عبادة الله بالروح وبلا هياكل
“حديث المسيح مع السامرية”
نحن ننتقل هنا من رواية في إنجيل ق. متى إلى رواية في إنجيل ق يوحنا، وللقارئ أن يحكم إن كان هناك فرق! أو إن كان هناك ما يُشبه هذا القرار الواضح في أي من الأسفار قاطبة أو أي كتب كانت.
لقد سار المسيح وتعب من المسير فجلس على حافة بئر لأنه كان عطشاناً، وعطشه لا يرويه الا ما يصنعه لتكميل مشيئة أبيه فساقت الأقدار الإلهية في وقت الظهيرة بحرّها القائظ امرأة سامرية جاءت لتستقي، لأنها ارتوت بمسرات الدنيا الكثيرة وظلت عطشانة هي والذين معها. وجاءت بقدرها دون أن تدري لتردَ ماء الحياة الذي تكلّم عنه المسيح، هذا كان قَدَرُها. طلب منها المسيح أولاً أن تسقيه – مودة – فأنكرت عليه طَلَبَهُ لأنه يهودي وهي سامرية، ولأنه رجل وهي امرأة. ولكنه لما بدأ يتحدث معها عرفته في الحال – ليس كالكتبة والفريسيين . ني. فظل يتحدث فأدركت أنه أكثر من نبي، فمَنْ يكون؟ لعله ،ولعله فأرادت أن تسأله لتحرجه ليكشف لهـا عـن نفسه: «آباؤنا سجدوا في هذا الجبل (جرزيم) وأنتم (اليهود) تقولون إن في أُورشليم “الموضع” الذي ينبغي أن يُسجد فيه؟ قال لها يسوع يا امرأة صدقيني أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب.» (يو 4: 21,20)
إذن فالعبادة عند هذا النبي ليست بالمكان والزمان والإنسان؟
تعجبت المرأة وزادت حيرتها، ولكنها بادرت بإحراجه بمعلومة تحمل ما يشبه الفخ لتخرجه نهائياً عن صمته ليكشف لها عن نفسه، فصدق حدسها ونجح فخها. قالت له والقول يحمل سهماً أصاب كبد الحقيقة: «قالت له المرأة أنا أعلم أن مسيَّا الذي يُقال له المسيح يأتي، فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء (والمعنى قُلْ الحقيقة). قال لها يسوع: أنا الذي أُكلّمك هو !» (يو 4: 26,25). هــذا هـو المسيا نفسه، وهذا هو تقريره عن الهيكل والعبادة. فما قاله في إنجيل ق. متى وثقه في إنجيل ق . يوحنا: إنه أعظم من الهيكل، فمتى جاء المسيح فليذهب الهيكل والعبادة فيه. لأنه قال للسامرية ضمن ما قال: «تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق … الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا.» (يو 4: 24,23)
فإن ارتفع معنى “الهيكل” من حجارة إلى الرب الروح من السماء» ارتفعت العبادة بالضرورة الجسد إلى الروح ومن الأرض إلى السماء.
فأن يقول المسيح بنفسه إنه أعظم من الهيكل، فبذلك تكون المسيحية قد ضربت جذورها في السماء، وارتفعت العبادة بالتالي مما هو للجسد إلى ما هو للروح.
وهذا هو يسوع المسيح الذي قال عنه الملاك في بشراه للعذراء «هذا يكون عظيماً وابن العلي يُدعى.» (لو 32:1)
فهو ولد ليكون أعظم من الهيكل، ويتقبل العبادة كالعلي.