القديس باسيليوس الكبير

 

واحد من الاباء الثلاثة الكبادوك ، يلقب بالقديس باسيليوس الكبير، ، إن كفاءته تُظهره بأنه رجل الدولة الكنسي والمُنظم، ويعتبر الشارح العظيم للتعليم المسيحي. يُلقب بأب النسك الشرقي، ومُشكل الليتورجية (مُكونها ) ، إنه يستحق کثیر من الألقاب .

 

القديس باسيليوس الكبير

ميلاده ونشأته

ولد في قيصرية كبادوكيا حوالي 329 م ، من أسرة متميزة بالحياة المسيحية وتحيا بإرشاد الروح القدس. ودعيّ أسمه باسيليوس على أسم والده(الملكوت باللغة اليونانيّة). بالإضافة إلى أصله الشريف وثراء أسرته ، تلقى تعليمه الأولى من والده، وهو من المشهورين بالبلاغة في قيصرية الجديدة من ولاية بنطس ، وكان إبناً للقديسة ماکرینا الكبيرة، التي كانت تلميذة للقديس غريغوريوس العجائبی ، وكان إسم أمها إميليا، وكانت إبنة لشهيد وكان لها عشرة بنين ، ثلاثة منهم صاروا أساقفة وهم القديس باسيليوس ، القديس غريغوريوس النيصي ، القديس بطرس أسقف سبسطية. وكانت شقيقته الكبرى القديسه ماکرينا الصغيرة نموذج فريد للحياة النسكية.

وقد نشأ القدّيس باسيليوس وتربى على يديّ جدته ماكرينا في قرية بالقرب من قيصرية الجديدة،  حيث قامت والدته ببناء هيكلًا على اسم الأربعين شهيدًا الذين استشهدوا في سبسطية.

مع غريغوريوس النزينزي

حصل الشاب الموهوب على تعليمه العالي في مدارس البلاغة في مسقط رأسه في قيصرية، والقسطنطينية ، وأخيراً بعد عام 351م في أثينا، وفي هذه المدينة الأخيرة إلتقى بالقديس غريغوريوس النزینزی ، ودخل معه في صداقة طويلة الأمد ، وعاد إلى مدينتة حوالي عام 356م ، وبدأ ممارسة عمله كمعلم للبلاغة،  ثم كرس حياته لخدمة الرب . كتب في أحدى رسائله يصف هذه الصحوة الروحية فيقول” لقد أمضيت وبددت وقتاً كثيراً في السخافات ، وقضيت تقريباً كل أيام شبابي في العمل الفارغ ، وكرست

وقتاً طويلاً لتعلم الحكمة ، التي وصفها الرب بأتها باطلة (1كو1: 20)، وفجأة إستيقظت من غفلتی وشاهدت النور العجيب الذي لإنجيل الحق ، وإكتشفت خواء وفراغ حكمة رؤساء هذا العالم التي تؤدي إلى جهالة حقيقية(1كو2: 6)، لقد سكبت دموعاً سخينة ، باكياً تفاهة حیاتی وصلیت لکی يقودني إلى مبادئ التقوى”

 

معموديته ورحلاته

كانت أولى خطواته هي أن ينال سر المعمودية ، والخطوة الثانية كانت رحلته إلى أرض مصر ، فلسطین ، سوريا ، وما وراء النهرین، لکی ينال شرف لقاء رجال النسك المشهورين ، لقد أثرت حياتهم فيه إذا يقول : “لقد أعجبت بنهجهم الحياتي ، وبمثابراتهم في الكفاح ، وكذلك المثابرة في الصلاة وبغلبتهم للنوم وبالسمو فوق حاجات الطبيعة الضرورية ، وبحفظهم لنفوسهم في الحرية والرفعة ، وفي الصبر على الجوع والعطش ، وإحتمال البرد والعرى ، إنهم يعيشون في الجسد وكأنهم لا يعيشون فيه ، كما أن أعمالهم ثبت إنهم يؤهلون لهذه الحياة ، إنهم يحيون المواطنة السمائية ، إن كل هذا قد حرك إعجابي بهم ، لقد لقبت هؤلاء الناس بالمباركين «الطوباويين» إنهم يظهرون إنهم يحملون في أجسادهم أماتة يسوع , لقد صليت كثيرة لكي أقتدي بهم في حياتهم» 

 

العودة إلى قيصرية كبادوكيا

وعند عودته قسم حياته بين الفقراء والذهاب إلى العزلة ، ليس بعيداً عن قيصرية الجديدة على نهر الآيرس، وأحاط نفسه بأصدقائه الذين شاركوه حياته التوحدية.

وعندما زاره صديقه القديس غريغوريوس النزينزی عام 358م ، وأعدا معاً كتابة الفلوكاليا Philocalia، وهي تعتبر مقتطفات أدبية من أعمال أوريجانوس . وكتبا أيضا قوانين للحياة النسكية المشتركة حملت إسم باسیلیوس ومعمول بها في الرهبنة اليونانية.

رسامته كاهناً

في هذه الفترة لمعت شخصية القديس باسيليوس کرجل مواقف ، وفي فترة قصيرة أوجد العديد من الأديرة – ليس مدهشاً أو غريباً أن يوسابيوس مطران قيصرية كان يتلهف عليه لكي يستفيد من مواهبه العديدة في إيبارشيته . وفي حوالي عام 364م تمکن يوسابيوس من إقناع القديس باسيليوس أن يصير کاهناً وقد وافق باسيليوس وصار هو الكل في الكل بالنسبه له ، مشیر جید ، مساعد ماهر، مفسر للأسفار المقدسة ، مُؤد نشط لكل واجباته، وكانت الهيئة العاملة معه من كبار السن ، يسانده إيمانه ، كما يصف ذلك القديس غريغوريوس التزينزي في عظته.

 

رسامته أسقفاً

 بعد وفاة يوسابيوس عام ۳۷۰م أصبح القديس باسيليوس رئيس أساقفة على قيصرية كبادوكيا وحاكماً على الإيبارشية المدنية في بنطس ، لقد كسب محبة شعبه ، وأسس مستشفيات لعلاج المرضى والمصابين بالأوبئة ، وأسس مساكن لإيواء الفقراء ونزل للمسافرين والغرباء ، كما يتكلم القديس غريغوريوس النزينزي في حديثه عن المدينة الجديدة في دفاعه ضد الآريوسية وإحتضان الدولة لها . كان نشاطه لا يتوقف مصحوبة بالحكمة والتعقل ، لم يعرف الخوف أو الرعب في تعامله مع الإمبراطور فالنس. ولا مع الوالي.

لقد بدا كأمير حقيقي للكنيسة في محادثته مع الوالي الذي أرسله الإمبراطور لکی يرهبه بالتهديد وبالتعذيب والنفي والمصادرة، لكي يحصل منه على توقيع أو إعتراف بالآريوسيين ويسجل غريغوريوس التزينزي ذلك في إجابته « إن مصادرة الممتلكات لا تؤذى إنساناً لا يملك شيئاً، إن الآلام والتهديدات التي تهددني بها لا تهمنی ، إني لا أحتاج إلا إلى عباءة أو بعض الكتب القليلة التي هي كل حياتي . هل تُهددني بالنفي ، أني لست مقيداً بمكان معين ، ليست هذه أرضى بل العالم كله ملك لي ، لأن العالم كله ملك للرب حيث أنه هو السيد الحقيقى له وما الذي يمكن أن تفعله هذه التهديدات معي ، ليس لك سلطان على الجسد ، أن الموت يمكن أن يكون رحيماً بی ، لأنه سوف يجعلني قريباً من الله ، الذي لأجله أعيش ولأجله خُلقت ولأجله أجاهد وأرحل إليه » .

لقد اندهش Modestus من هذه الكلمات وقال له لا يجرؤ أحد أن يتكلم معي بهذه الطريقة ، أجاب باسيليوس قائلاً ربما قد لا تكون قد قابلت أسقفاً من قبل ، أنني أعتبر تهدیداتك كأنها لا شئ ، إني أتطلع إلى الله وحده ، لا النيران أو السيوف أو الوحوش ولا كل أدوات التعذيب الجسدي تستطيع أن تؤذينا . هات كل ما عندك وتمتع بما تفعل وبما تفخر به من قوتك ، دع الإمبراطور يسمع بكل ما تقوله ، أنك لا تستطيع أن تُرهبنا أو تفوز علينا مثلما فشل ذلك التعليم الآريوسي في أن يحقق هدفه بالرغم من تهديداتهم المريرة”.

 إن جسارة وعزم القديس باسيليوس تركا إنطباعة لدى الإمبراطور أن يتنازل عن إخضاع الأسقف وجعله يلغي قرار عقابه .

 

نشاطه

كان غرض القديس باسيليوس الرئيسي هو وحدة الكنيسة ، لقد كان يسعى إلى وحدة المسيحيين والأساقفة في الشرق والغرب ، هذا جعله أن يحسب مع القديس أثناسيوس الذي أسس علاقات حسنة بين روما والشرق . لقد أرسل (باسيليوس) رسالة إلى البابا داماسوس ، يصف له فيها عن الإضطرابات التي حدثت في الكنائس في الشرق وتوسل إليه أن يزوره. وكان هدفه أن الأرثوذكسية سوف تنجح إذا لم یکن هناك شقاق بين المؤمنین .

لقد صار نزاع بين أسقفین باولينوس ومیلیتیوس ، حول أيهما الأسقف الشرعي لأنطاكية ، وقد إحتكم القديس باسيليوس إلى القديس أثناسيوس وروما من أجل علاج هذا الإنشقاق

 

نياحته

وكان الإمبراطور فالنس قد مات في 9 أغسطس ۳۷۸م ثم عاد السلام.

ولازم المرض القدّيس منذ طفولته، وكان يشتد عليه خاصة في السنوات الأخيرة.  في سن الخامسة والأربعين دعي نفسه “عجوزًا”، وفي السنة التالية خلع كل أسنانه، وبعد سنتين في 1 يناير ۳۷۹م قبل انعقاد المجمع المسكونی الثانی بخمسة سنوات في القسطنطينية . سُمع يخاطب الله، قائلًا: “بين يديك أستودع روحي” وفي الحال أسلم الروح، وقد اشترك الكلّ مسيحيون ووثنيون في جنازته المهيبة.

 

كتاباته

 القديس باسيليوس ليس فقط هو النظم والمدير الكنسي، بل وأيضاً اللاهوتي العظيم ، في الحقيقة فإن الكتب الليتورجية في الكنيسة اليونانية هو الذي نظمها ، أنه يعتبر الروماني بين المتهللينين ، كتاباته تكشفه وتعلنه کرجل المواقف وواضع المفاهيم العملية الأخلاقية في الرسالة المسيحية ، بينما باقی معلمى الكنيسة إليونانية أظهروا أنهم يميلون إلى ما وراء الطبيعة في دراسة الإنجيل .

ولحسن الحظ فإن كتاباته ظلت باقية على مدى القرون الطويلة ، أسمه لم يطويه النسيان وقد حفظ الكثيرون عظاته ورسائله المرسلة منه إليهم.

  1. كتاباته العقيدية
    كل مقالاته العقيدية كانت ردا على الآريوسية .
     1- ضد أونوميوس :تعتبر أقدم الكتابات العقيدية وهي في ثلاثة كتب.
    2- في الروح القدس: کتب حوالي عام ۳۷۵م يركز على مساواة الروح القدس مع الأقنومين الآخرين ، الإبن والروح القدس مع الآب.
  2. مقالات نسكية
    نسکیات – هو عنوان مجموعة من ثلاثة عشر مقالة منسوب للقديس باسيليوس.
  3.  الوسائل التعليمية
  4. عظات ومحاضرات: 
    ومنها تسع عظات في ستة أيام الخليقة ( الهكساميرون) وكذلك عظات على سفر المزامير وسفر إشعياء وعظات أخرى


  5. الرسائل:
    وتشمل رسائل إلى أصدقائه ورسائل مصالحة ورسائل مشورة ورسائل قانونية وأخلاقية وعقائدية

اللآهوت عند القديس باسيليوس 

 
إن تعليم القديس باسيليوس يتمرکز حول الدفاع عن الإيمان النيقاوی ، ضد فرق الآريوسية المختلفة ، كان صدیق حياته القديس أثناسيوس ، وكانا على وفاق ، لقد كان القديس باسيليوس على وفاق تام مع بطريرك الأسكندرية ، مع إجلاله لتقواه العظيمة ، وقد وصفه بأنه بطل الأرثوذكسية، لقد كان يُعلن نحن لا نستطيع أن تضيف شيئاً إلى قانون نيقية ، ولاحتى أى شئ مهما إلا تمجيد الروح القدس ، وهذا وحده الذي اتفق عليه الآباء.

وبالرغم من هذا التأكيد فان جدارة القديس باسيليوس العظيمة ، جعلته يسعى وراء القديس أثناسيوس ليساند ويساهم في توضيح المصطلحات الثالوثية والكريستولوجية.



1- التعليم الثالوثی 

 بالنظر إلى تعليم القديس باسيليوس عن الثالوث ، نجد أن له الفضل الرئيسي في إرجاع النصف آریوسبين SemiArians إلى الكنيسة ، مُثبتاً المصطلحات اللاهوتية مثل الأوسيا والجوهر والأقنوم.

 يقول في رسالته رقم 214 “الجوهر الأوسیا له نفس العلاقة مع الأقنوم کشركة وفرد ، الأقنوم يشترك في الجوهر الواحد ، وله فرادته ، الجوهر يشترك في الألوهة ، هناك أقنوم الأب وأقنوم الإبن وأقنوم الروح القدس الذين لهم قوة التقديس .”

يقول عن سابيلليوس «لقد سقط في الإعتراف بشركة الجوهر أو شركة الوجود الآلهي ، وإنحرف إلى تعدد الآلهة ، إنه يرفض تمايز الأقانيم هذا الأمر يحملنا إلى العودة لليهودية»


 

2 – الروح القدس


لقد أتُهم القديس باسيليوس بأنه مشارك للنصف آريوسيين ، وأنه تبني أقوالهم بعدم تلقيب الروح القدس بالرب بكل وضوح ، وذلك في رسالته في الروح القدس، وقد هوجم لذلك من الرهبان ، وقد كتب إليه القديس أثناسيوس الرسولي يدعم موقفه ، ويعتبر أن ما فعله كان تدبيراً،  يقول له «للضعيف صرت ضعيفة لتربح الضعيف» ، هذا الموقف جعل كثير من الأساقفة يوبخون القديس باسيليوس مراراً ، لكن القديس باسيليوس كان يؤكد على أن الروح القدس هو الله .
يقول القديس غريغوريوس النزينزي في رسالته 58 وفي مديحه لباسيليوس  «إن أعدائنا الذين يعرضون فکرهم السقيم وينكرون أن الروح هو الرب ، هؤلاء الموصوفون بعدم التقوى والضلال ويكتسحون بتعليمهم الشرير أفاق الكنيسة ، أما باسيليوس فقد كان كمجادل ماهر يملك البرهان الأعظم الذي كتب بقلمه مقالته ، وإستعار من مستودع الروح ، قد أجل الحديث قليلاً بواسطة التدبير الذي أتبعه ، وقد أمسك قليلا عن الحديث عن الروح القدس باعتباره الرب ، مع العلم بان باسيليوس ليس أقل من غيره في تلقيب الروح القدس بأنه هو الله ، إنه – أي باسيليوس – يُکرم ويمجد الروح القدس في شركة الجوهر الواحد مع الآب والابن.
 
 

3- الإفخاريستيا

من خلال ملاحظاته عن الإفخارستيا ، نلمس تاريخ الشركة المقدسة في رسالته رقم ۹۳ الموجهة إلى الشريفة الرومانية في قيصرية عام ۳۷۲م ، يتكلم عن التناول المستمر اليومي من جسد الرب ودمه: “من المفيد أن نتناول من الأسرار المقدسة كل يوم ونشترك في الجسد والدم الذي للمسيح ، لأنه يقول خذوا كلوا هذا هو جسدي ، وخذوا إشربوا هذا هو دمي للحياة الأبدية (يوحنا 6: 54) : وهو المسيح – بلاشك يدعونا أن نقاسمه الحياة ونستحق الحياة ، أنا في الحقيقة أتناول أربعة في الأسبوع في يوم الرب – الأحد – ، الأربعاء ، الجمعه ، السبت وكذلك في الأيام التي نحتفل فيها بتذكارات أي من القديسين.


4- الاعتراف


الإعتراف في الكنيسة الجامعة كان نظاماً إجبارياً ، الإعتراف بالخطایا كلها حتى السرية جدا، وكان الإعتراف عمل أسراری ، وكان يحمل معنى التلمذة، حيث ينال المعترف توجيهات روحية ، وفي الأديرة كان هناك الإرشاد الروحي بدون حل کهنوتي أو مصالحة أسرارية reconciliation ، ولكن كان هناك الإعتراف الكهنوتی .

كانت هناك في الرسائل القانونية ، كما على أيام غريغوريوس العجائبی ، عقوبات وتأديبات تشمل العزل من الخدمة الليتورجية ، حيث يذكر الباكين الذين يظلون خارج الكنيسة وهناك الساجدین ، وهناك السامعين ، الذين حضرون إلى الكنيسة ويسمعون الكتب المقدسة وكذلك العظة، حالة الساجدین الذين حضرون الصلوات وهم ساجدين على ركبهم ،أخيرا الذين يقفون – الواقفون – طوال الصلاة الخدمية ، ولكنهم لايشتركون في الأسرار.
القديس باسيليوس يذكر في رسالته رقم ۲۱۷ بعض الايضاحات عن
التناول في فترات مختلفة ، والدرجات الأربعة للتائبين، يقول « من أرتكب خطيه الزنا مع أخته سواء من أبيه أو أمه فلا يسمح له الدخول إلى الكنسة ، إلا بعد التوبة يظل باكياً ثلاث سنوات ، ثم واقفاً على الباب ثلاث سنوات أخرى ، ثم بعد ذلك يقف مع المؤمنين سنتين آخرین طالباً الرحمة ، ثم يسمع الأسفار المقدسة والمواعظ ، وبعد ذلك باتضاع قلب وحسرهيرکع بدون تناول ، ثم بعد ذلك يحسب مستحقاً للشركة المقدسة .


فاصل

القديس غريغوريوس العجائبي

الكنيسة الجامعة

القديس غريغوريوس النزينزي

الآباء الكبادوك

تاريخ الكنيسة

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى