اضطهاد دیوکلتيانوس

 

 تعاقب جملة ملوك على كرسي المملكة الرومانية بعد فاليريان لم يقم أحد منهم باضطهاد على مصر حتى آل العرش أخيرا الى دیو کلیتانوس سنة ٢٨٤ م وكان العامل على مصر يومئذ رجل اسمه اخيلوس انتهز فرصة الارتباكات التي سادت على المملكة الرومانية واستقل بمصر ونادی بنفسه ملكا عليها وجعل مقره طيبة وأقام فيها أربعة أعوام لم يتمكن غاليريوس الوالي الروماني في اخضاعه . فاضطر دیوکلیتانوس أن يحضر بنفسه إلى مصر ليقتص من اخيلوس على هذه المخالفة والجرأة ويخلص البلاد من يده ولدى وصوله حاصر الاسكندرية وضيق عليها تضييقا شديداً و بعد ثمانية أشهر فتحها عنوة واستولى عليها فأحرق المدينة وفتك باهلها فتكا ذريعا.

 وكان قد ظن أن المسيحيين هم الذين أثاروا هذه الفتنة وناصروا اخيلوس فاستعمل معهم الظلم والعسف وتجاوز الحدود في ذلك وأرتكب ما لا يخطر على بال أحد من المآثم والمظالم واقتفى أثر اخيلوس العاصي الذي هرب الى داخل البلاد فكان القيصر اينما حل يوقع بهم و يقتلهم وهدم كنائسهم ويخرب معابدهم و يعذب رؤساءهم و يسبی نساءهم وأولادهم .

وسبی كثيرين من مدينة الاسكندرية وأباح لجنوده باقي أهلها ليفعلوا بهم ما يشاؤون فعاثوا في الارض واهلكوا الحرث والنسل وقتلوا وفتكوا ونهبوا وسبوا وأراقوا الدماء أنهارا واشتدوا شدة لم يسبق لها مثيل.

واستمر دیوکلتیانوس يعذب المسيحيين بأفظع أنواع العذاب رغبة في تمزيق شملهم وحملهم على السجود للاصنام . وروى بعض الآباء أن دیوکلتیانوس ركب ظهر فرسه وأمر جنده أن لا يتركوا القتل حتى تسيل الدماء على الأرض وتعلوا حتى تصل الى ركبة فرسه . فكان من الألطاف الإلهية أن سقطت به الفرس على الأرض فتلوثت ركبتاها بالدم فتم قوله وأبطلوا القتل .

غير أن كثيرين من المسيحيين كانوا محبوسين وقد حكم عليهم بالموت أو بالنفى ولما شعروا بأن دیوکلتیانوس ينوى بهم شرا تركوا مصر وفروا إلى بلاد أخرى وقد استمر الاضطهاد جاريًا على المسيحيين في مصر ثلاث سنوات في نهايتها أصيب دیوكلتيانوس بالجنون بعد أن ذاق المسيحيون ما لا يوصف من العذاب.

وروى أوسابيوس المؤرخ الذي أتى مصر بعد هدوء الاضطهاد بقليل ورن باذنيه صدي أنين المنكوبين قال : « انه يعسر على الكاتب الماهر أن يصف مقدار ما تجرعه الشهداء في صعيد مصر من أعذبة قاسية والام تشيب من ذكرها النواصي فقد كانوا يأتون بهؤلاء الشهداء ويخدشون أجسامهم و ينزعون عنها الجلد الی أن ينكشف اللحم وهكذا يفعلون بباقي أجزاء الجسم إلى أن يموتوا . أما النساء فكانت تربط أحداهن في احدى رجليها وترفع في الهواء بواسطة آلة مخصصة لذلك بعد أن يخلعوا عنها ملابسها و يكشفوا كل جسمها وتظهر أمام جمهور المتفرجين بمظهر تنفر منه الانسانية وتأباه النفوس الابية بعد

« وكثيرون ماتوا بواسطة الأشجار بالطريقة الآتية وهي انهم كانوا يقربون غصنين قويين من شجرتين متقاربتين بالة وضعت لهذا الغرض ثم يجيئون بالشهيد و يربطونه بهذين الغصنين ومن ثم يتركانهما ليعودا الى أصلها فهذا يعتدل لجهة اليمين مثلا والآخر للشمال والشهيد بينها تتمزق أضلاعه وتسحق عظامه سحقا و بتطاير جسمه في الفضاء

« ولم تكن لهذه الفظائع أيام وشهورا بل كانت تستمر سنيناً طوالا وهي في أفظع حالاتها وكثيرا ما كان يصدر حكم بقتل عشرة أشخاص في لحظة واحدة وأحيانا يقتلون عشرين رجلا مرة واحدة وأحيانا ثلاثين وستين . ومرة حكم على مائة رجل بالموت فماتوا في يوم واحد مع زوجاتهم وأولادهم الصغار وذلك بعد أن ذاقوا من العذاب ألوانا »

وقد روى أوسابيوس أيضا قائلا « وقد شاهدت بعینی بینا كنت واقفا بقرب النطع جما غفيرا من المسيحيين جمعوا لينالوا الشهادة ولكن بطرق مختلفة فكان بعضهم تجز رؤوسهم وبعضهم يحرقون في أتون النار المتقدة حتى أن السيف الذي كانت تقطع به الرؤوس ثلم وفل حده وتحطم تحطيماً لكثرة ما سحق من الرقاب . وكذلك السيافون تعبوا وخارت قواهم من ذبح الآدميين فكانوا يستريحون هنيهة ريثما يتنفسون الصعداء 

« فيما تقدم يتضح ولا شك اننا شهود عدول على ما شاهدناه بأعيننا من الغيرة الحارقة والقوة الالهية الصحيحة والفرح في الروح القدس الذي ملأ قلوب هؤلاء الذين يؤمنون بالمسيح ابن الله ایماناً متينًا  جعلهم يقتبلون الموت بصدور منشرحة وثغور باسمة . حتى أنه عندما كان يصدر الحكم على واحد منهم بالاعدام كان الآخرون يندفعون من كل صوب مزدحمين في المحكمة أمام القاضی معترفين له بأنهم مسيحيون غير مبالين بما يلحق بهم من أعذبة مريعة واضطهادات شنيعة بل كانوا يجاهرون بكل جرأة وشجاعة بديانتهم الحقيقية التي تعلم بوجود اله واحد عظيم خالق السماء والارض والبحر وكل ما فيها

« ومن العجيب الغريب انه عندما كان يصدر الحكم النهائي بموتهم كانوا يقابلون هذا الحكم بفرح وتهليل حتى انهم كانوا يرنمون و ويرتلون  أغاني الحمد والشكر لله الذي أهلهم لان يموتوا لاجله . وكانوا يظلون يفرحون و يطربون الى آخر نسمة من حياتهم عندما تفارق أجسادهم أرواحهم نعم أن هذا غريب ولكن الأعجب من هذا كله ان الافراد الذين اشتهروا بغناهم وثرواتهم والذين عرفوا بطيب محتدهم وشرف نسبهم وذاع صيتهم في الآفاق خصوصا لانهم برعوا في الفسلفة والعلم ونبغوا في المعرفة والعرفان هؤلاء كانوا يحسبون كل هذه الأمجاد والمزايا من المتاع من سقط المتاع و يزدرون بها ازدراء في جانب أهمية الدين الحقيقي والايمان الصحيح بربنا ومخلصنا يسوع.

فاصل

إضهاد فاليريان

القرن الرابع العصر الذهبي

إضطهاد غاليريوس

المملكة والكنيسة
تاريخ الكنيسة القبطية

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى