تفسير إنجيل متى أصحاح 13 – كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة

الأَصْحَاحُ الثَّالِثُ عَشَرَ
أمثال المسيح – الكرازة في وطنه

(1) مثل الزارع (ع 1-9):

1 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ خَرَجَ يَسُوعُ مِنَ الْبَيْتِ وَجَلَسَ عِنْدَ الْبَحْرِ، 2 فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ، حَتَّى إِنَّهُ دَخَلَ السَّفِينَةَ وَجَلَسَ. وَالْجَمْعُ كُلُّهُ وَقَفَ عَلَى الشَّاطِئِ. 3 فَكَلَّمَهُمْ كَثِيرًا بِأَمْثَال قَائِلًا: «هُوَذَا الزَّارِعُ قَدْ خَرَجَ لِيَزْرَعَ، 4 وَفِيمَا هُوَ يَزْرَعُ سَقَطَ بَعْضٌ عَلَى الطَّرِيقِ، فَجَاءَتِ الطُّيُورُ وَأَكَلَتْهُ. 5 وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ، حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لَهُ تُرْبَةٌ كَثِيرَةٌ، فَنَبَتَ حَالًا إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُمْقُ أَرْضٍ. 6 وَلكِنْ لَمَّا أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ احْتَرَقَ، وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ جَفَّ. 7 وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الشَّوْكِ، فَطَلَعَ الشَّوْكُ وَخَنَقَهُ. 8 وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَأَعْطَى ثَمَرًا، بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِينَ. 9 مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ».

 

ع1-2: “عند البحر”: هو بحر الجليل.

تبعت الجموع المسيح كعادتهم ليتمتعوا بتعاليمه المحيية، وإذ زاد عددهم، وكان قريبا من شاطئ البحر، دخل إحدى السفن وابتعد بها قليلا عن البر، فصارت منبرًا له يتحدث منه، بينما جلست الجموع على الشاطئ لتستمع إليه.

كم هي بساطة المسيح واتضاعه! إنه يعلّم فوق الجبل، أو على الشاطئ، أو يقف في سفينة يعتبرها منبرا لتعاليمه. فأهم شيء عنده هو أن يكسب محبة الجموع، ويوصل إليهم تعاليمه الروحية.

لقد خرج من البيت الذي كان مقيما فيه، وهو يرمز للكنيسة التي خرج منها إلى العالم ليفتقد شعبه، ودخل إلى البحر الذي يرمز إلى العالم، ولكنه وقف في سفينة وهي ترمز إلى النفس البشرية التي يسكن فيها، ويُظهر ذاته منها للآخرين، كما يفعل من خلال أولاده المؤمنين الذين هم نور للعالم.

 

ع3: “كلمهم كثيرًا”: يُفهم أنه أعطى أمثلة كثيرة، ذُكر بعضها في الكتاب المقدس.

“أمثال”: وهى توضيح للحقيقة الروحية بقصة عملية واقعية، لتقريب المعنى إلى ذهن السامع.

“الزارع”: هو الله.

استعمل الزارع البذور، وهي كلمته التي يعطيها للأراضي المختلفة، التي تمثل أنواع البشر، كل واحد يختلف عن الآخر في تقبّله لكلامه.

إن الزارع قد خرج ليزرع، فالله عمله هو الخير، يلقى كلمته إلى الكل لعلها تثمر. وكذلك أولاد الله، عملهم هو صنع الخير مع الكل، بغض النظر عن مدى تجاوب الآخرين مع هذا الخير.

 

ع4: أول نوع من الأراضي هو الطريق الزراعى الذي يمر بجوار الحقول، وهو مرتفع عنها وصلب وغير معد للزراعة، ويداس دائما بأقدام المارة.

إنه يشير للنفس البشرية المتكبرة والغير معدة بالحرث لقبول كلمة الله، أي فحص النفس والتوبة.

وهو صلب، فيشير لصلابة القلب ورفض كلام الله، ويداس من الكل، أي تدخل إليه كل شهوات العالم، فهو بلا أسوار تحميه، أي غير محصن بالكنيسة، فعندما أُلقيَت إليه كلمة الله، فرح بها سريعا ولكن لم يتقبلها القلب، بل سريعا ما انْقَضَّت عليها طيور السماء وأكلت البذور.

والطيور تشير إلى الشياطين التي تسرق الكلمة، لأن القلب يتأثر مؤقتا، وسرعان ما يفقد هذا التأثر، لأجل كبريائه وعدم توبته عن شهواته المختلفة.

 

ع5-6: النوع الثاني من الأراضي هو الأرض المحجرة، ولكن لها طبقة سطحية رقيقة من التربة، فمنظرها كأنها أرض زراعية جيدة، وحقيقتها أنها حجارة ترفض كل زراعة فيها.

وهى تشير إلى قساوة القلب كالحجر، وإلى عبادة الأوثان الحجرية، أي عبادة أموال ومراكز هذا العالم، التي هي بمثابة أصنام يتعلق بها الإنسان، فمع أن له تربة سطحية تنمو فيها البذور قليلا، لكن عندما تحاول الجذور أن تمتد، لا تستطيع بسبب الحجارة، وحينما تشرق الشمس تجف هذه النباتات الصغيرة وتموت.

وهى ترمز أيضًا للنفوس المرائية، التي لها مظهر التربة الجيدة وحقيقتها حجرية.

وترمز للقلوب المتعلقة بالعالم، التي تقبل الكلمة لفترة وجيزة، وعندما تأتي عليها التجارب، مثل أشعة الشمس، تجف سريعا وتموت كلمة الله فيها، فهي قلوب قاسية أنانية لا تحب الله من الداخل.

 

ع7: النوع الثالث من الأراضي هو تربة جيدة صالحة للزراعة، ولكنها ممتلئة أشواكا، أي اهتمامات القلب بالعالم وشهواته.

فعندما تُلْقَى إليها كلمة الله تنمو، ولكن نمو الأشواك والحشائش الغريبة أقوى منها، فيزاحم جذورها في الأرض فلا تجد غذاء، وتغطيها الأشواك والحشائش من فوق، فلا تصل إليها أشعة الشمس، فتخنقها وتموت.

وهى تشير إلى خطورة الاحتفاظ بشهوات الخطية في القلب، لأنها تعطل عمل كلمة الله، فلا يستفيد منها الإنسان. والعلاج طبعا هو التوبة ونزع أشواك الخطية، فتستطيع الكلمة أن تؤثر في هذه النفوس.

 

ع8: النوع الرابع من الأراضي هو الأرض الجيدة الصالحة للزراعة، فإن أُلْقِيَتْ إليها كلمة الله، تنمو وتأتى بثمار. وتختلف كمية الثمر بحسب خصوبة الأرض وتجاوبها مع الكلمة، فكلهم أبناء الملكوت، ولكن نجم يمتاز عن نجم بكيفية استفادته وتطبيقه لكلمة الله.

 

ع9: أكد المسيح أهمية استماع كلمته بالأذنين، أي الأذن الخارجية، والأذن الداخلية وهي القلب، لفهم وتطبيق الكلمة.

† الله يقدم محبته ونعمته لكل الناس، ولكن المهم أن تتجاوب معها، فلا ترفض كلام الله الذي يرسله لك سواء في الكتاب المقدس أو تعاليم الكنيسة وإرشادات أب اعترافك، أو على ألسنة المحيطين بك.

اقبل الكلمة لك وليس لتعليم الآخرين، وحاول تطبيقها في حياتك، وثق أن كل جهاد في تنفيذ كلمة الله غالٍ جدًا عنده ويساندك لتكميله، ويكافئك عليه.

(2) أهمية الأمثال (ع 10-17):

10 فَتَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ وَقَالُوا لَهُ: «لِمَاذَا تُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَال؟» 11 فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «لأَنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا لأُولَئِكَ فَلَمْ يُعْطَ. 12 فَإِنَّ مَنْ لَهُ سَيُعْطَى وَيُزَادُ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ سَيُؤْخَذُ مِنْهُ. 13 مِنْ أَجْلِ هذَا أُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَال، لأَنَّهُمْ مُبْصِرِينَ لاَ يُبْصِرُونَ، وَسَامِعِينَ لاَ يَسْمَعُونَ وَلاَ يَفْهَمُونَ. 14 فَقَدْ تَمَّتْ فِيهِمْ نُبُوَّةُ إِشَعْيَاءَ الْقَائِلَةُ: تَسْمَعُونَ سَمْعًا وَلاَ تَفْهَمُونَ، وَمُبْصِرِينَ تُبْصِرُونَ وَلاَ تَنْظُرُونَ. 15 لأَنَّ قَلْبَ هذَا الشَّعْب قَدْ غَلُظَ، وَآذَانَهُمْ قَدْ ثَقُلَ سَمَاعُهَا. وَغَمَّضُوا عُيُونَهُمْ، لِئَلاَّ يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ، وَيَسْمَعُوا بِآذَانِهِمْ، وَيَفْهَمُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ. 16 وَلكِنْ طُوبَى لِعُيُونِكُمْ لأَنَّهَا تُبْصِرُ، وَلآذَانِكُمْ لأَنَّهَا تَسْمَعُ. 17 فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَنْبِيَاءَ وَأَبْرَارًا كَثِيرِينَ اشْتَهَوْا أَنْ يَرَوْا مَا أَنْتُمْ تَرَوْنَ وَلَمْ يَرَوْا، وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَمْ يَسْمَعُوا.

 

ع10-12: “تقدم”: بعد انصراف الجموع، بقى عدد قليل تقدموا نحو المسيح ليسألوه.

“التلاميذ”: هم الاثنا عشر ومجموعة أخرى قليلة من الملتصقين بالمسيح، كما يظهر من (مر 4: 10)، وهم مثل السبعين رسولا والمريمات.

“أُعْطِىَ لكم”: نعمة خاصة تُعطَى للمهتمين بمعرفة الله.

“أسرار ملكوت السماوات”: أي كيف يملك الله على القلب، فمعرفة الله فوق العقل الإنساني، ولكن الله بنعمته يعطى فهما للمستعدين أن يقبلوه.

“أولئك”: الغير مهتمين بكلام الله، لانشغالهم بالماديات، فمعرفتهم دائما سطحية.

كلم المسيح الجموع بأمثال قريبة من حياتهم، ليفهموا فكرتها وتؤثر فيهم، لأنهم بقساوة قلوبهم سيرفضون الكلام المباشر، ولكن الأمثال التي من حياتهم قد يقبلونها، فيخضعون لكلمة الله.

أما التلاميذ، فلأجل استعدادهم لطاعة المسيح، فسّر لهم الأمثال بكلام روحي مباشر، فمن له استعداد روحي يُعطَى معرفة بالله أكثر وأكثر. أما من ليس له استعداد ويظل يرفض، فحتى المثل لا يفهمه وسيرفضه، والفهم الروحي القليل الذي عنده، سيفقده بكبريائه وتعلقه بالعالم المادي.

 

ع13-15: “مبصرين لا يبصرون، وسامعين لا يسمعون”: رغم رؤيتهم للمسيح وسماعهم تعاليمه، لا يدركون أعماق الكلام ليطبّقوه في حياتهم، بل يكتفون بالمعرفة السطحية. وأكثر من هذا، أنهم قد يرفضون الكلام ومعانيه الروحية، لأجل تعلقهم بشهواتهم المادية وكبريائهم.

“قلب هذا الشعب قد غلظ”: أي ارتبط بالشهوات الأرضية، ولم يعد رقيقا قابلا للتأثر بكلام الله.

“ثقل سماعها”: أي صاروا عاجزين عن فهم كلام الله، لأن الشهوات قد صَمَّتْ آذانهم، ولا يريدون أن يسمعوا إلا ما يرضيهم.

“أشفيهم”: أي أقبل توبتهم، وأصلح حياتهم فتصير روحانية.

مع أن هذه الجموع لها عيون خارجية، وآذان تميز الحروف، إلا أن قلوبهم ترفض الله، فقد انتظروا بحسب النبوات المسيا المنتظر، وعندما تجسد المسيح وجاء إليهم، رفضوه لقساوة قلوبهم وكبريائهم، وتعلقهم بالمُلك الأرضى والكرامة، ففقدوا الفهم الروحي، كما تنبأ عنهم نبيهم العظيم إشعياء (إش 6: 10).

 

ع16-17: يمدح المسيح تلاميذه لأجل فهمهم لكلامه، وتمتعهم برؤيته، وإيمانهم أنه هو المسيا المنتظر، بل يعلن لهم أن ما نالوه من شرف رؤيته تمناه أنبياء وأتقياء كثيرون في العهد القديم ولم يروه، بل نالوا فقط شرف التنبؤ عنه، وانتظروا الوعد بإتمامه ونفوسهم مربوطة في الجحيم، حتى يأتي ويتمم الفداء عنهم ويخلّصهم.

† هذا ما تعاينه يا أخي اليوم في الكنيسة، بل تناله جسدا ودما حقيقيا، وتتمتع بسماع كلمة الله في الكتاب المقدس، الذي اشتهى كل رجال الله في العهد القديم أن يعاينوه، فتمتع به، لتحيا به وفيه، واحرص على حضور القداسات من بدايتها، ونوال بركة الاعتراف والتناول دائما.

(3) تفسير مثل الزارع (ع 18-23):

18 «فَاسْمَعُوا أَنْتُمْ مَثَلَ الزَّارِعِ: 19 كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ كَلِمَةَ الْمَلَكُوتِ وَلاَ يَفْهَمُ، فَيَأْتِي الشِّرِّيرُ وَيَخْطَفُ مَا قَدْ زُرِعَ فِي قَلْبِهِ. هذَا هُوَ الْمَزْرُوعُ عَلَى الطَّرِيقِ. 20 وَالْمَزْرُوعُ عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ، وَحَالًا يَقْبَلُهَا بِفَرَحٍ، 21 وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي ذَاتِهِ، بَلْ هُوَ إِلَى حِينٍ. فَإِذَا حَدَثَ ضِيقٌ أَوِ اضْطِهَادٌ مِنْ أَجْلِ الْكَلِمَةِ فَحَالًا يَعْثُرُ. 22 وَالْمَزْرُوعُ بَيْنَ الشَّوْكِ هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ، وَهَمُّ هذَا الْعَالَمِ وَغُرُورُ الْغِنَى يَخْنُقَانِ الْكَلِمَةَ فَيَصِيرُ بِلاَ ثَمَرٍ. 23 وَأَمَّا الْمَزْرُوعُ عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ وَيَفْهَمُ. وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي بِثَمَرٍ، فَيَصْنَعُ بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِينَ».

تم شرحه عند تفسير المثل (ع 1-9)، وإليك تفسير بعض الكلمات المذكورة لزيادة التوضيح:

 

ع18-19: “كلمة الملكوت”: كلمة الله التي إن فهمتها وطبقتها، يصبح قلبك معدا لمُلك الله عليه.

“لا يفهم”: يرفض أن يفهم كلام الله، لانشغاله بالماديات.

“الشرير”: الشيطان.

“يخطف”: أي يكون تأثره مؤقتًا جدًا، كانفعال عاطفى ويزول سريعًا، ولا يطبق شيئًا مما سمعه في حياته.

 

ع20: “حالا يقبلها”: التأثر السريع بكلام الله، والنية لتطبيقه والبدء في ذلك.

 

ع21: “ليس له أصل في ذاته”: لم يجاهد في طريق الله لتنفيذ كلامه مدة طويلة، أي أن تأثره عاطفى سطحى، والقلب ضعيف نتيجة حياته المنشغلة بالعالم.

“ضيق أو اضطهاد”: أي مشاكل تحاول منعه من الاستمرار في تنفيذ الوصية.

“يعثر”: أي يترك وصايا الله، ويعود لحياته المرتبطة بالعالم.

 

ع22: “هَمُّ هذا العالم”: القلق والانشغال بتحصيل الماديات والشهوات المختلفة.

“غرور الغِنَى”: الكبرياء نتيجة ما يقتنيه الإنسان من ماديات، فيشعر أنه أفضل من غيره.

“يخنقان الكلمة”: أي ليس هناك مكان في القلب لمحبة الله، لأنه انشغل بالشهوات الرديّة.

“بلا ثمر”: أي لا تظهر فضائل في حياته.

 

ع23: “الجيدة”: أي التي تم حرثها ثم تسميدها وريّها، بمعنى فحص الإنسان نفسه والتوبة، وكذلك الجهاد الروحي في استخدام وسائط النعمة من أسرار وممارسات روحية.

“يسمع الكلمة ويفهم”: أي يهتم بالتطبيق العملى وليس المعرفة النظرية فقط.

“يأتي بثمر… مئة وآخر ستين وآخر ثلاثين”: درجات في التجاوب والجهاد الروحي فتنتج عنها فضائل، بل تزداد نعمة الله للمتجاوبين المجاهدين، فيظهر هذا التمايز بينهم في القداسة.

(4) مثل زَوان الحقل (ع 24-30):

24 قَدَّمَ لَهُمْ مَثَلًا آخَرَ قِائِلًا: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا زَرَعَ زَرْعًا جَيِّدًا فِي حَقْلِهِ. 25 وَفِيمَا النَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَانًا فِي وَسْطِ الْحِنْطَةِ وَمَضَى. 26 فَلَمَّا طَلَعَ النَّبَاتُ وَصَنَعَ ثَمَرًا، حِينَئِذٍ ظَهَرَ الزَّوَانُ أَيْضًا. 27 فَجَاءَ عَبِيدُ رَبِّ الْبَيْتِ وَقَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدُ، أَلَيْسَ زَرْعًا جَيِّدًا زَرَعْتَ فِي حَقْلِكَ؟ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ زَوَانٌ؟ 28 فَقَالَ لَهُمْ: إِنْسَانٌ عَدُوٌّ فَعَلَ هذَا. فَقَالَ لَهُ الْعَبِيدُ: أَتُرِيدُ أَنْ نَذْهَبَ وَنَجْمَعَهُ؟ 29 فَقَالَ: لاَ! لِئَلاَّ تَقْلَعُوا الْحِنْطَةَ مَعَ الزَّوَانِ وَأَنْتُمْ تَجْمَعُونَهُ. 30 دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاَهُمَا مَعًا إِلَى الْحَصَادِ، وَفِي وَقْتِ الْحَصَادِ أَقُولُ لِلْحَصَّادِينَ: اجْمَعُوا أَوَّلًا الزَّوَانَ وَاحْزِمُوهُ حُزَمًا لِيُحْرَقَ، وَأَمَّا الْحِنْطَةَ فَاجْمَعُوهَا إِلَى مَخْزَني».

 

ع24: “ملكوت السماوات”: أي مُلك المسيح الآتي من السماء، ليملك على قلوب أولاده.

الإنسان: هو الله، الذي خلق جميع البشر على صورته ومثاله، ليحيوا معه إلى الأبد في ملكوته، ويثمروا أعمالا صالحة.

 

ع25: “نيام”: نوم المسئولين عن الزراعة، أي الكهنة والخدام، ومعناها عدم السهر الروحي والعناية بالشعب.

العدو: هو الشيطان، وهو ليس عدوا للكرامين أو الحنطة، بل لله وكل أولاده. استغل فرصة نوم الكرامين المسئولين عن الحقل، وبذر بذور الزوان، وهي تشير إلى الهرطقات التي يدسها أصحاب البدع في قلوب بعض الناس، فيبعدوهم عن الله. أو ترمز إلى خطايا وشهوات تنجس الناس، فيصيروا أشرارا لا يعطون الثمار الصالحة التي كان الله ينتظرها منهم.

“زَوانا”: بذور مشابهة لبذور الحنطة، ولكنها حشائش تضر النبات الأصلي، أي القمح.

“الحنطة”: القمح.

“مضى”: في الخفاء، وكأنه لم يفعل شيئا، مع أنه سبب الشر الموجود في العالم.

† أخي الحبيب… كم هو ضرورى لكل منا أن يكون منتبها روحيا، حتى لا يقبل أفكارًا شريرة أو شهوات تبعده عن الله، وإن كان خادما يهتم بمن يخدمهم، حتى لا يتحولون إلى زوان ويبعدون عن الله.

 

ع26: عندما نمت البذور، ظهرت نباتات الزوان، أي الحشائش الغريبة، مختلفة عن الحنطة… فمن ثمارهم تعرفونهم؛ فالقمح أعطى سنابل، أما الزوان ففى بدايته متشابه كنبات صغير مع القمح، ولكن لما كبر، لم تظهر عليه سنابل القمح المعروفة… فأولاد الله أعمالهم صالحة، والأشرار أعمالهم شريرة.

 

ع27-28: “عبيد رب البيت”: هم الخدام الروحيون، سواء الأساقفة أو الكهنة أو كل من يخدم في الكنيسة، وقد لاحظوا أن هناك أشرار في العالم بعيدين عن الله، لاختلاف ثمارهم عن سنابل القمح المحبوبة، واندهشوا جدًا لهذا التغيّر، فقد كانوا يتوقعون ثمارا صالحة من كل النباتات، لأن كل زراعة الله جيدة.

وعندما استفسروا عن سبب وجود الزوان، أعلمهم رب البيت أن العدو، أي الشيطان، فعل هذا، ووضع بذورا في الحقل، أي وضع شرا في قلوب بعض البشر، فابتعدوا عن الله ولم يعطوا ثمارًا صالحة.

فسألوه: هل ينزعوا نباتات الزوان من بين الحنطة، أي يحكموا بالهلاك على الأشرار الذين في العالم؟

 

ع29: رفض الله نزع الزوان، لئلا يضروا بنبات القمح الأصلى، بالإضافة إلى أن إهلاك الأشرار يُفقدهم الفرصة الكافية للتوبة، وقد يخيف أو يزعج أولاد الله، لأنهم يرون في إلههم الحب والحنان. فإن أهلك الأشرار كلهم، يرتعبون ويعجزون عن التوبة والجهاد بسبب الخوف الشديد. فبطرس الناكر تاب وصار كارزا، ومتى العشار صار تلميذا، وبولس -شاول- عدو المسيحية اللدود، صار خادما لها، فشرّفته بلقب “الرسول”. لذا لم ينزع الله الزوان، لعله بالتوبة يتحول إلى حنطة.

إذن الأشرار نوعان: نوع مُصِرٌّ على شره وهذا سيهلك، والنوع الآخر سيتوب ويخلُص. فلا ننزع الزوان لئلا ننزع الحنطة معه، أي أولاد الله الذين سقطوا في الخطية وصار شكلهم كالزوان، ولكنهم سيتوبون ويعودوا يعطون ثمارًا صالحة، أي يصيروا حنطة جيدة.

† انتهز فرصة الحياة لتتوب وتُلقى عنك بذور الزوان، فيصير لك ثمار صالحة وحياة نقية مع الله.

 

ع30: أمر الله أن تأخذ كل النباتات فرصة كاملة للنمو، لِيُمْتَحَنَ الأبرار برفضهم شرور الأشرار المحيطين بهم، ولعل الأشرار يستنيرون بنور الأبرار ويتوبوا ويرجعوا إلى الله.

ولكن، إن أصر الأشرار على شرهم، فبعد الموت يلاقون مصيرا فظيعا، وهو العذاب الأبدي الذي يُلقون فيه كحزم (جماعات). فكما اجتمعوا في الشهوات الرديئة في العالم، يستمرون معا في العذاب الأبدي. أما الأبرار فيُجمعون إلى مخزن الله، أي ملكوته، لينعم كل واحد بعشرة الله، كل حسب تعبه وثماره.

(5) مَثَلاَ حبة الخردل والخميرة (ع 31-33):

31 قَدَّمَ لَهُمْ مَثَلًا آخَرَ قَائِلًا: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ حَبَّةَ خَرْدَل أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقْلِهِ، 32 وَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ الْبُزُورِ. وَلكِنْ مَتَى نَمَتْ فَهِيَ أَكْبَرُ الْبُقُولِ، وَتَصِيرُ شَجَرَةً، حَتَّى إِنَّ طُيُورَ السَّمَاءِ تَأْتِي وَتَتَآوَى فِي أَغْصَانِهَا». 33 قَالَ لَهُمْ مَثَلًا آخَرَ: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ خَمِيرَةً أَخَذَتْهَا امْرَأَةٌ وَخَبَّأَتْهَا فِي ثَلاَثَةِ أَكْيَالِ دَقِيق حَتَّى اخْتَمَرَ الْجَمِيعُ».

 

ع31-32: حبة الخردل: هى أصغر الحبوب، ولكن بدفنها في الأرض، تحاط بالظلمة والتراب، وتحتمل هذا. ورغم ضعفها الظاهر، يعمل فيها الروح القدس فينميها، وتصير شجرة عظيمة أكبر من أشجار باقي البقول زميلاتها. ومن كبرها، تستطيع الطيور أن تجد فيها مكانا لأعشاشها.

وترمز حبة الخردل للمسيحي أو المسيح الذي يحتمل الآلام والموت، فتصير له حياة عظيمة في السماء. وباحتمال الألم وحمل الصليب، ترتفع أفكار الإنسان وتصير سمائية مثل الطيور السابحة في السماء.

وترمز حبة الخردل لبشارة الإنجيل، والكنيسة التي بدأت كجماعة صغيرة داخل اليهودية، وخلال سنوات انتشرت في العالم كله، واحتوت نفوس كثيرة آمنت وصارت تسبح الله مثل الطيور.

إن حبة الخردل مثل الإيمان الذي يُمتحن في الضيقات، فينمو ويصير شجرة عظيمة.

 

ع33: المرأة: ترمز للكنيسة التي تخبئ الخميرة، أي المسيح، فبتجسده يحيا في وسطنا، فيحول الدقيق الذي هو البشرية إلى مؤمنين نشطين روحيا، يؤثرون في غيرهم ويجذبونهم للإيمان.

“ثلاثة أكيال”: تشير للروح والنفس والجسد، أي المسيح عندما أخذ طبيعتنا البشرية، ارتفع بنا إلى طبيعة روحية بفدائه وعمل روحه القدّوس فينا.

وقد ترمز المرأة إلى اليهود الذين صلبوا المسيح، وهكذا بموته ودفنه، جدد الطبيعة البشرية لتحيا معه.

كما يمكن أن ترمز المرأة إلى الله الذي وضع الخميرة أو الكنيسة في العالم، أي الدقيق، فجذبت النفوس للإيمان، وانتشرت في المسكونة كلها بهدوء ومحبة.

† احتفظ بكلمة الله داخلك، وطبقها في حياتك لتعمل فيك وتغير أفكارك وسلوكك، وداوم على التأمل فيها ليستمر تجديد حياتك. وحينئذ ستؤثر فيمن حولك دون أن تشعر، وتجذبهم للحياة مع الله.

(6) التعليم بالأمثال (ع 34-35):

34 هذَا كُلُّهُ كَلَّمَ بِهِ يَسُوعُ الْجُمُوعَ بِأَمْثَال، وَبِدُونِ مَثَل لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُهُمْ، 35 لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ: «سَأَفْتَحُ بِأَمْثَال فَمِي، وَأَنْطِقُ بِمَكْتُومَاتٍ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ».

 

ع34: في هذا الوقت، كانت تعاليم المسيح كلها بأمثال. أما قبل هذا أو بعد ذلك، فكانت تعاليمه مباشرة، أي أنه استخدم كل طرق التعليم.

 

ع35: “النبي”: أي الرائى، وهو آساف.

“مكتومات”: تدابير الله الروحية لخلاص الإنسان، والتي كان صعبا على الإنسان أن يفهمها من أجل خطاياه، فيعلنها المسيح في العهد الجديد، وهي محبته للبشرية والتي في قلبه منذ أسس العالم وخلق الإنسان.

تعوّد متى أن يؤكد كلامه بنبوات، لأنه يخاطب اليهود العارفين بالكتب المقدسة؛ وقد قال الله هذا في (مز 78: 2) “أفتح بمثل فمى، أذيع ألغازا منذ الْقِدَمِ”.

† محبة الله لك كبيرة جدًا منذ الأزل، ويريد أن يعلنها لك إن كنت تفتح قلبك وتهتم بأن تسمعه. وتستطيع ذلك من خلال سعيك نحوه بقراءة الكتاب المقدس، والارتباط بالكنيسة، وسماع العظات الروحية، واهتمامك أن تتعلم من الكل وخاصة الآباء والإخوة الروحيين.

(7) تفسير مثل زَوان الحقل (ع 36-43):

36 حِينَئِذٍ صَرَفَ يَسُوعُ الْجُمُوعَ وَجَاءَ إِلَى الْبَيْتِ. فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «فَسِّرْ لَنَا مَثَلَ زَوَانِ الْحَقْلِ». 37 فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «اَلزَّارِعُ الزَّرْعَ الْجَيِّدَ هُوَ ابْنُ الإِنْسَانِ. 38 وَالْحَقْلُ هُوَ الْعَالَمُ. وَالزَّرْعُ الْجَيِّدُ هُوَ بَنُو الْمَلَكُوتِ. وَالزَّوَانُ هُوَ بَنُو الشِّرِّيرِ. 39 وَالْعَدُوُّ الَّذِي زَرَعَهُ هُوَ إِبْلِيسُ. وَالْحَصَادُ هُوَ انْقِضَاءُ الْعَالَمِ. وَالْحَصَّادُونَ هُمُ الْمَلاَئِكَةُ. 40 فَكَمَا يُجْمَعُ الزَّوَانُ وَيُحْرَقُ بِالنَّارِ، هكَذَا يَكُونُ فِي انْقِضَاءِ هذَا الْعَالَمِ: 41 يُرْسِلُ ابْنُ الإِنْسَانِ مَلاَئِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ الْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي الإِثْمِ، 42 وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ. 43 حِينَئِذٍ يُضِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ.

“البيت”: غالبًا بيت سِمعان بطرس.

“تلاميذه”: الاثنا عشر مع الملتصقين به.

“ملكوته”: أي العالم الذي خلقه الله ليملك عليه، ولكن الأشرار رفضوا ملكه.

“المعاثر وفاعلى الإثم”: الأشرار الذين بشرهم يعثرون غيرهم ويسقطونهم في الشر.

“أتون النار”: العذاب الأبدي المعد للأشرار.

“البكاء وصرير الأسنان”: يعني الندم الذي لا ينتهى، والغيظ والألم الذي يعانونه في العذاب الأبدي.

“كالشمس”: أي في بهاء ومجد ونورانية.

“ملكوت أبيهم”: الملكوت الأبدي الذي يتمتع فيه أولاد الله بعشرة أبيهم السماوي.

طلب التلاميذ من المسيح أن يفسر لهم مثل زَوان الحقل، ففسره لهم، لأن العطايا الروحية لا تُعطَى إلا لمن يهتم بها ويسألها من الله، أما العطايا المادية فالله يعطيها للكل، فهو المشرق شمسه على الأبرار والأشرار. وأولاد الله يضيئون كالشمس أو الكواكب في ملكوت الله، أبوهم السماوي الذي أحبوه وثبتوا في الإيمان به طوال حياتهم، فهو يضىء عليهم بنوره، ويمجدهم في السماء.

راجع تفسير المثل (ع 24-30) لاستكمال المعنى.

(8) مَثَلاَ الكنز المُخْفَى واللؤلؤة الكثيرة الثمن (ع 44-46):

44 «أَيْضًا يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ كَنْزًا مُخْفىً فِي حَقْل، وَجَدَهُ إِنْسَانٌ فَأَخْفَاهُ. وَمِنْ فَرَحِهِ مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَاشْتَرَى ذلِكَ الْحَقْلَ. 45 أَيْضًا يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا تَاجِرًا يَطْلُبُ لآلِئَ حَسَنَةً، 46 فَلَمَّا وَجَدَ لُؤْلُؤَةً وَاحِدَةً كَثِيرَةَ الثَّمَنِ، مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَاشْتَرَاهَا.

الأمثال الثلاثة الآتية، قالها المسيح لتلاميذه ومحبيه المقرّبين في البيت؛ أما الأربعة السابقة فكانت لكل الجموع. والسبب في ذلك، أن الثلاثة الأخيرة تدعو الإنسان الروحي لترك انشغالات العالم من أجل محبة الله، ثم تشجعه بالمكافأة السمائية في المثل الأخير. فهي أمثال تخاطب أولاد الله المرتبطين بكنيسته، وليس العالم كله.

 

ع44: الكنز: يرمز للمسيح الذي في الكتاب المقدس.

الحقل: يرمز للكتاب المقدس.

“من فرحه”: التعزيات الروحية التي ينالها الإنسان من خلال الممارسات الروحية، والتي تدفعه إلى أن يتنازل عن كل شيء ليظل متمتعا بهذا الإحساس الروحي.

ولكيما نقتنى الكتاب المقدس في قلوبنا، ونحيا به، ونتمتع بالمسيح الذي فيه، ينبغي أن ننزع من قلوبنا تعلقاتنا المادية، ونكون مستعدين للتنازل عن أي شيء منها، وبهذا نتشبّه بيوسف الذي ترك ثوبه في يد امرأة سيده، وقَبَلَ أن يُلقَى في السجن، فارتفع إلى عرش مصر وصار له الغنى والسلطان، بل وزع الخيرات على العالم كله المحيط به.

والحقل يرمز أيضًا للمسيح، والكنز لكلماته العميقة التي يفهمها المؤمن الخاضع للروح القدس، وهو الذي لا يتعلق بالعالم وكل مقتنياته، فتتفرغ روحه لفهم الله، وبهذا يملك الله على القلب، ويكون للمؤمن نصيب في ملكوت السماوات.

 

ع45-46: اللؤلؤة الوحيدة الكثيرة الثمن هي محبة المسيح، وهذا التاجر هو الإنسان الروحي الذي يبحث عن الحق، ويحاول اقتناء اللآلئ، أي الفضائل. ولكن محبة المسيح تفوق كل فضيلة، وبالطبع، تفوق كل مقتنيات العالم، وكذلك كل الشهوات المادية مهما بدت مبهرة. ومن كثرة انبهاره بمحبة المسيح، يتنازل عن كل ما في العالم ويعتبره نفاية، لكيما يربح المسيح. وحينئذ، يملك على قلبه عربونا للملكوت الأبدي.

† لا تنشغل بأمور العالم واحتياجات الجسد والمغريات المختلفة عن خلاص نفسك، بل أعطِ أولوية لعلاقتك بالله، وإن تعارضت الأمور العالمية مع حياتك الروحية، فكن قويا وتنازل عنها لتنال خلاص نفسك، وتنعم بخدمة الآخرين لتربحهم بالمحبة للمسيح.

(9) مثل الشبكة المطروحة في البحر (ع 47-50):

47 أَيْضًا يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ شَبَكَةً مَطْرُوحَةً فِي الْبَحْرِ، وَجَامِعَةً مِنْ كُلِّ نَوْعٍ. 48 فَلَمَّا امْتَلأَتْ أَصْعَدُوهَا عَلَى الشَّاطِئِ، وَجَلَسُوا وَجَمَعُوا الْجِيَادَ إِلَى أَوْعِيَةٍ، وَأَمَّا الأَرْدِيَاءُ فَطَرَحُوهَا خَارِجًا. 49 هكَذَا يَكُونُ فِي انْقِضَاءِ الْعَالَمِ: يَخْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَيُفْرِزُونَ الأَشْرَارَ مِنْ بَيْنِ الأَبْرَارِ، 50 وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ».

هذا هو المثل السابع والأخير في كلام المسيح أثناء ذلك اليوم، وتحدث عن صيد السمك، إذ أن بعض تلاميذه كان عملهم هو صيد السمك، فيسهل عليهم فهم ما يقصده.

الشبكة المطروحة: هى المسيح أو الكنيسة التي تدعو الكل للإيمان، فيدخل فيها مؤمنون من العالم كله، إذ يجدون فيها الخلاص من الشر.

“البحر”: يرمز للعالم المملوء بالاضطراب والشرور، ويحيا فيه أيضًا أولاد الله.

“جامعة من كل نوع”: ترحب الكنيسة بكل الناس الذين يؤمنون رغم اختلاف طباعهم، لكن بعضهم صادقون في الإيمان، والآخرين مراءون يكتفون بالمظاهر الدينية ولم يتوبوا عن خطاياهم بالحقيقة.

ويعيش الكل طوال عمرهم في الكنيسة دون أن يفرزهم الله، ليعطى فرصة كاملة لتوبة الأشرار وثبات الأبرار.

“لما امتلأت”: أي عند انتهاء عمر البشرية ومجىء يوم الدينونة.

“أصعدوها على الشاطئ”: أي ارتفعت كل الأرواح لتدان أمام الله في اليوم الأخير.

“جلسوا “: أي جلس الله الديّان العادل ومعه ملائكته ليدين كل البشر.

“الجياد”: أي الأبرار الذين ثبتوا في الإيمان والقداسة كل أيام حياتهم.

“أوعية”: المنازل العظيمة في المجد، الموجودة في ملكوت السماوات، والمعدة لأولاد الله.

“الأردياء”: الأشرار الذين تظاهروا بعلاقتهم مع الله، مع تهاونهم وإصرارهم على الخطية.

“خارجا”: أي خارج الملكوت السماوي الأبدي.

† إن العمر فرصة للتوبة لتثبت في بنوتك لله، فلا تنزعج من كثرة سقطاتك، ولكن المهم التوبة السريعة. وفي نفس الوقت، حاول أن تتمتع بوسائط النعمة في الكنيسة، لتعوّض ما فاتك وتتقوَّى وتثبت في الحياة الروحية.

(10) الكاتب المتعلم (ع 51-53):

51 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَفَهِمْتُمْ هذَا كُلَّهُ؟» فَقَالُوا: «نَعَمْ، يَا سَيِّدُ». 52 فَقَالَ لَهُمْ: «مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كُلُّ كَاتِبٍ مُتَعَلِّمٍ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلًا رَبَّ بَيْتٍ يُخْرِجُ مِنْ كَنْزِهِ جُدُدًا وَعُتَقَاءَ». 53 وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هذِهِ الأَمْثَالَ انْتَقَلَ مِنْ هُنَاكَ.

 

ع51: تأكد المسيح من فهم تلاميذه لأمثاله، حتى يطبقوها في حياتهم.

 

ع52: أوضح المسيح لتلاميذه كيف يكونون كتبة متعلمين بالحقيقة، كلمة الله، وليس مثل الكتبة اليهود المهتمين بنسخ الأسفار المقدسة بعناية وتدقيق في الحرف، وليس العمل بها.

فشبّه الكاتب الروحي، المتعلم كلام الله، بإنسان له بيت وهو حياته المعتمدة على كلمة الله، ويُخرج من الكتاب المقدس معاني مفيدة، سواء من الجُدُدِ (العهد الجديد) أو الْعُتَقَاءِ (العهد القديم)، ليحيا بها، وترشده في حياته مع الله.

 

ع53: بعدما أكمل تعاليمه للجموع وتلاميذه بهذه الأمثال، ترك المكان، وذهب إلى موضع أخر ليكمل الكرازة.

† اهتم بقراءة الكتاب المقدس بعهديه، لتحصل على معاني روحية تطبقها في حياتك كل يوم… بهذا تعتنى بخلاص نفسك، ثم يكون لك مما اختبرته ما تعلم به آخرين.

(11) الكرازة في وطنه (ع 54-58):

54 وَلَمَّا جَاءَ إِلَى وَطَنِهِ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي مَجْمَعِهِمْ حَتَّى بُهِتُوا وَقَالُوا: «مِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ الْحِكْمَةُ وَالْقُوَّاتُ؟ 55 أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ، وَإِخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا؟ 56 أَوَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ جَمِيعُهُنَّ عِنْدَنَا؟ فَمِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ كُلُّهَا؟» 57 فَكَانُوا يَعْثُرُونَ بِهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إِلاَّ فِي وَطَنِهِ وَفِي بَيْتِهِ». 58 وَلَمْ يَصْنَعْ هُنَاكَ قُوَّاتٍ كَثِيرَةً لِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ.

 

ع54: جاء يسوع إلى مدينة الناصرة حيث تربَّى، فهو أحد مواطنيها، ودخل مجمعهم اليهودي وعلّم تعاليمه القوية، فتعجبوا جدًا من قوة كلامه ومعجزاته.

† جيد للإنسان أن يهتم بالرعاية الروحية لأسرته وأقربائه، وحتى لو كان هذا صعبا لرفضهم كلامه، فيمكن أن يقدم هذه الرعاية بالصلاة لأجلهم، والتعليم الغير مباشر مثل التحدث عما سمعه في عظات الكنيسة أو قراءة في الكتاب المقدس والكتب الروحية. وإن كان له دالة، فليتحدث حديثا مباشرا، وإن لم يكن، يمكن توصية بعض خدام الكنيسة أو الأحباء المرتبطين بالروحيات لجذبهم إلى الله.

 

ع55-56: تعجُّب اليهود لم يدفعهم إلى الإيمان، بل اكتفوا بالتعجب فقط، إذ هم يعرفون أصله أنه ابن مريم ويوسف النجار، ويعرفون أيضا أولاد وبنات خالته المذكورة أسماؤهم… أبناء مريم أخت العذراء زوجة كِلُوبَا، وكان العرف اليهودي يعتبر أولاد الخالة و أولاد العم إخوة (كما هو معروف الآن في صعيد مصر). فلم يتخيلوا أن المسيا المنتظر سيكون شخصا عاديا يخرج من وسطهم، مع أن النبوات تعلن هذا بوضوح.

 

ع57-58: من أجل انحصار ذهنهم في أصله البشرى وأقاربه، لم يستطيعوا الإيمان بلاهوته. وكان هناك مثلًا شائعًا عندهم بأن النبي بلا كرامة في وطنه، فلمعرفتهم بأصله تعوّدوا أن يعاملوه كإنسان عادي وليس متميزًا.

ومن أجل ضعف إيمانهم، لم يصنع إلا معجزات قليلة عندهم، لأنهم لن يصدقوه.

† الله مستعد أن يعمل في حياتك بحسب إيمانك وتمسكك به وطلبك له، فافتح قلبك بالتلمذة والتعلم على يد من حولك، ولا تستهن بأحد أفراد أسرتك أو معارفك، فقد يكون الصورة الإلهية التي يقدمها لك الله ببساطة وسهولة، لتتعلم منه، حتى لو كان طفلك الصغير، أو أي إنسان ذو مركز قليل.

زر الذهاب إلى الأعلى