبار أن : ” غضب الإنسان لا يصنع بر الله ( یع 20:1 ) ۔
تدريب
1- درب نفسك على عدم الغضب . ولا تتسبب في إغضاب غيرك .
2- إن وجدت نارا ، فلا تنفخ فيها ، ولا تضع عليها وقودا .
3- ابعد عن أسباب الإثارة على قدر ما تستطيع . ولا تضخم من قدر الأسباب ، ولا تأخذ الأمور بتأزم
4- عاشر الودعاء ، لكي تتعلم منهم الهدوء وضبط النفس ، وعدم الغضب مهما كانت المثيرات ، مع أخذ الأمور ببساطة .
5- لا تتفاهم مع الناس وأنت مرهق جسديا أو غير محتمل ، أو وأنت متعب نفسياً أو عصبياً .
6- تخير الوقت الصالح للمناقشة . ولا تناقش أحدا وهو مرهق ، أو مشغول ، أو وهو غير مستعد للحديث معك .
7- لا تضغط على الآخرين ، ولا تتعب أعصابهم بالإلحاح .
8- بروح المحبة ، فكر في راحة من يبغضك ، وليس في راحة نفسك ، ولو كنت صاحب حق . و لا تكن سريعاً في غضبك . بل حاول أن تفهم غيرك . فكثيرا ما يكون الغضوب متسرعاً وأهوج ، يحكم قبل أن يفهم .
10- ضع في نفسك أن الغضب لا يحل مشاكلك ، بل يعقدها .
11- تدرب على البشاشة ، وعلى هدوء الملامح والصوت والحركات .
12- اترك الحساسية الزائدة نحو کرامتك وحقوقك ، التي تجعلك تغضب لأقل سبب ، فتفقد صداقة وعشرة الناس .
13- إن وقعت في الغضب ، حاول أن تتخلص منه في بدايته ، ولا تجعله يتطور معك إلى ما هو أسوأ ..
14- إن ثار عليك أحد ، فلا تقابل ثورته بثورة . بل اعمل على تهدئته بقدر طاقتك ، وكن مسالما في معاملك .
15- لا تغضب إذا .. فالندم لا ينفع . والغضب لم يكن مرة سلاح الأقوياء .