عاموس النبي
عاموس كلمة عبريَّة تعني “حامل الثقل” أو “ثقل” ويقول التقليد اليهودي أنه كان ثقيل اللسان، متلعثمًا في كلماته.
يعتبر عاموس هو أول الأنبياء الكتَّاب Writing Prophets، سجل لنا نبوَّاته في أسلوب شعري عذب وبسيط، وإن كان أقل فصاحة من يوئيل.
عاش في أيام عزِّيا ملك يهوذا ويربعام الثاني ملك إسرائيل قبل حدوث الزلزلة المشهورة (1: 1، 5: 9) والتي أشار إليها زكريَّا النبي بعد 300 عام (زك 14: 5). غالبًا ما يكون قد ظهر حوالي عام 760 ق.م. فعاصره هوشع النبي في أواخر أيامه، كما عاصر فترة بدء خدمة إشعياء النبي، وفي أيامه أيضًا تنبَّأ يونان ابن أمتاي في إسرائيل (2 مل 14: 25).
عاش في تقوع على بعد حوالي 12 ميلاً جنوب أورشليم في وسط أسرة مجهولة وفقيرة، كراع للغنم (1: 7) وجاني جمِّيز (7: 14). فلم يكن أحد أعضاء مدرسة الأنبياء هو أو والده، لذا في اتِّضاع قال عن نفسه أنه ليس بنبي (رسمي) ولا ابن نبي، إنما التزم بالعمل النبوي بناء على دعوة إلهيَّة.
مع أنه نشأ في تقوع – في مملكة يهوذا – لكنه ذهب إلى بيت إيل حيث الهيكل الرئيسي لمملكة إسرائيل – مملكة الشمال – وتحدَّث عن خراب هذه المملكة بسبب خطاياها. الأمر الذي أثار الكاهن الأول لبيت إيل “أمصيا”، فقدَّم عنه تقريرًا ليربعام الثاني ملك إسرائيل كخائنٍ، وأمره أن يترك المدينة. ولعلَّه كتب هذا الموجز لنبوَّاته بعد عودته إلى بلدته تقوع.
عمله كراعً وجاني جميز أعطاه فرصة للحياة التأملية، مقدماً صوراً كثيرة من الواقع الذي عاشه بروح ملتهب. ويجيب أمصيا في تواضع أنه راعً وجاني جميز، فأخذني الرب من وراء الضأن (14:7،15) كأن الله أختاره للنبوة وهو غير مستحق لذلك.
كان يتردد على مدن إسرائيل ليبيع الصوف، ويلاحظ الأمور السياسية والدينية وتأثر مماّ رآه فيها من الشرور والانحطاط. وكان هذا الوقت وقت نجاح زمني. فكان عزيا ملك يهوذا غنياً وقوياً، وأمتد لمدخل مصر (2أي8:26) وكان يربعام ملك إسرائيل مقتدراً في الحرب ورد تخم إسرائيل من مدخل حماة إلى بحر العربة (2مل25:14) وبيده خلَّص الرب شعبه إسرائيل. ولكن هذا الزمن كان زمن ظلم ورياء وفساد وتمسك بطقوس ومظهريات الدين دون جوهره. وكان عاموس كلوط البار يعذب نفسه البارة بما ينظر ويسمع من سيرة الأردياء فشهد عليهم وكلمهم بكلام الرب بلا خوف.
الظروف المحيطة به:
من الجانب السياسي عاصر عاموس النبي يربعام الثاني حفيد ياهو القائد العظيم الذي قتل الملكة إيزابل الملكة الشرِّيرة ونسلها، وقد اشتهر يربعام بالقوَّة والصلابة فامتدَّت مملكته وازدهرت وفي نفس الوقت كان عزِّيا ملك يهوذا رجلاً ناجحًا وقويًا، فكانت مملكة يهوذا أيضًا تتَّسم بالقوَّة والاستقرار.
هذا وقد سند الجانب السياسي آرام (سوريا) قد انشغلت في ذلك الوقت في الحرب مع آشور، الأمر الذي أنهك قوي آرام، ممَّا جعل إسرائيل تسترد الكثير من ممتلكاتها التي اغتصبها آرام منه. كما أن آشور – في عصر عاموس – قد صار يحمل جوًا هادئًا من جهة مصر، فلم يعد يقوم بغارات على مصر مخترقًا إسرائيل لينهب ويقتل ويُشرِّد أثناء عبوره عليها.
هذا الاستقرار السياسي وازدهار إسرائيل ويهوذا أدَّى إلى ازدهار التجارة الداخليَّة وامتدادها إلى دمشق ممَّا رفع من المستوى الاقتصادي للمملكتين، لكن كثرة الأموال والغنى الفاحش أدَّى إلى ظهور طبقتين، طبقة غنيَّة جدًا هي طبقة التجَّار يعيشون في حياة الترف الزائد، وطبقة فقيرة للغاية هي طبقة الفلاَّحين، يئنُّون من قسوة الطبقة الغنيَّة وظلمها الفادح، وقد نشأ عاموس وسط هذه الطبقة يمارس حياة الحرمان والفقر المدقع، ويلمس من بعيد حياة البذخ المفرط الذي يعيشه الأغنياء، فجاءت نبوَّته أشبه بثورة اجتماعيَّة ضد الظلم والاستعباد والفساد. فهو لا يطيق أن يرى غنيًا على سرير من عاج، بينما يُباع الاخوة الفقراء بزوج من النعال!
هذا التفاوت الاجتماعي والاقتصادي أدَّى إلى انحلال خلقي مُرَّ، كما تكشف النبوَّة عن ظهور صور بشعة من الزنا والغش والرشوة والكذب… الخ.
كثرة الأموال في أيدي الأغنياء جعلتهم يتطلَّعون إلى أن العبادة مجرد تقديم أموال للهيكل وتقدمات وذبائح لله؛ وكأن الله يُشترى بأموالهم أو يُرتشى بتقدماتهم… الأمر الذي أقام شرخًا بين الطقس والروح، فصارت الحياة التعبديَّة بعيدة كل البعد عن السلوك الروحي العملي، وفقدت الذبائح مفهومها اللآهوتي والروحي عندهم.
ربَّما الاستقرار السياسي مع كثرة الأموال أدَّى إلى نوع من القوميَّة اليهوديَّة المتعصِّبة التي بلا روح، فظنُّوا أن يهوه هو إله خاص بهم يحابيهم على حساب الأمم، مهما كان شرِّهم. لذا جاء هذا النبي يؤكِّد أن الله هو “إله الجميع” لا يطيق الخطيَّة، أيَّا كان مرتكبها سواء من الأمم أو من اليهود، وإذ يقدِّم الخلاص يدعو اسمه على جميع الأمم (عا 9: 12).
يونان النبي | مملكة إسرائيل | هوشع النبي |
تاريخ العهد القديم |