مراحل نضوج الشخصية

 

مراحل نضوج الشخصية تتحدد ملامح الشخصية الإنسانية من خلال تفاعل الإنسان – في مراحل عمرية مختلفة – مع البيئة المحيطة بكل مكوناتها المحلية والعالمية .. ويهتم الشباب بأن تكون لهم الشخصية المتكاملة الناضجة ، ويرى الكثير من علماء التربية أن الشخصية الإنسانية تنضج من خلال ثمان مراحل هي :

1- مرحلة الثقة في سنتى المهد

في هذه المرحلة يبدأ الإنسان الطفل في تكوين الإحساس بالثقة والأمان، حينما يحس بالأيدي من حوله تتلقفه محبة وترحاب، وحضن الأم يحيطه بحنان ورعاية . فإذا ما فقد الرضيع هذه المعاملات، ولم يحس بروح المحبة والقبول من حوله، نشأ فاقدا للثقة في المجتمع كله، إذ يحس بأنه غير مرغوب فيه ( Unwanted ). ويرى بعض المحللين أن نشأة الفيلسوف الشهير سارتر، هي التي دفعته إلى تفكيره الوجودي الملحد، فلقد نشأ فاقداً لوالديه، ورباه جداه بأسلوب منفر، فأحس بأنه في صراع مع “الآخر” ، وأصبح يرى في الأخر محطماً لوجوده الذاتي، وقال مبدأه الشهير: “الجحيم هم الأخرون”.

وقد عبر أحد أساتذة طب الأطفال في مرة على رضيع لا يكف عن الصراخ ، ولما لم يجد لديه أية أمراض عضوية ، كتب علاجه قائلاً: “نصف ساعة حنان ثلاث مرات يوميا”. لقد كانت أمه مريضة ومعزولة عنه، فأخذت الممرضة الرضيع في حضنها، وهي تقدم له الوجبة الغذائية ، فأحس بالسعادة وانتهى ألمه وصراخه.

2- مرحلة الاستقلال من 3-5

في هذه المرحلة يبدأ الطفل في أن يستقل عن أمه، إذ أنه بدأ حياة الفطام في الغذاء ، وبدأ التسنين و المشي والكلام ، وهذه كلها تساعد على الاستقلال عن حضن أمه، فسوف يتحرك الطفل إلى الشرفة ، ويرى الناس في الشارع ، ويزور الجيران ، ويذهب إلى الحضانة ، وهذه كلها عوامل أساسية في أن يكتسب الطفل سمة الاستقلال في شخصيته ، كما أنها فرصة للنمو العقلي واكتساب المزيد من المفردات والمعرفة .

ومعروف علمياً أن بذور الشخصية تتكون في هذه المرحلة، لذلك فمن الخطورة بمكان أن يربط الوالدان طفلهما بهما في عاطفية مريضة، تجعله ينشأ ” اعتمادياً” ، أي أن يكون معتمداً عليهما في كل شئ، وغير قادر على تكوين شخصية مستقلة. وما نراه الآن من ارتباط شديد بين أحد الزوجين وأسرته ، والتدخل الخطيرمن الأسرتين الكبيرتين في حياة الأسرة الجديدة، شاهد أكيد على عدم استقلالية بعض شبابنا ، وعلى النشأة الاعتمادية ( Dependent ) التي تربوا عليها من قبل والديهم ، وهم بعد في مرحلة الطفولة المبكرة.

3- المرحلة الإنجاز  6-9

يبدأ الطفل في التعلم بالمدرسة ، و إنجاز الكثير من المهام التعليمية ، ويجتاز امتحانات دراسية ينجح فيها، وينال التشجيع ، فالكل يصفق له حينما يقول الأبجدية العربية أو الإنجليزية ، أو الأرقام ، أو الأناشيد ، أو حينما يأخذ درجات طيبة في كراس الواجب، و امتحانات أعمال السنة ، ونهاية العام … الخ .

هذه المرحلة أساسية في تعود الطفل على التعلم والإنجاز ، وفي اكتسابه ثقة في نفسه أنه ناجح وسينجح في الحياة العملية . لذلك فتعويد الطفل على المسئولية، والعمل، والمثابرة، والنجاح  مع تشجيعه المتزن، أمر هام في اكتسابه الثقة ، بينما عدم الاهتمام بإنجازاته ، أو عدم دراسة سبب فشله ( ربما لضعف في الإبصار مثلاً ) قد يصيب الطفل بإحباط شديد ، يترك بصماته الخطيرة على حياته في المستقبل ، وعلى ملامح شخصيته.

4 مرحلة الإيمانمن 10-14

هنا سن الإيمان . لقد استقر جسم الطفل بعض الشيء، وبدأ في بنيان عضلاته ، وأصبح يمتلك طاقة حركة ونشاط كبيرة ، كما بدأ ذهنه يفكر ويدرس ويحفظ ويتلقي. لذلك يحسن هنا أن يتلقى الفتى حقائق الإيمان المسيحي، والحياة الكنسية ، ودروس الكتاب المقدس إنه سن الإيمان ، وسن المحفوظات ، وسن الشلل و الصداقات، وسن البطولات ، لذلك يجب أن نقدم له بطولات كتابية وكنسية و إيمانية. وهو سن الاستطلاع ، لذلك يحسن أن تكون له مكتبة ، ليقرأ ويتعرف على فروع العلوم المختلفة ، وأمامنا موسوعات جميلة تناسب هذا السن.

ومع أن هذا السن يتقبل حقائق الإيمان ببساطة، إلا أنه مع ارتفاع السن الذهني عن السن الفعلي بسبب وسائل الإعلام ، سنستمع من الفتى إلى تساؤلات كثيرة ، علينا أن نجيب عليها بوضوح وصراحة ، وباسلوب سليم : روحياً وعلمياً ومنطقياً، فهنا تتكون لدى الفتی ايمانياته الخاصة، التي سوف يتمسك بها طول العمر .

5- مرحلة تحقيق الذات من 15-18

إنه شاب المرحلة الثانوية .. دخل إلى عمق المراهقة ، وبدأ يحس أنه لم يعد طفلاً ويجب أن يعامل معاملة الكبار . لقد نما جسمه بصورة سريعة ، واكتسب الصفات الداخلية والخارجية التي تؤهله للرجولة ، وتؤهل الشابة للنضج ، بدأ يحس بالميل الجنسي، وبدأ يجتاز انفعالات نفسية كثيرة، ما بين انطواء وانبساط ، تقدم وإحجام، سعادة وتعاسة .. فهو يعاني من تذبذب نفسي بسبب ميله إلى نعومة الطفولة ، وشوقه إلى نضج الرجولة في آن واحد . ضميره بدأ يحس بالذنب بسبب بعض الممارسات الخاطئة بالفكر والفعل والحواس.

علاقاته يمكن أن تكون مدمرة مع شباب تحت العشرين . هذا يدعوه إلى فيلم دنس ، والأخر إلى التدخين ، والثالث إلى المخدرات ، والرابع إلى ممارسات خاطئة أو تمرد أو مشاجرات … الخ.

ويحتاج الشباب في هذه المرحلة إلى:

+ شركة شخصية مع الرب يسوع ، كمخلص وصديق للشباب.
+رعاية أبوية كنسية. 
+خادم روحي يأخذ بيده ، ويجيب على تساؤلاته ، وينميه في روح الجماعة الكنسية .
+مجموعة أصدقاء في المسيح
+کتب وندوات ومحاورات خاصة بالمرحلة .
+ اشتراك في أنشطة الاجتماع ، لينشغل فيما يبيتي ، وينمو في جماعة صالحة ، ويشعر بانتماء ورضى ، وينجز ويبتكر ويسمو بغرائزه في الخدمة والشهادة للمسيح .

6- مرحلة الصداقة الوثيقة من 19-24

وهي مرحلة الجامعة .. مرحلة تكوين أصدقاء بصورة وثيقة ودائمة .. وهنا يدخل الشاب في محاولة اختيار سريع لشريك الحياة .. ويبدأ في تكوين علاقة عاطفية مع الجنس الأخر. وينسى أن هذه المرحلة يسميها علماء النفس “الجنسية الغيرية العامة ” .. أي التعرف على الجنس الأخر ككل .. وأنه بعد قليل سينتقل إلى مرحلة “الجنسية الغيرية الأحادية ” .. التي فيها يتمكن – بعد النضوج النفسي – من اختيار شريك نهائی واحد للحياة.

لذلك فالعلاقات العاطفية في هذه المرحلة تنتهي في كثير من الأحيان إلى الفشل الظروف كثيرة مثل : 
+ عدم اكتمال النضج النفسي اللازم ، فينتقل الشباب سريعاً من اختيار إلى اختيار آخر .
+ عدم التوافق الأسري أو الاجتماعي أو المادي أو الثقافي . 
+ عدم الاستعداد الاقتصادي لبدء مسئوليات الزواج 
+ وفوق الكل عدم التوافق الروحي.

وكثيراً ما تنحرف عواطف هذا السن، فتقود إلى ممارسات خاطئة، أو السمعة السيئة، ويحدث بعد ذلك الندم، وأي ندم !! لذلك فالتصرف السليم هو تكوين صداقات محبة روحية عامة مع كثيرين دون تركيز على شخصية واحدة ، انتظاراً للوقت والتكوين الملائم لاختيار شريك الحياة .

7- مرحلة الخصوبة 25-40

وهي مرحلة العطاء في الزواج أو البتولية ، في العمل أو الإنجازات العلمية ، في إنجاب الأولاد وتربيتهم ، في الخدمة الكنسية ، في الصلاة ، في الافتقاد في الرعاية ، في الكتابة ، في الترجمة في القيادة ، في النمو المادي ، في تكوين علاقات اجتماعية ، في الشهادة اليومية للمسيح في المجتمع … الخ.

إنها مرحلة العطاء المستمر المتدفق ، وهي جوهر رحلة الإنسان ، إذ فيها يتسم عطاؤه بالتدفق والتجديد والحيوية والوفرة ، بسبب الطاقة الكافية والإمكانيات المميزة .

8- مرحلة التماسك: ما فوق 25 سنة

وفيها تتماسك الشخصية بصفة تكاد تكون نهائية ، وتكتسب ملامحها الثابتة ، وتخصصها الذي يميزها . وهذا لا يعني الركود أو التوقف ، بل بالعكس فهو یعنی عطاء ذا طبيعة خاصة، وملامح مميزة يتسم بها صاحبها، وتحتاجها جميعاً، في عضويتنا في الجسد الواحد، جسد ربنا يسوع المسيح … عطاء الخبرة والنضوج الكامل.

هنا الأبوة والحكمة والقيادة ومخزن الخبرات والكفاءة .. هنا العطاء المتزن المدروس والمشبع .. ولذلك نلاحظ أنه لا يوجد سن معاش في الخارج ، وحتى في مصر ، يتمسكون يمن بلغ سن المعاش ، ويجعلون منه مستشاراً في تخصصه . 

وبعد … هذه مراحل نضوج الشخصية ، أحبائی … تعالوا نراجعها معاً، ونشحذ همتنا الروحية لنسير من مرحلة إلى مرحلة بأمانة وثقة ونضوج.

ولا تتصور أيها الحبيب أن أية بصمات تركتها طفولتك على شخصيتك غير قابلة للتعديل ، فنحن في المسيح نستطيع كل شئ ، وبالمسيح تنضج حياتنا وتصير مقدسة وفعالة ومثمرة .

ارتبط إذن بالرب والإنجيل والكنيسة .. ففي الرب : سوف تجد المخلص والقائد ، وفي الإنجيل : النور والشبع ، وفي الكنيسة : وسائط النعمة والجماعة المؤمنة .

فاصل

من مسابقات إعداد الخدام والخادمات – المسابقة الدراسية – مهرجان  المسيح حياتنا 2011

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى