حجَّي النبي

 

عاد زربابل من السبي ومعه خمسون ألفًا من اليهود ليعيدوا بناء الهيكل ويردّوا لإسرائيل بهجته في الرب، لكنّهم إذ وجدوا مقاومة توقّفوا فاستكان البعض للموقف وانشغل كل واحد ببناء بيته الخاص تاركين بيت الرب خرابًا. فجاء حجَّي يحثّ الكل على العودة إلى العمل.

حجي اسم عبري معناه “عيدي”  أو “المفعم بهجة، ربّما سُمي هكذا لأجل توقّع العودة من السبي بفرح، أو لأنه ولد في يوم عيد.

وُلد حجّي في أرض السبي، وعاد حجي النبي مع زربابل في الرجوع الأول سنة 536ق.م، ويعتبر هو وزكريّا وملاخي أنبياء ما بعد السبي. ومارس حجّي عمله النبوي حوالي عام 520 ق.م.، في السنة الثانيّة لداريوس ثالث ملوك الفرس، وقد بدأ عمله قبل زكريّا النبي بشهرين، ارتبط معه بصداقة قويّة ووحدة في الهدف، وقد جاء في التقليد اليهودي إنهما دفنا في قبر واحد. وقد تنبأ زكريّا لمدّة 3 سنوات أما حجّي فلمدّة 3 شهور 24 يومًا.

عاش حجّي النبي في ذات الظروف التي عاشها زكريا النبي، يحمل ذات مشاعره، فنحن نعلم أن أنبياء ما قبل السبي كثيرًا ما هدّدوا بالسبي قبل حدوثه (586 ق.م)، وقد تحقّقت هذه النبوّات، لكن الله لم يترك الأمر هكذا وإنّما سبق فأعلن بالأنبياء عن العودة من السبي البابلي بعد سبعين عامًا (إر 25: 11-12؛ دا 9: 2)، وقد تحقّق ذلك أيضًا عندما انهارت المملكة البابليّة أمام الفرس فسمح كورش ملك الفرس لزربابل الذي من نسل داود أن يرجع إلى أورشليم ليُعيد بناء الهيكل. وإذ وضع زربابل الأساسات، قام السامريون بمقاومتهم (عز5:4) فتوقف العمل لمدة حوالي 15سنة. وإذ مرّ أكثر من خمس عشر عامًا والعمل متوقّف دون إبطال رسمي للمنشور الذي أصدره كورش، وإذ ملك داريوس حان الوقت للعمل من جديد. هنا جاءت المقاومة لا من الخارج بل من الداخل، إذ انشغل كل واحد ببناء بيته الخاص. فقام حجّي النبي ومن بعده بشهرين زكريّا ينذران الشعب ويحثّانهم على العمل في بيت الرب بقوّة وغيرة قلبيّة.

عندما بدأ العمل بالفعل للأسف قام بين الشيوخ الذين شاهدوا الهيكل الأوّل يثبّطون الهمم إذ حسبوا الهيكل الجديد كلا شيء بمقارنته بالهيكل القديم، ولولا حكمة النبيّان لتوقّف العمل تمامًا وتحوّل الفرح إلى حزن خلال روح اليأس الذي بثّه هؤلاء الكبار.

لم يكن دور حجّي النبي مجرّد الحث على إعادة بناء الهيكل ولكنه دخل بهم إلى مفاهيم روحيّة عميقة تمس علاقتهم بالله على مستوى القلب الداخلي، فقد أبرز النبي الآتي:

  1. الحاجة عن التخلّي عن الذات لإقامة بيت الرب داخل النفس، أي صلب الأنا ليعلن السيّد المسيح ملك على القلب كما في هيكله المقدّس.
  2. تأكيد أن “الله أولًا”، فأن كان الشعب قد انهمك في بناء بيوت خاصة متجاهلين العمل في بيت الرب، فأن هذا التصرّف يكشف عن حالهم الخطير إذ حسبوا الله ثانويًّا في حياتهم. الله لا يسكن في بيوت ولا يطلب أمجادًا زمنيّة لكنّه يطلب أن يكون الأوّل في حياة أولاده الذين أعطاهم الأوّلويّة بين خليقته، فيردون مبادرته بالحب لهم بمبادرتهم بالحب له. إن كان من أجل تنازله قبل أن يكون له هيكل وسط شعبه إنّما ليؤكّد حلوله في وسطهم، لهذا يليق بهم الاهتمام بالهيكل لا من أجل فخامته وإنّما علامة حب داخلي وشوق وفرح بالله الساكن في وسطهم.

الله لا يطلب الذهب ولا الفضة ولا حتى العمل في ذاته، ولكنه يود قلوبهم مسكنًا له!

  1. نجح حجّي النبي لا في نقل أفكارهم من البناء الحجري إلى القلب كبيت داخلي للرب وإنّما أيضًا في الكشف عن مجد البيت الجديد الذي يقوم خلالتجسّد الكلمة، أي بظهور مشتهى كل الأمم.  بقيامته وصعوده أعطانا المجد الأبدي في هيكله الذي هو جسده. لقد تحدّث عن هذا الهيكل مع اليهود قائلًا: “انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه” (يو 2: 19). يُكمل الإنجيلي: “فقال اليهود في ست وأربعون سنة بُني هذا الهيكل أفأنت في ثلاثة أيام تقيمه؟! وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده، فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه إنّه قال هذا فآمنوا”.

فاصل

المراجع:

  1. تاريخ بني إسرائيل – الأب متى المسكين

فاصل

نحميا العودة من السبي النبي زكريا 
تاريخ العهد القديم

 

زر الذهاب إلى الأعلى