من عظات القديس كيرلس الأُورشليمي للمعمَّدين

عظة للذين سيستنيرون (سيُعمَّدون) في أُورشليم[1] من كتاب المعمودية: الأصول الأولى للمسيحية 
للأب متى المسكين

قراءة من سفر إشعياء:

+ «اغتسلوا تنقّوا. اعزلوا شر أفعالكم من أمام عيني. كفوا عن فعل الشر.» (إش 16:1)

1 – يا تلاميذ الرب شركاء أسرار المسيح – إلى الآن بالدعوة فقط وبعد قليل بالنعمة أيضاً – اصنعوا لأنفسكم قلباً جديداً وروحاً جديدة (حز 31:18)، حتى يكون فرح في السماء. لأنه إن كان بتوبة خاطئ واحد يكون فرح في السماء بحسب الإنجيل، فكم يكون إن كان خلاص لنفوس هذا عددها فإنها تحرِّك قلوب سكان السماء. فكما دخلتم الطريق الصالح والمجيد، فأسرعوا المسير بوقار في ميدان الصلاح، لأن الوحيد ابن الله موجود مستعد أن يقودكم، فهو ينادي: «تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم» (مت 28:11). أنتم الذين ارتديتم تعدياتكم كثوب منسوج بخطاياكم استمعوا لصوت إشعياء، لأنه صوت المسيح ينادي: «اغتسلوا وتنقوا واعزلوا شر أفعالكم من أمام عيني. كفوا عن فعل الشر» حتى تتهلَّل الملائكة بخوارسها فرحة بكم: «طوباهم الذين غُفرت خطاياهم وسُترت آثامهم» (مز 1:32). أنتم أضأتم شعلة الإيمان. أمسكوها بوعي والتفتوا إليها حتى لا تنطفئ. لأن الذي وهو على الجلجثة المقدَّسة فتح باب الفردوس للص بسبب إيمانه، هو يجعلكم تنشدون نشيد العرس.

2 – إن كان هنا عبد للخطية، فليُسرع ويعد نفسه للإيمان لينال الميلاد الجديد لينطلق في الحرية والتبني، إذ عندما يخلع عنه نير عبودية الخطية الثقيل، يلبس عوضاً عنه عبودية النعمة وبركة الرب حتى يُعدّ مستحقاً لملكوت السموات. اخلعوا “بالاعتراف” الإنسان العتيق مع أعماله والبسوا الجديد الذي يتجدَّد للمعرفة حسب صورة خالقه (كو 3: 9و10). خذوا لأنفسكم عربون الروح بالإيمان حتى تستطيعوا أن تُستقبلوا في المظال الأبدية. تعالوا للختم السرِّي حتى تكونوا معروفين لدى المعلِّم، وتكونوا من عداد الخراف الروحية التي للمسيح لتقفوا عن يمينه مع المختارين، وترثوا الحياة المعدَّة لكم.

الميلاد الذي أتكلَّم عنه هو الميلاد الروحي الجديد للنفس، لأن أجسادنا وُلدت بواسطة آبائنا المنظورين، ولكن نفوسنا تولد جديداً بالإيمان، حتى إذا وُجدتم مستحقين تسمعون: نعما أيها العبد الأمين.

 

3 – احفظوا أنفسكم من الرياء، فالله فاحص الكلى والقلوب، فالرب الذي يسجِّل أسماءنا يعرف نفوسنا ويمتحن أغراضنا. فإن كان في أحد رياء خفّي يرفضه الرب لأنه لا يكون لائقاً لخدمته، ولكن إن وجد واحداً مستحقاً يمنحه نعمته. لأنه لا يُعطى القدس للكلاب، لكن حيث الضمير الصالح يُعطي ختم الخلاص.

هذا الختم عجيب ترتعب منه الشياطين وتدركه الملائكة فتلتف حول صاحبه إن هو دخل ضيقة. فالذين يقبلون هذا الختم الروحي الخلاصي يجب أن يكونوا دائماً في الوضع الموافق له، لأنه كما أن قلم البوص يحتاج إلى يد تكتب به، هكذا النعمة تحتاج إلى قلوب مؤمنة تعمل بها.

4 – وأنتم ستتسلَّمون درعاً لا يفنى هو درع روحي باقٍ طالما بقيت اليد الروحية التي ترفعه. أنتم ستُزرعون في فردوس الله غير المنظور وتتقبَّلون اسماً جديداً لم يكن لكم سابقاً. كنتم تُسمّون بالموعوظين ولكن حال عمادكم تُسمون مؤمنين. نعم ستُزرعون بين غروس الزيتون الجديدة لأنكم تُطعَّمون من زيتونة بريَّة إلى أصل الزيتونة الطيبة وتنتقلون من خطية إلى بر، من تلوّث إلى طهارة، وتصيرون شركاء في الكرمة المقدَّسة، فإذا ثبتم في الكرمة تصيرون غصوناً مثمرة ولا تأكلكم النار. فانتبهوا لأن ثماركم هي التي تبقى لكم. وليكن لسان حالنا «أمَّا أنا فمثل زيتونة خضراء في بيت الله توكَّلت على رحمة الله إلى الدهر والأبد» (مز 8:52). ولكننا زيتونة لا تُرى بالعين أو الحواس بل تُعقل وتنير في الداخل، وحينئذ هو يرعاها ويسقيها حتى تثمر. هو الله الذي يعطي نعمة وأنتم تُستقبلون وتُحفظون وتُرعون. لا تحتقروا النعمة لأنها تُعطَى مجَّاناً وتُكنَز بالتقوى.

5 – إنه الآن زمان الاعتراف، اعترفوا بما اقترفتم بالكلمة والفعل، ليلاً ونهاراً. اعترفوا وليكن اعترافكم في وقت مقبول وليوم خلاص حتى تنالوا الكنوز السماوية. قدِّسوا زمانكم واجتهدوا في طرد أرواح الشر بطقس الأكسورسزم. وواظبوا على تعليم الموعوظين، وتذكَّروا كل ما تسمعونه لأنه لا يُقال لتسمعه آذانكم فقط ولكن لتقبلوه بالإيمان وتختم عليه النعمة في الذاكرة. امسحوا من ذاكرتكم كل اهتمامات الأرض لأنكم الآن تسعون لما هو للنفس. وعليكم أن تهجروا تماماً كل أمور العالم، لأن كل ما تتركونه هو قليل وتافه إذا قيس بالذي أُعدَّ لكم لتأخذوه من قبل الرب. انسوا الحاضر وثقوا بالآتيات. أبعدما صرفتم كل هذه السنين الكثيرة في السعي باطلاً فيما يخص العالم تستكثرون أن تقضوا في الصلاة أربعين يوماً من أجل خلاص نفوسكم؟ «اهدأوا واعلموا أني أنا الله» (مز 10:46) يقول الكتاب. امتنعوا عن الكلام التافه ولا تمسكوا سيرة أحد. ولا تعطوا آذانكم للمغتابين ولكن أسرعوا دائماً للصلاة. وبأعمال النسك اجعلوا قلبكم صاحياً. وطهِّروا أواني نفوسكم لتتأهَّلوا أن تغترفوا من النعمة حتى الملء.

 

على أن غفران خطاياكم يُعطى بالتساوي لجميعكم. أمَّا شركة الروح القدس فتُعطى على قياس إيمان كل واحد.

6 – وإن كان عليك شيء لأخيك سامحه. اصفح عن كل إساءات الآخرين لتقبل غفران خطاياك بلا مانع، وإلاَّ بأي وجه تقول لله اغفر لي؟

وعليك أن تواظب باهتمام على اجتماعات الكنيسة ليس فقط الآن إذ يطالبك بذلك المسئولون في الكنيسة، ولكن بالحري أيضاً بعد أن تكون استلمت النعمة. جاهد من أجل نفسك، ونمِّي نفسك بالقراءة المقدَّسة، لأن الرب أعدَّ لك مائدة روحية لتقول مع داود: «الرب راعيَّ فلا يعوزني شيء، في مراعٍ خضر يربضني، إلى مياه الراحة يوردني، يرد نفسي» (مز 23: 1-3). حتى تفرح بك الملائكة ويقدِّمك المسيح إلى الآب قائلاً: هأنذا والأولاد الذين أعطيتهم لي (عب 13:2).

ليجعلكم الله حسب مسرَّة نفسه الذي له المجد والقوة إلى نهاية الدهور الأبدية آمين.

فاصل

عظات القديس يوحنا ذهبي الفم للمعمَّدين كتب الأب متى المسكين من عظات القديس غريغوريوس النزينزي للمعمَّدين
كتاب المعمودية الأصول الأولى للمسيحية
المكتبة المسيحية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى