القمص بولس غبريال


كما تميزالعصر الكيرلسي بالأساقفة العمالقة، كذلك تميز بعدد من الكهنة المتيقظين ذوى الوعي المرهف. ومنهم القمص بولس غبريال راعي كنيسة السيدة العذراء المغيثة بحارة الروم . وتضم هذه الكنيسة مقصورة خاصة بالقديسة الشهيدة مارينا . وعلى مقربة منها دير للراهبات يحمل اسم هذه القديسة.

ولقد تميز القمص بولس بفصاحة اللسان وبالمقدرة على تقييم الناس والأمور. أما فصاحته فاستخدمها داخل الكنيسة في الوعظ والتعليم واستخدمها أيام الثورة الوطنية العارمة في إشعال الحماس وأستثارة الروح الفدائية، وكان ضمن الكهنة الذين وقفوا على منبر الأزهر وعلى غيره من منابر المساجد الإسلامية. كذلك كان دائماً ضمن الذين يسيرون في الصفوف الأمامية من المتظاهرين جنباً إلى جنب مع شيوخ الإسلام . ولهذا السبب تعرضوا جميعا في مناسبات عديدة للحبس بل تعرضوا للضرب أيضا رغم كرامتهم الدينية. وكانوا باستمرار تحت خطر القتل برصاص الجنود الانجليز.
وإلى جانب موهبته في الكلام منحه الآب السماوي تلك الموهبة التي يصفها الآباء بكلمة “فرز”، ومعناها أن يعرف الانسان مع من يتواضع ومع من يتكبر ، وأن يعرف مع من يتساهل ومع من يتشدد . وبهذه الموهبة عرف القمص بولس غبريال أن يقف في شيء من التشامخ مع الحكام الانجليز حين كانوا يستجوبونه بسبب مواقفه الوطنية ، في حين أنه كان بين أبنائه وبنی وطنه على جانب كبير من التواضع. أما جمعه بين التساهل والتشدد فتوضحه لنا القصة التالية :
حدث في سنة من السنين أن جاء عيد السيدة العذراء في يوم جمعة. و كنيستنا المحبوبة تعلمنا أننا نستمر صائمين في مثل هذا اليوم : فلا يفطر القبطى الصائم في يوم أربعاء أو يوم جمعة إلا إذا جاء عيد من أعياد المسيح في أحدهما(الأعياد السيدية). أما بقية الأعياد فيصام فيها إن وقعت في أحد هذين اليومين. وفي يوم الجمعة المذكور الذي كان عيد السيدة العذراء كانت الكنيسة التي تحمل اسمها بحارة الروم مزدحمة بالمصلين. وبعد الانتهاء من الصلوات المقدسة جلس بعض الأخصاء مع أبينا يتناولون القهوة ويتبادلون الحديث ، فقال له رجل ضخم الجسم في شيء من الاستخفاف : و أظن یابونا حاتقول لي أوعى تاكل الفرخة اللى طبختها لك مراتك النهاردة ؟ ، أجابه أبونا على الفور :  لا يابني كُلها بالهنا والشفا، وحالما سمع الرجل هذا الرد أستأذن وانصرف هو وزوجته . وعندها سألت إحدى الشابات ونحن يا أبانا بماذا تشير علينا ؟ هل نظل صائمين أم نفطر ؟ فابتسم في هدوء وقال لها :  بالطبع ستظلو صائمين ؟، فعادت تقول :  واشمعنی بقي ؟ أجابها : أنت من بيت معروف بشدة تمسكه بالكنيسة وبقوانينها ، وحينما أطالبك بالصوم في مثل هذا اليوم فلن تتضجری ولن تدیری وجهك لكنيسة أجدادك . أما هذا الرجل فمذبذب الإيمان في حاجة الى التشجيع . وتصرف أبينا على هذا النحو مطابق لما علمنا وإياه السيد المسيح في مثل الوزنات إذ طالب كل وحد بمقدار ما أعطاه . وبالفعل رضيت الشابة بحكم أبينا وأطاعن وصيته.

___

من كتاب قصة الكنيسة القبطية ج5 أ-إيريس حبيب المصري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى