بدعة اريوس

 

ولد فى ليبية القيروان بافريقيا سنة 270م و كان له المام كبير بعلوم كثيرة. وبالنسبة لفصاحته و لطف معاشرته ومحبته للمجد الفارغ،؟ كان يسعى دوماً لإحداث أمور جديدة  فجاء الى الاسكندرية ، طامعاً بأن ينال وظائف كنسية. فدخل المدرسة اللاهوتية وتقدم في علومها تقدماً باهراً، وداخلته الكبرياء وأحب أن يرتقي درجات رفيعة بواسطة فصاحته.
وفى مبدأ أمره انضم الى ميليتس أسقف ليكوبوليس (أسيوط) و ساعده على العصيان ضد القديس بطرس بابا الاسكندرية، ولكنه إذ رأي أن أنضمامه لحزب ميليتس لا يساعده على التقدم، تركه وصالح القديس بطرس بابا الاسكندرية فرسمه شماسا سنة 306م. 
اما هرطقة اريوس والذى بدأ بأذاعتها فى عهد البابا بطرس فكانت علة لنكبات عديدة حلت بالكنيسة.  واساس هذه البدعة ان الكنيسة كانت تعلم منذ القديم بان الله واحد فى ثلاثة اقانيم و لكنها لم تبحث فى نسبة احدهم الى الاخر و حقيقة الفرق بينهم ولم تحكم فى شئ من هذه القضايا غير انه لما ظهر سابليوس الذى كان ينكر تميز الثلاثة اقانيم فى اللاهوت قائلا انه توجد ثلاثة اسماء لإله واحد مخترعة لتبيان مفاعيل اللاهوت المختلفة فحكمت الكنيسة مضادة له بانه يوجد فرق بين كل من الاب و الابن و الروح القدس اى انه يوجد ثلاثة اقانيم متميزون فى اللاهوت.
وكان مذهب اريوس كانه شرح لتعليم سابليوس فذهب الى ان الابن يختلف عن الاب فى الجوهر و انه”الابن”اول واشرف كل ما خلقه الاب من العدم و انه هو الواسطة التى كون بها الكون. ومع ذلك فهو حسب أعتقاد اريوس ادنى من الاب فى الطبيعة والمنزلة و الآب اقدم من الابن لان الابن مخلوق به.  و تمكن اريوس بدهائه وفصاحته ان يجذب اليه بعض الانصار فكانوا يجادلون المؤمنين فى شوارع الاسكندرية ويصرخ الواحد منهم فى وجه الاخر قائلا”يا هرطوقى من الاكبر الوالد ام المولود”واخر يقول”هل من المعقول ان يوجد ابن قبل ولادته” فبالطبع لم يفهم هؤلاء البسطاء السذج ان لفظة ابن نسبية مجازية بل اتخذوها حرفية.
ومن حيل اريوس أنه جعل شعب كنيسة بوكاليس التى رسمه قساً عليها البابا أرشلاوس انهم يرتلون بعد قراءة كل مزمور كالآتي “المجد للاب بالابن فى الروح القدس” ظناً منه أن غالبية الشعب لا يلاحظون تحريفه للأصل الذي هو “المجد للاب والابن والروح القدس” وصار اتباعه يعلمون النساء فى الشوارع “ايمكن ان يوجد ولد قبل ان يولد؟ “.
واذ كان البابا السكندروس يعلم أمام أريوس مرة أن الكلمة أبن الله مساو للآب وأن له طبيعة وذاتاً واحدة مع الآب، عارضه أريوس وحكم أن هذا التعليم هو نفس تعليم سابليوس. وقال ان المسيح غير مساو للاب فى الجوهر و العظمة و انه مخلوق بارادة الاب حادث غير ازلى و انه حال كونه اكمل خلق الله كان بحسب اختياره المعتوق ذا طبيعة متغيرة يمكنه اتيان الفضيلة و الرزيلة و لكنه اعتنق الصلاح والفضائل فاشركه الله من اجل اعماله الصالحة بطبيعته الالهية مجملا اياه بهذه الالقاب اى كلمة وابن وحكمة.

وإن كان اريوس يحسب كقيم هذه الهرطقة، إلا أنه لم يكن مبتدعها على الأصح بل القائم بنشرها وامتدداها. ويقال أنه أخذ هذه التعاليم من لوسياس الأنطاكي. غير أن الذين أخذ عنهم أريوس معتقده لم يكن لهم تأثير كما كان لأريوس.

ولما نادى بتعاليمه جهارا ، حرم مراراً وتكراراً. وبسببه أنعقد مجمع نيقية فحكم بهرطقته ونفاه إلى الليكرون. غير انه تمكن من الرجوع من منفاه بواسطة اخت قسطنطين الكبير وحاول الرجوع الى مركزه فى الاسكندرية و لكن البابا اثناسيوس الرسولى طرده.

أجتهد أتباع أوسابيوس النيكوميدي نصيره أن يجعلوه يحوز القبول في شركة كنيسة القسطنطينية، فاستقدموه اليها واستدعاه الملك ليطلع على إيمانه. فأوهم الملك أنه متمسك بالإيمان القويم. فانخدع الملك وأمر أن يُقبل في شركة الكنيسة ويعرف عند اسكندر بطريرك القسطنطينية كراع، فرفض هذا البطريرك قبوله غير أن الملك أصر على رأيه وعين يوماً لقبوله.

قام اسكندر وكان قد بلغ سن الشيخوخة، فمضى إلى الكنيسة حزيناً يذرف الدموع طالباً من الله أن يصرف عن الكنيسة هذا الخطب الذي ألم بها. وفي ذلك النهار عند العصر اذ كان اتباع اريوس يطوفون به في أزقة المدينة باحتفال عظيم حتى انتهوا به الى ساحة المدينة اعتراه رعب واقشعرار كأن أحشاءه قد تمزقت فسقط ميتاً فجأة.
وأما تعاليمه فلم تمت بموته بل انتشرت بعد موته وامتد أكثر مما أنتشرت في حياته وأمتدت إلى امد بعيد و ازداد اتباعه كثيرا حتى تمكنوا من محاربة الارثوذكسين وبعد ذلك وقع الانشقاق بين الاريوسيين فانقسموا الى عدة شيع.
وهكذا بقيت التعاليم الاريوسية ممتدة فى اسبانيا و والولايات الجرمانية اكثر من 300 عام و اما بريطانيا فلم تمتد فيها سطوتها الا عند انعقاد المجمع الانطاكى سنة363م و ايام ثيوديسيوس الثانى صدر امر باستئصال الاريوسية و ابادتها بموجب قانون تقرر فى السلطنة الرومانية وذلك سنة 428م ومن ذلك العهد الى الان لم تعرف فرق بالحقيقة اريوسية حسب تعاليم اريوس ولكن يقال ان سرفتس احياها فى حدود القرن السادس عشر وايد هذا القول اراسمس فذاعت تعاليمها و ازعجت الكنيسة كما يظهر من حكم كنيسة انجلترا الصادر بهذا الشان و ماله ان الاريوسين الذين وجدوا غير قابلى الاصلاح ينفون الى بعض القلاع فى شمالى والس او والنجفور لكى يعيشوا هناك من تعب ايديهم و لا يسمح لاحد ان يخالطهم الا خفرتهم و لا ان يخرجوا من هناك حتى يتحقق صدق قدسيتهم و رجوعهم عن غيهم الى الايمان الحقيقى .

____________

المراجع:

  1. تاريخ الكنيسة القبطية للقس منسى يوحنا

فاصل

مجمع القسطنطينية

القرن الرابع العصر الذهبي

 

بدعة مكدونيوس

 
المجامع – البدع – الهرطقات
تاريخ الكنيسة القبطية

 

زر الذهاب إلى الأعلى