اضطهاد فالنص الار یوسی

 

جاء بعد یولیانوس یوبیانوس سنة ٣٦٣ م وكان مسيحيًا  ارثوذكسياً فأحسن للبابا اثناسيوس وللارثوذكسيين وتمتعت الكنيسة في أيامه بسلام ورد الى الايمان رجال الجيش الذين كانوا قد زاغوا عن الأيمان في أيام يوليانوس واقفرت هياكل الوثنيين .

الا أن مدة هذا الملك المؤمن لم تطل أكثر من نصف سنة وخلفه فالنص الاریوسی سنة ٣٦٤ م الذي فاق جميع من تقدموه في اظهار القساوة نحو الارثوذكسيين فنفى أساقفتهم وضيق على المؤمنين كثيرًا . وفي عهده حدث اضطراب في مدينة الاسكندرية وتعدى الوثنيون على كنيسة سيزاريوم وحرقوها في يوليه سنة ٣٦٦ م.

وأقام فالنص بطریرکا دخيلا على الكرسي المرقسي ولكي يثبت والى مصر الاریوسی مركز هذا الدخيل قصد بفرقة من الجند كنيسة القديس ثاؤنا هذا المكان المقدس وأوقع الرعب في قلوب المصلين واندس بين الجنود سفلة اليهود ورعاع الوثنيين اذ وجدوها فرصة مناسبة للانتقام من المسيحيين وأخذوا في تدنيس المذابح واهانة المصلين بتوحش زائد ففتكوا بالرجال وهتكوا أعراض النساء داخل الهياكل . وقد بلغ الفحش بأحد هؤلاء الوحوش أن تعرى عن ثيابه وسط النساء وأخذ يجدف على اسم الله القدوس بألفاظ البذأة التي ترتعد لها الفرائص.

ومع ذلك أصر الارثوذكسيون على عدم اعتبار بطريرك فالنص فاستدعى القائد رؤساء کهنهم اليه وأخذ يحثهم على الخضوع له بالوعد تارة و بالوعيد أخرى ولما لم يجد منهم أدنی قبول أنزلهم في سفينة مخلعة وتركهم تحت رحمة الماء والهواء فهلك بعضهم ونجا البعض الآخر حيث قذفته الأمواج الى سواحل افريقية وهليوبوليس ( سورية ) ثم عول بلاديوس الوالي على زيارة الأقباط في منازلهم ليقنعهم بوجوب الخضوع للوسيوس واذ لم يجد منهم الا الرفض والاباء أوقع بهم من الويلات اشدها .

ثم أستحضر هو والبطريرك الدخيل أحد عشر أسقفا من أساقفة القطر وعرض عليهم الامر القيصرى القاضي بوجوب انکار لاهوت المسيح وخيرهم بين التوقيع عليه والنفى ففضلوا النفي والموت على خيانة الأيمان الأرثوذ کسی فنفوا الى قرية بفلسطين كان معظم سكانها من اليهود المتعصبين ضد المسيحيين.

ثم عمد القائد والبطريرك الدخيل الى زيارة الرهبان ساكني أديرة وادي النطرون فسارا اليهم بفرقة من الجنود قاصدين ارغامهم على انكار الوهية الابن فقام الرهبان يدافعون عن أنفسهم دفاع الأبطال مفضلين أن يسفكوا آخر نقطة من دمائهم دون أن يثلموا شرف مخلصهم . فضجرا منهم ونفيا رؤسائهم ظنا منها أنهم هم الذين يقومهم ولكن أملهما خاب اذ رأيا ايمانهم أمنع من جبهة الاسد وكان بين الأساقفة الذين حكم عليهم بالنفی میلاس أسقف رينوكولور العريش الذي تتلمذ للقديس انطونيوس والذي لم يفارقه الا ليمنح تاج الاسقفية . ومن بديع ما حفظه التاريخ عن هذا الاسقف انه في الوقت الذي جاءه نواب الوالي يطلبونه للنفي كان مشتغلا بتنظيف قناديل الكنيسة فقابلهم و يداه ملوثتان بالزيت وثيابه يعلوها التراب فظنوه خادما وسألوه عن الاسقف فذهب بهم الى دار الاسقفية حيث أعد لهم وليمة فاخرة ولما كرروا عليه السؤال قال لهم « أنا الاسقف الذي تطلبونه » فأعجبوا باتضاعه وعرضوا عليه الفرار فابی الا الذهاب مع اخوته الاساقفة الذين كانوا يهزأون بالعذاب المعد لهم.

ومن الذين قبض عليهم في دير وادى النطرون روفينوس الشاب والسيدة ميلانو وقد ذكرنا أنها أجنبيان وفدا على مصر لیترهبا فيها . وكان لميلانو ید طولی فی ایواء كثيرين من الرهبان وانطلقت بنفسها للقائد ودافعت عنهم وسجن روفينوس مدة ثم نفي خارج القطر المصري . ونفيت ميلانو الى قيصرية فلسطين هي و كثير من الأساقفة والرهبان . وكان أهالي قيصرية يرحبون بهؤلاء المصر بين المنفيين و يقدمون لهم الاحترام اللائق بهم.

وما يستحق الذكر في هذا الصدد أن فالنص كان قد نفي أسقف مدينة أورفا ( کائنة بين النهرين ) بسبب تمسكه بايمان مجمع نيقية واعترافه بقانون البابا أثناسيوس وأقام بدله أسقفًا آخر وكلف الوالي مودستوس بأن يجبر الكهنة والشمامسة على الاشتراك مع الاسقف الجديد والا فينفيهم الى أقاصى المملكة فجمعهم مودستوس وحاول اقناعهم لكنه لم يستفد منهم شيئًا بل أجابه أحدهم باسم الجميع قائلاً « ان لنا راعيا شرعيا ولا نعرف راعيا غیره » فأرسلوا جميعا الى المنفى . فتشجع الشعب بمثلهم وأبوا الاشتراك مع أسقف الزور . فكانوا يخرجون من المدنية وقت تلاوة الفرض ويجتمعون في البرية للصلاة . فلما علم الملك بذلك اغتاظ على الوالي وأنبه تأنيبا شديدا لعدم اهتمامه في منع هذه الاجتماعات وأمره بأن يجمع كان عنده من الجنود و يشتت الجمع . أما مودستوس ولئن كان مقاوما للارثوذكسيين الا أنه لم يحب أن يبادر الى طريق القساوة فانذر المؤمنين سرا بان لا يمضوا اليوم التالي الى مكان الاجتماع للصلاة لأن الملك أمره بأن يعاقب جميع الذين يجتمعون فيه . فكان يؤمل بأن يمنع بهذا التهديد عقد الاجتماع وهدی بهذه الطريقة غضب الملك . أما الأرثوذكسيون فقد ازدادوا بذلك سرعة وتلهفا للمضي الى مكان الصلاة فبادروا اليه باكرا جدا و كانوا أكثر عددا من ذي قبل . فلما أخبر الوالي بذلك استولت عليه الحيرة ولم يدر ما العمل الا أنه أخذ في المسير نحو هذا المكان وصحبته جنود كثيرون أمرهم بأن يقعقعوا و يضجوا ليرعبوا الشعب ويحملوه على الفرار . فلما كان جائزا في المدينة شاهد امرأة مسكينة تخرج مسرعة من بيتها ولا تبالي بغلق بابه وعلى يديها طفل وهي تهرول في سيرها وتجر ذیل ردائها على الأرض ولا تهتم أن ترفعه عن الثرى حسب طريقة البلاد ومرت هكذا في وسط صفوف العساكر السائرة أمام الوالي مجدة في السير بدون أدنی خوف بتة . فأوقفها مودستوس وقال لها : أين تمضين مسرعة أيتها المرأة ؟ أجابته انني ماضية إلى الحقول حيث جمع المؤمنين . قال لها الوالي : ألا تعلمين بأنه قد صدر أمر الملك بقتل جميع الذين يوجدون هناك ؟ قالت له : نعم أعلم ولهذا أنا أجد في السير لا بلغ الى ذاك المكان خوفا من أن تفوتنی فرصة احتمال الاستشهاد . قال لها : ولم تأخذين هذا الطفل معك ؟ قالت له : لكي يشترك معي في هذا المجد فتعجب مودستوس من بسالة هذه الامرأة وعاد الى البلاط الملوك وأخبر الملك بما جرى واقنعه بالعدول عن هذا العمل حيث لا تعود عليه فائدة من اضطهاد المؤمنين لأن الاضطهاد كان يقوهم و يثبتهم على ايمانهم و يزيدهم شجاعة ومحبة .

فاصل

إضطهاد يوليانوس

القرن الرابع العصر الذهبي

الملك ثيؤدسيوس

 
المملكة والكنيسة
تاريخ الكنيسة القبطية

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى