أمثلة للتغيير للأفضل في الكتاب المقدس
أولاً: الابن الضال (لوقا 11:15 -31)
كان إنساناً غنياً له ابنان قال الأصغر لأبيه: يا أبي اعطني نصيبي من المال، فقسم الأب أمواله كما طلب منه وأعطاه نصيبه، وبعد أيام قليلة أخذ الابن كل شئ وسافر إلى كورة بعيدة جدا، وهناك عاش بعيش مسرف و بذر أمواله مع أصدقاء السوء وابتدأ يحتاج، فمضى والتصق بواحد من أهل تلك القرية.
وكانت النتيجة أنه أرسله إلى حقوله، وتحول من ابن السيد إلى راعي خنازیر، فاشتهى “الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله”، وهذا يدل على سوء حالته، فهو مشرد، بلا أكل ولا مأوى، بلا رحمة ممن حوله، فلم يذكر الكتاب المقدس، أن هناك أحد من أصدقائه أعانه أو أعطاه طعاماً وقت المجاعة، فقد أصبح وحيداً، كل ما حوله هم قطيع من الخنازير لا يوجد من يسأل عنه أو يعينه.
+ نقطة رجوع وتغيير وتفكير:
فكر هذا الابن الضال في نفسه، وقال: “كم من أجير لأبي أفضل مني يفضل عنه الخبز وأنا هنا أهلك جوعاً فرجع إلى نفسه وقرر وقال: “اقوم الآن وارجع إلى أبي وأقول له أخطأت يا أبتاه في السماء وقدامك ولست مستحقاً أن أكون ابنك بل اجعلني مثل أحد عبيدك”.
خطوات رجوع الابن:
– “رجع إلى نفسه” أدرك أنه أحزن السماء: “أخطأت إلى السماء” فقد نسي الرب الذي أحزنه طوال هذه الفترة، التي كان فيها منشغلاً بذاته ومتعتها وشهواتها.
– أدرك أنه أخطأ في حق أبيه الذي ضحى كثيراً من أجله ولكنه نسيه.
– بدأ يقارن بين حاله وهو في بيت أبيه وبين حاله الآن، فقد أصبح أقل من الأجراء في بيت أبيه، وهذا ما جعله يندم على حاله، ودفعه للتوبة بصدق حتى يعود إلى حضن أبيه الذي افتقده.
– شعر بأنه لا يستحق سوى أن يكون أجيراً عند أبيه، أي بدأ يتأكد من إحساسه بالذنب، وينظر إلى نفسه كخاطئ في حق الرب و أبيه.
– لكنه لم يكتفي فقط بالإحساس بالذنب، ولم يسلم نفسه لشيطان اليأس، لكنه تذكر رحمة وحنو أبيه، وفكر في خطوة إيجابية، (تقول لنا الشياطين قبل السقطة: إن الرب رحيم ومحب، وبعدها أن الرب عادل وصارم).
– نفذ ما عزم عليه فهو لم يرجع عن وعده بل نفذه للنهاية، وترك مصدر الخطية، وهذا هو الوجه الإيجابي للتوبة.
بلاشك كان أبوه يصلي لأجله طيلة مدة غيابه، فالصلاة تغير الأحوال، وتغير الناس أيضا. كثيرون منا يستطيعون القول: أن صلاة أب أو أمي كانت تتبعني.
عندما ترك الأبن البيت كان يقول: أعطني حصتي”. ورجع ليقول: “اجعلنی كأحد أجرائك”. وبكلمات أخرى، ترك البيت و هو يطلب ما ظن أنه يستحقه. ولكنه رجع وهو يطلب المغفرة والرحمة
+ بركات التوبة والتغيير:
فقام وجاء إلى أبيه، وبينما هو مقترب من منزل أبيه، وفي نفس الوقت كان الأب يراقب الطريق لعله يعود، لذلك: “رآه أبيه من بعيد فتحنن قلبه، فركض أبيه ووقع على عنقه وقبله فقال له الإبن أخطأت يا أبتاه في السماء وقدامك ولست مستحقاً أن أدعي لك ابناً. فقال الأب للعبيد اخرجوا الحلة الأولى وألبسوه، وضعوا خاتمة في يديه، وحذاء في رجليه، وقدموا العجل المسمن لأن ابني هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد ففرح الجميع”.
+ إذا التوبة تقرع باب قلبك دائماً فلا تتأخر، ولا ترضى لنفسك أكل الخرنوب فأبيك هو ملك الملوك ورب الأرباب لديه كل الخيرات.
ثانيا: توبة أهل نينوى (من سفر يونان)
كلف الله نبينا العظيم يونان بالذهاب إلى نينوى المدينة العظيمة, والمناداة بهلاكها، إن لم يتوب أهلها.. وكانت نينوى عاصمة كبيرة فيها أكثر من 120.000 نسمة. ولكنها كانت أممية، وجاهلة، وخاطئة جداً, وتستحق الهلاك فعلاً. ولكن يونان أخذ يفكر في الموضوع: كيف سأنادي على المدينة بالهلاك, ثم تتوب, ويتراف الله عليها فلا تهلك. ثم تسقط كلمتي, ويكون الله قد ضيع کرامتی بسبب رحمته ومغفرته. كذلك إن تابت المدينة فبالتالي الله سيقبل توبتهم، وبالتالي ستكون هناك أمة أخرى غير اليهود مقبولة أمام الله، فالأفضل أن أبعد خوفاً على كرامتى!!
هذا يوضح لنا أن الأنبياء والقديسين لهم ضعفاتهم، وأخطاؤهم, فالله وحده هو الذي بلا خطية.
إذن ليست المشكلة أن نخطئ, ولكن المهم أن نترك أخطاءنا, ونتوب عنها, ونقوم منتصرين على إبليس، بقوة الرب الذي نتمسك به, وهذه كانت رسالة الأنبياء ، حث الشعب على التوبة.
كان اليهود يظنون أنهم فقط أبناء الله، ولا ينبغي أن يعرف الوثنيون الله، فالخلاص لبني إسرائيل فقط. واستمرت هذه الفكرة حتى في أذهان التلاميذ، ولكن الله الذي يحب جميع الناس جاء إلى أرضنا: “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو 16:3 ). ولهذا لم يكن يونان النبي يريد أن أهل نينوى يتوبون وخصوصاً أنهم أشوريون، وقد سبق أن دخلوا حروباً شديدة ضد شعب إسرائيل، و إستعبدوهم، وأذلوهم سنين طويلة.
وجد يونان النبي سفينة ذاهبة إلى ترشيش (في أسبانيا), فنزل فيها وهرب.
هرب يونان إلى ترشيش، وكانت أبعد مكان معروف في ذلك الوقت, ونسي أن الله موجود في كل مكان، وفي ترشيش أيضاً. وركب السفينة، وهو يعلم أن الله هو إله البحر, كما أنه إله البر أيضاً. ولم يشأ الله أن يصل يونان إلى ترشيش, وإنما أمسكه في البحر.. أحيانا الخطية تصيبنا بالعمى فننسى الحقائق التي نعرفها، ونحفظها جيدة “أين أذهب من روحك؟ ومن وجهك أين أهرب؟..” (مز 7:139-12)
نتائج الهروب
دفع الأجرة, فخسر طاعته، وخسر نقوده.. حقاً إن الخطية تصيب الإنسان بالخسارة، كالذي يصرف نقوده على السجائر أو شرب الخمر، أو يصرف أمواله على اللهو، وأصدقاء السوء، كما فعل الابن الضال… وماذا كانت أجرة عدم الطاعة والخضوع؟
ولكن لأن الله متمسك بنبيه وبأداء الرسالة التي كلفه بها، وأعد الرب خطة لمنفعة يونان, فأهاج البحر وكادت السفينة تتكسر، ولكن الخطية أثقلته في النوم فلم يشعر بشئ, الكل مستيقظ، وهو الوحيد النائم !!.. حاول البحارة بكل خبراتهم مقاومة البحر، ولكن كل المحاولات فشلت فسأل البحاره.. بسبب من هذا النوء العظيم؟ فقد أدرك البحارة أنه بأمر الله القوى العظيم، لهذا ألقوا قرعة فوقت القرعة على يونان، فلم يعد هناك وسيلة سوى إلقاء يونان فی البحر. وفعلاً ما أن رموه حتى هدأ البحر وسكن.
لقد ألقاه الرب في البحر، ولكن لم يسمح بهلاكه, ألقاه في البحر، ليعطيه الدرس الأول، وليس لكي يغرقه.. أعد له حوتاً ضخماً ليبتلعه, لينقذه من أهوال البحر.. لم يكن للحوت سلطان أن يمينه ويهضمه، بل حافظ عليه بأمر الرب…
خطة الله مع يونان النبي
بدأ يونان النبي يدرك محبة الله، وبدأت ثقته في الرب تعود إليه، بعد أن ضيعتها الخطية. دفع الله يونان لكل هذه الضيقات، حتى يصلى هذه الصلاة، والتي يقدم فيها توبة فيتصالح مع الله. لم يصلي يونان، وهو في جوف السفينة، بالرغم أن السفينة كادت تنكسر, ولكن الآن هو يصلي وهو في جوف الحوت.
لقد أعاد الله إليه إيمانه فأدرك أن الرب سيستجيب له “وقال: دعوت من ضيقى الرب فاستجابني. صرخت من جوف الهاوية فسمعت صوتي” (يون2:2) وأنه سينظر هيكله مرة أخرى “فقلت: قد طردت من أمام عينيك. ولكنني أعود أنظر إلى هيكل قدسيك” (يون 4:2). وأنه سيصعده من الهلاك “نزلت إلى أسافل الجبال. مغاليق الأرض على إلى الأبد. ثم أصعدت من الوهدة حياتي أيها الرب إلهى” (يون 6:2). مع أن كل هذا لم يكن قد تم.
وفعلاً أمر الرب الحوت بعد ثلاثة أيام أن يقذف يونان على شاطئ البحر, ثم أمر الرب يونان ثانية أن يذهب إلى نينوى, هنا أطاع يونان الرب, وذهب ليعلن لهم إنذارات الله, فقال لهم: بعد أربعين يوم تنقلب المدينة، ولكن الظاهر أنه ذهب بقدميه مضطراً, وليس بقلبه راضياً. ذهب من أجل الطاعة, وليس عن اقتناع. بلغ الرسالة إلى الناس، ونجحت الرسالة روحياً.. وتاب أهل نينوى و تذللوا أمام الرب, وصلوا. وقبل الرب توبتهم, ولم تهلك المدينة فاغتاظ يونان !!
الله يخلص أهل نينوى
ولكن ماذا عن نينوى؟ لقد نفذ يونان أمر الرب أخيراً وتوجه إليها منادياً عليها بالهلاك، ووصل الخبر للملك فأمر الناس جميعاً أن يلبسوا مسوحاً، والمسوح هو قماش غليظ خشن منسوج من شعر الماعز أو وبر الجمال وكان لبس المسوح علامة للحزن. وهنا هو علامة حزن على الخطية, أي علامة توبتهم. حقا كانت توبة عظيمة, لقد آمنت نينوى وقدمت توبة حقيقية عملية بصوم ومسوح و أشترك فيها الكل الكبار والصغار حتى البهائم. “فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة، ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعة بهم، فلم يصنعه” (يون 10:3 ). ندم الله هو تعبير يقوله الكتاب المقدس بحسب فهم البشر، فالله لا يندم ولا يغير رأيه ولكن الله يرجع عن غضبه إذا رجع الإنسان إلى الرب، فعندما يعاند الإنسان الرب يسقط تحت التأديب, وعندما يرتد عن شره ويرجع إلى الله. يجد الله فاتحاً أحضانه (إذن الإنسان هو الذي غير موقفه ورجع إلى الله فالله لا يتغير). كانت نينوى مدينة عظيمة في غناها وشهوتها وشرها وصارت أيضا عظيمة في توبتها…