الأنبا صرابامون أسقف الخرطوم

 

ترهّب هذا الأب الجليل بدير السيدة العذراء الشهير بالسريان . ثم أختير ليكون أبا لرهبانه سنة ۱۸۸۹ . وخلال أبوته بني عددا من القلالي لتزايد عدد الشباب الذين فضلوا الحياة الرهبانية . كذلك أزال بيت الضيافة

القديم وبنى بيتاً جديدا مكانه . ثم جدد القلالي وبيت الضيافة في اتریس(عزبة الدير) . وتبع ذلك بناؤه لخمسة بيوت سكنية في شارع كلوت بك قرب الكاتدرائية المرقسية بالأزبكية.

وفي ۱۲ يوليو سنة ۱۸۹۷م رسمه البابا كيرلس الخامس أسقفا على الخرطوم، وبعد أن قضى الأربعين يوماً في الدير التي قدرتها الكنيسة على من ينال كرامة الكهنوت سافر إلى مقره الجديد حاملا معه كتبه ، وكل الكتب التي كان في مقدوره أن يشتريها. وما إن وصل إلى الخرطوم حتى بادر بشراء قطعة من الأرض أقام عليها أول مدرسة قبطية بالمعنى الحديث في ذلك القطر الشقيق وكان البناء الأول خاصة بمدرسة للبنين . فلما أتمه واطمأن إلى سير العمل فيه بني إلى جانبه جناحاً جديداً ليكون مدرسة للبنات . وفي الوقت عينه ركز مواعظه على التعاليم الأرثوذكسية وعلى تاريخ الكنيسة القبطية ، وكان حديثه بعمق وحرارة فتجاوب الشعب معه بمحبة وحماسة .

ولقد كان للقبط في السودان قبل ذلك ممتلكات واسعة أوقفوا الكثير منها على الكنيسة وأنشطتها، كذلك كان لبعضهم عدد من المخطوطات الخاصة بالصلوات والتعاليم الأرثوذكسية ولكنهم فقدوا جزء كبيرة من هذه المخطوطات وهذه الأراضي في أعقاب حرب الدراويش التي أستشهد بسببها عدد غير قليل منهم . لكن الآب السماوی تداركهم بأن وضع في قلب أحد الأمراء ( الدراويش ) اسمه الأمير محمد الخير أن يحمي البقية الباقية منهم . وكانت حمايته لهم الوسيلة التي عبر بها عن عرفانه لصديق قبطي اسمه ابراهيم بك خليل الذي كان قد أدّى للأمير عدة خدمات في مناسبات مختلفة . ولقد عاش هؤلاء القبط الذين نجوا من حد السيف بزراعة ماتبقى لهم من الأرض كما اشتغلت نساؤهم بحياكة الملابس . فكان حضور الأنبا صرابامون إليهم نعمة إلهية كبرى إذ قد بدأوا معه نهضة جديدة . ومن نعمة الله أيضا أن كاتباً أنجليزياً كان ماراً بالخرطوم فأعجب بنشاطهم المتجدد وتمكن من أن يجعل إحدى الهيئات الكنسية تتبرع لهم بمائتين وخمسين جنيهاً. ولما سمع البابا كيرلس بهذا التبرع أرسل لأعضاء الهيئة المتبرعة خطاب شكر أعلمهم فيه بأن المدرسة القبطة التي تعاون على إنشائها اسقفا الخرطوم وأم درمان – بمدينة أم درمان – أصبح عدد تلاميذها مئة واثنی عشر. 

وبعد ذلك وجه الأنبا صرابامون اهتمامه نحو تشیید دار أسقفية تشمل مضيفة . فلما انتهى من بنائها نجح في أن يدخل اليها والى المدرسة مواسير للمياه والكهرباء.

ثم حركته النعمة الالهية نحو التعاون مع شريكيه في الخدمة الرسولية فتعاون مع أسقف أم درمان على بناء كنيسة جديدة ، وساهم مع أسقف عطبرة في تجديد الكنيسة الموجودة ، كما أنفق على بناء مضيفة الى جانبها . ولقد أفرحت كل هذه المجهودات قلوب الشعب فقدموا كل ما يمكنهم من مساعدات للأنبا صرابامون . ولقد ضاعفت هذه المساعدات مهمة الأسقف الجليل فبنی کنیسة في الخرطوم بحري . ثم اشترى قطعتين من الأرض : أحدهما في الأبيض وثانيهما في وادی مدنی ، مستهدفاً تشييد كنيسة على كل منهما . إلا أنه لم يتمكن من تحقيق هذا الهدف لأن الآب السماوي شاء أن ينقله من هذا العالم قبل البدء في البناء.

وكانت مدة حبريته ثلاثين سنة وانتقل إلى الاخدار السماوية في السنة عينها التي انتقل فيها باباه.

____

من كتاب قصة الكنيسة القبطية ج5 أ-إيريس حبيب المصري

زر الذهاب إلى الأعلى