الصلاة بين الرفض والممارسة
للعلامة أوريجانوس
لقد طلبتم الى أن أتناول بالمناقشة ما ساقه البعض من اعتراضات حول مبدأ الصلاة . فبعض هؤلاء المعارضين يظنون أن لا ضرورة للصلاة أصلاً، واذا قدمت فلا فائدة لها ولا تأثير ، وعلى هذا فمن العبث أن نصلی . سوف اعمل جاهدا في تحقيق رغبتكم وتحميص هذه الآراء ، وفي هذا المجال سنقتصر في استخدام كلمة الصلاة على معناها المألوف.
لا يمكن للناس ـ بصفة عامة ـ أن يقبلوا مثل هذا الرأي بل ولا يجد له من الدعاة من يؤمن به بقوة ويقين ، لأن كل من يؤمن بالعناية الإلهية وسلطان الله وسموه على الوجود لا يمكن أن يرفض مبدأ الصلاة . ولا ينادي بهذا الرأى سوى الملحدون تماما ، أو الذين يكتفون من الايمان بالاسم فقط ولكنهم مجردون من التقوى اذ ينكرون العناية الإلهية[1].
ولا شك أن هذا هو عمل العدو الشرير (2تس2: 9) الذي يقنع بعض الناس بعدم جدوى الصلاة وفي نفس الوقت ينسب هذه التعاليم أو بالحرى هذا التجديف الى شخص المسيح وشريعة ابن الله . ودعاة هذا الرأي يغفلون كل ادراك حسى ، ولا يمارسون سر المعمودية ، ويستهينون بسر الأفخارستيا ، فيتلاعبون بنصوص الكتاب المقدس بما يوحي بأنه لا يوصى بالصلاة التي تتحدث عنها ، بل يحاولون اقناعنا بأنه يعلم تعليما آخر يغاير ما فيه.
وسوف استعرض هنا الحجج التي يستند اليها هؤلاء المقاومون ، كما اقصر حديثي الى من يامن باله فوق الكل كما يؤمن بالعناية الالهية ، لأن هذا البحث ليس مجالا لمناقشة الذين ينكرون الله وعنايته.
تقول هذه الجماعة أن الله يرى كل الأشياء قبل أن تحدث ، وليس هناك شيء ـ اذا ما حدث ـ يصل الى علمه لمجرد واقعة حدوثه كما لو كان مجهولا لديه قبل ذلك. ورتبوا على هذه الحقيقة قولهم انه لا جدوى للصلاة لله لأنه يعرف ما نحتاج اليه قبل أن نصلى؟ لأن الآب السماوي يعلم ما نحتاج اليه قبل أن نطلبه ( مت6: 8 ) ومن المعقول والمقبول ان الله من حيث أنه الآب وخالق كل الأشياء ، ويحب كل الكائنات ولا يكره شيئا مما صنع ( حك11: 25) جدیر به ـ كما يحق للآب- أن يضبط كل الأشياء من أجل سلامة كل منها ، دون الصلاة لأجلها ، بل يعتني بكل اولاده دون أن ينتظر حتى يطلبوا هذا . وفي الواقع ـ أيضا ـ قد لا تتوفر لديهم القدرة على الطلبة ، أو – بسبب الجهل ـ قد يطلبون شيئا لا يناسبهم او ينفعهم . ذل ولا نعدو الواقع اذا أضفنا أننا كبشر نشترك في فكر الله كما يشترك الأطفال الصغار في فكر آبائهم.
ونحن نقول ـ اكثر من ذلك – ان الله في علمه السابق لا يعرف فقط ما سيحدث ، بل ويرتب أيضا هذه الأمور والأحداث ، بحيث لا يمكن ان يحدث شيء منها على خلاف ترتيبه السابق. وعلى هذا إذا بدأ لانسان ما ان يصلى من أجل الشمس حتى تشرق ثم ادعى أن هذا يحدث بفضل صلاته فهو انسان ساذج اذ يظن أن ما قد يحدث بدون صلاته قد حدث بسببها وكل من يظن ان امرا يحدث بسبب صلاته مع أنه قد يحدث بدونها انما يدعي ادعاء باطلا يقوم على غير أساس. وعلى نفس المنوال ، اذا ضاق الانسان ذرعا بحرارة الصيف وتألم من اشعة الشمس الحارقة ثم تراءى لهذا الانسان أنه بالصلاة يستطيع أن يرد الشمس الى ذلك الربيع، رغبة منه في الاستمتاع بنسائم الربيع العليلة ، فلا شك أن هذا الادعاء يتخطى كل تعقل . وينطبق هذا على كل من يخامره الظن بأنه يستطيع أن يتفادى ما سبق ترتيبه وما أصبح بالضرور مقضيا به على الجنس البشري . لا جدال أن هـذا جنون مطبق .
واذا كان الأشرار قد زاغوا من الرحم ( مز57: 4 ومز 58: 3 ) والبا يفرز من بطن أمه ( غل1: 15 ) لأنه وهما لم يولدا بعد ولا فعلا خيراً او شراً – لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار ليس من الأعمال بل من الذي يدعو .. قيل أن الكبير يستعيد الصغير ( رو9: 11و12) فمن العبث اذا ان نطلب غفران الخطايا أو نلتمس قوة الروح حتى ننال القوة على عمل كل شي في المسيح الذي يقوينا ( في4: 13 ) لأنه ما الفائدة ، ان كنا من الخطاة قد زغنا ورفضنا من الرحم ؟ أو ان كنا من المختارين من بطون امهاتنا فلا بد أن ننجح في كل طرقنا دون الحاجة الى الصلاة . فيعقوب لم يصل قبل ولادته ولم يطلب ما يمكن اعتباره مبررا للبنوة التي قيلت عن سيادته على أخيه عيسو ، وأن عيسو يصبح عبد له ( تك25: 23) ومن ناحية أخرى ما هي الخطية التي جناها عيسو حتى يبغض قبل أن يولد ؟ ولماذا يصلى موسى ـ كما نرى في مزمور89– ما دام الله هو ملجأه قبل ان تصنع الجبال أو تتكون الأرض والمسكونة ؟ ( مز89: 1).
بالنسبة للمؤمنين وخلاصهم قيل في الرسالة الى أفسس : الآب .. اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة اذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه (أف1: 3-5) فالانسان اذا -اما ان يكون في عداد المختارين قبل تأسيس العالم وفي هذه الحالة يستحيل أن يسقط من اختياره -وبالتالي لا يحتاج الى الصلاة ، واما أن يحسب ضمن المرفوضين غير المختارين ، ومن غير الذي سبق فعينهم وبالتالي ـ أيضا ـ فلا جدوى لصلاته ولا غناء فيها . حتى لو صلى آلاف المرات فلن ينال استجابة لصلاته ، لأن الذين سبق فعرفهم ، سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة مجد ابنه والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم ايضا والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضا . والذين بررهم فهؤلاء مجدهم ايضا ( رو8: 29و30 وفي3: 21).
ولماذا ينزعج يوشيا الملك ( 2مل22: 11و18 و 2مل23: 30) ويقلق من أجل صلاته من حيث سماعها واستجابتها ؟ ألم تكن هناك نبوة قيلت عنه قبل ذلك بأجيال كثيرة ( 1مل13: 1 ) وما بعدها . حتى بالنسبة لما يجب عليه أن يفعله ، فقد أعلن له ذلك من قبل وسمعه تصريحا على مسمع من كثيرين ، ولا فائدة ليهوذا لو صلى، بل يجب عليه أن يمتنع عن الصلاة ما دامت صلاته تحسب عليه خطية كما تقضى بذلك النبوة التي قيلت عنه من أيام داود من أنه سيفقد وظيفته ويأخذها آخر (مز108: 7و8 و أع 1: 16و20) ومن هذا كله يتضح لنا أن الله لا يمكن أن يتغير في مقاصده ، وانه سابق على كل الموجودات وبالتالي يثت على ما سبق فعينه . فمن الحماقة أن يصلي المرء على اساس انه يستطيع بالصلاة أن يغير تدبير الله السابق أو كأن الله لم يدبر كل الأشياء من قبل بل ينتظر صلاة كل واحد منا ليتشفع عسى ان يضبط الله الأمور بما يتفق مع مشيئة المصلى وطبقا لصلاته وفى مثل هذه الحالة يبدو الله مدبراً للاشياء ، وهذه نجدها معقولة عند فحصها ، ولكن دون ان يكون قد سبق الله فوضعها في اعتباره
ومن هذا نخلص الي ان اعتراض هؤلاء المقاومين – كما فصلته في رسالتك – يمكن أن يتلخص في :
أولا : اذا كان الله قد سبق فعرف كل ما سيحدث ، وان هذه الأشياء لا بد أن تحدث فالصلاة اذا لا فائدة منها .
ثانيا : واذا كانت كل الأشياء تحدث طبقا لإرادة الله ، وقضاء الله ثابت، وان شيئا مما يريد لا يمكن أن يتغير ، فلا أثر للصلاة اذا ولا فائدة من ورائها .
وقبل الاجابة على هذه الاعتراضات التي تحرض على الامتناع عن الصلاة ، أو تؤدى الى الفتور فيها ، لا بد لنا أن نتدارس بعض النقاط التي سنتناولها فيما بعد بتفصيل أوفى .
ا – الكائنات المتحركة ، منها ما يعتمد في حركته على مصدر خارجی ، ومنها ما تقوم حركته على عوامل داخلية ذاتية فالكائنات غير الحية أي الجامدة أو الأشياء التي يتم تركيبها بطريقة ما تستمد حركتها من عامل خارجی اما (ب) الكائنات الحية فتتحرك بسبب وجود الروح أو جوهر طبیعی ما . وهذا النوع الأخير يمكن أن ندرجه ضمن الأشياء المركبة.
فالأحجار مثلاً او كتل الأخشاب التي توقفت عن النمو يمكن أن تركب وتوضع معا فتوجه بطريقة ما أى تتلقى القوة على الحركة من الخارج وأجسام الحيوان والنبات التي يمكن نقلها ، اذا قام شخص بنقلها من مكان الى آخر ، فهذه لا تساوى حركتها حركة الكائنات الحية ، ولكنها تشبه ـ من هذه الناحية قطع الأحجار أو كتل الخشب التي توقفت عن النمو . حتى لو أخذنا النظرية التي تنادي بفناء الأجسام و هلاكها ، فالحركة ـ والحالة هذه ـ هي مجرد حادث يكتنف تحلل هذه الأجسام وفناءها.
وبالاضافة الى هذا ، فهناك طبقة أخرى من الكائنات تتحرك بفعل عامل داخلی ای من تأثير طبيعة النمو أو كما يقول المدققون في التعبير والتعريف انها حركة نابعة أو خارجة من الذات[2] وهناك كذلك نوع ثالث من الحركة نجدها في الحيوان وتوصف بأنها حركة الذات أو الحركة الذاتية وهذا النوع الأخير ـ فيما اعتقد ـ هو حركة الكائنات العاقلة.
فلو جردنا الحيوان من حركته الذاتية لما كان حيوانا ، بل يصبح مشابها اما للنبات الذي يتحرك بفعل عامل داخلی فقط هو طبيعة النمو ، أو كالحجر الذي يعتمد في حركته على مؤثر خارجي. اما اذا تجاوب الكائن مع علة حركته الخاصة بحيث نستطيع أن نقول أنه متحـرك بذاته ، فهذا الكائن لا بد وان يكون كائنا عاقلا
فاذا اعتقد البعض أننا مجردون من حرية الارادة . فلا بد لهم أن يصلوا الى نتائج حمقاء . فنحن من ناحية لا يمكن أن نكون من جنس الحيوان، ومن الناحية الأخرى لسنا من المخلوقات العاقلة . لأننا ـ طبقا لما يقولون او ترتيبا على استدلالهم – نتحرك بفعل عامل خارجی . لا نتحرك من ذواتنا ولكنا نعمل ما نعمله او ما يظن اننا نعمله كالآلات . وهنا لا بد للاسان أن يرجع الى نفسه ، ويتأمل خبرته الشخصية ، عسى أن يقتنع ـ في محاولة جادة ـ أنه يستطيع ان يقول أنه ليس هو نفسه صاحب الارادة في أن يقول ما يقوله ، وليس هو الذي يأكل أو يمشى ، وانه ليس بذاته الذي يقر ويقبل هذا الرأي أو ذاك ، وليس هو الذي يرفض غيره ويعتقد أنها آراء فاسدة !!
وكما أنه من المستحيل أن تفرض على انسان ما أن يؤمن ببعض التعاليم، حتى لو قدمت له أسانيدك بمهارة ، وابتكرت عشرات الطرق واستخدمت افضل اساليب المنطق في التدليل والبرهان ، هكذا ايضا بنفس الطريقـة لا يمكن أن تجعله يصدق بالنسبة لأفعال الانسان ـ أن ارادته ليسـت حرة . عجيب هو ذلك الرأي الذي يتمادي في تجريد الانسان من ارادته حتى يقول أننا لا نستطيع أن نفهم شيئا أو أننا نعيش في كل أمورنا على قضاء معلق غير محدد[3] . الا يعاقب السيد خادمه اذا ارتكب خطأ ما ؟ اما يدان الابن الذي لا يقدم الكرامة لوالديه ؟ ومن ذا الذي لا يلوم امراة زانية باعتبارها ارتكبت فعلا شائنا ؟ ! ان الحقيقة والواقع يرغماننا ويفرضان علينا مهما كانت بلاغة الأدلة التي تؤيد العكس ـ ان نتصرف ايجابيا ، وأن نحكم بالبراءة أو الإدانة . وحيث أننا نؤمن بحرية الإرادة ، فبالتالي تخضع افعالنا للتبرير أو الإدانة .
3 – فاذا رضينا عن حرية ارادتنا ، التي تفصح عن نفسها في ميول لا تحصى نحو الفضيلة أو الرذيلة على السواء ، وفي الالتزام بالواجبات المعتادة أو التحلل منها ، فالنتيجة التي لا مندوحة عنها هي ان الله بالضرورة يعرف مقدماً الشكل والتعبير الذي ستكون عليه هذه الارادة . قبل أن تتكون ؛ مع كل ما ستكون عليه أو يطرا عليها منذ بدء الخليقة وتأسيس العالم[4] ( رو1 20 ومت25: 34 ) ففي كل الأشياء التي سبق الله فرتبها طبقا لما سبق فرآه من ارادتنا الحرة ، سبق فرتب أيضا ـ طبقا لاحتياج كل عمل من أعمالنا الارادية ـ ما يجب أن يحدث نتيجة لعنايته الالهية . وعلى هذا تتابع احداث حياة الانسان على الصورة التي تكونها كيفما كانت.
الا ان علم الله السابق لا ينبغي أن نعتبره سببا لما يجرى من احداث او آثار تتبع أعمالنا الحرة الناجمة عن انفعالاتنا الخاصة ، لأن علم الله السابق لا يعنى سلب ارادة الإنسان أو التدخل في حريته . حتى لو افترضنا ان الله لا يعرف ما سيحدث . فلا يسعنا رغم هذا الا أن نختار ان نفعل هذا او ذاك ـ ولكن كنتيجة لعلمه السابق ، لابد للاعمال الارادية التي تصدر عن الانسان أن تتواءم وتتلاءم مع الترتيب والتنسيق الذي ينتظم الوجـود جميعا ، حيث أنه ضرورة لازمة لوجود الكون أو الوجود كله [5].
4 ـ وما دام الله يعرف الارادة الحرة لكل انسان . وبالتالي سـبق فرآها ، فهو يرتب بعنايته الإلهية ما يستحقه كل واحد بعدل ، فيزوده بما قد يصلى لأجله . وترتيب هذا وذاك انما يفصح عن أمانته وهدف مشيئته . ومما يؤيد هذه الحقيقة اننا لو تتبعنا ترتيبه الالهى بطريقة منطقية فسوف نجد أنه أحكم تدبيره . فمثلا يمكنا ان نتخيل الأمر على هذا النحو : هذا الرجل الذي يصلى بفهم وادراك ساعيره أذنا صاغية بسبب صلاته نفسها التي يلهج بها قلبه ، ولكن هذا الآخر لن اميل بسمعى اليه لأنه ليس جديرا بالسمع. أو لأنه يطلب أشياء ليست في صالحه أن ينالها ، ولا يليق بي ان اعطيه اياها . فاذا كانت الصلاة تطلب هذا أو ذاك مما يدخل في هذا النطاق مثلا فلن اسمع لصلاته أما اذا كانت صلاته من النوع الأول فاني استجيب واذا اضطرب احدهم لأن سابق علم الله بما سيكون ، هو علم لا يشوبه خطأ فكل ما يحدث بالضرورة ـ كما يجب علينا أن نقول انما لدى الله علم دقيق وحاسم به . وفي هذه النقطة بالذات . يعلم الله على وجه الدقة ان هذا الانسان أو ذاك لا يطلب على وجه التحقيق امرا صالحا ، بل يلتمس أمرا رديا مما يجعل هناك استحالة في اجابته الى طلبته . وقد يجرى الأمر كذلك أيضا : اني ساعمل واحقق طلبة هذا المصلى ، لأنه حقیق بی ان افعل هذا ما دامت صلاته ستكون بلا لوم ودعاؤه بدون عيب ، فاذا طلب في صلاته شيئا بالذات ، اعطيه واغمره بكثرة تزيد عما يطلب او يظن ( أف3: 20) يوافقني أن أغلب هذا الانسان بأعمال البر والخير فأعطيه اكثر مما يستطيع أن يطلب . ومع هذا الانسان الذي يتميز بهذه الأخلاق ، لا بد ان ارسل له ملاكاً خادماً خاصاً حتى يعمل معه لأجل خلاصه في فترة معينة ، ولانسان آخر يقول : سأرسل له ملاكا آخر ـ قد يكون من رتبة اعلى ، لأن هذا ابر وأفضل من سابقه وفي حالة ثالثة ، عندما يكرس الانسان نفسه للتعاليم المتعالية ( العظائم ) يتركه للضعف البشرى حتى يعود الى الأمور العادية فيقول : ساحرمه من معينه القوى ، وعندما يفارقه هذا المعين تنتهز الفرصة قوى الشر ـ حسب طاقته واستحقاقه وتستغل ضعفه وتنجسه عندما يبدى استعداده للخطية ، وارتكاب هذه أو تلك من الآثام والأوزار.
5ـ وعلى هذا المنوال يتكلم ذاك الذي سبق فرتب كل الأشياء : سيلد آمون يوشيا ، وهذا سوف يخفف سقطات ابيه ، ويتخذ لنفسه طرق البر بفضل الحاشية التي تحيط به ، فيكون يوشيا رجلا صالحا ومستقيما يقضى على المذبح الذي بناه يربعام بالشر والاثم ( 2مل 21-24 ) . واعلم ان ابني الوحيد سينزل ويسكن في وسط البشر ، ويهوذا سيكون بارا ومستقيما في بادىء الأمر ، ولكنه يتحول فيما بعد ويسقط في الضعف البشرى. ولهذا فلابد ان ينال المجازاة العادلة ( مت27: 5 و أع1: 18) . ولا شك أن خاصية العلم السابق بكل شيء كانت من خصائص ابن الله أيضا كما اتضح ذلك في قصة يهوذا وغيرها من الأسرار ، فقد عرف مقدما ما سيحدث . وراى يهوذا والخطايا التي سيتردى فيها . حتى قبل أن يولد يهوذا أعلن عنها بمعرفة كاملة على فم داود النبي : يا اله تسبيحي لا تسكت . لأنه قد انفتح على فم الشرير وفم الغش .. الخ ( مز108).
وبنفس الطريقة يقول عن بولس : اني اعرف مقدما مستقبل بولس وحرارته الدينية . لهذا ساختاره في (أف1: 4 )[6] قبل تأسيس الوجود . وكما رتبت من قبل بدء الخليقة ، سوف اسلمه عند ميلاده في حراسة هذه القوات . التي ستعمل معه في خلاص جنس البشر ، ولأني قد افرزته من بطن امه غل 1: 15 فسأسمح له في بداية حياته وفورة شبابه أن ينكل بالمؤمنين بالمسيح وسيمارس طغيانه عن جهل وتحت ستار الناموس فيحفظ ملابس الراجمين عبدي وشهیدی اسطفانوس ( أع 7: 57 و 22: 20) حتى اذا ما تجاوز شبابه العنيد الحار ، يستطيع ان يبدا من جديد . واذا تحول الى ما هو أفضل لا يجد جرأة أن يفتخر امامی (1کو1: 29) بل يعترف نادما : لست أهلا لأن أدعى رسولا لأني اضطهدت كنيسة الله (1کو15: 9 ) وعندما يعاين الخيرات والعطايا التي ستوهب له بعـد انقضاء تلك الطياشة المستترة بالدين سيقول : ولكن بنعمة الله أنا ما انا(1کو15: 10 ) وهكذا بفضل تورطه في حماسته الشبابية ضد المسيح ، يمتنع عن الارتفاع أو التعالي بسبب الاعلانات (2کو12: 7) التي في صلاحی ـ سأظهرها له.
6 – واخيرا نواجه النقد الموجه الى الصلاة التي تطلب من أجل الشمس حتى تشرق . ولست أرى بأسا في تقديم هذه الطلبة أو تكرارها . فالشمس تتبع قانونا خاصا يمثل لونا خاصا من حرية الارادة ، ولهذا يقول الكتاب : سبحيه أيتها الشمس والقمر . ومن البديهي ان ما يصدق على الشمس والقمر لا بد أن يصدق على غيرها من الكواكب : سبحيه يا جميع الكواكب والنور ( مز148: 3 ) . ولما كان الله يستغل الارادة الحرة لكل انسان ويرتبها لاتمام غاية معينة بحيث تتناسب وتنسجم مع غاية الوجود ، هكذا نجد ايضا ان الله عن طريق القوانين المنظمة للطبيعة ضبط ارادة الشمس والقمر والكواكب ، من حيث أنها ثابتة لا تتغير وأحكم ضبطها ليتم تدبيره في ترتيب كل نظام السموات وتنسيقه (تث4: 19) مع ما يتضمنه ذلك من سير الكواكب وحركتها .
واذا كنت أقدم صلاتي عن أمور تعتمد على حرية ارادة الآخرين ، ومع هذا تعتبر صلاتي صحيحة ، فلا بأس ـ اذا ـ من تقديم الصلاة عما يرتبط بالنظام الطبيعي[7] الذي قد أحكم تدبيره من أجل خير الوجود . وينتاب البشر ضروبا من الانطباعات قد تحرك ما فيهم من ضعف أو من ميول تنزع الى الخير ، وتنتقل هذه الى أقوالهم وأفعالهم ، فماذا يكون الأمر لو خضعت الاجرام السماوية لمثل هذه الانفعالات ؟ تتحول عن مسارها او تغيره مع أنه قد ضبط وحدد لمصلحة الكون كله . فليس من المصلحة اذا ان يصلى انسان لكي يطلب مثل هذا التغيير . وفي نفس الوقت فان العقل الذي يحكم ارادة هذه الأجسام يعصمها من الوقوع تحت طائلة مثل هذه الانفعالات.
- لعل أوريجانوس بقصد بهؤلاء المنكرين اتباع فلسفة أرسطو والأبيقوريين ممن آمنوا بالمسيحية .
- يشير اوريجانوس هنا الى حركة نمو النبات .
-
يقصد بهذا تعليق القضاء وانتظاره وكان ينادي بهذا الراي اتباع الأكاديمية الجديدة الذين قالوا أنه لا يمكن ادراك شيء أو استيعابه وبالتالي فلا يحق للانسان أن يقطع بالرأي في امر من الأمور فيقبله أو يرفضه
-
في هذا النص يجمع أوريجانوس بین رو1: 20 « لأن أموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر » . وبين مت 25: 34 « ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يامبارکی ابی رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم » .
- الرد على كلسص الفصل الرابع ف 70 لأوريجانوس Contra Celsus
- كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة
- وهكذا تصلى الكنيسة من أجل الزروع والأهوية ومياه النيل.