تفسير سفر صموئيل الاول – المقدمة للقمص تادرس يعقوب

تسميته:

سفرا صموئيل الأول والثاني في الأصل العبري سفر واحد يحمل اسم “صموئيل”، ليس فقط لأن صموئيل يحتل الدور الرئيسي في الجزء الأول من السفر، وإنما أيضًا لأنه هو أول من مسح ملوكًا لإسرائيل: شاول، داود، وهو أول من قدم هذا النوع من الكتابة النبوية التاريخية بوحي الروح القدس، كما قام بأدوار رئيسية أخرى وردت في هذا لسفر.

كلمة “صموئيل” ليس كما يظن البعض تعني “سأل الله”؛ معتمدين على العبارة: “ودعت اسمه صموئيل، قائلة: “لأني من الرب سألته” (1 صم 1: 20)؛ إنما تعني “سمع الله”، فإن كانت حنة قد قالت “من الرب سألته” إنما عنت أن “الله سمع سؤالها”. عبارة “سألت الله” أقرب إلى “شاول” منها إلى صموئيل[1]. ويرى البعض إن كلمة “صموئيل” تعني “اسم الله” أو “اسمه إله”[2].

قُسم السفر إلى اثنين في الترجمة السبعينية لمجرد أسباب عملية، إذ كانت هناك حاجة إلى استخدام درجين (لفتين roll) عوض درج واحد. واعتبرتهما ضمن “أسفار المملكة”، حيث ضمت الأسفار الحالية الأربعة (1 صم، 2 صم، 1 مل، 2 مل) بكونها تحوي تاريخًا كاملاً لمملكتي إسرائيل ويهوذا. وقد اتبع القديس جيروم ذات التقسيم في ترجمة الفولجاتا اللاتينية، ودعاها “أسفار الملوك”Regum  (1 مل، 2 مل، 3 مل، 4 مل)[3]، عوض “أسفار المملكة”.

أُخذ بهذا التقسيم في الكتاب المقدس العبري في القرن الرابع عشر، وظهر في الطبعة الثانية لدانيال بومبرج Danial Bomberg في فينيسيا عام 1517.

إذن جاءت التسمية الحالية “صموئيل الأول وصموئيل الثاني” عن العبرية، مع استخدام التقسيم اليوناني.

كاتبهما:

بحسب التقليد اليهودي[4] الذي تسلمته كنيسة العهد الجديد كاتب السفرين هما صموئيل النبي – رئيس مدرسة الأنبياء ومؤسسها – إلى ما قبل خبر نياحته وجاد وناثان لتكملة السفرين (1 أي 29: 29-30).

واضح أن مدرسة الأنبياء التي أسسها صموئيل النبي كانت مركز الثقافة اليهودية، لذا احتفظت بسجلات خاصة بمعاملات الله مع شعبه، كما يظهر من القول: “فكلم صموئيل الشعب بقضاء المملكة وكتبه في السفر ووضعه أمام الرب” (1 صم 10: 25). يشير (2 أي 9: 29) إلى ناثان النبي ومعه أنبياء آخرون كمصدر لتاريخ مُلك سليمان.

موضوعه:

  1. إقامة مملكة في الشعب؛ يحوي تاريخ حوالي 115 سنة من ميلاد صموئيل سنة 1171 ق.م. إلى موت شاول.

لقد قدمت لنا الأصحاحات الستة الأولى صموئيل كنبي ومن الأصحاح السادس أبرز السفر دوره أيضًا كقاضٍ. أما صموئيل الثاني فيُبرز داود كملك لا منازع له، يستولى على أورشليم ويقيمها مركزًا جديدًا للعبادة بإحضار التابوت وإقامته في المدينة (2 صم 5-6).

  1. بالنسبة لإقامة ملك لإسرائيل، فقد كان الله نفسه ملكًا على الشعب، هو يختار لهم القادة كأنبياء مثل موسى، وصموئيل أو قضاة كجدعون وشمشون وصموئيل. ولكن لما زاغ الشعب والكهنة عن الحق حلّت بهم تأديبات الرب المتكررة في سفر القضاة، حتى متى شعروا بخطاياهم ورجعوا إلى الله بالتوبة يستجيب لهم ويرسل لهم قاضيًا يُخلصهم. بهذا لم تكن وظيفة القاضي رسمية تُسلم بالخلافة ولا مقصورة على سبط معين. وقد بلغ الانحطاط ذروته حتى ارتكب أبناء الكهنة والقضاة الشرور، وصاروا عثرة للشعب مثل ابني عالي الكاهن وأولاد صموئيل. شعر الشعب بما وصلوا إليه من انحطاط هم وقادتهم، ففكروا في العلاج بأسلوب بشري، بإقامة ملك يدافع هو وأولاده عنهم.

إذ تحدث هذا السفر عن بدء إقامة ملوك لإسرائيل، لذا نجده لأول مرة في الكتاب المقدس يُلقب الله “رب الجنود” (1: 3)، ليُذكر هذا اللقب بعد ذلك أكثر من 280 مرة. وكأن الوحي قد أراد تأكيد أن الله هو الملك المهتم بشيءون شعبه ومدبر أمورهم.

إذ تحدث السفر عن مسح الملوك، لأول مرة أيضًا نسمع في الكتاب المقدس عن “مسح الرب”: “الرب يدين أقاصي الأرض ويعطي عزًا لملكه ويرفع قرن مسيحه” (2: 10). وقد دُعي الملوك مسحاء الرب بكونهم رمزًا للسيد المسيح الذي يملك على الصليب، ويقيم ملكوته في القلب. لهذا لا نعجب إن رأينا داود لا يمد يده ضد شاول بالرغم من رفض الله له، ذلك لأنه مسيح الرب (1 صم 26: 11). هذا وقد صار داود نفسه رمزًا للملك المسيح الذي جاء من نسله حسب الجسد. لذا أكد العهد الجديد نسب ربنا يسوع المسيح لداود في سلسلة الأنساب، وأنه وُلد في مدينة داود، وأنه بالحقيقة ابن داود (راجع أع 2: 25-31؛ رو 1: 3).

هذا ويلاحظ أن هذا السفر [وتكملته (2 صم)] لا يهدف إلى تقديم تاريخ للدين، إنما ركز اهتمامه الأساسي في عرضه لتاريخ إسرائيل على الكشف عن دور الله في حياة شعبه، إذ هو يحكم التاريخ ويوجهه، خاصة في سلسلة الأحداث التي بها أدخل الله النظام الملكي أو سمح به، حيث وجهه إلى بيت داود ليملك إلى الأبد، كبيت مسياني يحمل وعدًا بديمومته[5].

سماته:

  1. يعتبر العرض التاريخي في سفري صموئيل الأول والثاني أول عرض تاريخي رائع في تاريخ البشرية. فقد سبق الكاتب – بالوحي الإلهي – كل المؤرخين في منهجه.

فيما يلي تعليقات بعض الدارسين في هذا الأمر:

[قال أحد العلماء في العصر الحديث: “إن سفر صموئيل سفر رائع للغاية، لا يفوقه شيء في تاريخيته وفي تبصره بالطبيعة البشرية وأسلوبه الأدبي وقوة تصويره للحوادث”. ويُظهر هذا السفر طرائق الله في معاملته للأشخاص سواء كانوا خيرين أم أشرارًا، وكذلك يظهر طرائق معاملة الله للشعوب، ويعطينا صورة صادقة لأعمال الله في قضائه وعقابه (تأديباته) كما في غفرانه ورحمته[6]].

[يلزمنا أن ندرك أن سفري صموئيل يحويان بطريقة غير عادية تاريخًا موضوعيًا وأصيلاً، خاصة تاريخ داود الملوكي. لأول مرة نجد كتابات ما يمكن أن يُسمَّى بالتاريخ في معناه العادي الحديث بمعنى الكلمة. واضح أن تاريخ القصر (الملكي) كُتب بيد شاهد عيان للأحداث، أو باليد التي تقدم المعلومات لأول مرة. لقد كتب القصة بصراحة بأقل ما يمكن من الوعظ. لقد رأى يد يهوه في الأحداث، لكنه كان يفكر في يهوه العامل خلال الأشخاص والأحداث في الحياة العلمانية أكثر مما هو خلال المعجزات. وفي رأي بعض الدارسين أن واضع هذا التاريخ الملوكي هو أول مؤرخ في القديم بطريقة جازمة[7]].

كتب Robert H. Pfeiffer عن واضع سفري صموئيل الأول والثاني بكونه رائد التاريخ الذي سبق كل المؤرخين، قائلاً: [هو أبو التاريخ بكل ما تحمل الكلمة من معنى أكثر من هيروديت الذي جاء بعده بحوالي نصف ألف سنة. حسب معرفتنا هو الذي خلق التاريخ كفن، يستعرض الأحداث الماضية خلال فكر عظيم… من غير أن يكون أمامه نموذج سابق له يقتدي به. كتب نموذجًا رائعًا، لم يتخطَّ الحقيقة التاريخية، حاملاً نظرة سيكلوجية، بأسلوب أدبي في إخراج (تمثيل) قوي[8]].

  1. ألقى سفرا صموئيل الأول والثاني ضوءًا على أهم المؤسسات الدينية في ذلك الوقت، مثل النبوة [مدرسة الأنبياء] والكهنوت [العمل الروحي للكاهن ودوره التعبدي الطقسي غير المنفصل عن حفظ الوصية والطاعة لله بفهم روحي] والمسيانية [الملوك كمسحاء الرب يلتزمون بالطاعة لله في اتضاع لخدمة الشعب].

هذه المؤسسات يقودها روح الله القدوس بكونه أقنومًا إلهيًا، إذ هو:

v     يهب النبوة                                  [1 صم 10: 6].

v     يمنح القلب الجديد                           [1 صم 10: 9].

v     يعطي الغيرة الصالحة                      [1 صم 11: 6].

v     يمنح المواهب                              [1 صم 16: 13، 18].

v     يحفظ الإنسان من الأرواح الشريرة         [1 صم 16: 14].  

  1. يمكن اعتبار سفر صموئيل الأول مقالاً عن الصلاة وثمارها في حياة المؤمنين:

v     جاء صموئيل النبي بركة للشعب ثمرة صلوات أمه   [1 صم 1: 10-28].

v     نال إسرائيل النصرة بصلوات صموئيل النبي                  [1 صم 7: 5-10].

v     إذ رفض الشعب الله كملك عليهم لجأ صموئيل إلى الصلاة فعزاه الله [1 صم 8: 5-6].

v     الصلاة تهب إعلانًا عن الأسرار الإلهية              [1 صم 9: 15].

v     اعتبر صموئيل كفه عن الصلاة من أجل شعبه خطية          [1 صم 12: 13].

v     إذ رفض الله شاول سد أذنيه عن صلاته             [1 صم 28: 6].

يمكننا القول بأن آية هذا السفر الرئيسية هي: “وأما أنا فحاشا لي أن  أخطئ إلى الرب فأكف عن الصلاة من أجلكم” (1 صم 12: 23).

أقسامه:

  1. صموئيل النبي والقاضي           [1 صم 1-7].
  2. شاول الملك                       [1 صم 8-15].
  3. داود الملك                        [1 صم 16-31].

وحدة السفر:

يرى بعض النقاد إن سفري صموئيل الأول وصموئيل الثاني قد كررا الحديث عن بعض الأحداث، فقال بعضهما بأنهما جاءا تجميعًا لمصدرين[9]، أحدهما مصدر مبكر Early Source يحبذ النظام الملكي، والآخر مصدر متأخرLate Source [10] كتب في عصر السبي أو ما بعد السبي يُضاد النظام الملكي ويحمل جانبًا وعظيًا أكثر منه تاريخيًا، حيث ظهرت مساوىء النظام الملكي وفساده. بلغ بالبعض أن قسم عبارة واحدة إلى شطرين، ينسبون جزءًا منها للمصدر المبكر والآخر للمتأخر. كما نادى فريق آخر بأن السفرين جاءا عن ثلاثة مصادر[11] أو أكثر.

وإنني أذكر هنا كلمات القديس أغسطينوس القائل: [بإن المصاعب التي يثيرها البعض عن الكتاب المقدس تدفعنا بالأكثر إلى التمتع بأعماق جديدة خلال دراستنا للكتاب المقدس].

قدم Oesterley and Robinson وغيرهما عرضًا لأهم الأحداث التي ركز عليها النقاد بكونها تكررت في السفرين[12]، وسأقدم ردّ بعض الدارسين إلى ذلك:

  1. تأسيس النظام الملكي في مجموعة معادية للنظام الملكي (مثل 1 صم 8؛ 10: 17-25)، وأخرى محبذة للنظام الملكي (مثل 1 صم 9: 1-16؛ 11: 1-15).

إذا رجعنا إلى النصوص لا نجد تعارضًا بينها بل انسجامًا، إذ يلاحظ الآتي:

أ. في (1 صم 8) استاء صموئيل النبي من طلب الشعب إقامة ملك لهم، وهذا أمر طبيعي، إذ يعني هذا الطلب الآتي:

  1. I. نكرانًا لخدمة صموئيل النبي الذي عاش بينهم باذلاً ومحبًا. لقد انحرف أولاده لكنه لم يلزمهم بقبولهم قضاة لهم، وكان يليق بهم أن ينتظروا عمل الله الذي يقيم لهم قاضيًا يخلصهم كما حدث قبلاً معهم.
  2. II. تجاهلاً لعمل الله المستمر معهم في عصر القضاة، فكان يليق بهم أن ينسبوا الفشل لا إلى نظام الحكم الإلهي Theocaratical System (بطلب النظام الملكي Monarchy) بل إلى انحرافهم عن الله وفسادهم الروحي.

III. رغبتهم في التشبه بالأمم (1 صم 8: 5)، مهتمين بالمظاهر الخارجية.

أما نسبة مثل هذا النص إلى مصدر متأخر كُتب أثناء السبي أو بعده حيث ظهرت مساوىء النظام الملكي وأنه لم يُكتب في أيام صموئيل النبي، فيرد عليه بأن الشعب كان قد احتك بالأمم والشعوب المجاورة، وإن كانوا قد طلبوا أن يكون لهم ملك مثل سائر الشعوب لكنهم شعروا كيف تئن هذه الشعوب من نير الملوك الطغاة المستغلين لشعوبهم، فقد عانى آباؤهم أيضًا من مرارة الأستعباد على يد الفراعنة. أما ما هو أهم من ذلك فهو أن النقاد في كتاباتهم تجاهلوا العنصر الإلهي أو الوحي، لذا ينسبون بعض الأسفار إلى عصور متأخرة عن كتابتها لمجرد إشارتها إلى أحداث مستقبلية، حاسبين أن الكاتب لابد أن يكون معاصرًا أو لاحقًا للأحداث، إذ لا يقبلون قدرة الوحي عن الحديث عن أمور مستقبلية خلال النبوة. هنا نجد صموئيل النبي يعارض طلب الشعب على الله، وفي صراحة يعلن استياءه من الطلب، وبالرغم من استجابة الطلب إلا إن الله كشف لصموئيل عما سيحدث من مساوىء للملوك القادمين، وقد نقل صموئيل هذه الصورة بأمانة للشعب. إذن استياء صموئيل وحديثه الذي يبدو معاديًا للنظام الملكي لا ينسب لعصر السبي أو ما بعد السبي كما يدعي بعض النقاد إنما هو حديث نبوي فيه يكشف النبي عما سيحل بهم من جور الملوك.

ب. أما بالنسبة للنصوص التي تبدو محبذة للنظام الملكي، مثل قول الرب لصموئيل النبي: “غدًا في مثل الآن أُرسل لك رجلاً من أرض بنيامين، فامسحه رئيسًا لشعبي إسرائيل فيخلص شعبي من يد الفلسطينيين، لأني نظرت إلى شعبي لأن صراخهم قد جاء إليّ” (1 صم 9: 16)، فلا يعني هذا تناقضًا للعبارات أو النصوص السابقة؛ إنما هذه هي طبيعة الله الصالحة إنه يراعي الحرية البشرية، خاصة إن كان الطلب جماعيًا. لقد أعطاهم سؤل قلبهم، مستخدمًا بصلاحه شرهم للخير. هذا ما سبق أن فعله مع أخوة يوسف حيث استخدم بيعهم لأخيهم عبدًا فرصة لإقامة النبتة الأولى لشعبه في مصر. لقد عزّى قلب نبيَّه صموئيل قائلاً له: “لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم”(1 صم 8: 7)، وفي نفس الوقت قال له: “فالآن أسمع لصوتهم” (1 صم 8: 9).

  1. أصل المثل “أشاول أيضًا من الأنبياء؟!”. قيل هذا المثل حين حلّ روح الرب على شاول وتنبأ بين الأنبياء يوم مسحه ملكًا (1 صم 10: 11)، وأيضًا حين طارد داود إلى نابوت حيث كان يسكن صموئيل، إذ تنبأ أمام صموئيل وداود بعد أن خلع ثيابه (الخارجية) وانطرح عريانًا النهار كله والليل كله (1 صم 19: 24). لقد ادعى Welhausen أن النص الثاني وليد عصر متأخر مبغض للملكية، إذ يظهر شاول في صورة مزرية يستمتع بها صموئيل وداود.

يُرد على ذلك بأن المثل قيل في المرة الأولى عند مسحه لأن الله أعطاه قلبًا أخر (1 صم 10: 9)، وصار المثل بين عارفيه بكونه لم يدخل مدرسة الأنبياء ولم يتوقع أحد نواله نعمة النبوة كعطية إلهية، فصارت مثلاً في حدود ضيقة بين عارفيه وأصدقائهم (1 صم 10: 11-12). أما تكرارها في المرة الثانية بعد زيغان قلبه فهو أمر طبيعي لشخص مثل شاول عُرف بتقلبه المستمر وانفعالاته القوية المتغيرة، كما يظهر في معاملاته مع داود، تارة يبكي أمامه ويمدحه وأخرى يصوب الرُّمح ضده ليعود فيقيم معه عهدًا ثم ينقصه… لقد رأى صموئيل وداود فثارت فيه ذكريات كثيرة هزت نفسه فترنح، وخلع ثوبه الخارجي ليهذ في النبوة… هنا يتكرر المثل الذي بدأ يُشاع ليتثبت أكثر، إذ تنبأ شاول الذي سبق فانحرف مقاومًا الحق. أما صموئيل وداود فلم ينظرا إليه بهزء كما ظن Welhausen.

  1. يدعى بعض النقاد أن مبايعة شاول في المصفاة (1 صم 10: 17-27) جاءت عن مصدر متأخر مقاوم للنظام الملكي بينما تجديد المملكة في الجلجال (1 صم 11: 14) جاء عن مصدر مبكر محبذ للنظام الملكي. يُرد على ذلك بأنه كان لزامًا على صموئيل النبي عند مبايعته لشاول في المصفاة أن يبرز أن الله استجاب لطلب الشعب وأعطاهم سؤل قلبهم بالرغم من رفضهم لملكه، مبرزًا صلاح الله ومعاملاته الرقيقة مع الإنسان. أما في الجلجال إذ صارت غلبة على الأعداء وقد رفض شاول قتل بني بليعال (من شعبه) لأنهم رفضوا قبلاً قائلاً: “لا يُقتل أحد في هذا اليوم، لأنه في هذا اليوم صنع الرب خلاصًا في إسرائيل” (1 صم 11: 13)، لهذا كان لائقًا أن يُمدح شاول وتجدد مملكته ويكون فرح وسط الشعب.

هنا نود تأكيد أن صموئيل النبي لم يهدف إلى مقاومة نظام سياسي معين أو تحبيذه إنما كان يرفض كل فساد داخلي وكل علاج مقنّع يحمل مظهرًا خارجيًا دون إصلاح روحي داخلي. حين كان شاول يسلك حسب الوصية امتداحه صموئيل النبي علانية وحين انحرف صار يوبخه في شجاعة وبصراحة. هذا ونجد صموئيل مسح داود وكان سندًا له حتى النهاية.

  1. أورد السفر قصتين متشابهتين بخصوص سماحة داود النبي عندما سقط شاول مطارده بين يديه (1 صم 24، 26). ويلاحظ أن القصتين تمثلان واقعتين مختلفتين:

أ. تكرارهما أمر طبيعي لما عاناه شاول من مرض نفسي، فكان متقلب المزاج، فبعد أن رفع شاول صوته وبكى معلنًا لداود: “أنت أبر مني لأنك جازيتنني خيرًا وأنا جازيتك شرًا” (1 صم 24: 17) عاد ليُطارد مرة أخرى.

ب. في المرة الأولى (1 صم 24) أبلغ الزيفيون شاول عن موقعه في تل حخيلة إذ كانوا أعداء له، أما في المرة الثانية (1 صم 26) ففعلوا ذلك خوفًا من الانتقام.

ج. مع وجود تشابه في القصتين مثل تقدير رجال شاول بـ 3000 حارس، لأنهم حرسه المرافق له، فإن القصتين تكشفان عن مناسبتين مختلفتين:

أ. في الأولى كان شاول في كهف نهارًا، أما في الثانية فكان في معسكر ليلاً.

ب. في الأولى هرب داود مسرعًا، أما في الثانية التجأ إلى الفلسطينيين لأن داود النبي فقد الثقة تمامًا في شاول بعد تكرار الأمر، (هكذا يؤكد حدوث الأمر مرتين).

لكي لا أطيل الحديث فإنني سأعرض للأحداث التي أوردها النقاد بكونها متكررة في دراستنا لصلب السفر وتفسير ذلك. هنا أود أن أكرر ما ذكره بعض الدارسين الذين فندوا آراء هؤلاء النقاد، وهو:

أ. أن العمل ليس وليد مصدرين – واحد لاحق وآخر سابق، إنما هو عمل مترابط يحمل هدفًا واضحًا بعرض رائع منسجم معًا[13].

ب. لم يُوضع السفران بهدف تاريخي بل بقصد الكشف عن خطة الله ومعاملاته مع شعبه، لذا جاءت الأحداث الواردة فيهما ليست دائمًا مرتبة على أساس زمني.

ج. أجمعت الآراء أن سفري صموئيل الأول والثاني امتازا باللغة العبرية الفصحى التي تدل على أن الوقت الذي كتب فيه كان العصر الذهبي للأدب العبري. فلو كان السفران أجزاء متناثرة من عصور مختلفة لما حملت هذا الطابع الأدبي الرائع[14].

د. يقولDriver[15] إن السفر حوى بعض عبارات شائعة الاستعمال في ذلك الوقت (العصر المبكر) مثل: “حية هي نفسك”، “بنو بليعال”، “رب الجنود”، “وهكذا يعمل الرب وهكذا يزيد”، “مبارك أنت من يهوه (الله)”  الخ…

فاصل

زر الذهاب إلى الأعلى