الثورة المكابية بقيادة سمعان

(١٤٣-١٣٤ق.م)

تقلَّد سمعان القيادة سنة ١٤٣ ق.م وكانت اليهودية قد نالت كامل حريتها الدينية وغاية اتساعها في حدود الأرض السياسية، وكانت قوة المكابيين قـد بلغت أقصى شهرتها، كما استحوز المكابيون على وظيفة رئاسة الكهنوت، أمَّا الإطاحة بحكم السلوقيين “السوريين” الذي أخفق فيه يوناثان عندما قُتل غدراً فقد تعاهد سمعان لتنفيذه !!

كان حكم السلوقيين لا يزال يتنازعه ديمتريوس الثاني وتريفون، وقد انحـاز سمعان لديمتريوس الذي كافأه برفع الجزية رفعاً كاملاً عن اليهود الذي كـان معناه الحرية السياسية بصورة كبيرة . أمَّا العائلة الحشمونية (المكابيـة ) فقـد دخلت في احتكار رئاسة الكهنوت إنما بطريق شرعي، أي بواسـطة اختيـار  الشعب لا بالتعيين، وابتدأها سمعان فانتهى النزراع التقليدي والانقسام بين اليهود واندحرت شيعة اليهود اليونانيين . وطهَّر سمعان كل بلاد اليهودية مـن كافة آثار الأُمم حتى آخر قلعة لهم بجوار أُورشليم وهي قلعة “أكـرا ”. واستمر الهدوء والسلام والحرية تنعم بها اليهودية .

ولكن في سنة ١٣٩ ق.م أُسر ديمتريوس الثاني في الشرق وحلَّ محلـه أخوه أنطيوخس السابع (١٣٨-١٢٩) ق.م الذي بدأ يؤكِّـد لليهوديـة حريتها واستقلالها واتساعها ولكنه عاد ونكث عهده وطالب سمعان بكل الأراضي التي استولى عليها المكابيون خارج حدود اليهودية وأرسل جيشاً معلناً الحرب.

وسمعان المكابي نظراً لشيخوخته قدَّم ولديه يوحنـا ويهـوذا علـى رأس المقاومة، فاستظهرا على الجيش السوري ودحراه سنة ١٣٧ ق.م. وبذلك بلغ المكابيون آخر مراحل حريتهم السياسية، وظل أنطيوخس لا يحرَّك سـاكناً مدة ثلاث سنوات .

وهنا تظهر نبوة زكريا في (١:١٢- ٩) كيف صارت أُورشليم فعلاً كأس ترنح للأُمم، وكيف انتصرت وسحقت كافة المحاولات الجبارة الـتي دبرهـا البطالسة والسلوقيون ضدها في عشرات الجيوش على مدى أربعين سنة. كما تصف النبوة كيف صار «أمراء يهوذا (المكابيين) كمصباح نارٍ بين الحطـب وكمشعل نار بين الحزم فيأكلون كل الشعوب حولهم عن اليمين وعن اليسار فثبتت أُورشليم أيضاً في مكانها» (زك ٦:١٢). ويعود ويـصف في النبـوة « ويخلِّص الرب خيام يهوذا أولاً (رؤساء المكابيين ) لكيلا يتعاظم افتخار بيـت داود وافتخار سكَّان أُورشليم على يهوذا» (زك ٧:١٢)، أي افتخار الملوكيـة والنصرة والاتساع .

وقد حقَّق االله للمكابيين في نصرتهم أكثر فعلاً مما حقَّقه لداود لو أدخلنـا حساب الظروف الصعبة التي حارب أثناءها المكابيون، ولكن االله هو بنفـسه الذي حقَّق النصرة للمكابيين كقول نبوة زكريا :
+ «في ذلك اليوم إني ألتمس هلاك كل الأُمم الآتين علـى أُورشـليم . » ( ٩:١٢ زك ).

وفي سنة ١٣٤ ق.م قُتل سمعان غدراً بواسطة زوج ابنتـه “بطليمـوس بـن أبوبس (” الذي أراد أن يستولي على البلاد ) فبكته أُورشليم بمناحة عظيمة جـداً .

وبعد موت سمعان اعتلى ابنه يوحنا القيادة ورئاسة الكهنوت معاً باسـم يوحنـا هركانوس.

وتمتد نبوة زكريا لتشمل تصوير مقتل رئيس الكهنة مسيح الـرب حينمـا طُعن بيد إسرائيلية وما رافق هذا العمل المشين من بكاء الشعب ونحيبه علـى كافة طبقاته وأسباطه لأنه كان رئيساً محبوباً جداً. وهنا ترتفع النبـوة فجـأة لتمزج بين هذا المنظر ومنظر مسيح آخر هو الرب نفسه، وطعنة أخرى بيـد إسرائيلية، وهي يد رئيس الكهنة الخفية، ونحيب بنات أُو رشـليم عليـه مـع إسرائيل كلها بكل أسباطها على مدى الزمان وإلى نهاية كل زمان .

وعندما نقرأ كلمات النبوة نندهش كيف استطاع اللفظ أن يحمل ويشمل طعنة سمعان رئيس الكهنة وطعنة المسيح يسوع في نفس الوقت معاً، ولكن لا عجب فقد استطاع الروح أن يجعل الطعنة مصوبة إلى سمعان كما إلى المـسيح الذي مسحه وأرسله، عندما يقول النبي: «وينظرون إليَّ (بتشديد ياء المتكلِّم) الذي طعنوه» (زك ١٠:١٢). ويمكن قراءتها للتوضيح هكذا “: وينظـرون إليَّ أنا الذي طعنوه ”. لأن الذين طعنوا سمعان لم يطعنوا سمعان بل طعنوا االله الذي قدسه للخدمة، كما أن الذين طعنوا المسيح لم يطعنوا جسداً مائتاً بل طعنـوا قلب االله الذي أرسله !!
+ «وأفيض على بيـت داود وعلـى سـكان أُورشـليم روح النعمـة والتـضرعات فينظرون إليَّ ( أنا) الذي طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد لـه، ويكونون في مرارة عليه كمن هو في مرارة على بِكـره، في ذلـك اليوم يعظم النوح في أُورشليم كنوح هدد رِمون في بقعة مجـدون . »( زك١٢: ١٠ ،١١) .


فاصل

المراجع:

  1. تاريخ بني إسرائيل – الأب متى المسكين
  2. تاريخ العهد القديم مبسط – القس مكسيموس صموئيل

فاصل

كما يمكنك أن تقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى