المسيحي الحق وتدبير النعمة له

العظة الثامنة والثلاثون من العظات الخمسون للقديس أنبا مقار 

[الحاجة إلى تدقيق كثير وفطنة لامتحان المسيحيين الحقيقيين ،
ومن يكون أولئك]

[أ]ذوو الفطنة يميزون الحق من الزيف
[ب] الشيطان يدس الشرور للصالحين

+++

[أ] ذوو الفطنة يميزون الحق من الزَّيف

1- كثيرون إذا ما ظهروا أبراراً يُظن بهم أنهم مسيحيُّون ، لكن لذوي الفطنة والتجربة أن يمتحنوا أحقَّاً لمثل أولئك سمة الملك وصورته ، لئلا يكونوا مُزيفين لأعمال الحاذقين ، فيعجب الحاذقون لهم ويستنكرونهم. أمَّا من لا فطنة له فلا يمكنه امتحان « الفعلة الماكرين »[1] لأنهم هم أيضاً يلبسون شكل رُهبان أو مسيحيين ، ولأن « الرسل الكذبة »[2] تألموا أيضاً لأجل المسيح وهم أنفسهم بشروا بملكوت السماوات ، لأجل هذا يقول الرسول : “في الأخطار أكثر ، في الضيقات أوفر” ( 2 کو 11: 23 – حسب النص ) ، مريداً بهذا أن يتبين أنه تألم أكثر.

 ۲ – فإن الذهب يوجد بسهولة ، أما اللآلئ والأحجار الكريمة اللائقة بتاج الملك فنادراً ما توجد ، إذ في أحيان كثيرة لا يوجد بينها ما يصلح ؛ هكذا المسيحيون أيضا يُبنون إكليلاً للمسيح ، لكي تصبح تلك النفوس شريكة للقديسين. فالمجد للرب الذي هكذا أحب هذه النفس ومن أجلها تألم وأقامها من بين الأموات! لكن كما أن بُرقعاً كان يوضع على وجه موسى حتى لا يمكن للشعب أن يُحدق في وجهه[3] ، هكذا موضوع على قلبك حتى لا تنظر مجد الله[4]. أما متى نُزع هذا ، فحينئذ ينجلي الله ويظهر ذاته للمسيحيين وللذين يحبونه ويطلبونه بالحق ، كما يقول : « سأُظهرُ له ذاتي وعنده أصنع منزلاً» ( يو 14 : 21، 23 حسب النص).

3 – فلنجتهد إذا أن نتقدم إلى المسيح المنزه عن الكذب ، لكي ننال الموعد والعهد الجديد الذي كرسه الرب بصليبه وموته ، کاسراً أبواب الجحيم والخطيئة ، ومُخرجا النفوس المؤمنة وواهباً لها المُعزّي من الداخل ومصعداً إياها إلى ملكوته . فلنملكن نحن أيضاً معه في أورشليم مدينته ، في الكنيسة السماوية ، في خورس الملائكة القديسين . أما الإخوة الذين تدربوا زماناً طويلاً وتزكوا ، فهؤلاء لهم القدرة أن يعينوا من لا خبرة لهم ويتألموا معهم .

[ب] الشيطان يدس الشرور للصالحين

4 – فإ البعض لما صانوا أنفسهم وعملت فيهم النعمة بقوة ، وجدوا أعضاءهم قد تقدست، حتى إنهم حسبوا أن لا شهوة تعرض في المسيحية بل وأنهم قد حازوا ذهناً منضبطاً مقدساً وأن إنسانهم الباطن سيغدو فيما بعد محلقاً في الإلهيات والسماويات ، حتی ليتوهم مثل هذا الإنسان أنه بالفعل قد بلغ القامات الكاملة. وفيما يظن أنه قد دنا بالفعل من الميناء الآمن ، إذا بالأمواج تثور عليه حتى إنه يوجد مرة أخرى وسط اللجة ويزج به حيث البحر والماء والموت المحدق ، وهكذا لما دهمته الخطيئة « أنشأت كل شهوة شريرة »[5]. لكن مرة أخرى ، مثل هؤلاء حين يستحقون نعمة ما ويقتبلون – إن جاز القول – قطرة من كل عمق البحر ، يجدون هم أنفسهم كل ساعة وكل يوم عجباً هذا مقداره حتى إن الإنسان الذي يتم فيه هذا يتملكه الهول إزاء هذا العمل العجيب الغريب الإلهي ، ويعجب كيف حظي بهذه الحكمة ، لأن النعمة تنيره ثم ترشده وتُوليه سلاماً وتصنع كل شيء حسناً، كونها إلهية وسماوية ، حتى إن الملوك والرؤساء ، والحكماء والشرفاء ، إزاء ذلك الإنسان ، يحسبون كأصاغر لا قيمة لهم . لكن بعد زمان ووقت تتبدل الأمور ، حتى إن مثل هذا يحسب نفسه بالحق خاطئاً أكثر من جميع البشر ، ثم في ساعة أخرى ينظر نفسه مثل ملك عظيم جداً لا يُضاهي أو رئيس أثير للمَلك ، وأيضا في ساعة أخرى ينظر نفسه ضعيفاً ومسکيناً . وأخيرا تأخذ ذهنه حيرة : لماذا الحال هكذا وبعد حين هكذا؟ لأن الشيطان ، كونه مُبغضاً للصلاح ، يدس شروراً للذين يقومون الفضيلة ويجاهدهم ليردهم ، لأن هذا هو عمله . 

5- لكن لا تذعن أنت له ، بل اعمل البر الذي يكمل في الإنسان الباطن ، حيث منبر المسيح قائم مع مقدسه فائق الطهر ، حتی تفخر شهادة ضميرك[6] بصليب المسيحالمسيح الذي « يطهر ضميرك من أعمال ميتة »[7] لكي تعبد الله بروحك[8] ، حتى تعرف ما أنت تسجد له ، بحسب القائل : «ثم نسجد لما نعلم » ( يو 4 : 22) . فضع ثقتك في الله الذي يقودك ، ولتكن لنفسك شركة مع المسيح كشركة عروس مع عريسها ، فإنه يقول : « هذا السر عظيم لكنني أقول من نحو المسيح والنفس التي بلا عيب » ( أف 5 : 32 – حسب النص ) ، له المجد إلى الدهور ، آمین . 


  1. 2 کو 13:11 .
  2. 2 کو11 :13
  3.  انظر : خر 33:34
  4. انظر : 2 کو15:3.
  5.  رو 8:7 – حسب النص.
  6. انظر : ۲ کو 12:1 .
  7. عب 9: 14
  8. انظر : رو 9:1 

فاصل

زر الذهاب إلى الأعلى