كيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره
“كيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره” (عب ۳:۲)
نلاحظ في العهد الجديد أن نماذج المسيح لدعوة الخطاة للتوبة تخلو جميعاً من عنصر التوبيخ والتهديد والتأنيب ، والتي كانت عنصراً أساسياً في دعوة الخطاة قديماً . مما يدل على أنه قد حدث تغيير جوهري في قضية توبة الخطاة شكلاً وموضوعاً:
فمن جهة الشكل ، نجد أن الله الداعي إلى التوبة يحمل صفتين ، صفة الديان ، وصفة المحامي في ذات الوقت : “من هو الذي يدين ، المسيح .. الذي أيضا يشفع فينا” ( رو 8 : 34 ) . من أجل هذا نرى أن الاتهام والتوبيخ والتأنيب للتوبة ، التي كانت عمل الديان ، سقطت من تلقاء نفسها ؛ لأن الديان أصبح هو نفسه الذي يشفع في الخطاة .
وأما من جهة الموضوع ، أي من جهة الخاطئ نفسه ، فتوبته أصبحت ليست قائمة على أساس احتياجه إلى تبرئة ، لأن تبرئة جميع الخطاة قد تمت مرة واحدة بموت المسيح ، والتبرئة حدثت وتمت للجميع . فهنا المسيح الشفيع لا يشفع بالكلام ولا بواسطة استعطاف ؛ وإنما بسفك دمه ، بآلامه وتحمله لعنة الصليب وتذوقه الموت كاملاً ، وهذه كلها هي عقوبة الخطيئة بكل نتائجها .
إذن ، فعودة الخاطئ وتوبته لم تعد تحتمل في العهد الجديد أي توبيخ أو تأنيب أو ملامة ، لأن المسيح : « أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها .. وهو مجروح لأجل معاصينا .. ( إش ۵:۵۳ ) .
لقد حدث تغيير جوهري في تدبير الله من جهة توبة الإنسان بسبب تجسد وموت المسيح ، إذ جعل طريق التوبة سراً إلهيأ ينطق بفضل الله ولطفه ولكن أمام هذا الفضل الإلهي ولطف المسيح لا يسعنا إلا أن نحترس ونخاف ، لأنه : “كيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره” .
من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين