أنا هو الحق

 

 “أنا هو الحق” (يو 6 : 14)

العالم ، يا صديقي ، عالم أقنعة وخيالات يحيطه الخداع من كل جانب . وخلف هذه المظاهر والأقنعة يوجد الجوهر القائم الثابت ، وهي اليد الإلهية التي تديرها وتتحكم في ظهورها وتلاشيها.

وعليك أن تدرك أن كل ما هو قابل للازدواج فهو خداع . فالفرح الذي يمكن أن ينقلب حزناً هو خداع : الفرح والحزن كليهما . كذلك الصحة والمرض ، السلام والكآبة ، النور والظلمة ، الحياة والموت ، الغني والفقر ، العلم والجهل ، الاطمئنان والخوف . فكل ما يمكن أن ينقلب إلى ضده هو صورة متحركة ، وهو خداع ؛ أما الحق فهو قائم في كل هذه المتناقضات ، قائم ثابت ، لا يتغير ولا يتبدل ، والذي عنده ” روح الحق ” يأخذ من الصورة ومما هو ضدها ، يأخذ من الفرح قدر ما يأخذ من الحزن ليرتفع فوق الفرح والحزن معاً. يأخذ من الغنى قدر ما يأخذ من الفقر ، ليرتفع فوق هذا وذاك ، ولا يطاله الغني بغروره ، ولا الفقر بنكده!!

أما الذي ينحاز إلى العالم ، فلن يقرَّ له قرار ؛ سيعيش بين المتضادات ، مرة إلى فوق ومرة إلى أسفل ، أو بالعكس ، إلى أن يحطه اليأس ، وتاكل أيامه المتغيرات.

هذه هي طبيعة العالم وعطاياه ، وهذه هي طبيعة الله وهباته ، وهكذا ، فإن الحق الذي يعطيه المسيح « أنا هو الحق » ( يو 6:14) ، لا يزول ، ولا يؤول إلى الضد أبداً، فالحق واحد دائماً لا ينثني ولا يتجزأ ، ولا يتغير ، وهو هو من طبيعة الله ، وهذا هو جوهر عطاياه.

فاصل

من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين

زر الذهاب إلى الأعلى