المعلم جرجس الجوهري
لما مات اخوه المعلم ابراهيم قلده ابراهيم بك زميل مراد بك منصبه وسار على خطته ونسج على منواله واقتدى بأخيه في كل شيء حتى نال ثقته عند جميع المصريين على اختلاف أجناسهم .
وكان بين الكتبة المسيحيين الذين تحت أدارته رجل يسمى يوسف كساب من عائلة سورية الأصل سولت له نفسه الإمارة بالسوء أن يسعی به عند مخدومه وهواذ ذاك اسماعیل باك واتهمه بما ليس فيه وان كان المعلم جرجس محسوبا على ابراهيم بك خصم اسماعيل بك صادق کلام الواشی وغضب على المعلم جرجس وأنزله من منصبه وعينه بدله رئيسا على الدواوين و بعد مدة وجيزة ظهر لاسماعيل بك كذب يوسف المذكور وخيانته فأمر بتغريقه في نهر النيل وأعاد المعلم جرجس الى منصبه .
ولما انتصر عساكر الفرنسيس على المماليك وعدوا الى بولاق كلف المعلم جرجس الجوهري رئيس المباشرين ان يعد هذا البيت لنزول نابوليون فيه ففرشه وجهزه ولما دخل القاهرة أقام به ومن ذاك الحين عرف نابوليون المعلم جرجس الجوهري واهداء جيبة مزركشة بالقصب ليلبسها في ایام التشريفات . ولما سافر نابوليون الى السويس لقطع أفة أبراهيم بك استصحب معه بعض الأعيان والمديرين وفي مقدمتهم المعلم جرجس الجوهرى الذى كان يعتمد عليه في مهام الامور کا أنه رافق الفرنساوين هو و بعض أعيان الاقباط الى الوجه البحري لتقرير الصلح بين المتقاتلين . وذكر الجبرتی انه لما احتفل الفرنساويون بأحد أعيادهم دعوا بينهم لابسا ملابس الافتخار . ولما حدثت الثورة ضد الفرنساويين طلب المعلم جرجس و بعض اعیان الاقباط من مقدمي المسلمين الامان لانهم أنصروا في دورهم وهم في وسطهم وخافوا على نهب بيوتهم اذا خرجوا فارين فأرسلوا اليهم الامان وقابلوا الباشا والكاتخدا والأمراء وأعانوهم بالمال واللوازم.
وحدث فيها بعد انقلاب أنتهی بتولية محمد على باشا حکم مصر فنال المعلم جرجس في عهده المركز الأول . غير أن الحظ خالفه وذلك أن محمد على باشا طالبه كثيرا بمبالغ طائلة ولم يستمهله لعدم وجودها معه . ولما توقف عن تحصيل النقود التي كان محتاجا اليها قبض عليه ومعه بعض الأقباط بحجة أنه متأخر عن دفع ما عليه من المال وحجزوا في بيت كتخدام واقام في منصبه المعلم غالي الذي كان كاتبا عند الألفي عدو محمد على باشا وبعد سبعة أيام أفرج عن المعلم جرجس ومن معه بشرط أن يدفع أربعة آلاف وثمانمائة کیس فدفع جزءا عظيما منه ووزع الباقي على الكتاب والصيارف ما عدا المعلم غالي وشخص آخر يدعى المعلم فيلوثاؤس وضاق بوجهه الحال فاضطر ان يبيع أفخر املاكه التي كانت بجهة الأزبكية بقنطرة الدكة .
و بعد ذلك خانه السعد فنزع محمد علي باشا كل ما كان له و باعه بالمزاد وقيل انه نفى الى الصعيد بأمر محمد على باشا وقيل أنه هو الذي هرب من تلقاء نفسه . وقبل ذهابه جمع کل حجج املاکه وسلمها في البطريركية تتنفق من ريعها فوضعت اليد عليها وبقيت في حوزتها للان وصرح له بالعودة بعد أربع سنوات فعاد الى القاهرة في ۱۳ شوال سنة ١٢٢٤ه وقابل الباشا فأكرمه ثم نزل بيته الذي بحارة الونديك و كان قد فرشه له المعلم غالى وحضر عالی القوم ودونهم من مختلف الأجناس للسلام عليه وعاش الى ان تنيح في سنه ۱۲۲۰ ه ودفن مصر العتيقة بدير مار جرجس ولا يزال قبره موجودا ولكنه تخرب وليس من يفكر في اصلاحه.