في البدء كان الكلمة للقديس باسيليوس الكبير

في البدء كان الكلمة

المعنى الدقيق لعبارة في البدء :

1. لكل كلمة في الأناجيل تميز لا مثيل له في المعاني، أكثر مما للتعليم الأخر الذي وهبه الروح في العهد القديم. لأن الله كلمنا في العهد القديم بهذه التعاليم عن طريق عبيده من الأنبياء، أما في الأناجيل، فالرب ذاته بشخصه هو الذي كلمنا. وما يجذب الانتباه في بشارة الإنجيليين الأربعة، هو ما بشر به يوحنا ابن الرعد”، الأعلى صوتا. فقد تكلم بأشياء تفوق كل سمع، وتسمو على كل فكر. ونعني بذلك ما يتعلق ببداية إنجيله، والذي سمعناه الآن: «في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله»”. وأنا على يقين بأن هذه الكلمات قد اندهش لها الكثيرون من الذين هم خارج نطاق الحقيقة التي تعلم بها، والذين يفتخرون بحكمتهم العالمية ، وهؤلاء قد شرعوا في خلط التعاليم في كتباتهم. لأن الشيطان سارق، وينقل تعاليمنا إلى المبشرين به. إذا إن كانت الحكمة العالمية قد اندهشت كل هذا الاندهاش لقوة هذه الكلمات، فماذا ينبغي علينا نحن تلاميذ الروح القدس، إن استمعنا لهذه الكلمات بتراخ أو توان، واعتبرنا أن ما تحتويه من قوة، هو أمرا يسير؟ هل هناك شخص بلا إحساس إلى هذا الحد ـ حتى انه أمام مثل هذه العقائد الإيمانية المليئة بمثل هذا الجمال والعمق ـ يصل إلى هذا المستوى من الغباء، ولا يرغب في التحرر والشفاء، ألا يريد الفهم الحقيقي لهذه العقائد؟

بيد أن الأمر الأصعب ليس أن نندهش إزاء الأمور الحسنة، بل أن نصل إلى الفهم المستقيم. هذا الأمر صعب، وصعب أيضا تحقيقه. فبالنسبة للشمس المحسوسة لا أتصور أن هناك من لا يمتدحها، من حيث الإعجاب بحجمها، وجمالها، وتناسق أشعتها ، والنور الذي تبعثه. أما من يجرؤ على النظر في قرص الشمس بطريقة فجائية، فإنه ليس فقط لن يرى ما يرغب في رؤيته، لكنه سيفقد الرؤية الدقيقة. يبدو لي أن شيئا مثل هذا ثعانيه الرؤية الذهنية التي تشرع في البحث عن معان محددة للكلمات المشار إليها «في البدء كان الكلمة».

من ذا الذي يعرف القيمة التي تحملها عبارة «في البدء» ؟ وهل هناك كلمة قويه يمكن أن تعبر بنفس القدر عن هذا المفهوم؟ لأن هذه العبارة ( البدء)، تقدم لنا التعليم عن لاهوت ابن الله، فليس هناك أي بداية أخرى قد أُعطيت «للكلمة» سوى هذه البداية التي هي بداية كل الأشياء.

الروح القدس يعرف الذين أهانوا مجد الابن الوحيد الجنس، فقد سبق واخبر عن هؤلاء الذين لديهم النية في مناقشتنا بطريقة سفسطائية، وهذه الطريقة قد ابتدعت لكي تدمر الذين يسمعوا لها. فهذه السفسطات تُنادي بأنه طالما أن الابن قد ولد ، فهذا معناه انه لم يكن موجودا. وقد أتى من العدم إلى الوجود[1] . مثل هذا الكلام تتناوله الالسنة التي سنت أكثر من سيف ذو حدين، إذا لكي لا يسمح لأحد أن يتفوه بمثل هذا الكلام، سبق الروح القدس وقال: « في البدء كان الكلمة».

بداية “الكلمة” ليست مثل باقي البدايات:

إن حفظت هذا التعبير «في البدء»، فلن تُصاب بأي سوء من الذين يبتدعون الشرور. لأنه إن كان ذاك (أي آريوس) قد قال طالما أن الابن مولود، فهذا يعني أنه لم يكن موجودا، فقل له «في البدء كان الكلمة». لكنه يتساءل، كيف وجد قبل أن يولد؟ أما من جهتك أنت فلا تترك كلمة «كان» ، وتمسك بكلمة «في البدء». فبداية البدء لا تدرك، فليس هناك شيئا خارج نطاق البدء، ينبغي ألا يخدعك احد بالمعاني الكثيرة التي تحملها كلمة «في البدء». لأن في هذه الحياة الحاضرة، توجد بدايات كثيرة للأشياء، لكن هناك بداية لكل الأشياء، تلك التي هي فوق كل البدايات. يقول سفر الأمثال: «بداية طريق الصلاح» . فبداية طريق ما هي الخطوة الأولى من حيث بدء المسيرة، والتي من الممكن أن نتابع استمراريتها. «وبدء الحكمة مخافة الرب»”. فبالنسبة لهذا البدء، هناك بدء أخر يسبقه. لأنه بداية تعلم الفنون، هو التعليم التمهيدي. إذا فمخافة الرب، هي التعليم التمهيدي للحكمة. لكن هناك ما يسبق هذا البدء، هو تأسيس نفس الإنسان الذي لم يتعلم الحكمة بعد، ولم يحيا في مخافة الله. لذلك تسمى السلطات السياسية، والمناصب العليا (بدايات أو رئاسات). ولكن هذه البدايات، هي بدايات لبعض الأشياء، وكل واحدة منها تدرك في علاقتها بشيء أخر. فبداية الخط هو النقطة، وبداية السطح هو الخط، وبداية الكلمة المكتوبة، هي الحروف.

٢. لكن هذا البدء (الخاص بالكلمة)، ليس مثل هذه البدايات. لأنه غير مرتبط بأي شيء. لا ينسب لشئ آخر. هذا البدء هو بدء حر (من كل شيء) ولا يتسيد عليه أحد، ليس له علاقة بشيء آخر. الذهن لا يستطيع الوصول إليه، والأفكار لا يمكنها أن ترتفع وتكتشف حدوده. فلو انك شرعت بخيالك الذهني أن تصل إلى البدء، ستجده يركض أمامك ويسبقك، ويستقبل أفكارك كسابق لها. أترك ذهنك أن يركض كما يريد، وان يمتد إلى أعلى نحو الأمور السمائية. ستجده بعد ذلك في حالة خداع أو ضلال شديد ، وقد سار في مراع لا حدود له، ثم يعود مرة أخرى إلى نفسه، لأنه لن يستطيع أن يجعل البدء في مستوى إدراكه. إن البدء دائما ما يبقى خارج دائرة الأمور المدركة، وهو أسمى من كل المدركات.

«في البدء كان الكلمة» يالها من معجزة! كيف ارتبطت هذه الكلمات، الواحدة مع الأخرى بالتساوي. كلمة «كان» لها نفس القوة مع كلمة «في البدء». أين هو الذي يجدف؟ أين اللسان الذي يحارب المسيح؟ ذاك الذي قال: إن هناك وقتا لم يكن الإبن موجودا فيه. لتسمع الكلمة الإنجيلية ي البدء كان». فإن كان الكلمة موجودا منذ البدء، فما هو الوقت الذي لم يكن موجودا فيه؟ إني أتنهد لهذا الكفر وأشمئز من جهلهم، فهم يقولون أنه لم يوجد ، قبل أن يولد، هل تعرف متى ولد، لكي تستطيع أن تحدد الزمن؟ لأن كلمة . قبل . هي ظرف زمان، يضع شيئا قبل شيء آخر حسب القدم. كيف يكون من الصواب أن تُخضع ميلاد خالق الزمن للقياس الزمني؟ إذا «في البدء كان». فإن لم تبتعد عن كلمة «كان» ، فسيمكنك حينئذا أن تمنع الأفكار الخبيثة من العبور إلى ذهنك. لأنه كما أن الملاحين أو البحارة، يزدرون بالأمواج الهائجةحين يعتمدوا على هلبين أو مرساتين ثابتين، هكذا أنت أيضا ستسخر من الإضطرابات الخبيثة التي تنشأ بواسطة الأرواح الشريرة، والتي تؤدي إلى زعزعة إيمان الكثيرين، إن كنت تهتدي إلى الميناء المتحصن بيقين هذه الكلمات.

لماذا دعي الإبن ” بالكلمة”:

۳ – لماذا يدعي الإبن «بالكلمة» هل يبحث فكرنا عن من هو ذاك الذي «كان في البدء» ؟ يقول القديس يوحنا الإنجيلي إنه «الكلمة». أية كلمة؟ هل هو الكلمة الإنسانية، أو كلمة الملائكة؟ لأن الرسول بولس يشير إلى أن الملائكة لهم لغة خاصة ، إذ يقول: «إن كنت أتكلم بالسنة الناس والملائكة». بل إن معنى الكلمة أيضا، هو معنى مزدوج. لأن هناك كلمة تنطق بالصوت والتي تتبدد في الهواء على الفور بعد نطقها. وهناك كلمة أخرى توجد في النفس لأنها موجودة داخل القلب، هذه الكلمة ذهنية. يجب أن تنتبه لئلا تخدعك مرادفات الكلمة. لأنه كيف تكون الكلمة الإنسانية موجودة من البدء، طالما أن الإنسان قد اخذ بداية وجوده في لحظة ما هنا على الأرض؟ وقبل الإنسان كانت توجد الحيوانات المتوحشة. وكل الزواحف ، وكل الحيوانات البرية، وكل الحيوانات البحرية ، وكل طيور السماء، وكل النجوم، والشمس، والقمر، والأعشاب، والبذور، والأرض والبحر، والسماء.

إذن الكلمة الإنسانية لم توجد من البدء، ولا كلمة الملائكة .كل الكون هو لاحق للدهر، لأنه اخذ بدايته من الخالق .والكلمة التي هي داخل القلب، هي أسمى من كل الكلمات المفهومة أو المدركة .أتكلم من أجلك، إذ أن الابن وحيد الجنس، قد دعاه القديس يوحنا “بالكلمة” .كما دعاه مباشرة فيما بعد، بالنور، والحياة، والقيامة . وكما أنك حين تسمع كلمة نور، لا تتجه إلى ذلك النور المحسوس للأعين، ولا حين تسمع كلمة حياة، تفكر في هذه الحياة المشتركة التي تحياها الحيوانات غير العاقلة، هكذا عندما نسمع عن “الكلمة”، عليك أن تنتبه إلى أنك ربما بسبب الضعف الذهني، تنتهي إلى معان وضيعة ودنيئة .إذن ينبغي أن تفحص معنى الكلمة .

لكن لماذا دعاه القديس يوحنا الإنجيلي “الكلمة”؟ لأنه ولد بدون الم .لماذا دعاه “الكلمة”؟ لأنه صورة ذاك الذي ولده، واتحد به بشكل تام وكامل، ولم يقطع من الذي ولده، بل هو له الوجود الكامل في ذاته، مثلما هو الحال فيما يتعلق بكلمتنا، فهي تصور كل ما يجول بفكرنا بالكامل. أي أن تلك الأمور التي نفكر فيها في قلوبنا، هذه ننطق بها بواسطة كلمتنا، وهذا الذي ننطق به، هو صورة لفكرنا الذي يوجد داخل القلب. لأن من فضلة القلب يخرج الكلام. وقلبنا كأنه نبع ماء، والكلمة المنطوقة كأنها مجرى ماء، ينساب من هذا النبع. إذا على قدر ما هو كائن ذلك الذي يصدر أو يبعث (الشيء)، بقدر ما يطفو على السطح ما هو في الداخل. ومن حيث أن ما هو مختبئ أو مختفي، هو أمر منطقيا أو عقليا، فإن ما يظهر على السطح سيكون منطقيا أيضا.

إذن لقد دعى القديس يوحنا الإنجيلي الابن «بالكلمة»، لكي يظهر الولادة من الآب بدون الم ، ولكي يشرح لك . لاهوتيا ـ الوجود الكامل للابن، ولكي يعلن بهذا عن الإتحاد اللازمني بين الابن والآب.

من ناحية أخرى فإن كلمتنا، التي يلدها الذهن، تولد بلا الم، أي أنها لا تتجزئ، ولا تنقسم، ولا ثراق، بل ويبقى العقل بكاملة في ذات كيانه ينتج أو يصدر الكلمة كاملة وبكليتها. والكلمة التي تخرج تحوي داخلها كل قوة الذهن الذي ولدها.

إذن فلفظة «الكلمة» تجعلنا نفكر في كل ما هو مملؤ عدل، وحق، وقداسة، كل ما يخص لاهوت الإبن الوحيد. أما إذا تصادف وكان هناك أمر غير ملائم وغير لائق، فأتركه وتجاوزه بكل الطرق. فإن كان قد قال «في البدء كان الابن»، فإن مجرد ذكر الابن، معناه التفكير في الولادة بالألم أيضا.لأنه بالنسبة لنا ـ الذي يولد هو مولود في الزمن، وهذه الولادة يصاحبها ألم، ومن اجل هذا سبق القديس يوحنا وقال «في البدء كان الكلمة»، لكي يصحح مسبقا الأفكار غير اللائقة، ولكي يحفظ نفسك بلا عثرات.

أين كان «الكلمة؟

4۔ «والكلمة كان عند الله». هنا أيضا يذكر كلمة (v) أي كان، وهي ثقال لأولئك الذين يجدفوا بقولهم إن » الابن «لم يكن موجودا .أين كان الكلمة؟ بالتأكيد لم يكن موجودا في مكان ما .لأن غير الموصوف لا ينحصر ف مكان ، ولكن أين كان؟ كان عند الله .لأن الآب لا يوجد في مكان محدد، ولا الابن يحتل منطقة معينة يمكن أن تخضع للوصف، بل أن الآب لا يحد، والابن أيضا لا يحد .كل شيء يمكن أن تُدركه، وأن تتجول فيه بروحك، ستجده مملوء بالحضور الإلهي .الإبن موجود في كل مكان، وفي كل شيء، ستجد حضوره ممتدا في كل هذا ، وفي نفس الوقت أيضا.

“والكلمة كان عند الله” يجب أن تتعجب لدقة كل كلمة، فهو لم يقل “والكلمة كان في الله” لكنه قال “عند الله”، قال هذا لكي يعرض للملمح الخاص بالاقنوم .لأن تجديف هؤلاء المنحرفين، هو تجديف خبيث، أولئك الذين بدأوا في خلط كل الأشياء، والذين يقولون إن الآب والابن والروح القدس هم واحد، لكنهم ينسبون إلى هذا الواحد أسماء مختلفة[2]. إنه جحود شرير، ويمكن تجنبه، ولكن لا يمكن تجنب الذين يجدفون قائلين أن ابن الله مغاير لله الآب الجوهر”. «والكلمة كان عند الله»، بعد ذلك يتعرض في نفس الوقت لتوضيح معنى لفظة «Aoyos» «الكلمة»، لكي يعرض للولادة التي بلا الم (أي الولادة من الآب قبل كل الدهور)، ويبطل على وجه السرعة ما قد يترتب – على الاستخدام المنحرف للفظة «الكلمة». وينيء به عن إفتراء المجدفين، ماذا يقول القديس يوحنا البشير عن «الكلمة»؟ يقول «وكان الله الكلمة». أرجو أن لا تبتدع معان مختلفة، حتى لا تنسب بسبب الأفكار الشريرة . تجديفا للتعليم المنقاد بالروح القدس، فلك حرية اتخاذ القرار، لكن ينبغي عليك أن تخضع للرب.

الوجود الأزلي «الكلمة» :

«وكان الكلمة الله، هذا كان في البدء عند الله».

مره أخرى يلخص كل التعليم اللاهوتي بكلمات قليلة، هذا ما يقدمه لنا القديس يوحنا البشير عن الابن وحيد الجنس. فمن هو هذا الابن؟ إنه الكلمة الإله، وبعدما صاغ المعنى أو المغزى المتعلق «بالكلمة»، بأن رسخ مثل هذا المعنى في نفسك بواسطة هذا التعليم، وأسكن «الكلمة الإبن المتجسد في قلبك»، بعد ذلك نجده يقول «هذا»، من هو هذا؟ لا تنظر خارجا ، افحص بعناية، ما تُعلنه لك كلمة «هذا» وأدخل إلى خبايا نفسك، لكي تعلم أن «هذا»، موجود «في البدء»، أي أن ذاك الذي أتى هو «الكلمة»، الذي كان عند الله، هذا يجب أن تعرفه، وتتعجب لأعماله، وتسجد له، هذا الذي يقيم فيك بتعليمه، ينبغي أن تعرف أن هذا «كان في البدء»، فهو دوما عندالله أبيه. أرجوكم أن تحفظوا هذه الكلمات القليلة، بأن تطبعوها كختم في حائط منيع ضد ذاكرتكم. هذه الكلمات هي أولئك الذين يحيكون المكائد. هذه الكلمات تحفظ النفوس، وتخلص أولئك الذين يعلمون بها. فلو اقترب منك احد وقال لك، إن الابن ولد، وهذا يعني أنه لم يكن موجودا ، فإذا كان موجودا ، فكيف ولد؟ فعليك أن تصد التجديف الذي يوجه ضد مجد الابن الوحيد الجنس، وكأنه صوت الشيطان. ولتردد أنت الكلمات الإنجيلية «في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله». لتقل للمرة الرابعة كلمة ( كان)، وستُبطل حجتهم التي تنادي بأنه لم يكن موجودا.

إن أساسات الإيمان هذه ستبقى ثابتة، ويمكننا أن نبني فوق هذه الأساسات، طالما أن الله يسمح لنا بالاستمرار في تكميل باقي البناء. لأننا لا نستطيع أن نقول لكم كل شيء مرة واحدة، حتى لا تبطل تلك الأمور التي جنيتموها، إذا ما توسعنا في الكلام بشكل كبير، لأن الذهن لا يستطيع أن يستوعب كل الأشياء معا، وهو يعاني نفس الشيء الذي ثعانيه المعدة، فهي لا تستطيع أن تهضم بشكل طبيعي وجيد ، بسبب الإفراط في كمية الطعام التي دخلت إليها. إن ما ارجوه لكم أن تتمتعوا بمذاقة الكلام، وان تنتفعوا بكل طعام روحي. أما من جهتي فأنا أقف مستعدا لأجلكم، كي أُقدم لكم  ماتبقى، بمعونة ربنا يسوع المسيح الذي يليق به كل المجد والقوة والكرامة إلى أبد الآبدين أمين.

فاصل

  1. يقول ق.كيرلس في تفسيره إنجيل لوقا [فبينما يكتب المغبوط يوحنا البشير، في البدء كان الكلمة» يو١.١ نراهم يقلبون كلاً من العقيدة الخاصة بالمسيح والإقتباس الدال عليها إلى العكس تماما، قائلين إن الكلمة الإبن الوحيد من الله، لم يكن في البدء، وليس الله نفسه، بل وأيضا لم يكن مع الله، أي في إتحاد معه بالطبيعة، لأن غير المادي كيف يمكن تصور وجوده في أي مكان؟ هؤلاء المتوقحون يقولون إنه مخلوق، ويقيسون مجده بأن يرفعوه فوق المخلوقات بقدر ما تحمل اللغة من ثناء، وإذ يخترعون هذه العظمة المجردة والعارية يظنون أنهم يضعون شيئا بحكمة أو حتى بتقوي، ولا يدرون إنه لو أعتبر لأي سبب أنه مجرد إبن مخلوق، فإنه يصبح من العبث إثبات أنه الله حقا، وإن كان من أي جهة هو مخلوق، وطبيعته مشابهة للأشياء المخلوقة، فينتج من ذلك إنه كما يؤكدون لم يكن موجودا في البدء، لأنه لا يمكن للمخلوق أن يكون بلا بداية. فكيف يقول الحكيم بولس إذن «الآب به عمل العالمين» عب٢.١ فإذ كان مخلوقا فلابد أن يكون له بداءة وجود، ولابد أنه قد كان هناك زمان سابق علي وجوده، وكان لابد أيضا من وجود زمان لم يكن فيه الآب أبا كما بدل إسمه، بل لم يكن علي الإطلاق أبا بالطبيعة، ولذلك تكون الكلمة التي أتت إلينا بشأنه غير صحيحية وهكذا يصير أيضا بالنسبة للإبن ويكون كلا الإثنان قد دعيا هكذا كذبا، كيف إذن يمكن أن تصدق قول الإبن « أنا هو الحق» يو ٦:١٤، نحن نؤمن بأن الإبن الوحيد كلمة الله، هو الله، وهو إبن الله بالطبيعة، وإنه غير مخلوق ولا مصنوع، بل هو خالق كل الأشياء، وليس سموه هكذا فقط، بل هو بالحري جوهريا مع الأب عال فوق الكل. شرح إنجيل لوقا، للقديس كيرلس الإسكندري، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ص۳۰۷.۳۰٦.
  2. ويقصد بهؤلاء، سابيليوس وأتباعه، الذين نادوا بأن الله يظهر تارة كأب، وتارة کابن، وتارة باعتباره الروح القدس، ثلاثة أسماء لشخص واحد. في هذا الصدد يؤكد القديس كيرلس الأسكندري في شرحه لإنجيل يوحنا أن في كلتا العبارتين «في البدء كان الكلمة» «والكلمة كان عند الله»، أن القديس يوحنا الإنجيلي قد استخدم فعل «كان» لضرورة تأكيد أن ميلاده كان أزليا. وبقوله «والكلمة كان عند الله» أكد أنه متمايز وأقنوم آخر غير أقنوم الأب الذي معه الكلمة». شرح إنجيل يوحنا ج۱،للقديس كيرلس الأسكندري، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ص۲۲.

زر الذهاب إلى الأعلى