القراءات الكنسية
لو تقابلت مع شخص جائع هل يشبعه أن تقدم له خبزة مرسومة على ورقة !؟ أم لابد أن تقدم له خبزة حقيقية لكي يأكلها فتشبعه.
هكذا القراءات الكنسية التي تقرأ في القداس الإلهي على مدار السنة القبطية ، تعد بمثابة وجبة مُشبعة لكل من يستمع إليها بقلبه قبل أذنه .
السنة القبطية عبارة عن اثني عشر شهراً كل شهر يحتوي على 30 يوم إلى جانب الشهر الصغير أو شهر نسي وهو عبارة عن خمسة أيام أو ستة حسبما كانت السنة بسيطة أو كبيسة
وقد وضع الآباء القديسون بحكمة روحية وبإرشاد الروح القدس لكل يوم من أيام السنة قراءاته الخاصة لتقدم وجبة غذائية روحية قوية، تهدف إلى تعليم روحي يأخذه الإنسان لکی يثبت بواسطته في طريق الرب ، وتكشف أيضا عن طبيعة الكنيسة وعمقها ومنهجها وفكرها اللاهوتي وغايتها لخلاص الإنسان.
وقد رُوعي في ترتيب القراءات الكنسية أن السنة القبطية سنة زراعية ، فنرى قراءات الأحدين الأول والثاني من شهر هاتور عن مثل الزارع ، والسبب في ذلك أن شهر هاتور هو شهر بذار القمح وبقية المحاصيل الشتوية الهامة.
ويمكننا تقسيم القراءات الكنسية إلى قسمين ، كل منهما يبرز جانباً من جوانب طبيعة الكنيسة :
1- قراءات تمثل خطاً عاماً عبر السنة كلها، من خلال قراءات قداسات الأحاد ، تُظهر عمل الثالوث القدوس في الكنيسة ، وتنطلق بالمؤمن في خط لاهوتی روحی متكامل، يمثل وحدة الكنيسة وجامعيتها .
2- قراءات خاصة بكل يوم ، حسب أعياد الشهداء والقديسين ، وهذه القراءات تُظهر التمايز بين أعضاء الكنيسة ، التي هي جسد المسيح ، واختلاف مواهب هؤلاء الأعضاء ، كأمر متكامل مع وحدة الكنيسة.
ويمكننا القول بأن كل قسم من هذين القسمين يبرز جانباً هاماً آخر :
فالقسم الأول : يبرز عمل الله غير المنقطع نحو الكنيسة والبشرية كلها ، وبمعنی آخر تقدم لنا الله ليس منعزلاً عن البشرية ، وإنما محباً لها عاملاً فيها لخيرها ، يصادق الناس ويحتضنهم ، ويرفع معاناتهم ، لكي يرفعهم إليه ، يشاركونه مجده الأبدي. وهذا هو منتهى الحب الإلهي للإنسان .
– القسم الثانی : قراءاته شركة كاملة بين الكنيسة المنتصرة والمجاهده ، شركة بين السمائيين والأرضيين ، شركة بين رجال العهد القديم والعهد الجديد ، شركة بين الرجال والنساء ، شركة بين الإكليروس والشعب ، نرى السيد المسيح مختفياً في كنيسته يجمع أعضاءها حوله ، كالمجموعة الشمسية التي تلتف حول الشمس مصدر نورها وحياتها.
وتعتبر القراءات الكنسية جزءاً لا يتجزأ من العبادة الكنسية ، فهي ليست فصولاً تقرأ فحسب ، بل هي عبادة تمارس بالنغمة ، واللحن المناسب لكل موسم کنسی ( سنوی – کیهگی – حزاینی – فرايحي ) ، ويشملها الجزء الأول من القداس ، ويسمى قداس الموعوظين ، أو ليتورجية التعليم .
ومن خلال هذه القراءات ، تقدم الكنيسة لأبنائها فكرا متكاملاً عن محبة الله ، وعمله الخلاصي، مع وجوب الالتزام بالإيمان والتوبة والجهاد الروحي ، لكي يكونوا مؤهلين ومستحقين لهذا الخلاص ، كذلك عن التأمل في السماويات ، مع قبول الآلام بفرح ، وممارسة الأسرار الإلهية ، مع التمتع بكلمة الله من العهدين ، وكل هذا يوصلنا إلى الشركة مع الله الآب في ابنه الوحيد بروحه القدوس ، فنستعد للأبدية السعيدة التي تنتظرنا ، والملكوت المُعد لنا منذ تأسيس العالم .
القراءات الكنسية تعرف بأسم قداس الموعوظين أو ليتورجية التعليم.
يظن غير العارفين بالروح الكنسية ، أن تكرار هذه القراءات كل عام يورث العابدين الملل والرتابة.
والحقيقة أن ينبوع هذه القراءات المتدفق يُخرج لنا جدداً وعتقاء . فقط تحتاج القراءات الكنسية إلى آذان روحية مدربة صاغية، وقلوب مستنيرة واعية ، ومعلمين ووعاظ فاهمين لمقاصد الآباء وحكمتهم ، من وضع هذه القراءات بترتيبها العجيب ، فيكتشفون كنوزا ويستفيدون استفادة عظمی.
القراءات الكنسية التي تتلى أثناء القداسات ، على مدار السنة القبطية ، لها خط روحی ولاهوتی عام على مدار السنة القبطية ، ولها فلسفة عميقة ، وموضوعه بإرشاد الروح القدس . وهذه القراءات تحويها 4 كتب هي :
1- القطمارس السنوي الدوار : ويخدم شهور السنة أياماً وأحاداً، وهو مطبوع قبطياً وعربياً، للأحاد جزء ، وللأيام جزء آخر .
2- قطمارس الصوم الكبير : قبطياً وعربياً، وهو يشمل قراءات الصوم الكبير.
3- قطمارس البصخة : قبطياً وعربياً، وهو يخدم أسبوع الآلام.
4- قطمارس الخماسين المقدسة: وهو يشمل القراءات من عيد القيامة المجيد إلى عيد العنصرة .
هذه القطمارسات تؤلف وحدة واحدة ، وموضوعة بمنهج آبائی متقن ودقيق ، حيث ترتسم في ذهن المؤمن صورة لأعظم حدث في حياة كل مؤمن ، وهو حدث التجسد والفداء ، وما يحويه من محبة الله للإنسان وعنايته الفائقة به.
القطمارس السنوى الدوار ( آحاد وأيام ):
يوجد في السنة القبطية 52 أسبوعاً.
يمكننا تقسيم القراءات الكنيسة إلى قسمين كل منهما يبرز جانباً من جوانب طبيعة الكنيسة:
أولاً: قراءات الأحاد السنوية
قراءات قداسات الآحاد تمثل خطاً عاماً عبر السنة كلها من خلال قراءات قداسات الأحاد، وتظهر عمل الثالوث القدوس في الكنيسة ، وتنطلق بالمؤمن في خط لاهوتی روحي متكامل فيبرز عمل الله غير المنقطع نحو الكنيسة والبشرية كلها ، فهي تقدم لنا الله ليس منعزلاً عن البشرية وإنما محباً لها يصادق الناس يحتضنهم ويرفع معاناتهم لكي يرفعهم إليه يشاركونه مجده الأبدي ، وهذا هو منتهى الحب الإلهي للإنسان . وأيضا توضح الأثر القوى في الكنيسة من حيث تدبيرها وخلاصها وارشادها ومعونتها ، وذلك حسب البركة الرسولية التي تبارك بها الكنيسة شعبها قائلة : ” محبة الله الآب ونعمة الإبن الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح وشركة وموهبة الروح القدس فلتكن مع جميعكم ”
وقد جعلت الكنيسة فصول الآحاد الأربعة لكل شهر تدور حول موضوع واحد مثال على ذالك :
? شهر توت – تتحدث القراءات عن محبة الله الآب
? شهر بابة – سلطان المخلص على التفوس .
? شهر هاتور – إنجيل المخلص لشعبه .
? شهر كيهك = ظهور المخلص لشعبه .
? شهر طوبی – خلاص يسوع المسيح للأمم .
? شهر أمشير – شبع المؤمنين بالمخلص .
? أما شهور برمهات وبرمودة والنصف الأول من شهر بشنس يجئ فيها الصوم المقدس وأسبوع البصخة والخماسين المقدسة ، وهذه المناسبات لها قراءتها الخاصة .
النصف الثاني من شهر بشنس – ربوبية المخلص
? شهر بؤونة – شركة ومواهب الروح القدس ، لأن عيد حلول الروح القدس يقع عادة في هذا الشهر .
? شهر أبيب – معونة المخلص لرسله الأطهار ، ويقع فيه عید الرسل.
? شهر مسری عناية المخلص بكنيسته .
? شهر نسی – إذا جاء يوم أحد خلال هذا الشهر تقرأ الكنيسة ( مت 24 ) عن المجئ الثاني للسيد المسيح .
مثال : ترتيب آحاد الخماسين المقدسة:
– الأحد الأول ( يو 20 : 19-31 ): عيد الأحد الجديد ( أحد توما ) “ربی والهي”
– الأحد الثاني (يو35:6-45): الخبز الحي النازل من السماء
– الأحد الثالث ( يو 1:4-42 ): الماء الحي (إنجيل السامرية)
– الأحد الرابع(يو35:12-50): المسيح هو نور العالم
– الأحد الخامس( يو 1:14-11 ): أنا هو الطريق والحق والحياة
– الأحد السادس ( يو 23:16-33 ) سلاح الصلاة
– الأحد السابع (يو 23:16-33 ) عيد العنصرة
الأحد الخامس : إذا بدأ الشهر بيوم سبت أو أحد أصبح فيه 5 أحاد، وعادة يقرأ في الأحد الخامس إنجيل البركة وهو إنجيل إشباع الجموع من الخمسة خبزات والسمكتين ، وهذا يرمز إلى شبع المؤمنين بكلمة الإنجيل إذا سمعوها أو قرأوها باهتمام وصلاة وقلب مفتوح
توجد قاعدة طقسية تقول : إنه إذا وقع الأحد الخامس يوم 29 من الشهر لا يقرأ فصول الأحد الخامس ( إنجيل البركة ) بل تقرأ فصول 29 برمهات.
ثانيا : قراءات الأيام السنوية:
رتبت الكنيسة قراءات القداس في الأيام دون الآحاد على سنكسار اليوم ( سيرة قديس اليوم) ، وهذه القراءات تظهر التمايز بين أعضاء الكنيسة التي هي جسد المسيح ، ويضم هذا الجسد شركة كاملة لكل أعضائه شركة بين السمائيين والأرضيين , شركة بين رجال العهد القديم والجديد ، شركة بين الرجال والنساء ، شركة بين الإكليروس والشعب ، فنرى المسيح شمس البر مختفياً في كنيسته يجمع أعضاءها ( كواكبها ونجومها ) حوله . واذا كان سنكسار أحد الأيام به سيرة أكثر من قديس ، اختارت الكنيسة إحدى هذه السير وغالباً ما تكون أبرزها . وقد رأت الكنيسة أن تميز كبار القديسين بفصول خاصة مناسبة تقرأ في يوم إستشهاد أو نياحة القديس ، وتسمى ( أيام خاصة ) وعدد هذه الأيام الخاصة 55 يوماً فقط .
وتقرأ نفس هذه الفصول في أعياد بقية القديسين المشابهين له في السيرة ، وتسمى ( الأيام المحالة ) أي التي ليس لها قراءات خاصة ولكنها تحال إلى الأيام الخاصة ، ومن هنا نشأ نظام ( الأيام الخاصة والأيام المحالة عليها ) أو كما نقول باللغة الدارجة ( المستلفة منها ) .
مثال : – في تذكار نياحة أحد البطاركة يقرأ إنجيل الراعي الصالح .
– وفي تذكار نياحة أو استشهاد أحد الرسل يقرأ إنجيل عن إرسالية الرسل وكرازتهم ، تعيد الكنيسة يوم 8 توت بعيد نياحة موسی النبی ، فتجد القراءات تدور حول الأنبياء وجهادهم وإيمانهم .
مزمور عشية: “لا تنسوا مُسحائی ولا تسيئوا إلى أنبیائی” ( مز15:105)
إنجيل عشية: “يطلب من هذا الجيل دم جميع الأنبياء ( لو37:11-51)
مزمور باکر: “أرسل موسى عبده وهارون الذي اختاره” (مز26:105)
إنجيل باكر: وإذا موسى وإيليا ق ظهرا لهم يتكلمان معة ( مت3:17)
البولس: بالإيمان موسى لما كبر أبى أن يدعی ابن ابنة فرعون” (عب 24:11)
الكاثوليكون: “بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس” (2بط 21:1)
الإبركسيس:”لأن موسى منذ أجيال قديمة له في كل مدينة من يكرز به” ( أع 21:15 )
مزمور القداس:”موسى وهارون بين کهنته وصموئيل بين الذين يدعون باسمه” ( مز 6:99 )
إنجيل القداس: “أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة فمنهم تقتلون وتصلبون ” ( مت 34:23 )
وتقرأ الكنيسة هذه القراءات في ذكرى نياحة أحد الأنبياء مثل :
4 توت نياحة يشوع بن نون
20 كيهك نياحة حجی النبی
23 برمهات نياحة دانيال النبي
25 بؤونة نياحة إليشع النبي
ورد في بستان الرهبان قصة توضح مدى تأثير القراءات الكنسية في تطهير النفس وتقديسها وقيادتها للتوبة. حدث أن أتي القديس بولس البسيط إلى الكنيسة فكان يتأمل كل واحد من الداخلين فكان يرى منهم من يكون مناظرهم مبهجة وملائكتهم تتبعهم مسرورة ، ثم رأى أحد الداخلين وقد إسود لونه وشياطين محيطة به يجرونه و ملاکه يتبعه من بعيد عابسا فلما رأى القديس ذلك بکی وقرع صدره وخرج من الكنيسة باكياً، ولكن طلب إليه الحاضرون أن يدخل معهم القداس فامتنع ، وظل جالساً على باب الكنيسة منتحباً ولما كملت الصلاة وخرجوا كان يتطلع اليهم فرأى ذلك الشخص الذي كان قد دخل على تلك الحالة السمجة وقد خرج بهى الوجه أبيض الجسم وملاكه معه مسرور والشياطين يتبعونه من بعيد ، فصفق القديس بولس بيديه سرورا ، وسأل ذلك الأخ عن السبب الذي من أجله وهب له الله تبديل تلك الحالة ، فقال معترفا أمام الكل : إنني منذ زمان طويل عائش في النجاسة إلى أبعد غاية ولما رأيت الأب باكياً ابتدأ قلبي ينخس داخلی فالتفت إلى القراءات فسمعت إشعياء اغتسلوا صيروا أنقياء أزيلوا شروركم من أمام عيني .. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج وان كانت حمراء كادودي أجعلها كالصوف النقي ” ، فلما سمعت أنا الخاطئ هذا الكلام انسكبت أمام الله باكياً وتائباً عن كل شروری . فلما سمع الحاضرون ذلك مجدوا الله.