إن أحبني أحد يحفظ كلامي

 

“إن أحبني أحد يحفظ كلامي ، ويحبه أبي ، وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً” ( يو 14 : 23)

المسيح هنا يُقدم كلامه كعربون محبة فائقة القدر ، ويضع حفظه موضع التكريم الشخصي الذي يستحق الصداقة ، لأن زيارة المسيح للبيت شيء غاية في الود الذي يجلب البركات السمائية ، بل إن حفظ وصايا المسيح برهان لاستحقاق الإنسان لزيارة الآب . والمسيح يرفع مستوى الزيارة إلى الضيافة الدائمة.

فأن يصنع الآب والابن زيارة دائمة للبيت ، فبذلك يكونان قد رفعا مستوى البيت ليكون سماء جديدة ودائمة . وهذا ما يعبر عنه المسيح بالحياة الأبدية ، أو بحياة تستمد وجودها من دوام وجود الآب والابن ، وهذا أعلى قدر للحياة .

والآن نأتي إلى كلمة المسيح “من يحفظ كلامي ” : الحفظ هنا ليس مجرد استيعاب فكري ، بل هذيذ دائم الليل والنهار ، لا يفلت من الكلمة حرف أو معنى إلا ويردد القلب صداه ، فصوت ابن الله لا يملك الإنسان أعز أو أغلى منه . وصوت المحبوب يرن في القلوب ، وحبيب الابن حبيب الآب ، فدخول الآب مجال حياة الإنسان يرفعه إلى مستوى الابن.

لذلك فإن قول المسيح ، إنه والآب يصنعان منزلا لمن أحب المسيح وحفظ وصاياه ، هو قمة ارتفاع الإنسان في مجال الله ، والمنتهى لتنازل الآب والابن المستوى البشر ، فقمة ما عند الإنسان يقابله قمة ما عند الله

المسيح هنا يفتح طريقاً سرياً يصلنا به والآب : فالمحبة الإلهية عظيمة القدر ، وأن يحب الإنسان المسيح معناه هنا دعوة سرية ليدخل بيته ، شرف ما بعده شرف أن يتنازل المسيح ويدخل إليه ، ولكن الأمر المذهل حقا هو أن يتنازل الآب أيضا ويدخل إلينا .

نقرأ أن سليمان الملك صرخ مخاطباً الله الذي تنازل ودخل هيكله الذي بناه له : من أنا حتى تأتي يا الله إلينا ، وسماء السموات لا تسعك ؟ (انظر 1مل ۸ : ۲۷ ) . تصور إبداعي من سليمان ، ولكن هي عظمة الله تظهر لمحبي اسمه و محبي ابنه . فالذي يحفظ وصايا المسيح مثله مثل من يصنع سلماً رأسه في السماء بينما يرتكز في القلب ، والله ينزل عليه ويصعد ، وكأنما أصبحنا مكان مسرة للآب والابن ، يتفضل ويزورنا ويهدينا وجوده وحبه .

من يصدق هذا ، أن الإنسان يصير بيتاً ومنزلاً لله ، حيث سلمنا مفتاح الباب وحق الاستقبال ، فماذا نقول إلا تردید آياته وحفظ وصاياه بقلب ينبض بالحب ” أحبك يا ربي” أحبك وأحبك ، وكيف لا أحبك وأنت صاحب نفسي وملك حياتي ونبض قلبي ، فأنا أعيش على حبك ، وحبك يغذي روحي ويشبع نفسي ويرد روحي . وكلماتك هي متنفسي التي استنشق منها حياتي ، صباحا ومساء ووقت الظهر أناديك ، فتتنازل وترد على فأعيش . وأنت سر حياتي ، وكلامك نور لسبيلي ، أتحسس عليه صدق مسيرتي . بالليل أناديك من على فراشي فيرتاح جسدي . 

فاصل

من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين

زر الذهاب إلى الأعلى