أهداف خدمة المرحلة الثانوية

 

نحتاج أن نتحدث الآن عن الأهداف التي يجب أن نضعها أمام أعيننا أثناء خدمة هذه المرحلة الهامة وهي المرحلة الثانوية.

ومادامت هذه المرحلة – حسب ما يرى علماء التربية وما نراه عملية أثناء خدمتنا لها – هي مرحلة تكوين الذات، يكون من الطبيعي أن تساعد لخدمة، في الأسرة والكنيسة والمجتمع، هؤلاء الشباب من الجنسين ، على تكوين “الشخصية المتكاملة ” …

فما هي عناصر الشخصية الإنسانية ، حتى نسعي لاشباعها كلها ، وكيف يمكنا الوصول إلى نوع من التناسق بينها ، حتى لا يلغي عنصر منها العناصر الأخرى؟

عناصر الشخصية الإنسانية

معروف أن الشخصية الإنسانية هي نتاج التفاعل بين الإنسان والبيئة.

1- الإنسان ، وهو مكون من العناصر التالية :
– روح تتصل بالله ،،، وتشبع بالصلاة و الأسرار والكلمة ..
– وعقل يفكر ويدرس .. ويشبع بالقراءة والثقافة الكتابية و الكنسية والعامة ..
– ونفس تحس وتشعر … وتنضبط غرائزها وعواطفها وعاداتها بعمل الله 
– وجسم يتحرك ويسعی ۔ من مكان إلى مكان .. في خدمة الله والإنسان .
– وعلاقات مع المحيط الخارجي للإنسان … الأصدقاء والزملاء والمجتمع عمومأ ..

2- البيئة

– المنزل بكل أعضائه وظروفه … الروحية والاجتماعية والتربوي والمادية.
– المدرسة بكل تأثيراتها الإيجابية والسلبية … وبكل مراحلها المتتالية : حضانة – ابتدائی … الخ .
– الكنيسة يعمل الله فيها لخلاصنا … بدءا من الحضانة وطوال العمر …
– المجتمع بتاثيراته الهامة والخطيرة … بوسائل إعلامة وشبكات الإنترنت ، وتفاعلات العمل والحياة اليومية …

فاصل

أنماط متنوعة للشخصية الإنسانية

إن التفاعل بين الإنسان بكل مكوناته ، مع البيئة بكل عناصرها هو الذي يسهم في تكوين الشخصية ، سواء بإيجابياتها أو سلبياتها !!

ما أن هذا التفاعل عينه ، هو الذي يعطينا أنماطا متنوعة من الشخصية ، فهناك الشخصية الروحية التي يسود عليها عنصر الروح دون أن يلغي باقي العناصر ، فنجد هذا الشاب مهتماً بالروحيات، وخلاص النفس ، ووسائط النعمة، والخدمة، وزيارة الأديرة، والإنتماء الكنسي. وهناك الشخصية العقلانية ، التي تميل إلى البحث والدراسة ، وهي نافعة علمياً ودينياً، فهي التي تستطيع أن تنمو في الدراسات المختلفة ، في المجالين : العلمی ، فتحصل على درجات علمية ، والديني ، فتقدم لنا الكتب والبحوث النافعة … وهناك الشخصية الوجدانية ، التي تفيض بالمشاعر مع الناس ، وحينما تتقدس بعمل الروح ، تنسكب فيها ومن خلالها محبة خاصة وخالصة تقدمها للجميع ، وهي الشخصية النافعة في الخدمة والعمل الفردي والرعاية الشاملة … وهناك الشخصية الحركية ، التي تميل إلى النشاط ، فتساعدنا في إقامة الإحتفالات ، وترتيب الرحلات والمعارض والمسرحيات وحفلات السمر … وهي شخصية لا غنى عنها في الخدمة.

وهناك – أخيراً – الشخصية الاجتماعية ، التي تجيد صنع العلاقات الجيدة ، داخل وخارج المحيط الكنسي ، ولاشك أن لها دورها في نشر روح المحبة والوحدة داخل الوسط الكنسي، وكذلك في دعم السلام الإجتماعي ، والشهادة الأمينة للسيد المسيح في المجتمع.

وهناك تقسيم آخر لأنماط الشخصية، يتحدث عن شخصية قيادية فيها صفات الزعامة وأخرى هادئة لا تميل للحركة والحديث والانفعال ، بل تتصرف بهدوء وثبات في مختلف المواقف الحياتية، وثالثة اجتماعية تنجح في التواصل وصنع العلاقات ، ورابعة باحثة عن الكمال ، تهتم بالوصول إلى الأفضل في كل شئ ، ولا ترضى بالواقع، بل تحاول تغييره وتنميته.

لذلك فالهدف الجوهرى لخدمة شباب المرحلة الثانوية هو مساعدتهم في تكوين الشخصية المتكاملة ” ، التي تتسم بما يلي:

1- التكامل

أي أن ينال كل عنصر فيها ، ما يحتاجه من إشباع ونمو : الروح تصلي ، والعقل يفكر ، والنفس تنضبط ، والجسد يصح ، والعلاقات تنجح .. ومن واجب الخدمة أن تعمل مع الشباب في سبيل حصولهم على:
1- الإشباع الروحي .
2- الاستنارة الذهنية.
3- الاستقرار النفسي .
4- الصحة البدنية .
5- الكفاءة الاجتماعية

2- التناسق 

أي أنه لابد أن تسير جوانب الشخصية الخمسة جنباً إلى جنب، دون أن يلغى أحدها الآخر، فحتى الروح ، أهم ما في الإنسان ، لا ينبغي أن تلغي العقل أو النفس أو الجسد أو العلاقات الاجتماعية ، بل يسير الكل جنباً إلى جنب في تناسق ، ويسير الكل تحت قيادة روح الله القدوس الساكن في الإنسان.

3- الاشعاع

فلا يليق أن يحيا الإنسان المسيحی منحصراً في ذاته، بل عليه أن يترك نور الله الكامن في داخله، لكي ينطلق ويشع نوراً وحباً وخيراً وخدمة لجميع من حوله ، داخل وخارج الكنيسة.
وبعد … فما هي ملامح الشخصية المتكاملة التي نود أن يقتنيها شبابنا؟

فاصل

ملامح الشخصية المتكاملة

تهدف الخدمة – عموماً – إلى تكوين الشخصية المتكاملة التي تتسم بالسمات التالية :

1- الشبع الروحي

فهذا الشبع أساسي لخلاصنا، ” النفس الشبعانه تدوس العسل” (أم7:27)، لذلك يجب أن تهتم خدمة المرحلة الثانوية بهذا الجانب، فتقدم للشباب ما يبني روحه مثل : الحديث المستمر عن رب المجد يسوع . وعن محبته للشباب ، وفدائه وغفرانه و خلاصه وتقديسه للإنسان ، ويجب أن يتصل الشباب بالسيد المسيح شخصياً، في علاقة محبة حية، يومية ومستمرة، ويعيشوا في الحياة الكنسية المقدسة ، لينالوا من رب المجد : الغفران حينما نخطئ ، والخلاص من العادات السلبية المسيطرة ، والتقديس الذي يطال الفكر والمشاعر والسلوك والإرادة .
وتلك العشرة تعتمد على :
– حياة الصلاة : بالأجبية ، والصلوات الكنسية ، والارتجالية ، والسهمية ..
– قراءة الكلمة : فالإنجيل هو النور ، القائد ، والخبز المشبع ، وفيه نتعرف على المواعيد الإلهية ، وطريق النقاوة والقداسة .
التناول : الذي يثبتنا في المسيح يسوع ربنا … كقول الرب : “يثبت فيَّ وأنا فيه” (يو56:6).
– القراءات الروحية : التي تضئ الذهن ، وتشرح للشباب ملامح طريق الملكوت ، وتطهر فكرهم من كل السلبيات ، وتعرفهم كيف يتصرفون أمام حيل الشيطان ، و ايحاءات الأصدقاء …
– الاجتماعات الروحية : التي تشبع أرواحهم بحضور الله ، و أذهانهم بنور الكلمة ووجدانهم بالصداقة المقدسة ، إذ يجدون فيها فرصة اختيار الأصدقاء الصالحين …
– الأصوام والأعياد والممارسات الكنسية : التي يحسون من خلالها بعضويتهم في جسد المسيح : الكنيسة ، فيشيعون من دعم نعمتها ، ويروون من مياهها الحية .
– الخدمة : التي تضبط مسارهم ، وتشبع كيانهم ، وتحدد ملامحهم كأبناء وبنات للسيد المسيح 

2- الاستنارة الذهنية

فأذهان الشباب مشتتة بين :
– الدراسة والمذاكرة …
– ما يسمعونه من معلومات وإغراءات خاطئة .
– ما تبثه وسائل الإعلام والإتصال … وما يتبع ذلك من حروب إيمانية وعقائدية وروحية …

من هنا كان لابد أن يستنير ذهن الشباب ، بنور المسيح وكلمته ، من خلال الاجتماعات الروحية ، والمسابقات الدراسية ، والمهرجانات الشاملة ، التي تقدم لهم المعلومة السليمة : إيمانياً و عقائدياً وروحياً ، وتنير أذهانهم من جهة كل ما هو سلبي ومرفوض في العالم ، كالمبادئ المنحرفة أو التيارات الفكرية الخاطئة ، وصور الإلحاد العملي والفكري ، وعبادة الشيطان ، والجماعات الضالة والمضلة ، مثل السبتيين وشهود يهوه ، والردود على كل الأفكار التي تحاول أن تنال من الإيمان المسيحي، والعقيدة الأرثوذكسية … لذلك فالحروب الفكرية – مع ثورة الاتصال والمعلومات – تصير موضوعاً هاماً للغاية ، أثناء خدمتنا لهذه المرحلة …

3- الاستقرار النفسي

فما يعانيه شباب هذه المرحلة من توترات نفسية حادة ، تجعل من الأهمية بمكان أن تساعده في الوصول إلى الاستقرار النفسي … ولاشك أن الكنيسة تملك وسائل عديدة في هذا المجال ، لا يتيحها العالم لهذه المرحلة مثل :
أ- الخادم المحب الصبور : الذي يدعم ويصلي ويوجه ويحاور ، حتى يساعد المخدوم على الهدوء والصفاء والفهم .
ب- اب الاعتراف : الذي يفرغ لديه الشباب الأمه وهمومه واحباطاته ، وإحساسه بالذنب ، وأسراره الخاصة ، وينال من لدي الله العامل فيه الحل من كل الخطايا ، إذ يجتهد في التوبة عنها ، والحل لكل المشكلات التي يقابلها … وهذا سبيل للصفاء النفسي يستحيل أن يجده الشباب خارج دائرة الكنيسة ، فالطبيب النفسي لا يعطيه إلا كل ما هو ممكن للبشر ، أما أب الاعتراف فعنده طاقة الروح القدس اللانهائية ، والقادرة على القيادة والتغيير ، ناهيك عن روح الأبوة ، ومبدأ الكتمان الذين يتمتع بها أب الإعتراف بصورة خاصة . وهذا طبعاً لا يلغى حاجة أب الإعتراف إلى دراسات نفسية معاونة ، بل ربما وإلى طبيب نفسي يساعد في حالات المرض الحقيقي ، الذي يحتاج إلى تدخل طبي.
ج- الصداقة البناءة : فمن خلال أصدقاء أحباء وأتقياء ، ينال الشباب فرصة محبة ووجدانات مقدسة وتواصل إنساني سليم ، يعطيه صفاء نفسية يصعب أن يجده خارج الكنيسة .
د- الأنشطة الجماعية : كالحفلات والرحلات والرياضة والنادي والمسرحيات والمعارض والمعسكرات الروحية … فهي جميعاً كفيلة بكشف العيوب والضعفات لدى الشباب ، وتصحيحها بروح الحنو والمحبة والمواجهة البناءة …

4- الصحة البدنية

فالإنجيل يحثنا على أن لا نبغض أجسادنا “بل يقوته ويربيه” (أف29:5)، ويعلمنا أن “الرياضة الجسدية نافعة لقليل” ( 1تي8:4) … لهذا يجب أن نحث شباب هذه المرحلة – مهما كان ضيق وقتهم – أن يمارسوا بعض الرياضات البناءة ، ونرى أنها يجب أن تكون الرياضات التي تبنى الجسم كله ، دون أن تؤثر على بقية عناصر الشخصية ، فالمصارعة والملاكمة وغيرهما هي رياضات عنيفة ، تثير الانفعال والغضب ، وأفضل منها كرة اليد والسلة والطائرة .. ، وغير ذلك . كذلك يجب أن نشجع شبابنا على الاهتمام بغذائه ، بطريقة سليمة تبني جسمه ، وبأوقات الراحة المناسبة ، وأن تنصحه بأن يبتعد تماماً عن المهدئات والمنشطات ، فهي جميعاً – وبتأكيد علمی – تدمر الجهاز العصبي . داعي للسهر لفترات طويلة ، ثم النوم أثناء النهار … وما إلى ذلك.

وبالطبع يجب أن تكون لدي شباب هذه المرحلة، رفضاً داخلياً ، وضمير حساساً ، يحميهم من الدخول في دوامة التدخين ، الذي يقودنا إلى تعاطي المخدرات ، ثم إلى النجاسة ، فالأمراض ، فالجريمة .. فالضياع الكامل !!

إن مرحلة تكوين الشخصية هي المرحلة المناسبة لزرع هذه القيم جميعا ، وتوعية شبابنا ضد تلك الإنحرافات المدمرة .

5- الكفاءة الاجتماعية

وهي مؤشر هام من مؤشرات الصحة النفسية لدى علماء النفس … كما أنها دليل هام على صدق الحياة المسيحية، وإمكانية الشهادة الحية اليومية في المجتمع … فالمؤمن بالرب يسوع هو :
-ملح … يحفظ العالم من الفساد …
-نور … ينشر المعرفة والصلاح .
-خميرة … تبث الحياة في العجين المائت …
-سفير .. يسعى عن المسيح ليصالح الناس مع الله
– رائحة زكية … في الذين يخلصون والذين يهلكون …
– رسالة مقروءة … ومعروفة لدى جميع الناس …

لهذا أوصانا الرب قائلا : “فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات” (مت16:5) ، وكذلك أوصانا الرسول بطرس قائلا : “لكي يكون تقدمك ظاهراً في كل شيء” ( 1تي15:4).

لهذا يجب أن نشجع شبابنا في المرحلة الثانوية ، على تكوين علاقات زمالة جيدة مع الجميع ، وعلاقات صداقة محدودة مع أحباء يعاونوهم في خلاص أنفسهم … والشعار الذي نرفعه أمام هؤلاء الشباب يمكن أن يكون : ” زامل الكل ، وصادق من يبنيك ” …

ويساعد الشباب في هذا الصدد أن تكون لديه المرونة القوية التي تجعله يسير مع أو ضد التيار ، حسب مبادئه المسيحية .. بدلاً من المرونة الضعيفة ” التي تجعله يسير مع التيار باستمرار ، حتى لو كان خاطئاً ومدمراً!! .

 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى