تفسير يشوع بن سيراخ ١٠ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح العاشر

الآيات (1-5): “1 القاضي الحكيم يؤدب شعبه وتدبير العاقل يكون مرتبا. 2 كما يكون قاضي الشعب يكون الخادمون له وكما يكون رئيس المدينة يكون جميع سكانها. 3 الملك الفاقد التأديب يدمر شعبه والمدينة تعمر بعقل ولاتها. 4 ملك الأرض في يد الرب فهو يقيم عليها في الأوان اللائق من به نفعها. 5 فوز الرجل في يد الرب وعلى وجه الكاتب يجعل مجده.”

إذا كان القاضي حكيماً والملك حكيماً والرئيس هكذا، فطوبى لهذا الشعب، فالشعب سيسلك بحسب قوانين هذا الحاكم حتى لا يتعرض للعقوبة= القاضي الحكيم يؤدب شعبه. ولكنه إن كانقاضي الشعب أي حاكمه فاسداً= هكذا يكون الخادمون له. والعكس فلو كان صالحاً هكذا يكون شعبه. ويا ويل شعب كان له ملكه فاسداً أو مجنوناً (هتلر مثلاً) فهذا يدمر شعبه. ولكن إذا كان هناك شعب فاسد فالله يعطيه حاكماً فاسداً ليؤدب هذا الشعب بأن يخربه إذ لا يصلح فيه تأديب (آية4). والله يعطي النجاح للحاكم الصالح= فوز الرجل في يد الرب. ويسمى الملك الصالح هنا الكاتب. فالكاتب هو من عنده الشريعة ويفهمها ويعلمها. والملك الصالح هو من يفهم أنه خادم لله يطبق شرائع الله فيما ينفع الناس وعلى مثل هذا الملك يجعل الرب مجده على وجهه. وملك حكيم مثل سليمان نشر الرخاء في بلده. وعلى أي الأحوال علينا كشعب الخضوع للحاكم أياً كان فهو معين من قبل الله (رو1:13).

 

(6-22): “6 إذا ظلمك القريب في شيء فلا تحنق عليه ولا تأت شيئا من أمور الشتم. 7الكبرياء ممقوتة عند الرب والناس وشانها ارتكاب الإثم أمام الفريقين. 8 إنما ينقل الملك من أمة إلى أمة لأجل المظالم والشتائم والأموال. 9 لا أحد اقبح جرما من البخيل لماذا يتكبر التراب والرماد. 10 لا أحد اكبر إثما ممن يحب المال لان ذاك يجعل نفسه أيضا سلعة وقد اطرح أحشاءه مدة حياته. 11 كل سلطان قصير البقاء أن المرض الطويل يثقل على الطبيب. 12 فيحسم الطبيب المرض قبل أن يطول هكذا الملك يتسلط اليوم وفي غد يموت. 13 والإنسان عند مماته يرث الأفاعي والوحوش والدود. 14 أول كبرياء الإنسان ارتداده عن الرب. 15 إذ يرجع قلبه عن صانعه فالكبرياء أول الخطاء ومن رسخت فيه فاض أرجاسا. 16 ولذلك انزل الرب بأصحابها نوازل غريبة ودمرهم عن أخرهم. 17 نقض الرب عروش السلاطين واجلس الودعاء مكانهم. 18 قلع الرب أصول الأمم وغرس المتواضعين مكانهم. 19 قلب الرب بلدان الأمم وأبادها إلى أسس الأرض. 20 اقحل بعضها وأباد سكانها وأزال من الأرض ذكرهم. 21 محا الرب ذكر المتكبرين وأبقى ذكر المتواضعين بالروح. 22 لم تخلق الكبرياء مع الناس ولا الغضب مع مواليد النساء.”

هذه الآيات كلها ضد الكبرياء. إذا ظلمك القريب فلا تحنق عليه ولا تشتم= فمن الكبرياء أن ينفعل الإنسان= يحنق= لحظياً دون أن يهدأ ويفكر ثم يعاتب. ولكن من يتهيج لحظياً ويشتم فهذا نوع من الكبرياء، ولذلك طلب السيد أن نذهب ونعاتب ونحاول الصلح عن طريق الكنيسة. ولذلك جاءت الآية في ترجمة أخرى “لا تحقد على القريب لأي ضرر كان ولا تعمل شيئاً وأنت مغتاظ”. والكبرياء ممقوته الله يكرهها والناس يكرهونها. وشأنها إرتكاب الإثم أمام الفريقين= وفي ترجمة أخرى “والظلم عند كليهما خطأ” فالكبرياء ينشى ظلماً وهذا إثم ممقوت أمام الله والناس. شأنها إرتكاب الإثم= أي أن الكبرياء تؤدي لإرتكاب الإثم والمظالم، فالإنسان المتكبر لا يهتم سوى بنفسه. بل إن الملك قد يضيع من مملكة لكبرياء حكامها وظلمهم. لا أحد أقبح جرماً من البخيل= المقصود من يظلم الناس ليكتنز المال وبهذا يظن أنه يتسيد العالم وهذا كبرياء فهو ينسى أنه تراب ورماد. بل من محبة المال يصل الإنسان لأن يبيع نفسه= يجعل نفسه أيضاً سلعة. وقد إطّرح أحشاؤه مدة حياته= في ترجمة أخرى “أنتنت  أحشاؤه” فالسلوك هكذا يفسد داخل الإنسان. ومهما كان الإنسان له من سلطان فسيموت= كل سلطان قصير البقاء وهناك أمراض لا علاج لها عند الأطباء= يثقل على الطبيب= يعجز عنه الطبيب ويتحدى الطبيب فلا يستطيع أن يشفى المريض وهذا معنى يثقل على الطبيب فيحسم الطبيب المرض قبل أن يطول= فلماذا تنتفخ يا إنسان، فلربما أصابك مرض من هذا النوع وتصير ضعيفاً بعد قوة وعاجزاً بعد سلطان (نبوخذ نصر صار كالحيوان بعد كبريائه). بل عند موت الإنسان يأكله الدود. ولاحظ أن أول كبرياء الإنسان إرتداده عن الرب= فمن هو قريب من الرب تجد عينه مفتوحة يرى الحقائق كما هي، يرى الرب في عظمته فيدرك حقارته فلا يتكبر، ومن يبتعد عن الرب تنغلق عينيه فلا يرى في الدنيا سوى نفسه فيتكبر. وما الذي دفع الإنسان ليبتعد عن الله؟ هو أن تكون للإنسان إرادة أخرى غير إرادة الله، وهذا كبرياء فهل إرادتي أفضل من إرادة الله، هل فهمي أفضل= الكبرياء أول الخطاء أي أول الخطية. ومن سقط في هذه الخطية ورسخت فيه فاض أرجاساً= وهذا ما حدث مع الشيطان. “قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح” (أم18:16). والله من محبته يضرب هؤلاء ليتضعوا فلا يهلكوا= أنزل الرب بأصحابها نوازل غريبة ودمرهم عن أخرهم= الله يدمر ويميت من لا أمل في إصلاحه، ويترك من فيه أمل لينصلح حاله. وآية (17) هي ما قالته العذراء مريم (لو52:1). قلع الرب أصول الأمم= قد تفهم مثلاً عن الكنعانيين الذين خلعهم الرب من الأرض وأعطاها لشعبه. ولكن المعنى الأشمل هو أن الله خلع الشياطين وأسقطهم وطردهم من السماء لكبريائهموغرس المتواضعين= من البشر. وأيضاً يسمى الشياطين سلاطين. نقض الرب عروشهم ليجلس الودعاء من البشر (راجع كو15:2).  قلب الرب بلدان الأمم (بابل مثلاً وأشور) بسبب كبريائهم لم تخلق الكبرياء مع الناس= فالإنسان مخلوق على صورة الله في الوداعة والإتضاع.

 

(23-28): “23 أي نسل هو الكريم نسل الإنسان أي نسل هو الكريم المتقون للرب أي نسل هو اللئيم نسل الإنسان أي نسل هو اللئيم المتعدون للوصايا. 24 فيما بين الاخوة يكون رئيسهم مكرما هكذا في عيني الرب الذين يتقونه. 25 الغني والمجيد والفقير فخرهم مخافة الرب. 26 ليس من الحق أن يهان الفقير العاقل ولا من اللائق أن يكرم الرجل الخاطئ. 27 العظيم والقاضي والمقتدر يكرمون وليس أحد منهم اعظم ممن يتقي الرب. 28 العبد الحكيم يخدمه الأحرار والرجل العاقل لا يتذمر.”

الله خلق الإنسان على صورته كريماً أي يستحق الكرامة ويظل كذلك لو ظل يتقي الرب في حياته. والعكس. فيما بين الإخوة يكون رئيسهم مكرماً هكذا يكون في عيني الرب الذين يتقونهمكرمين، والفرق أن الرئيس يكرمه إخوته مدة حياته، أما الله فيكرم من يتقيه بمجد أبدي. لذلك ففخر الإنسان أياً كان غنياً أو فقيراً هو أن يخاف الرب، والسبب أن الله نفسه يكرمه. وكيف يكرم الناس رجل خاطئ، الله لا يقبله بل يرفضه. بل أن أعظم درجة للناس هي لمن يتقي الرب. العبد الحكيم يخدمه الأحرار= فالله رفعه. والرجل العاقل لا يتذمر من ذلك= فالله هو الذي أعطى له هذه الكرامة فهل نعترض.

 

(29-34): “29 لا تعتل عن الاشتغال بالأعمال ولا تنتفخ في وقت الإعسار. 30 فان الذي يشتغل بكل عمل خير ممن يتمشى أو ينتفخ وهو في فاقة إلى الخبز. 31 يا بني مجد نفسك بالوداعة وأعط لها من الكرامة ما تستحق. 32 من خطئ إلى نفسه فمن يزكيه ومن يكرم الذي يهين حياته. 33الفقير يكرم لأجل عمله والغني يكرم لأجل غناه. 34 من اكرم مع الفقر فكيف مع الغنى ومن أهين مع الغنى فكيف مع الفقر.”

هي حث على العمل فلا يجوع الإنسان. لا تعتل عن الإنشغال بالأعمال= لا تترفع عن أي عمل لتأكل خبزاً. وإذا إمتنعت وجعت فلا تنتفخ في وقت الإعسار= الإعسار أي العوز والفقر. فمن ينتفخ وهو لا يملك شيئاً سيكون ضحكة للناس. فالذي يشغل بكل عمل (ولا يتكبر على نوعية العمل) خيرٌ ممن ينتفخ وهو في فاقة (إحتياج) إلى الخبز (2تس6:3-12). مجد نفسك بالوداعة= الوديع يحبه الناس وهذا يكون له مجداً. واعط لها من الكرامة ما تستحق= ليس بأن ينتفخ الإنسان، بل بأن يسلك الإنسان بلا عيب فلا يهينه أحد “لا يستهن أحد بحداثتك بل كن قدوة للمؤمنين” (1تي12:4). لذلك يكمل أن من يخطئ يهين حياته ولا يكرمه أحد. وقد يكون هناك فقيراً لكن لأجل أعماله العظيمة يكرمونه، أما الغني فيكرمونه لأجل غناه. فكم وكم لو كان فقيراً وأكرموه ثم إغتنى وظل محافظاً على تقواه.

 

زر الذهاب إلى الأعلى